نايف ولياً لعهد..

الأمراء المهمّشون وفشل الرهان على ملك ضعيف

محمد قستي

بسهولة بالغة أصبح الأمير نايف ملكاً.

فقد توفي الأمير سلطان في 22/10/2011، وتوقّع الجميع أن انتقال السلطة (الخلافة) سيكون أكثر تنظيماً، وعلى أسس أكثر تقعيداً ووفق إجماع عائلي لم يحظ به من قبل.

كل هذا بُني على أساس أن هناك هيئة للبيعة تم تأسيسها عام 2006 ستتولى اختيار ولي العهد الجديد، وقد جرى اختبارها فعلاً ولأول مرة، مع موت سلطان ولي العهد، وتعيين بديل له.

في النظام الأساسي للحكم، والذي صدر في عهد الملك فهد عام 1992، فإن اختيار ولي العهد هو شأن من شؤون الملك، على أن يختار (الأصلح) من آل سعود، ما يعني أنه يمكن تجاوز (الأكبر سنّاً).

لكن نظام هيئة البيعة ألغى (الأصلح) وأعطى مجلس العائلة سلطة اختيار ولي العهد.

الذي حدث في تعيين الأمير نايف، وزير الداخلية، لولاية العهد لم يكن سوى تكرار ممل للتجربة السابقة.

استدعى الملك عبدالله أعضاء هيئة البيعة بعد مواراة سلطان الثرى، وقال للحاضرين: (أبي ـ أي أريد ـ نايف ولياً للعهد، أيش رأيكم؟). تفاجأ الأمراء الحضور من السؤال، والذي كان يجب أن يكون: (من تريدون من الأمراء ليكون وليّاً للعهد؟). لكن سؤال الملك بالطريقة التي وضعها، جعل الجميع يجفل ويصمت حتى لا يخالف رغبته، فلم يردوا بالإيجاب أو السلب.

ولأن السكوت دلالة الرضا، كما في الأمثال العربية!، قال الملك موجهاً كلامه لنايف: (الأخوان ما عندهم مانع. خلاص صرت ولياً للعهد!).

طلال بن عبدالعزيز: انهيار الآمال

ثم التفت الى الأمراء وقال لهم: قوموا بايعوا!

وانتهى الحفل الى تنصيب نايف.

نُقل عن الأمير طلال قوله، بأن هناك من الخبثاء من اقترحوا على الملك أن يبدأ الجلسة بسؤاله ذاك، كوسيلة لتفادي طرح أمراء آخرين منافسين لمنصب ولاية العهد.

وعموماً، فإن هيئة البيعة ـ وبالنظر الى التجربة الأولى والوحيدة التي مرت بها ـ توضح بما لا يدع مجالاً للشكّ بأنها في أدنى الأحوال لم تقدّم مشاركة حقيقية في اختيار ولي العهد؛ فضلاً عن أنها فقدت قوتها بمجرد أن أعلن الملك في 27/3/2009 تعيين نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، اي ليكون تلقائياً الرجل الثالث في الدولة، وبالتالي ولي العهد الوحيد المطروح. ويومها غضب الأمير طلال والأمير متعب وآخرون من ذلك التعيين، وهو الذي قاد بالفعل لاحقاً لأن تكون جلسة هيئة البيعة لاختيار ولي العهد بعد وفاة سلطان، بلا طعم، وتكون مهمتها البصم على ما يقرره الملك.

في المحصلة، فإن طريقة تعيين نايف ولياً للعهد، لم تخرج عن الطريقة الأولى التي تضمنها النظام الأساسي قبل أن يغيرها، وهو أن الملك يختار ولي العهد، وليس أعضاء هيئة البيعة.. وبالتالي فإن الغرض الأساس من إشراك أمراء العائلة المالكة الكبار أو من يمثلهم في اختيار ولي العهد، لم يتحقق، وعدم التحقق يعني أن الطريقة المبتدعة لم تنجح في زيادة نسبة مشاركة الأمراء المهمشين في السلطة، كما لم تقلّص نسبة السخط لديهم على استفراد بضعة أمراء بها، وبما يتبعها من استحواذ شبه مطلق على الثروة أيضاً.

لماذا كان دور هيئة البيعة هامشياً؟

هل هو الإنصياع لرغبة الملك في نايف، رغم ما هو معروف من كره الملك عبدالله له؟

أم هي التسويات السابقة لاجتماع هيئة البيعة بحضور الملك، بحيث قام الأمير نايف وأشقاؤه بتقديم رشاوى مالية كبيرة أو وعود بتولية إخوته المعارضين أو أبنائهم مناصب في الدولة؟

أم أن هناك أسباباً طارئة، كأن يكون هناك دور أمريكي في ترجيح نايف على غيره، كما يقول البعض؟

أم هي متطلبات السياسة المحلية في ظل تموّجات الوضع الإقليمي والعربي بسبب الثورات المتصاعدة وما يمكن أن تؤثره على الوضع المحلي، فاقتضت الحكمة تعيين الشخص الشديد في الموقع المناسب؟

بنظرنا، فإن السبب الرئيس لأن يصبح نايف ملكاً، هو رجحان قوّته وقوّة أشقائه على الأرض.

بمعنى آخر، إن تعيين نايف ولياً للعهد، ما هو إلا انعكاس لتوازنات القوى السياسية بين أذرع وأجنحة العائلة المالكة.

أي أن الجناح السديري الذي ينتمي اليه نايف، كما ينتمي اليه سلطان ولي العهد المتوفى، وكذلك الأمير سلمان وغيرهم، هو من الناحية الفعلية الممسك بتلابيب الدولة وأجهزتها منذ سنوات طويلة، وبيده مصادر القوة العسكرية: وزارة الدفاع؛ والأمنية: وزارة الداخلية، فضلاً عن الهيمنة على مؤسسات الدولة الأخرى في المجمل.

متعب: احتجاج الضعفاء

لهذا السبب، كان جميع المراقبين المحليين والأجانب يتوقعون أن يتولى نايف ولاية العهد، تأكيداً لسيطرة جناحه على السلطة عمليّاً. في حين أن المنافسين المفترضين غير موجودين في السلطة أساساً، أو هم مهمّشون على أطرافها، أي أنهم مشاركون دونيّون فيها. ولم يكن متوقعاً من هؤلاء الضعفاء، أن يواجههوا خصماً شرساً ومنافساً مسيطراً كنايف، وينجحون في ذلك.

نعم.. منذ أن تولّى الملك عبدالله الحكم عام 2005، توقّع كثيرون (إمكانيّة) تعديل مسار ولاية العهد، وتفكيك الهيمنة المطلقة للجناح السديري على السلطة. وحتى قبل وصول الملك عبدالله الى كرسي الملك، هناك من الأمراء المهمشين من انضموا اليه، على أمل أنه حين يصل الى الزعامة، فإنه سيكون قادراً على مواجهة العصبة السديرية، وفرض التغيير عليها، أو إضعافها بصورة أو بأخرى، إما اعتماداً على مبدأ أن الأكبر في السن هو الأولى بالمنصب؛ أو اعتماداً على أن الملك القوي بما لديه من صلاحيات يستطيع أن يختار ولياً للعهد من بين حلفائه من أخوته المهمّشين.

بقيت هذه الآمال كبيرة.. فالملك عبدالله لم يعيّن نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. وقيل يومها بأن الملك قادر على إلغاء هذا المنصب من الناحية العملية. ثم إن تلكؤه في التعيين، فُهم منه أنه لا يريد الأمير نايف. وزادت الآمال حين أسّس الملك هيئة البيعة عام 2006، ما عنى أنه أعطى جحفلاً من الأمراء المهمشين من أبناء الملك عبدالعزيز أو من حفدته، دوراً في اختيار الملك القادم.

لكن هذه الآمال العريضة انهارت تلقائياً، وربما دفعة واحدة، حين أصدر الملك عبدالله أمراً في 27 مارس 2009 يقول فيه: (يُعين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء). هذا أصاب الأمراء المعارضين لعصبة السديريين السبعة (كانت تتكون من سبعة اشقاء، هم: فهد، وسلطان، وتركي، وعبدالرحمن، ونايف، وسلمان، وأحمد) بالذهول الممتزج بالغضب والألم. بعضهم ـ كالأمير متعب وزير الشؤون البلدية يومها ـ قرر مقاطعة مجلس الوزراء، واستمر في ذلك نحو عام كامل، الى أن طلب إعفاءه، وتعيين ابنه منصور وزيراً بدلاً منه.

أما الأمير طلال بن عبدالعزيز، فأصدر بياناً بمناسبة تعيين نايف في اليوم التالي، نشرته الوكالة الفرنسية وعدد من الصحف والمواقع الخليجية والسعودية قال فيه: (جرت العادة في المملكة السعودية أن يصبح النائب الثاني وليا للعهد بصورة تلقائية، وهذا الترشيح الأخير للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء سيعطي الانطباع بأنه سوف يصبح وليا للعهد تلقائيا. وبالتالي، فإنني أنادي بأن يقوم الديوان الملكي بتوضيح ما عناه بهذا الترشيح وأن ذلك لا يعني أنه سيصبح وليا للعهد. فنظام البيعة هو المسؤول عن ذلك. وأكرر، ومع كل التقدير والاحترام للملك عبد الله، فإنه لا بد من أن يكون هناك بيان يوضح فيه مغزى هذا المرسوم وأنه ليس سوى ترشيح إداري).

لم يصدر البيان الملكي توضيحاً، ولا شرحاً، فاستقرّ الأمر على أن نايف سيصبح ملكاً، وقد مارس دور الملك في ظل ضعف الملك عبدالله ومرضه، وكذلك في ظل غياب الأمير سلطان ولي العهد مدة 4 سنوات قبل أن يتوفى.

الآن، اكتشف الجميع أن الملك عبدالله شخصية ضعيفة، وأن الآمال التي علّقت عليه من قبل الأمراء بشأن توزيع عادل للسلطة بينهم، أو تلك التي علقت عليه من قبل الشعب للقيام بإصلاحات سياسية، إنما كانت آمالاً كاذبة، كون الرجل كما حاشيته ضعفاء، ولأن الملك كان مهتماً بأن يحصل أعقابه من الأبناء والحفدة على مواقع كبيرة في الدولة. اي أنه بدا مهتماً بأبنائه، وليس بإخوانه. ولذا فقد عيّن عدداً من أولئك الأبناء على رأس المواقع انتظاراً للمستقبل، مبقياً الحرس الوطني أداة دعم أساس لمستقبلهم السياسي.

لربما أخطأ الأمراء المهمشون في تعليق الآمال على الملك، وعلى قدراته المتواضعة. فبمثل شخصيته لا يمكن تغيير مسار التاريخ، ولا تجاوز معادلات وتوازنات القوى على الأرض.

الصفحة السابقة