هل يفكر الأمراء بحظر الإنترنت كليّة؟

مع تويتر: مملكة الصمت بلا ستر!

محمد شمس

لازالت السلطات الأمنية السعودية في سباق مع الزمن من أجل كباح تغوّل تأثير مواقع التواصل الإجتماعي؛ فرغم التحذير والفتاوى الدينية منها، ورغم العقوبات القاسية التي تصل الى ١٥ سجناً، ورغم استحداث انظمة رقابة شديدة كلفت السلطات عشرات الملايين من الدولارات، إلا ان المواطنين لازالوا يمارسون التعبير عن آرائهم بقليل من التحفّظ، أو التعبير بغير أسمائهم الصريحة، خشية الملاحقة.

المتحدث الأمني بوزارة الداخلية منصور التركي، نفى الإشاعات التي تتحدث عن حظر الإنترنت كليّة، واستبعد ان تكون هناك حاجة لذلك، مركّزاً على ما أسماه بـ (تحصين المجتمع)؛ محذراً من الشائعات التي تخدع المواطنين حسب رأيه، بل وتخدع منظمات عالمية لها ثقلها!

وإزاء ما يسمّى بـ (جيش تويتر) الحكومي أو (البَيْض) وهم عملاء السلطات الأمنيين في مواقع النت، الذين يروجون الإشاعات والإتهامات، ويقومون باختراقات لحسابات الخصوم، فإن التركي نفى وجود هؤلاء وقال ان ذلك مجرد اشاعات.

وبثّت وزارة الداخلية تحذيرات للمواطنين عبر الهاتف الجوال، تهددهم مما أسمته إفشاء الأسرار الحكومية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومذكرة بأن العقوبة تصل الى عشرين سنة سجناً الى جانب الفصل من العمل والغرامات المالية الضخمة حسب تعبيرها.

وفيما نفت هيئة مكافحة المخدرات ملاحقة من يسخر من تغريداتها على تويتر، قالت لجنة رقابية في وزارة الإعلام بأنها حجبت عشرات المواقع الإلكترونية في غضون خمسة أشهر بمبرر مخالفتها حقوق الملكية الفكرية؛ ولكن اللجنة لم تكشف العدد الكلي للمواقع الإلكترونية المحجوبة في المملكة، والتي يقدرها البعض بأكثر من ثلاثمائة ألف موقع عربي وأجنبي. وتعتبر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (والتي تسمى شعبياً بمدينة الحجب) المسؤولة الأساس عن مراقبة الإنترنت وحجب المواقع.

من جهة اخرى، تستمر محاكمة ثلاثة من المحامين لعدم التزامهم بأوامر وزارة العدل بعدم الكتابة في تويتر، وقضت في حكم ابتدائي بتغريم المحامين الثلاثة مليوناً ومائتين وخمسين ألف ريال (نحو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ألف دولار) وذلك بتهمة تشويه القضاء والتحريض على وزارة العدل التي أصبحت ـ برأي البعض ـ فرعاً من أفرع وزارة الداخلية.

يأتي هذا، في وقت تتشدد السلطات أكثر فأكثر بشأن الخطباء من ذوي الميول السياسية والدينية المغايرة للنظام، وقد فصلت ثلاثة خطباء في فترة سابقة؛ فيما توعّد مدير عام الشؤون الإسلامية أيّ خطيب او داعية بالمساءلة والإيقاف في حال ارتكب مخالفات تتعلق بمواضيع الخطب التي تفرضها الوزارة.

وفي اطار المحاكمات التعسفية لأصحاب الرأي، حكم قضاء النظام بسجن شابين من القطيف، شرق السعودية، خمس سنوات وست سنوات والمنع من السفر لذات المدة بعد قضاء فترة السجن، وذلك بتهمة «تأسيس موقع على الإنترنت لإثارة الفتن»، بحسب الادعاء. وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية جملة اخرى من التهم التي وجهت للمواطنين، بينها : نشر مقالات لأحد «أكبر مثيري الفتنة في العوامية» في محافظة القطيف، ويقصد به على الأرجح الشيخ النمر، وكذلك (نشر صور للمظاهرات وإرسال الأخبار والمواد المصورة) و (تأييد عدد من المواقع الالكترونية المناوئة للدولة والتي تحرض على التظاهرات)، اضافة الى (حيازة عدد من المطبوعات الخاصة بمتابعة المواقع).

والأكثر من هذا، فقد تفاجأ مستخدمو موقع يوتيوب للتواصل الاجتماعي في السعودية بحجب السلطات آلية رفع الفيديوهات كمقدمة لنشرها للرأي العام. وخلال دقائق كان هنالك هاشتاغ بالمناسبة يسخر من عقلية الحجب الرسمية؛ وكيف ان اضافة حرف واحد تمكّن المستخدم من تجاوز الحجب.

تجدر الإشارة الى ان السعودية والإمارات تعتبران ـ حسب وثائق كشفت عنها ويكيليكس في سبتمبر من العام الماضي ـ من البلدان الأساسية في شراء معدات مراقبة الإنترنت، وقراءة رسائل البريد الألكتروني، واكتشاف الرموز السرية وغيرها. وسبق ان اعتبرت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين السعودية من بين أكثر دول العالم فرضاً للرقابة على الإنترنت، حيث حازت المرتبة الثامنة بين أسوأ دول العالم في مراقبة الإنترنت عام ٢٠١٢، خاصة فيما يتعلق بالإحتجاجات في المنطقة الشرقية.

هذا ولم يبق من مؤسسات الدولة وشخصياتها إلا وحرّض على معاقبة المغردين والكتاب؛ ابتداءً من الملك نفسه وولي عهده والعديد من الوزراء والوزارات، اضافة الى مشايخ السلطة، وكتابها في الصحف، وخبرائها في الأمن، وحتى المحامون الذين يفترض فيهم الدفاع عن حقوق المواطنين الأولية في حرية التعبير. وتشعر السلطات السعودية بأن فقدانها السيطرة على الفضاء الإلكتروني يجعلها عرضة لنقد لم تتعود عليه، وتسقيطاً لرمزية آل سعود وحقهم في الحكم، وتشهيراً بالمؤسسة الدينية وفسادها بعد ان كانت محصنة ضد النقد.

الصفحة السابقة