بعد 7 أشهر من ولايته للعهد

وفاة نايف وانحدار جديد لحكم آل سعود

محمد الأنصاري

بوفاة نايف لم يتبق من (أعمدة الحكم الخمسة) سوى اثنان: الملك وسلمان. الأول يبلغ من العمر 88 عاماً وهو مريض بالقلب والعمود الفقري وغيره من الأمراض؛ ولا يستطيع المداومة والعمل من الناحية العملية. والثاني سلمان، وزير الدفاع الحالي، وعمره 76 عاماً وقد أجرى مؤخراً عملية جراحية في الظهر، وسبق له أن اجرى عمليات أخرى، ويقال أنه مصاب بسرطان البروستاتا.

لخمسة عقود وأكثر كانت الأضواء مسلّطة على قوائم/ أركان الدولة دونما سواها، والحقيقة فإن عبدالله كان زيادة في ذلك ولم يكن له (لزمة) إلا بعد موت فهد، وقد اصبح من الصعب الإسراع في تصنيع (أركان) جديدة، تترسخ في الوجدان الشعبي، أو يؤمل لها أن تأخذ دوراً قوياً في حركة مستقبل النظام والعائلة المالكة.

لا يستقيم أمر الدولة ولن يستقيم بالقطع بركنين مهزوزين مريضين؛ فالحمل ثقيل؛ والخرق أكبر من أن يرقع؛ والتحديات كبيرة؛ والسخط الشعبي يتصاعد؛ والمنطقة تمور بالتحولات؛ والعائلة المالكة تعصف بها الإختلافات؛ فأي مأزق وقعت فيه العائلة؟ وهل في الأفق تحول سياسي إصلاحي أو ثوري ما؟

المشكلة المعتادة كما كل مرة، أن أول ما ستقوم به العائلة المالكة، هو إعادة توزيع المناصب، أي تقسيم إرث نايف المادي والمناصبي على عائلة متضخمة عددية (أكثر من 30 ألف امير وأميرة) تبحث لها عن حصة في الحكم. منصبان أساسيان هما مفتاح الصراع بين الأمراء، وزارتا الدفاع والداخلية، وكلتاهما بيد الجناح السديري ولا يبدو أنهما ستخرجان من يد اتباعه. وسيكون الصراع بشأنهما شأناً سديرياً خاصاً، رغم استثناء نائبي وزير الدفاع الأسبقين وهما سديريان: تركي وعبدالرحمن، وهما أكبر سناً من شقيقيهما نايف وسلمان. المرجح أن يصبح سلمان ولياً للعهد، بحكم الأمر الواقع، أي حكم القوة، فالدولة لاتزال في معظمها بيد السديريين رغم تضعضع حلفهم بموت نايف وقبله سلطان، وعزل عبدالرحمن وتهميش تركي! أما هيئة البيعة، فستصفق مرغمة كما فعلت من قبل (قبل سبعة أشهر تقريباً) حين أصبح نايف ولياً للعهد، ما أدّى الى زعل الأمير طلال واستقالته منها. لا يوجد مرشح منافس مقنع من بين أبناء عبدالعزيز الآخرين!

في إطار التيار السديري، فإن وزارة الداخلية ستكون تنافساً بين أحمد بن عبدالعزيز، نائب وزير الداخلية، وابن ولي العهد محمد بن نايف الذي يدير الوزارة فعلياً. وفي وزارة الدفاع، يحتمل أن يصبح سلمان ولياً للعهد، مع بقاء وزارة الدفاع بيده، مثلما حدث مع سلطان، ومثلما حدث مع نايف، حيث بقيت وزارة الداخلية بيده. لكن أيضاً يحتمل أن يصبح خالد بن سلطان وزيراً للدفاع. في كلتي الوزارتين فإن مؤشر وصول خالد للدفاع ومحمد بن نايف للداخلية يعني أن الدولة انتقلت الى الجيل الثالث، وأن أحدهما سيصبح ملكاً بعد وفاة الملك عبدالله وولي العهد المرجح: سلمان.

مرجح أن الصراع سيشتد بين الأمراء عامة، فالمهمشون قد يجدون في ضعف السديريين فرصة لانتزاع بعض حقوقهم!، وربما اقنعوا الملك بذلك. الصراع سيكون حاداً بالذات بين ابناء الجيل الثالث وليس الجيل الثاني ابناء عبدالعزيز؛ فهؤلاء هرموا وضعفوا، وكل ما يرجونه هو التقاتل من أجل حصة في الحكم لأبنائهم. اي سيقاتلون بأبنائهم ومن أجل ابنائهم!

لن ترضي عملية توزيع السلطة الكثيرين، فالمقاعد قليلة، والأفواه كثيرة! ولا يتوقع ان يحدث انقلاب في العناصر المكوّنة للسلطة. على الأرجح فإن ثلاثة مواقع تحدد مصيرها وهي مواقع أمنية/ عسكرية، تكشف أن من له رصيد قوة على الأرض يستطيع أن يضمن له مستقبلاً في السياسة، بغض النظر عن التراتبية العمرية أو تنافس الأجيال داخل العائلة. المناصب الثلاثة هي: الحرس الوطني الذي يمسك به متعب ابن الملك؛ ووزارة الدفاع التي هي بيد سلمان الآن؛ ووزارة الداخلية التي هي من الناحية العملية بيد محمد ابن ولي العهد المتوفى نايف. ملوك وولاة العهد المستقبل (ان بقي النظام ولم يتزلزل) سيكونوا متخرجين من هذه المؤسسات الثلاث. اما البقية فمجرد أرقام مكملة ملحقة بما يشبه الأجنحة والتكتلات.

موت نايف باعتباره الأكثر تشدداً في السلطة، وقد أمضى 37 عاماً في وزارة الداخلية، قد لا يغيّر شيئاً في توجهات الحكم داخلياً وخارجياً. فالإستبداد أشبه ما يكون اليوم بمؤسسة! منه الى رجل. لكن يمكن القول بان الضعف المتوالي للنظام واجهزته، قد يفتح أفقاً أو كوّة صغيرة من الأمل في التغيير. لا يتوقع أن يغيّر آل سعود طريقتهم التي هم عليها في كل الملفات القائمة، ولكن ضعفهم قد يقود الناس الى التجرؤ عليهم أكثر، والمطالبة بحقوقهم، وهذا هو الأفق الوحيد حتى الآن.

في الوضع الداخلي، فإن تحالف نايف مع التيار السلفي سيبقى على حاله، فقط سيرثه في ذلك من سيخلفة في منصبه. والسياسة نفسها ستتكرر كما ذكرت ذلك نيويورك تايمز قبل سنوات: (نايف يدعم القاعدة خارج السعودية ويقمعها في داخلها)!. السياسة ستبقى: يد تصفع (الخوارج) بنظر آل سعود؛ وأخرى تطلق سراح التفجير في البلدان الأخرى!

في الإصلاح لا يظهر ان هناك من يفكر فيه أصلا بين آل سعود. الإصلاح السياسي يتحدث عنه المواطن، أما الأمير فلا يرى غير العصا. سياسة العصا ستبقى الى أمدٍ طويل. وفاة نايف لن تأتي بالإصلاح السياسي، لأن لا أحد في العائلة المالكة إلا (أمير أو أميران من المهمشين) يريد الإصلاح!

التشدد في السياسة الخارجية سيبقى على حاله: في اليمن، في البحرين، تجاه ايران، تجاه العراق، تجاه حماس وحزب الله، تجاه سوريا، تجاه الثورات العربية في تونس ومصر، تجاه الإخوان المسلمون. والتشدد في التحالف مع امريكا سيبقى على حاله أيضاً، علاقات متميزة مع الغرب، وفي مقدمتها أمريكا. صفقات السلاح ستبقى، التعاون في (مكافحة الإرهاب)!، دعم خطط (السلام مع اسرائيل) واستكمال (حصار الخطر الإيراني).

الخطاب الديني والسياسي لن يتغير. التركيز على الحرب الطائفية ودعم قنوات الفتنة. تحويل وجهة المعركة من اسرائيل والغرب الى الشيعة وايران والعراق وسوريا وحزب الله وحتى للشيعة المواطنين في الداخل والحوثيين في اليمن والإباضيين في سلطنة عمان، الخ. والخطاب الداخلي سيبقى على حاله: القمع تحت مسمّى الأمن والأمان؛ تأجيج الصراع الطائفي المحلي؛ والصراع بين الليبراليين والسلفيين. أي المضي في سياسة تمزيق المجتمع من أجل (وحدة السلطة)!

بالطبع هناك من المواطنين ممن يحلم بأن يكون رحيل رمز التشدد فاتحة أمل كبيرة للمواطنين، ونهاية لمرحلة استبداد قاسية لم تشهدها البلاد منذ قرن من تأسيسها. بعضهم يأمل أن تجري الأمور بغير هذه الصورة: اعادة هيكلة السلطة؛ اطلاق سراح عشرات الألوف من معتقلي الرأي؛ اطلاق الحريات العامة، وضع دستور، انتخابات لمجلس الشورى، سياسات جادة للقضاء على الفساد، الخ.

هو حلم، والأحلام إن لم يتبعها فعل وجهد واعتراض وتحدّ ودفع ثمن فلن تتحقق.

أن يصلح النظام نفسه بدون ضغط، أمرٌ غير وارد.

بقي أمرٌ أخير، وخطير أيضاً، وهو أن الدولة السعودية لا عقل مفكّر لها اليوم، كما كانت منذ ثلاثة عقود. كل ما نراه مجرد ردود فعل، إن كان في السياسة الداخلية أو الخارجية. البيروقراطية الحكومية تتكفل بأن تجري شؤون الدولة على وضعها القائم. اما المستقبل فبحاجة الى عقول غير الموجودة، والى وجوه غير القائمة. معنى هذا أن الإنحدار في النظام ومكانته داخلياً وخارجياً سيتسع ويتسارع كما في كل مقطع زمني يرحل منه أحد الأركان الرئيسية للحكم والتي لا يمكن تعويضها.

السعودية سفينة في بحر هائج، لا يوجد بها ربّان اصلاً، ولا أحد يعرف الى أين تتجه، يتساقط منها من يتساقط في خضم هياج الأمواج، والجميع يشعر بالقلق والتوتر من المستقبل.

الصفحة السابقة