الحرية في بلاد السعدان!

شعبٌ مستعبدٌ مغسولَ الدماغ من السلطان ووعّاظه. بقي محاصراً لا يرى أمامه سوى العَلَف الإعلامي الرسمي لعقود طويلة. شعبٌ يرى أن للحيطان آذاناً، وأن ليس له حقوقاً في مزرعة الأمراء، وأن ما يأتيه فبفضل مكارمهم. مثل هذا الشعب: هل يعرف شيئاً عن الحريّة؟

مَنْ وُلِد في السجن، وعاش في السجن، ومات هو وربما أبوه وجدّه من قبل في السجن، هل سيكتشف الحريّة بسهولة؟

الآن وقد صار لديك فم تنطقُ به؛ واكتشفت أن لديك مخلباً فهل ستكون ذاك الذي تحدث عنه الشاعر الشعبي بقوله: (والحر ياكل بمخلابه)؟ وهل اكتشفت أيها المواطن معنى الحرية وأنت تستخدم الهواتف الذكية وتدخل على مواقع التواصل الاجتماعي؟

الحرية ممارسة يومية، شعار كتب على الجدران، إذ بدون النضال اليومي لن يستطيع المواطن تحصيل حريّته، فهي لن توهب له بل عليه انتزاعها وتجربتها حتى يعرفها ويستلذُّ بطعمها. والحرية لا يُحصّلها جاهل، ولا تُمنح لجاهل، وإلا استخدمها ضد حريّة الآخرين: (الحرية لجاهل، كمنح سلاح لمجنون).

كيف تصبحُ حرّاً في مزرعة الأمراء؟ الحرية ليست بالتمنّي، ولا تُنال بالأحلام دون الأفعال، لا بد من دفع ثمن لها. نحن مجتمع يحارب الحرية، وليس النظام الديكتاتوري فقط، وبعضنا بمجرد ان يسمع كلمة حرية فإن أفقه الضيّق يقوده الى معنى واحد لها: الإنحلال والتحرّر من الدين والأخلاق!

تضيق البلاد بأهلها، وكثير من المواطنين يتمنّى الهجرة الى الخارج، لا القتال من أجل الحرية في الداخل. أبداً ليس معنى الحريّة ان تترك بلد الاستعباد، بل أن تقاتل الطغاة في بلد الإستعباد لتكون جديراً بالحرية التي منحك اياها الخالق، حتى لو رآها الأمراء ووعاظهم كائناً تغريبياً منبوذاً.

دعايات سوداء!

لأن الشعب بسيط، والى عهد قريب لم يكن يجد أمامه سوى التصحّر الإعلامي والدعاية الحكومية التي تفتك بعقله، قبل عصر التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الإجتماعي، فإنه كان يصدّق كلّ ما تقوله السلطة من دعايات سوداء مثّلت في جزء منها الأيديولوجيا الرسمية.. فآل سعود أدخلوا الناس في الإسلام وأبعدوهم عن الشرك؛ وهم من جاء لهم بالنزاهة والتقوى والتنمية والأمن والأمان، الى آخر الدعايات الأيديولوجية.

من الدعايات الحكومية السوداء، شحن المواطن بمشاعر أنه يعيش أفضل من غيره بين كل سكان العالم، و(نحن أحسن من غيرنا) قبل أن يصدم متأخراً بالواقع المرّ. خالد الفيصل كتب للمواطن شعراً عنصرياً أصبح يتندر به: (إرفع راسك أنتْ سعودي/ غيركْ ينقصْ وانتَ تزودي). شعر عنصري.

وضع الأمراء لافتات في الشوارع بصورة الملك المؤسس تقول ـ وهو في الحقيقة لم يقل وإنما قولوه بأنه سيجعل الشعب عظيماً وسيستمتع برفاهية لم يعرفها أجدادهم؛ واذا باكثر من ثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر في بلد مدخوله اليومي من النفط وحده مليار دولار او اكثر.

القرآن دستور السعودية؛ كذبة لم يعد الا القليل يصدقونها. ومن شعارات السلطة ودعايتها السوداء: (الأمن والأمان؛ مستهدفين بعقيدتنا؛ لص ممسوس بالجن في اشارة الى احد المشايخ اللصوص الذي تمت تبرئته لان جنياً أمره بالسرقة؛ لحوم الوعاظ مسمومة؛ حدّثني ثِقَهْ ثم يأتي بالأكاذيب؛ وان المرأة تعيش ملكة في السعودية؛ نحكم بشرع الله؛ محسودين على الأمان؛ نحن الفرقة الناجية؛ محمد بن عبدالوهاب جدّد الدين).

تبرير الفساد أنتج لنا مقولة (البطانة الفاسدة هي السبب).. دعاية رسمية لم تعمّر طويلاً فبعد أن استشرى الفساد لم يعد القاء التهم على الأدنى وتبرئة الملك بعدم الدراية أمراً مُصدّقاً.

مجتمع الأقنعة

هل المجتمع السعودي متديّن؟ سؤال مهم وفي الصميم. فكثير من المسلمين وغير المسلمين في الخارج يعتقدون ان شعباً توجد به الأماكن المقدسة، وبين ظهرانيه فئة متطهّرة تزعم أنها وحدها من امتلك الحقيقة الدينية، وانها تحمل رسالة التوحيد الصحيح الى العالم. في بلد تقول حكومته أنها الوحيدة التي تطبق الشريعة بصدق وإخلاص، وفي بلد مفرط الغنى يفترض أن لا يكون فيه فقراً كافراً يحتاج الى سيف لمقاتلته. في هكذا بلد يتوقع العالم ان شعبه سيكون في قمّة الإيمان والطهارة. فهل هو كذلك؟

كيف ينظر السعوديون الى تديّنهم؟ الأغلبية الساحقة من المواطنين يقولون بأن مجتمعهم غير متديّن، يفشو فيه النفاق والإلحاد. الشيخ الدكتور سعد الدريهم يقول انه مجتمع غير متدين لأنه ينظر بدونية لغيره نظرة ملؤها الإحتقار والإزدراء؛ ولأنه مجتمع يتربّعُ على رصيد ضخم من الفساد، لذا لا يمكن أن يكون متديّناً. والصحفية عهود الأخضر كتبت عن (مجتمع الأقنعة) ورأت ان المجتمع السعودي متدين جداً (ولكن ليس بدين الله بل بدين الشيخ والعادات والتقاليد، فهم مهووسون بتحسين مظهرهم الديني) فقط. وترى المجتمع بأنه يطوّع الدين خدمة للأهواء، ويدرس انه لا فرق بين عربي وأعجمي وهو عنصري حتى بين المواطنين انفسهم.

إن المظاهر العامة والمعاملات لا تدلّ على تديّن؛ حتى الغلالة الدينية التي تغطي الناس بمظهرها ليست حقيقية، بل مفروضة على المجتمع. ثم ان التدين يقاس بطاعة الله، لا بطاعة الطغاة!

الصفحة السابقة