بعد سقوط الرأس في مصر:

سلفيو وإخوانيو الخليج الى أين؟

عمر المالكي

سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر هو بمثابة تسونامي عنيف؛ بالنظر الى خصوصية هذه الحركة الممتدة في التاريخ منذ تأسيسها على يد حسن البنا عام 1928؛ وبالنظر الى أنها تمثل الإسلام السياسي، ولها امتدادات فوق قطرية وفوق عربية حتّى. وأيضاً بالنظر الى أن الإخوان في مصر هم الرأس، وهم يمثلون الحركة الملهمة والقائدة والمفكرة، والأساس، ومصر نفسها هي الرأس بين الدول العربية، فإذا ما حدث لرجال الحركة نصرٌ أو هزيمة انعكست آثارها على المحيط الإقليمي والواسع.

كلنا لاحظ التمدد الإخواني، وبجواره التمدد السلفي، في دول الخليج. فأكبر كتلة اخوانية موجودة في مصر، وأكبر كتلة سلفية موجودة في مصر ايضاً، وكلتا الكتلتين بدأتا حقبة سياسية مثيرة بسقوط حسني مبارك، ودغدغتا عواطف السلفيين في كل المنطقة بأن يكرروا التجربة السياسية المصرية الإخوانية/ السلفية، أو يطوّروا تجربتهم الخاصة ما أمكن.

لاحظنا توسعاً في شهية السلفيين والاخوانيين في السعودية والكويت والبحرين ودول الخليج الاخرى.

ولاحظنا قلقاً متصاعداً لدى حكومات الخليج، من اولئك الذين يطلقون عليهم (الإخونجية)  من شيوخ او طلبة علم  او ذوي الميول والتعاطف مع الإخوان في مصر.

في الكويت استشرس السلفيون والإخوان، وكاد نظام العائلة المالكة أن يسقط. المطالب غير مسبوقة في تهميشها لعائلة آل الصباح، ولأول مرة في تاريخ الكويت تظهر مظاهرات تعلن عداءها لتلك الأسرة، وتتحداها بالصوت والصورة. عبثاً حاولت الحكومة الوصول الى تسوية، فشهية السلفيين والإخوان كانت بحجم كبير واستعداد أكبر الى المواجهة والتحدي. ما اضطرت العائلة المالكة الى مخالفة الدستور واجراء تعديلات أُبطلت فيما بعد.

لكن اليوم، فإن جناح الاخوان والسلفية في الخليج قد تلقى صفعة حادّة بالسقوط المفاجئ لحكم الإخوان في مصر، والأهم بالصفعة التي تلقاها المشروع إقليمياً (قطريا و تركياً) والذي جرى تسويقه لأمريكا وربما حتى لاسرائيل.

القرضاوي والعودة.. وضاعت الأحلام!

سقوط حكم الاخوان يعني سقوط درّة التاج في مشروع التحالف (السلفي الإخواني)، ويصعب الآن ترقيع الخسارة وتعويضها كونها ممتدة من قطر الى اسطنبول، ومن القرضاوي الى قناة الجزيرة، ومن المغرب الى السعودية، ومن اليمن الى سوريا. كان هذا التحالف في أوج قوته يطمح في توسيع مظلته باسقاط حتى ملك الأردن وليس فقط حكم سوريا، واذا به ينهار في موقعه الأساس ـ مصر في ظرف اربعة ايام فحسب.

القلق الذي انتاب الامارات من تنظيم اخواني لا يزيد افراده عن خمسين شخصاً، فضخمته واعتبرته محاولة انقلابية، نُظر اليه وكأن حكومة ابوظبي مرتعبة الفرائص، صانعة الأوهام لنفسها، وأنها تريد ان تفتح معركة ضد الإخوان المسلمين وحكمهم في مصر، وتبحث عن كبش فداء في داخل الدولة. كثير من هذا القول صحيح، ولكن بدا واضحاً ان هناك قلقاً متصلاً بين كل دول الخليج من انعكاسات وصول الإخوان المسلمون في مصر الى الحكم، وتأثيرات ذلك على التيارات الاسلامية الأخوانية الخليجية بدرجة أساس، ثم التيارات السلفية الخليجية. وكان المسؤولون الخليجيون يروجون لمعلومات، ويطبعون الكتب التي يقولون انها تكشف نوايا الإخوان في مصر وذيولهم في الخليج.

بيد ان القضية الهامة هي ان كل دولة خليجية راحت تعالج قضايا الامتدادات الاخوانية لديها بصورة مختلفة.

رأينا ما فعلته الامارات من اعتقالات مصحوبة بارتعاب. فالإمارات لا خطط اصلاح سياسي لديها، وحين تصاعدت مخاوفها من الجماعات الاخوانية الحليفة فيما مضى، حتى ولو لم يكن لديها دليل، زجّت بهم في السجن، وأسقطت عنهم الجنسية، وكفى الله المؤمنين القتال! بالقطع ستشعر الامارات الآن باسترخاء أكبر، وقد تتحلل من بعض الأحكام التعسفية ضد قيادات اخوانية في اراضيها، فالخطر من الناحية النظرية زال، والتطلعات (غير المشروعة من وجهة نظر ابو ظبي لدى الجماعات الإخوانية) قد انخفض منسوبها، وبالتالي فإنه آن للإمارات وبعد سنوات ثلاث من التطرف المفتعل ضد الاخوان ان تهدأ!

في الكويت، هناك عملية سياسية لم تعد كافية لاستيعاب شهيّة الاسلاميين (الاخوان والسلفيين) المتصاعدة وهم يشهدون انتصارات نظرائهم في تونس ومصر. هنا اتخذت المعركة طابعاً دستورياً وضمن المؤسسات، ولما لم يكن بالإمكان حسم الأمور على هذا النحو، تم تحريك الشارع للضغط على الحكومة، وتمت مهاجمة البرلمان، فما كان من الحكومة الا ان أغلظت الفعل ووضعت بعض القيادات في السجن، والى حين فقط، ثم اطلقت سراحهم، وتحاول الحكومة الكويتية اعادة استيعاب الانشقاق مع الاخوان والسلفيين ضمن الاطر الدستورية خاصة بعد ابطال المحكمة الدستورية البرلمان، وحلّه. بالتأكيد فإن سقوط حكم الاخوان في مصر، سيؤدي الى تخفيف التوتر السياسي في الكويت من جهة، وستتخفف مطالب السلفيين والإخوان، وسيقبلون بالعودة الى وضع تسووي كما كان في الماضي.

في البحرين، شعر النظام هناك بالخطر أكثر من اي نظام خليجي، بسبب اندلاع الثورة ضد آل خليفة منذ فبراير 2011، ضمن تداعيات الربيع العربي. لم يشأ النظام ولا المتطيفون ان يعدوا الثورة البحرينية جزء من الربيع العربي، بل جعلوها ملحقاً لإيران، وكأن الربيع العربي ربيعاً سنيّاً إخوانيا وسلفياً بل وقاعدياً حتى!

لكي يصمد حكم آل خليفة أمام الثورة، كان لا بدّ ان يتكيء على الخطاب الطائفي من جهة، وأن يتكيء على الإخوان والسلفيين البحرينيين ليخوضوا المعركة نيابة عنه، فهم الأقدر على تحشيد الشارع، وهكذا كان مما سمي بشارع الفاتح، والشيخ عبداللطيف المحمود.

النظام الخليفي كافأ من وقف معه من السلفيين والإخوان بالذات فحصلوا على مواقع عديدة، من وزارات وغيرها. لكن النظام ادرك انه مضطر لدفع الثمن من جهة، وان يلبي بعض شهيتهم للسلطة، وهي شهية يعلم آل خليفة انها متوسعة. امراء آل خليفة يتحدثون ضد الإخوان البحرينيين، مع انهم استوزروهم (صلاح العلي وزير حقوق الانسان/ ووزيرة الشؤون الاجتماعية فاطمة البلوشي وغيرهما).

الإخوان في الكويت والعودة الى حضن النظام!

اليوم انتهى قلق آل خليفة من أن حكمهم سيسقط. وانتهى الخوف من حكم اخوان مصر الذي يغذّي سلفيي البحرين بالأمل والتطلع للحكم. لذا لا عجب ان يطير وزير الخارجية البحريني فرحاً بإسقاط حكم مرسي ويعلن ذلك علناً في موقعه على تويتر، وبصورة غير متزنة، وليغني السح الدح امبو!

سينخفض الحسّ الطائفي في البحرين بسبب استفراغ النظام الحاجة منه بنسبة كبيرة. وستنخفض مكانة الإخوان والسلفيين في السيستم بعد ان انتهت الحاجة اليهم من جهة، وبعد ان انتهى الخوف منهم من جهة ثانية. هل يفسح هذا لأجواء جديدة وتفاهمات تغير سياق الحكم في البحرين؟ ربما!

سلطنة عمان مشكلتها مختلفة الى حدّ كبير. فهي كدولة لا تناصب دولاً او جماعات سياسية في المحيط الإقليمي العداء، ولا تقحم نفسها في مشاكل الآخرين، وتفضل سياسة الإنزواء.

عُمان مشكلتها السياسية مع السلفيين المحليين المدعومين من السعودية (الوهابيين)، وليس مع الإخوان المسلمين. هؤلاء قاعديون في مجملهم، وبعضهم انفتحت شهيتهم للحكم بعد ظهور الموج السلفي غير المسبوق في مصر ما بعد ثورة يناير.

وفي الجملة لا يبدو أن السلطنة ستعاني مشاكل او تقحم نفسها في أية تفاصيل لها علاقة بارتدادات الوضع المصري.

تبقى السعودية، الدولة التي احتضنت الإخوان منذ الستينيات الميلادية الماضية، بعد ان اضطهدوا من قبل عبدالناصر. وظفتهم الرياض لديها في مؤسساتها الدينية والتعليمية، وابتعثتهم للخارج في حربها على الشيوعية، وانتهى الأمر بها الى الصدام معهم بعد غزو العراق للكويت وعدم وقوف الإخوان والحركات الإسلامية عامة مع القوات الغربية القادمة من وراء البحار لحرب العراق.

تدرك الرياض بأن هناك خطاً إخوانياُ عابراً للمناطق لم ينتظم في تنظيم واضح المعالم حتى الآن.

وجد ما يشبه الرؤوس فحسب، دونما قاعدة محددة، بل قد تتناوش هذه القاعدة مفاهيم السلفية والإخوانية على حد سواء.

والإخوانية في السعودية مطعّمة بالفكر السلفي الوهابي، لذا قد تعجب حين يقال بأن شخصاً مثل سلمان العودة يوصم بأنه إخواني، رغم أن الرجل ناطح كبار شخصيات الإخوان السابقين بمن فيهم الشيخ محمد الغزالي (انسحب من الإخوان)، ورغم أن معارضته للنظام في التسعينيات لم تكشف عن شيء سوى الغلو في السلفية بما يخالف بشكل واضح منهج الإخوان ومواقفهم حتى من قضايا مثل الوطنية والتعايش وغيرها.

لكن الرياض كدولة وكأجهزة استخبارات، استطاعت التمييز. فالسلفيون لديها فئات: اما رسميون لاخوف منهم، وإما قاعديون في السجون والمعتقلات، وإما انتهازيون تحت النظر. اما الإخوان منهم فتصنفهم خارج هذا الإطار، وتعتبرهم مجموعة متميزة بعينها، لها أهداف سياسية، وتطلعات للسيطرة على الحكم. وقد حدث انه طيلة العامين الماضيين والإعلام السعودي المحلي المدعوم من المباحث وحتى الرسمي يشدد النكير على سلمان العودة، وعلى تحالفه مع القرضاوي. وهذا العودة لم يخف تعلّقه بالثورة على خلاف السلفيين السعوديين، فكتب في الثورة، ثم تقرّب لمصر وصار يكتب مقالات في الأهرام. وكلما فعل العودة ذلك، كلما وجلت العائلة المالكة.

الآن آن لها ان تمدّ رجليها بعد سقوط حكم الإخوان.

وحقّ لها أن تفرح فقد ساقت قاعدتها الى حتفها في سوريا كما العراق، وساهمت في إنهاء حكم الإخوان وقضت بالتالي على آمالهم ـ مهما كانت صغيرة ـ من ان يشاركوا او يصلوا الى الحكم في بلد لم تقرر فيه العائلة المالكة بعد ان هناك شعب يستحق ان يشارك في السلطة.

الصفحة السابقة