مصر أكبر من أن تكون في جيب عجزة وجهلة ومتخلفين

أعياد سعودية بسقوط حكم الإخوان!

محمد قستي

أعتقد بأن هناك القليل من المتابعين من تفاجأ بالموقف السعودي من الإنقلاب على ـ أو الإطاحة بـ ـ حكم الإخوان.

السؤال البريء والساذج ربما هو ذاك الذي يقول: لماذا لا تريد السعودية التي تزعم تطبيق حكم اسلامي، بأن تصل حركة اسلامية الى الحكم وتطبّق الشريعة، كما تفعل السعودية نفسها؟!

او ذلك السؤال الذي يبدو محيراً وهو ليس كذلك والذي يقول: اذا كان حكم الإخوان مدعوم أمريكياً، فلماذا ترفضه الدول التي تدور في فلك امريكا مثل السعودية والإمارات؟

لم تكن السعودية تخفي عداءها لحكم الإخوان منذ أن وصل مرسي الى السلطة. بل لم تتوقف السعودية عن الجهر بعدائها لجماعة الإخوان المسلمين منذ احتلال العراق للكويت عام ١٩٩٠ والى اللحظة الحاضرة.

أية متابعة للإعلام السعودي المحلي او الخارجي، مطبوعاً ومقروءً ومرئياً ومسموعاً، تجعلك تتأكد بأن هناك عداء متأصل من قبل السعودية للإخوان المسلمين.

وبالنسبة للمراقب السياسي، فإن هذا العداء لا بدّ أن تكون دوافعه جوهرية حقيقية صميمية، وإلاّ لما وجدنا الفرحة الى جانب التحريض غير المسبوق في الاعلام السعودي مع ان حكم الاخوان وقيادة الإخوان وجمهور الإخوان في حالة تراجع شديد، ان لم يكن انهياراً. كأن ال سعودي يجهزون على الجرحى تشفياً. 

الشماتة وآلاف المقالات السعودية كانت ولازالت تنشر منذ الثورة على الإخوان وإسقاط حكمهم؛ ونشوة النصر وحلاوته لم تفارق شفاه جوقة الطبالين الحكوميين. ونثر الملح على الجرح يتوالى ضد الاخوان وامتداداتهم الإقليمية حتى وصلت الى حدود أخرجت اولئك الطبالين عن حدود اللياقة والأدب.

نعم السعودية ضد الإخوان استراتيجياً. هي ضد أي حكم اسلامي، شيعي او سنّي، حركي إخواني او سلفي، عربي أو أعجمي!

هل هذا مستغرب؟ نعم، ولكن اذا عرف السبب بطل العجب.

ابتداء فإن الحكم السعودي يزعم بأنه حكم اسلامي، وهو يسيطر على الأماكن المقدسة في الحجاز؛ بل ويزعم انه نتاج حركة اسلامية (الوهابية).. وبدهي ـ بناء على ذلك ـ ان يتوقع المواطن والعربي والمسلم في اقصى الأرض كما في أدناها تعاطفاً من هذا الحكم مع أية تجربة حكم اسلامي. لكن الحقيقة أن آل سعود ليسوا كذلك، ليس فقط الآن مع تجربة حكم الإخوان، بل في كل تاريخهم المديد.

* فهناك ابتداء نزعة تكفيرية متأصلة لدى الوهابيين تقول بأنه ليس هناك من حكم اسلامي صحيح إلا حكمهم؛ بل ليس هناك مسلمون في الأصل صحيحي المعتقد سواهم. وبالتالي: لم يشجّع السعوديون تجربة حكم يعتقد الآخرون انه اسلامي، في حين انهم ـ اي الوهابيون السعوديون ـ يرونه على ضلال؟

* وهناك من جهة ثانية حقيقة أن السعودية التي تزعم انها الوحيدة التي تطبق الحكم الاسلامي وشرع الله! ترى أن وجود أية تجربة حكم اسلامي الى جانب حكمها، بحيث يقارن به يمكن ان يفضي الى تقزيمه. لذا لم تكن مع حكم الإمامة في سلطنة عُمان؛ ولا مع الإمامة المتوكلية الزيدية في اليمن؛ ولا مع السنوسية في ليبيا. وبعدها كانت ضد التجربة الاسلامية في ايران، وفي السودان، وحتى التجربة الأفغانية.

فلماذا تقبل الرياض منافسة او أن توضع موضع المقارنة مع نظام حركي اسلامي جاء عبر الديمقراطية، بحيث يضعف شرعية حكمها ويظهر عواره؟

* وهناك من جهة ثالثة، ما له علاقة مباشرة بنموذج الحكم السعودي المتطرف داخلياً، والعميل للأجنبي خارجياً. نظام مكفراتي في الداخل ويمارس العبث والإنحلال باسم الاسلام في الخارج. لقد اجتمعت صفة المحافظة في هذا النظام مع الاسلام، حتى قيل ان طابع الحكم الاسلامي السعودي: محافظ. وبنظام حكم كهذا، لا بريق له ان كان يواجه نظام حكم اسلامي (ثوري او منفتح غير محافظ)! أو ثوري زائداً أن يكون (ديمقراطياً)!. ان من شأن نماذج حكم دينية/ ثورية/ ديمقراطية كهذه ان تنقل العدوى الى الداخل السعودي بعد ان تقصم ظهر شرعية الحكم السعودي القائم.

هذا ما حدث بالنسبة لحكم الإخوان المسلمين في مصر. فمشكلة هذا الحكم الإخواني ليست في ميوله السياسية الغربية/ الأمريكية المشابهة للسعودية او المزايدة عليها؛

ولا لأن الإخوان يريدون استعداء السعودية ودول الخليج الأخرى، ان لم يكن عكس ذلك تماماً؛

ولا لأن الإخوان هم سبب الإرهاب المحلي الوهابي/ الذي تقول السعودية كذباً ان الإخوان وراءه، لتبعد المشكلة عن مكفراتييها وعن ايديولوجيتها الوهابية التكفيرية..

كلا، فمشكلة الإخوان المسلمون وحكمهم مع السعودية، لها علاقة بأمرين لا ثالث لهما:

١ ـ ان نجاح حكم الاخوان يعني ظهور نظام حكم ديمقراطي ثوري بنكهة اسلامية (وربما شرعية دينية) ما يجعل الحكم السعودي صغيراً متصاغراً. والسعودية لا تتعايش لا مع النظم الثورية ولا الديمقراطية ولا حتى الدينية الاسلامية!!

٢ ـ انتقال عدوى نظام حكم مصري كهذا الى السعودية او الى محيط نفوذها الإقليمي واسع جداً، ان من زاوية الثورية، او من زاوية الإغراء الديمقراطي، او من الزاوية الإخوانية، حيث التعاطف الكبير بين شرائح اجتماعية عديدة في دول الخليج عامة، والسعودية خاصة.

كانت السعودية متألمة لسقوط مبارك، حيث ادى سقوطه الى نهاية حلف الاعتدال العربي، ووجدت السعودية نفسها وحيدة الى جانب الخليجيات الأخرى تخشى من تداعيات الربيع العربي عليها.

وصول الإخوان للحكم جاء وكأنه يطبق المثل (حشف وسوء كيلة) او اضافة الملح الى الجرح. وعبثاً حاول الإخوان ارضاء السعودية ضمن تسويق قطري تركي امريكي، فدخلوا في حرب طائفية واستجابوا لنداء عدم اقامة علاقة مع ايران، بل واستخدموا الخطاب السعودي الطائفي نفسه، بل وضيقوا على حماس ونددوا بالمقاومات، كيما يثبتوا انهم حكومة عقلانية وانهم ضد اعداء امريكا واسرائيل والسعودية في المنطقة.

كل هذا لم يرض السعودية، التي استمرت تتهم الإخوان بالعمالة لإيران، وراح اعلامها يتصيد أية اخطاء او حتى يصنّع بعضها ويضخمه.

وفي النهاية ـ ورغم تغيير الإخوان المسلمون جلدتهم بالكامل ـ لم ترضَ السعودية والإمارات، وحاربتا حكمهم اقتصاديا واعلاميا وسياسياً. بل ان السعودية كانت تتعاطى مع (مصرين): مصر الإخوان: كالوزارة والرئاسة، باعتبارهم اعداءً يُقاطعون. ومصر الفلول: حيث كانت تتعاطى مع الجيش والمخابرات وبقايا الفلول في الإعلام والخارجية على اساس انهم جزء من النظام القديم الذي لم يتلوث بالإخوان بعد. وهذا ربما يكون التفسير المنطقي لتزايد الصلات العسكرية بين السعودية ومصر خلال سنة حكم الاخوان، بحيث اجريت اكثر من ثلاث مناورات عسكرية مشتركة في السعودية.

الآن سقط حكم الإخوان غير مأسوف عليه من كثيرين!

لم يقف معه حتى أصدقاؤه او من اعتقد انهم اصدقاؤه: الأميركيون والغربيون، وتركيا اردوغان، وقطر، الى جانب حركة النهضة في تونس.

لم يترك الإخوان لأحد فسحة إلا أن يقف ضدّهم، فقد اثبتوا انهم فاشلين غير جديرين بالحكم.

السعودية بدا وكأنها قد استعادت مصر التي فقدتها بسقوط مبارك جزئياً على الأقل. 

كأن حقبة سعودية جديدة بدأت تطلّ علينا من جديد، عبر بوابة مصر وسوريا، حيث سيطر السعوديون على ائتلاف المعارضة وبدأوا عملياً وراثة الجهد القطري، بعد أن كانت قطر ترى في السعودية عجوزاً تريد ان ترثها حيّة في اليمن والعراق وسوريا ومصر وغيرها!

الدنيا دولٌ!

لكن الفرح السعودي باستعادة مصر جاء مبكراً، ونقصد متسرّعاً. فحتى لو قلنا أن حكم الإخوان انتهى الى غير رجعة، فإنه لا يمكن القول بأن النظام الجديد قد استقرّ وهو مزيج من (الفلولية والثورية)! وبالتالي لا يمكن القول بأن السعودية قد ضمنت أن الحكم القادم سيكون في جيبها، وعموماً فإن مصر أكبر من أن تكون في جيب مجموعة من العجزة والجهلة والمتخلفين.

نعم.. ما جرى ضد حكم الإخوان ثورة، شارك فيها الفلول والثوريون الحقيقيون من أبناء الشعب المصري.

انها تحمل عناصر الثورة المضادة، كما تحمل التصحيح لثورة يناير.

بمعنى آخر، فإن السعودية التي وقفت ضد حكم الإخوان وحاصرته وحرّضت عليه، راهنت على انتهائه، وساهمت في اسقاطه، وبالتالي فهي ـ وعبر الفلول في أحيان كثيرة ـ نجحت حتى الآن في نصف المعركة.

بقي النصف الآخر منها. وهي اعادة عقارب الساعة الى الوراء، بأن يعود الفلول على رأس النظام المصري الجديد القديم!

هذا يتطلّب، بعد ازاحة الإخوان، تصفية ونخلاً لمن قاموا بالثورة على الحكم الأخرق لمرسي والأخوان، فمن سيتغلب: شارع الثورة، ومعه نجومه صباحي والبرادعي وابو الفتوح وغيرهم، أم فلول مبارك، واين سيكون موقع الجيش من هذا الطرف وذاك؟

حتى الان الصورة ضبابية ولا يعلم ما ستؤول عليه الأحوال في مصر.

فقد تربح السعودية بإسقاط حكم الإخوان، وقد يبتليها الله بحكم ثوري ديمقراطي صحيح تتحسر فيه على حكم الإخوان، ولتقول بعدئذ:

رب يومٍ بكيتُ منه فلمّا

صرتُ في غيرهِ بكيتُ عليه!

الشيء الثابت حتى هذه اللحظة هو ان حكم الإخوان قد أفل بنسبة كبيرة ان لم يكن كليّة.

وأن السعودية عادت تلعب دوراً مع دول خليجية اخرى وكأن مصر مبارك قد ولدت من جديد.

وأن شماتة عارمة يطفح بها الاعلام المحلي السعودي والاماراتي ضد الإخوان، وسعادة غامرة عبر عنها وزير خارجية البحرين باطلاق أغنية السح الدح امبو على موقعه في تويتر!

لا يجب ان نندهش ان تكون السعودية أول المهنئين بتعيين المستشار عدلي منصور رئيساً للجمهورية، حيث ارسل الملك السعودي برقية مستعجلة يقول فيها ما نصه: (نهنئكم بتولي قيادة مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها... نشدّ على أيدي رجال القوات المسلحة كافة، ممثلة في شخص الفريق أول عبدالفتاح السيسي، الذين أخرجوا مصر في هذه المرحلة من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته، لكنها الحكمة والتعقل التي حفظت لكل الأطراف حقّها في العملية السياسية… حفظ الله مصر واستقرارها وأمنها).

دعم سعودي واضح للجيش وليس للديمقراطية، كأن الملك السعودي يتمنى لو أن الجيش المصري قد قبض على مفاصل السلطة ولم يسلمها لأحد من بعده. لا يقصد الملك السعودي من جملة (لكل الأطراف) التي يحفظ حقها في العملية السياسية أحداً غير (فلول النظام القديم).

وقد استشعر عبدالفتاح السيسي صدمة الفرحة لدول الخليج الأربع بالذات (السعودية والإمارات والبحرين والكويت) من سقوط الإخوان، فردّ باتصال بالملك عبدالله وبرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وليطمئنهما على الوضع في مصر؛ وكأن لا أحد قلق على هذه الأخيرة قدر هذين الحاكمين.

الحاجة الى التضامن مع الوضع السياسي الجديد من الدول العربية والى الدعم المادي والسياسي جعل الإمارات والسعودية في وجه القضية.

السعودية في الأساس حضّت مؤيديها السلفيين في مصر عبر أدوات المؤسسة الدينية الرسمية ومشايخ سلفيين يزعم انهم مستقلون، كي ينفضّوا عن حكم الإخوان وتخريب هندسة الشيخ القرضاوي وقطر وتركيا لجمع الطرفين الإخواني والسلفي كجزء من الاستراتيجية العامة ضد الخصوم.

السعودية شقت التيار السلفي عن الإخوان، او ساهمت في ذلك لا شك. انسحب حزب النور، وترك مرسي وحيداً. مشايخ الفضائيات السلفية ـ كالشيخ حسان ـ أُقنعوا بالصمت والسكوت، فالرسالة السعودية كانت تقول: (مشكلة وتعدّي).

والسعودية فوق ذلك اعلنت عن خمسة مليارات دولار بينها مليار منحة، وملياران وديعة، وملياران آخران للوقود والمحروقات. الإمارات بادرت هي الأخرى فتبرعت بثلاثة مليارات، ولحقت بهما الكويت بأربعة.

الهدف الأساس والواضح هنا، هو أن يقوم الحكم الجديد على قدميه ويتخطى المشاكل، بحيث يشعر الناس في اللحظة بالفرق بين حكم الإخوان بالأمس، وحكم من يخلفه اليوم، وذلك تسريعاً لطيّ صفحة حكم الإخوان، وتشجيعاً لما يعتبر نجاحاً للحكم الجديد في ترتيب الاوضاع الداخلية وتغطية النواقص الخدمية في الوقود وغيره.

راهنت قطر وتركيا الى حد المغامرة على دور اخواني متميز في محيط الشرق الأوسط. اربعة ايام وسقط حكم الإخوان. الآن تراهن السعودية والامارات على العسكر بالتحالف مع الفلول للقبض على الدولة وابعاد الثوار عنها. هل تخسران ايضاً؟!

الصفحة السابقة