نايف في أمريكا للعلاج

(ملك الموت) يضيف مشاكل جديدة للعائلة المالكة!

عمر المالكي

لم تهدأ بعد عاصفة وراثة العرش في مملكة آل سعود، منذ أن توفي ولي العهد، وزير الدفاع والطيران، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، في اكتوبر الماضي. اجتمع أعضاء مجلس هيئة البيعة (أبناء الملك عبدالعزيز أو ممثل من أبنائهم عنهم) مع الملك عبدالله، ليناقشوا من ستؤول اليه (البيعة!!) التي لم يحضرها لا مشايخ ولا شعب! لم يكن هناك نقاشاً اصلاً، بل لم يكن هناك سوى مرشح واحد هو الأمير نايف. قال الملك لهم: أنا أبي نايف، وش رايكم (أريد نايف فما هو رأيكم)؟ صمتوا، فوجه كلامه الى نايف: الاخوان ما عندهم مانع، قم خلاص صرت ولياً للعهد!

لم يفصح الإخوة والأشقاء ممن يكبرونه سنّاً أو حتى يكرهونه عن مكنوناتهم، واعتراضاتهم. لا الأمير طلال ولا بندر ولا متعب ولا عبدالرحمن ولا تركي ولا مشعل قالوا كلمة واحدة. متعب ـ وكان وزيراً للبلديات ـ قرر الإستقالة حتى قبل أن يصبح نايف ولياً للعهد، أي بمجرد أن عيّنه الملك نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ما جعل متعب يغيب عن جلسات مجلس الوزراء اعتراضاً على ذلك القرار، الذي عنى له أنه تعيين لنايف لولاية العهد، وأن هيئة البيعة التي شكلها الملك عبدالله في عام 2007 لتختار ولي العهد، مجرد اسم بلا مضمون.

عبدالرحمن، شقيق نايف، ويكبره سنّاً، وهو نائب وزير الدفاع، أُقيل بمجرد أن أصبح نايف ولياً للعهد!

طلال الذي كان يؤمّل كثيراً تقليص سلطة الجناح السديري في الحكم، خاب رهانه، وفشل في تحويل مسار الخلافة الى الأكبر سنّاً او على الأقل الى مرشح توافقي بين أبناء عبدالعزيز. وعلامة على الفشل: إعلانه انسحابه واستقالته من مجلس هيئة البيعة، وذلك عبر موقعه الإلكتروني في ديسمبر الماضي.

أما إرث ولي العهد سلطان المالي فقد تمّ تقاسمه في حياته بين أبنائه وبناته، وفيما يتعلق بوراثة مناصبه السياسية فقد تمّ أيضاً تقاسمها بين أمراء الجناح السديري نفسه؛ بحيث أصبح أمير الرياض سلمان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع، وأصبح خالد بن سلطان نائباً له؛ وفُصلت هيئة الطيران عن وزارة الدفاع، لصالح أمير آخر.

لكن الأمور لم تهدأ بتعيين نايف ولياً للعهد. فالصراع بين الأمراء أصبح محسوساً لدى عامة الشعب أكثر من أي وقت مضى، عدا فترة الصراع بين الملك سعود وأخيه فيصل في الستينيات الميلادية الماضية. يقرأ المواطنون تصريحات للأمراء والأميرات فيها رسائل موجهة وانتقادات مبطّنة حيناً ومكشوفة حيناً آخر، تبيّن أنهم لا يقبلون ولن يقبلوا بأن يكون نايف ملكاً على البلاد، كبعض تصريحات الأمير طلال الأخيرة.

نايف: ضحاياه كثر؛ ويدعون عليه بالهلاك!

البيت السديري منشقّ على نفسه، وليس فقط البيت السعودي، وهناك حاجة الى شخص تجمع عليه العائلة المالكة غير الأمير نايف، المكروه شعبياً (عدا عند متطرفي السلفية).

والبيت السعودي يمرّ اليوم بامتحان في الشرعية، وبتحفّز من الشارع الناقم على سياسة الأمراء، وهو متأثر بالربيع العربي، ويطمح نحو التغيير.

وال سعود ـ برغم ما لديهم من إمكانات مالية ضخمة ـ لم يستطيعوا استخدامها في تجديد شرعية حكمهم، ولا في تنظيم وراثة الملك، ولا في البدء بإصلاحات سياسية معقولة، ولا في تنفيس الضغط الناجم عن اعتقال عشرات الألوف من المواطنين المعارضين، والناشطين الحقوقيين والسياسيين.

ويعيش النظام في هذا الوقت محنة أيضاً في إعادة سيطرته على الأوضاع في الشرقية حيث حقول النفط، وحيث يتظاهر المواطنون رغم الرصاص منذ عام، ورغم سقوط الضحايا، ورغم العقوبات الجماعية. إنها وقفة تحدّ لا تخطئها العين، يراها المواطن في مناطق أخرى فيكتشف خواء النظام وخواء تهديداته.

يمكن أن تنفجر الأوضاع لأي سبب يبدو تافهاً، كما حدث في عرعر، وفي أبها، وفي الطائف، وغيرها.

طوال العام الماضي كانت هناك عشرات وقفات الإحتجاج من طلبة عاطلين عن العمل، ومن خريجي التربية، ومن نساء طالبن باطلاق سراح ذويهن، هذا غير الإضرابات عن العمل من العمال المحليين والأجانب، كما في شركة الإتصالات، وفي المستشفيات، وغيرها، ولاتزال الحالة في ازدياد.

في هذا الظرف السيء، العائلة المالكة مفككة، لم تتفق على شيء واحد، اللهم إلا أن يجمعها عنوان عريض هو: (الحفاظ على ملك آل سعود)! وهذا هدفٌ عام، يختلف في الوصول اليه بين أمير وآخر، كما بين طلال ونايف. احدهما يرى حماية العرش بشيء من الإصلاحات السياسية، والآخر يرى القبضة الأمنية القوية أساس الحماية، وأن الإصلاحات قد تضيّع المُلك الى الأبد!

لم تندمل جراح الإنشقاقات التي سببها موت الأمير سلطان، وإذا بالأخبار تأتي تباعاً:

في بداية فبراير الماضي، أُدخل الأمير نايف المستشفى في جدّة لإجراء عملية قسطرة في القلب وذلك في جو من التكتّم، فضحه المغرّد (مجتهد) والذي يُطلق عليه بأنه (ويكيليكس السعودية) أو (ويكيليكس النجدي) والذي يعتقد البعض أنه أحد الأمراء، وذلك في موقعه على تويتر، حيث تعرّض للأمراء الكبار ونشر الكثير من فضائحهم وسرقاتهم بشكل مدهش وبتفصيل شديد.

عاد مجتهد، وقبل يوم من توجه نايف الى أمريكا للعلاج مباشرة من المغرب، أي في 8 مارس الجاري وكتب في موقعه في تويتر تفاصيل عن وضع الأمير نايف الصحّي: (الأمير نايف يلغي الجزء الباقي من إجازته ويتجه غداً الى مركز القلب في كليفلاند في أمريكا بعد ظهور علامات على احتمال تكرر الأزمة القلبية. وكانت إجازة نايف السنوية يفترض أن تبدأ في أبريل، لكنه قدّمها بسبب حاجته للراحة بعد القسطرة التي اجراها قبل 5 أسابيع وتوجه للمغرب قبل 8 أيام [1/3/2012]. وكان يفترض ان يتوجه نايف بعد راحة في المغرب الى تونس لنشاط رسمي ثم الى جنيف لبعض الفحوصات ثم البهاما لمزيد من الإستجمام. لكن تغير البرنامج فجأة).

وأضاف مجتهد: (والسبب ظهور دلائل على الحاجة لمعاينة طبية في مركز قلب متطور بشكل عاجل، ووقع الإختيار على مركز القلب في كليفلاند في ولاية أوهايو في أمريكا. وقد حذره الأطباء أنه ربما يحتاج قسطرة لتوسيع الشرايين مرة أخرى، بعد التي أجراها في جد قبل 5 أسابيع، وهناك احتمال ضئيل أن تتطور الحاجة لعملية قلب).

وواصل مجتهد في القول: (ويفترض أن يغادر ـ نايف ـ مكان إقامته في المغرب غداً ويصل الى كليفلاند مساءً بتوقيت الولايات المتحدة حيث تجرى له الفحوصات بشكل فوري لتقدير حالته. والترتيب أن لا يُعلن شيء إلا بعد وصوله للولايات المتحدة ويكون إعلاناً هادئاً وكأنه ذهب لبعض الفحوصات. ولا ندري ماذا سيحصل بعد هذا التسريب).

وأخيراً أشار مجتهد الى مسألة استغلال مرض وغياب نايف من طرف مدير مكتب الملك، خالد التويجري، فيقول: (وتؤكد مصادرنا أن خالد التويجري يرقص فرحاً بعد أن صفا له الجو، وينوي استغلال هذا الغياب لنايف والذي قد يطول، وتطول الراحة بعده لأقصى درجة!).

لقد اختبرت معلومات (مجتهد) أكثر من مرة، وكانت في غالبيتها الساحقة دقيقة. وهذه المرّة، كان الأمر متطابقاً. ففي اليوم التالي، صدر بيان من وكالة الأنباء السعودية هذا نصّه:

الرياض 16 ربيع الآخر 1433 هـ، الموافق 9 مارس 2012 م، واس

صدر عن الديوان الملكي اليوم البيان التالي:

//بيان من الديوان الملكي//

وصل بحفظ الله وسلامته هذا اليوم الجمعة 16/4/1433هـ الموافق 9/3/2012م إلى مدينة كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، قادماً من المملكة المغربية، وذلك لإجراء بعض الفحوصات الطبية المجدولة. حفظ الله سمو ولي العهد الأمين في سفره وإقامته، ومتّعه بالصحة والعافية.

// انتهى //

06:40 ت م (توقيت مسائي)

على خطى الأمير سلطان، ولي العهد الراحل، فإن البلاد مرت بمرحلة من الجمود، استمرت لخمس سنوات، هي مدّة مرضه؛ وقد لا يمهل المرض الأمير نايف ولي العهد الجديد ذات المدّة، لكن الأسوأ قد يقع، وهو أن يعجز نايف عن القيام بمهامه، وهو الرجل الأول من الناحية العملية في الدولة؛ خاصة مع وجود ملك مريض هو الآخر، يتجاوز عمره الخامسة والثمانين عاماً، وهو لا يعمل سوى أقل من ساعتين يومياً! بهذه الحال تبقى البلاد جامدة، لا تستطيع أن تتخذ قرارات جوهرية حقيقية في غياب وتعب الكبار؛ وسيكون الوضع أسوأ مما هو عليه من جهة تفكك أجهزة الدولة، بما يشيع الفساد أكثر وأكثر، وبما يضعف الخدمات العامة، ويزيد من الإحتجاجات والنقمات.

الأمير نايف ـ وكما هو معروف ـ مصاب بسرطان اللوكيميا (الدم)؛ كما أنه يعاني من مشاكل في فقرات الظهر، وفي الركبة رغم إجراء عمليات جراحية سابقة. وفي حال استمرّ مرضه في القلب، وهو البالغ من العمر (79 عاماً)، فإن سلطة الأبناء، ستتوسع كثيراً: الأمير سعود، مدير مكتب والده نايف، وأخيه محمد مساعد وزير الداخلية (رغم أنه الرجل الأول فيها حالياً). ومن جهة الملك، فإن ابنه متعب (رئيس الحرس الوطني) يمارس دور الملك في أغلب الأحيان! وهناك صراع محتدم بين ابناء الملوك والأمراء (أبناء العم، اعضاء الجيل الثالث في الأسرة).

لكن أين الأمير سلمان وبقية أبناء عبدالعزيز الأحياء؟ فإذا كانت وراثة سلطان قد سببت مشكلة، فماذا عن وراثة نايف المحتملة؟ وما هو المتوقع لوضع البلاد في هذا الظرف الحساس الذي تعيشه؟

هل سيصبح سلمان ملكاً بين عشية وضحاها؟

وحده الله من يعلم ذلك. ما نعرفه هو أن عبدالله، قبل أن يصبح ملكاً، أراد له السديريون الموت قبل أن يصل الى المنصب، وكان همّ (صانع الملوك) عبدالعزيز التويجري، أن يبقي صاحبه بدون صراعات حتى يتمكّن من الكرسي. وقد نجح في ذلك. مات فهد قبل أن يُزاح عبدالله. حينها رأى السديريون بأن موت عبدالله سيجعل الدولة سديرية كاملة، وستؤول الأمور قريباً الى سلطان! لكن قرار الموت بيد الله عزّ وجل، فقبض روح سلطان ولي العهد قبل الملك! وربما يحدث الأمر ذاته مع نايف أيضاً!

العائلة المالكة يحكمها العجزة، وتبديل الوجوه الكبيرة بشكل متكرر (الملك وولي العهد) يزيد من عدم الإستقرار، ويضيّق هامش الأُلفة بين الجمهور والوجوه الصاعدة!! إن أعضاء اللجنة المركزية في الحزب السعودي بحالهم الحاضر قد جعلوا بشيخوختهم الدولة في وضع شبيه لهم ولحركتهم، بل يمكن القول أنهم ربطوا نهايتها بنهايتهم بأكثر من وجه.

في حال توفي الأمير نايف قبل الملك عبدالله أو العكس، فإن من المرجح أن يصبح الأمير سلمان ولياً للعهد. وسلمان من مواليد عام 1936 (76 عاماً) وهو مبتلى بالأمراض أيضاً: الظهر، الركبة، ويشاع أنه مصاب بسرطان البروستاتا! لكن هذا الترجيح، يفترض أيضاً وجود اعتراض قوي داخل العائلة المالكة، قد يكون أكبر من الإعتراض على نايف، بالنظر الى زيادة انشقاق العائلة وضعف الخلفاء أو لنقل غياب الأقوياء.

كثيرون يعتقدون ـ وحتى قبل إصابته بالقلب ـ بأن نايف لن يصل الى كرسي المُلك؛ لا لشيء، إلا لأن وضع الدولة في حالة مزرية وهناك ارهاصات تغيير قادمة؛ ولأن العائلة المالكة ترفض نايف ملكاً. قد يقضي الملك وولي عهده، ويصبح سلمان ملكاً؛ لكن في هذه الحالة فإن الأمر لن يكون مريحاً للأخير إلا في حالة واحدة: إستعادة الإجماع داخل العائلة المالكة، من جهة حصحصة السلطة بين أبناء المؤسس عبدالعزيز، ومن زاوية الوجهة السياسية التي يجب أن تأخذها الدولة فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية ومشاركة المواطنين في القرار. فهل سلمان قادر على فعل ذلك؟ وهل الوقت يناسبه أم يدهمه؟ وهل المجتمع سيكون حينها في وضع انتظار أم وضع متحرك على الأرض بدأت تباشيره منذ نحو عام؟

من الصعب تخيل اصلاح سياسي في ظل سلمان أو غيره. والأصح من المستحيل ان يتحقق اصلاح سياسي بدون حراك شعبي حقيقي على الأرض وفي أكثر من منطقة. لن يأتي الإصلاح السياسي إلا بضغوط حقيقية من الشارع.

لكن المتخيّل، ان وصول سلمان الى كرسي الحكم، وقد لا يكون ذلك بعيداً من الناحية الزمنية، لن يزيد الأمر الا سوءً.

سيزداد الإنشقاق الداخلي بين الأمراء، وقد تنشطر بعض المناطق في اتجاه تأييد هذا الطرف أو ذاك؛ مع العلم ان الأمراء حريصون على عدم الإستقواء بالشارع ضد بعضهم البعض. لكنها السلطة! وقوة الشارع مغرية، خاصة في حال بدا بالتحرك.

وسيكون المجتمع في وضع أفضل مما هو عليه. لقد قيل بأن البلاد بحاجة الى واحد من ملكين!: إما ملك ضعيف، يستطيع المجتمع أن يفرض إرادته وخياره عليه، في مجال توسعة حرية التعبير، والمشاركة في صناعة القرار السياسي. وإما ملك قويّ، يضبط العائلة المالكة ويمنع الدولة من التذرّر، من خلال القيام بإصلاحات شجاعة تقلص من حجم الدور الذي تلعبه العائلة المالكة، ويعيد للمجتمع بعض حقوقه البديهية!

ولكن الأرجح هو أن يفرض المجتمع إرادته على الأمراء من خلال حراكه السياسي. أو يستغني عن الملوك والملكية من أساسها!

هذا هو التحدّي الذي يواجه المجتمع في هذا العام 2012.

أما ما يواجه الأمراء من تحديات فكثيرة: مواجهة المجتمع واحدٌ منها!

الصفحة السابقة