مقاتلون وهابيون من القوقاز والشيشان في سوريا

ما بعد القتال في سوريا

قلق روسي من انتشار الوهابية المقاتلة الى اراضيها

سعدالدين منصوري

ليست الحكومات الأوروبية وحدها من يخشى وصول أو عودة المتطرفين الى أراضيها، خصوصاً بعد انتهاء المعارك في هذا البلد أو ذاك، فإن روسيا هي الأخرى واجهت ظاهرة المسلّحين الوهابيين في بعض أجزاء من روسيا أو في البلدان المجاورة، خصوصاً بعد تكشّف حقائق عن أعداد متزايدة من المقاتلين الشيشان والقوقازيين..

صحيح أن روسيا تدافع عن النظام السوري على قاعدة مصالح استراتيجية وأمن قومي في مواجهة الولايات المتحدة، ولكنّها أيضاً تشترك مع خصومها الغربيين في مواجهة عدو مشترك قد يتسلل الى حدودها خصوصاً وأن مكائن التفريخ قد تعدّدت في منطقة الشرق الأوسط، وباتت الأخيرة مرشحة لاستيعاب عدد كبير من المقاتلين العابرين للقارات..

يرجع الخبراء الروس أحد أهم الأسباب لدعم روسيا لنظام بشار الأسد الى الخوف من انتقال وانتشار الوهابية القتالية الى الجمهوريات السوفييتية السابقة والقوقاز وآسيا الوسطى..الروس يدركون تماماً بأن خسارتهم في سوريا قد تعني خسائر جمّة استراتيجية وأمنية وقد تصل الأخطار الى صميم بلدهم بما يهدد أمنه واستقراره..خصوصاً وأن من المقاتلين السلفيين هم مدعومون من قبل الغرب، على الأٌقل خارج حدوده.

العنف المتصاعد في سوريا ومشاهد الدم والمجازر لا بد أن ينبّه الروس الى ما لايمكن توقّعه فيما لو انتقل الارهاب الوهابي الى آسيا الوسطى، وهذا ما يجعل الروس يتشدّدون ضد الدول الداعمة للجماعات الوهابية القتالية وخصوصاً السعودية.

وبرأي أحد الخبراء الروس إن القلق الروسي من الإسلام السلفي - الوهابي ونفوذ السعودية في آسيا المركزية والقوقاز والجمهوريات الروسية المسلمة يرسم شكل التعاطي الروسي مع تحولات المنطقة خاصةً الأزمة السورية.

يتحدّث الخبراء عن انتشار الوهابية السلفية في حدود روسيا الأمنية، ويذكروا بأنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتشار الفوضى والاضطرابات في الجمهوريات المستقلة حديثاً، تهيأت الأجواء لتغلغل القوى الدولية والإقليمية مثل إيران وتركيا والسعودية في هذه المناطق. وتحرك المجاهدون المتطرفون من أفغانستان والوهابيون السعوديون والمجموعات الإسلامية الأخرى من باكستان وتركيا والدول الأخرى باتجاه المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الاتحاد السوفيتي السابق. من بين هذه المجموعات حركة “فتح اله كولن” الحركة التركية المنظمة وأكثر الجماعات الإسلامية تنظيماً.

نمو التيارات الإسلامية المتطرفة في روسيا وفي منطقة (الخارج القريب) الروسي كلف موسكو نفقات ضخمة وكان هذا الأمر على الدوام يسبب قلقاً جدياً للمسؤولين الروس. يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تهديد الإسلام المتطرف للحدود الروسية وللجمهوريات السوفيتية السابقة من أهم التحديات الأمنية التي تواجه بلاده. حيث يشّكل المسلمون غالبية سكان الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تعتبرها روسيا ما تصطلح عليه اسم (الخارج القريب) أو الفناء الخلفي لها. تُدار جميع هذه الدول من قبل أنظمة ديكتاتورية تنتظر قيام تحركات شعبية ضدها. لذلك الروس قلقون من نشوب اضطرابات وحدوث تغيرات في هذه الدول توصل السلفيين إلى السلطة، عندها ستصبح روسيا محاصرة من قبل أنظمة متطرفة.

ومن وجهة نظر أيديولوجية وأمنية فإن السلفية الوهابية تمثل مشروع زعزعة للاستقرار في روسيا، إذ لا قدرة للتعاليم الوهابية - السلفية السرّية على تحمل باقي الأديان كالمسيحية واليهودية وحتى باقي المذاهب الإسلامية الأخرى مثل المذهب الشيعي، ولا يعتقد السلفيون بالتغير السياسي الهادئ والمتدرج ويبررون استخدام العنف كأداة مشروعة لمواجهة ما يعتبرونه أعداء الإسلام.

وينظر الخبراء الى الهجرة الكثيقة للمقاتلين الوهابيين الى سوريا على أنه تعبير عن ضيق السلفية بالآخر، وإصراره على التغيير العنيف، حيث استغل الناشطون السلفيون من مؤيدي استخدام العنف حالة عدم الاستقرار والفوضى المنتشرة في بعض الدول العربية مثل سوريا وسعوا لنشر معتقداتهم والترويج لها باتباع طرقهم المعروفة عبر التظاهر بالقيام بنشاطات اجتماعية محافظة.

وطوال نصف قرن كانت مفاهيم الوهابية ـ السلفية عن الإسلام أهم صادرات السعودية للعالم الإسلامي، حيث درس الكثير من السلفيين المتطرفين في جامعات الإمام محمد في السعودية، ومنذ السبعينات يجري الترويج والتبليغ للوهابية والسلفية في جميع أنحاء العالم حيث أنشئت مؤسسات غير حكومية لهذا الغرض مدعومة مالياً من السعودية. على سبيل المثال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمنظمة الإسلامية الدولية للإغاثة، المؤسسة العالمية للشباب المسلم ومنظمة الحرمين.

وتسعى السعودية على الدوام لنشر التعاليم الوهابية بين مسلمي العالم، ووقوفها إلى جانب الغرب وأمريكا لإسقاط نظام بشار ودعم معارضيه ليس إلا مؤشر على مساعي الرياض لسحب سوريا إلى معسكر السلفيين وهذا ما يشكل كابوساً مخيفاً لروسيا أكثر من أي شيء أخر.

وفي هذا السياق بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أرسلت السعودية عدداً كبيراً من الدعاة والمروجين للأفكار السلفية والوهابية إلى الجمهوريات الروسية السابقة للسيطرة على المسلمين في روسيا. بعد عدة سنوات من تفكك الاتحاد السوفيتي لاحظ الروس ظهور وانتشار الوهابية ليس فقط في روسيا بل في كافة دول المنطقة.

وقد أدان الروس الدول العربية وخاصة قطر والسعودية لتدخلها في شؤونهم الداخلية وشكّل لهم هذا الأمر قلقاً كبيراً جداً وهو السبب الرئيسي في تدني حجم العلاقات التجارية بين روسيا والدول العربية الخليجية.

تصاعد تأثير الإسلام المتطرف بين المعارضين السوريين عزّز العزيمة الروسية على تقديم كافة أشكال الدعم للأسد، لأن دولاً كالسعودية وقطر تدعم وبقوة السلفيين في سوريا بالمال والسلاح لتعزيز قوة هذه المجموعات السلفية مقابل الإسلام المعتدل والأطياف العلمانية في سوريا، في مقابل انتصار السلفيين في سوريا سيعزّز قوة التيارات المتطرفة في آسيا المركزية. وهذا يعني تهيئة المناخ للتدخل الدولي الباحث عن دور بارز في هذه المنطقة. لذلك روسيا عازمة بكامل قوتها على منع انتصار السلفيين في سوريا.

وفي سياق الصراع الدولي بين واشنطن وموسكو، تنظر الأخيرة الى ما يجري في المنطقة على أنه ينطوي على مخاطر جدية ولدت بعد الحرب الباردة العام 1999، حيث كانت الجمهوريات الروسية المسلمة والجمهوريات السوفيتية السابقة كأوزبكستان وقرقيزستان وحتى الولايات المسلمة كولاية (سين كيانغ) في الصين هدفاً للعمليات الاستخباراتية وعمليات التخريب المختلفة التي تقوم بها أمريكا وحلف الناتو.

وتعتقد موسكو بقوة في أن واشنطن ومن خلال التلاعب بالمجموعات المتطرفة وتحريضها على نشر الفوضى في المناطق المسلمة في الصين وآسيا المركزية والجمهوريات الروسية المسلمة تخطط للتحكم بأوضاع هذه المنطقة وإعداد الأجواء للتدخل والتواجد الأمريكي فيها لإخراجها من دائرة السيطرة الروسية باستخدام نشاط المنظمات والمؤسسات غير الحكومية في هذه المناطق. وفي الوقت الراهن يُعمل على هذا الهدف بوضوح في سوريا من خلال مواجهة الحكومة السورية، وقد أدرك المسئولون الروس جيداً الارتباط بين التيارات الإسلامية المتطرفة المتواجدة في آسيا المركزية وسوريا وبين الدعم الأمريكي لهذه التيارات وأيقنوا بأنهم سيشاهدون قريباً هذه التيارات تدخل منازلهم قادمة من القوقاز.

وفي السياق نفسه تعتبر روسيا أن قضية اغتيال الزعماء البارزين للإسلام المعتدل في كل أنحاء العالم هي من أخطر عمليات أمريكا الاستخباراتية خلال السنوات الأخيرة.

في السابق كان هناك علاقات بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية وحلفاء لها داخل المنظمات الدينية المتطرفة في دول مختلفة، لكن الشيء الذي يجعل من اللعبة الأمريكية في هذه المرحلة لعبة خطرة للغاية هو انتشار هذه التيارات على نطاق واسع وفقدان القدرة على كبح جماحها والتحكم بها.

وقد بدأت اللعبة الأمريكية الجديدة هذه في تونس وانتقلت عدواها إلى ليبيا ومصر وصولاً إلى سوريا ومن المحتمل نقلها إلى القوقاز وآسيا المركزية. وفي هذا السياق تتعاون أمريكا مع تنظيم القاعدة والسلفيين والوهابيين في السعودية وحركة فتح الله كولن في تركيا لتحقيق أهدافها ومصالحها.

الدعم الروسي للنظام السوري والذي يعود الى ثلاثين عام، لا يقتصر على الأبعاد السياسية والاستراتيجية ولا يندرج في سياق الصراع الدولي، بل الأمر مرتبط بتدابير احترازية وحمائية تقوم بها موسكو تأكّدت في الوقت الحاضر بعد انفجار العنف الوهابي على نطاق عالمي، فموسكو ترقب بعين القلق للاعتداءات الإرهابية للجماعات المتطرفة الوهابية ـ السلفية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تمتد هذه المواجهات من أفغانستان والقوقاز الشمالي والبلقان والشرق الأوسط العربي وحالياً وصلت إلى سوريا. وقد فرضت هذه المواجهات على روسيا دفع نفقات باهظة لذلك بالرغم من الحديث عن بيع الأسلحة والقاعدة العسكرية، التنافس بين الغرب والشرق، مناطق النفوذ والكثير من القضايا المثيرة للاهتمام حول دعم روسيا لسوريا، إلا أنه أهم دليل على هذا الدعم هو مخاوف موسكو من وصول حكومة إسلامية إلى الحكم في سوريا ذات ايدولوجيا وعقائد سلفية - وهابية. وفي حال حدث هذا الأمر فلن تخسر روسيا مصالحها في سوريا فحسب بل سيشكل النظام الحاكم الجديد تهديداً جدياً على أمن واستقرار المناطق المسلمة في روسيا.

وتعود جذور المخاوف الروسية من الإسلاميين المتطرفين إلى سنوات 1979-1989 أيام مواجهة المجاهدين في أفغانستان، في ذلك الوقت دخل الاتحاد السوفيتي حرباً واسعة النطاق بكل معنى الكلمة وكان المجاهدون يتلقون الدعم المالي والسلاح والمعلومات من واشنطن والرياض وإسلام آباد. وكان يستعملون أسلحة أمريكية في هذه الحرب.

من المؤكد دليل واحد لا يكفي لتوضيح الدعم الروسي المطلق لسوريا. لكن تهديد السلفيين والوهابيين يقّرب روسيا يوماً بعد يوم من سوريا ليصبح هذا التهديد مبرراً لكافة الجهود الروسية المبذولة لحل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية.

دعم السعودية وقطر لمعارضي بشار الأسد وخاصة السلفيين منهم يعد مؤشر على أن الديمقراطية والديكتاتورية لم تكن ضالة السعودية وحلفائها في سوريا بل كان الهدف الوحيد لهذه الدول هو الإطاحة ببشار الأسد وتركيب حكومة سلفية سورية الأمر الذي يعتبر خطاً أحمر بالنسبة لروسيا. لذلك إن القلق الروسي من الإسلام السياسي وانتشاره في آسيا المركزية والقوقاز الشمالية يشّكل ويحدد التعاطي الروسي مع التحولات في سوريا والمنطقة.

الصفحة السابقة