الدولة المكروهة

سؤال طرح في الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001: لماذا يكرهوننا؟ وتكفّل الباحثون والاعلاميون الأميركيون بالإجابة عن السؤال، حين حدّدوا بالدقة السبب الجوهري المسؤول عن الكراهية للولايات المتحدة، الإدارة الحاكمة وليس الشعب، وهي السياسات الأميركية في العالم والقائمة على أساس الهيمنة وسرقة خيرات الشعوب ودعم الأنظمة الشمولية، وتوفير الغطاء المالي والاعلامي والقانوني والعسكري للكيان الاسرائيلي المحتل الذي يقوم هذه الأيام بجولة إجرام جديدة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة فيما تكتفي واشنطن بالعبارة الماجنة «ضبط النفس» في وقت يتزايد فيه أعداد الضحايا، وتسوَّى البيوت بالأرض بفعل الصواريخ والغارات الحربية الاسرائيلية..

سؤال الكراهية سوف يطرح عمّا قريب ولكن هذه المرّة في إطار إقليمي. ولنفس السبب الذي جعل الولايات المتحدة مكروهة، فإن المملكة السعودية أصبحت اليوم أقرب الى الدولة الأشد مقتاً ونبذاً في العالم. فلا يكاد يذكر إسمها حتى تجد كل من يسمع به يمطرها بالشتائم واللعنات لما اقترفته من جرائم في أرجاء مختلفة من العالم، وفي مقدمها منطقة الشرق الأوسط..

لا يختلف الموقف بين المواطن المغربي وشقيقه العراقي أو اللبناني أو المصري أو التونسي، فكل له من المبررات ما يكفي لكراهية هذه الدولة. في المغرب مثلاً يطلقون وصفاً تهكمياً على السعودي، لا يعرفه سوى المغاربة أنفسهم أو من يتداخل معهم، ويرتبط الوصف بممارسات هذا القادم من الشرق ليفرغ ما في جعبته من انحرافات ومخازي.

لو قدّر لأمراء آل سعود إرسال فرق محايدة لاستطلاع مواقف الشعوب العربية منهم ومن نظامهم لما وجدوا إلا من يكيل لهم شتماً وشماتة، ويتطلعون الى اليوم الذي يزول فيه كيانهم كيما يرتاح العالم من بلاءاتهم.

ومع انخراط مواطنيهم من أتباع المذهب الوهابي في الأعمال الارهابية، تزداد كراهية هذا النظام وسط الشعوب. وما كان يقوله البعض في دوائر ضيقة صار آخرون يدعون صراحة لاسقاط مملكة آل سعود كونها أصبحت مملكة الشر والجريمة.

من يرصد مساحة السخط المتمددة في في العالم حيال السياسات السعودية يدرك تماماً مفعول المال الذي لا يزال يتدفق على ال سعود والذي يشكل رافعة لهم حيال ثورة عالمية ضد نظامهم وقد يؤول الى تقديمهم الى محكمة جنايات دولية لمقاضاتهم على ما تورطوا في دماء الأبرياء في أرجاء مختلفة من العالم..ولكن المال لا يدوم كما صبر الضحايا لن يدوم للأبد.

قد يسمع آل سعود ما يسرّهم خصوصاً من أولئك المنتفعين الذين أدمنوا منافقتهم في الإطراء وتدبيج عبارات التملّق، وهؤلاء من يحفروا لهم حفرة الهلاك لأنهم يضللونهم ويخفون عنهم الحقائق الساطعة، خصوصاً ما يتعلق منها بموقف الشعوب إزاء دولتهم، لأن أقسى ما يصيب الدول والكيانات أن تتحوّل الى كيانات ممقوتة ويُفرَحُ لما يصيبها من أذى وضرر..

اعتقد آل سعود بأنهم بالمال يقدرون على تعويض ما فاتهم من حب الناس، وشراء ولاءات المواطنين وصنع الحلفاء في الخارج. ما لا يدركون حقيقته أو يدركونه ولكن لا يريدون تحمل العواقب، أن من يتلقى المال منهم لا يجهل حقيقتهم، فهو يأخذ منهم المال ويرى بأن لا حسنة لهم فيه بل صار يعتقد بأنه يأخذ حقاً له، وأن المال الذي بيد آل سعود نزل عليهم عن طريق الخطأ وهم سرقوه لأنه ليس لهم في الأصل.

أما الدول التي تتلقى معونات ومساعدات منهم فلها فلسفة أخرى. خذ مثلاً الأردن الذي يتلقى من السعودية والكويت والإمارات مساعدات مالية شهرية، فإن حكومته توصل رسائل الى خصومها الظاهريين بأنها مضطرة لأن «تساير» دول الخليج لأنها تتلقى مالاً تدفع به مرتبات موظفيها، والا فهي على النقيض مع هذه الدول في سياساتها، وقد تقدم على لعب دور «عميل مزدوج» لكي ترضي الحليف والصديق والخصم الظاهري..يحتفظ بندر بن سلطان وابن عمه سعود الفيصل بمعلومات دقيقة حول هذا الدور، وكيف أن المخابرات الاردنية كانت تسرّب معلومات للجانب السوري حول أسرار المعارك التي تخطط لها السعودية وحلفائها من الجماعات المسلّحة بالتعاون مع الاسرائيلي والبريطاني والاميركي والفرنسي. لم تفعل الحكومة الاردنية ما يراه آل سعود خطئاً، بل هي تعتقد بأن هذا هو الفعل الصحيح، خصوصاً في بلد يقع بين مجموعة دول قوية متخاصمة..

مصر السيسي، وبخلاف ما يعتقد ال سعود بأنهم وضعوها في الجيب، وبات تحت إمرة «أبو متعب» يفعل به ما يشاء، فيأمر وينهى تماماً مستحضراً صورة السيسي وهو يصعد الى طائرة الملك الخاصة للسلام عليه وتقبيل رأسه والاستماع لنصائحه.. ما يعرفه آل سعود أن مصر أكبر من أن تهضم، وأن السيسي الذي يعرف ماذا يريد من السعودية ويعرف أيضاً متى يرفض ما يريده آل سعود منه، يسخر من تمنيات شيوخ النفط، وقد أوصل رسالة واضحة لمن يهمه الأمر بأن السعودية ليست بالقوة التي يمكن المراهنة عليها، وأن دورها لا يتجاوز مجرد محفظة مالية ضخمة يمكن استخدامها دون تقديم تنازلات من أي نوع لها.

الرسائل التي بعث بها السيسي الى بشار الأسد ونوري المالكي لا تحمل لبساً وليست سرّية بل هي على النقيض مع السياسة السعودية. التعاون بين الاجهزة الأمنية والعسكرية المصرية مع نظيرتها السورية يبدو في أعلى مستوى، بل هناك من يؤكد أن السيسي بعث برسالة تهنئة لبشار لفوزه بولاية ثالثة، فيما أظهرت مواقف السيسي من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية في العراق ورفضه التقسيم وتأييده لسياسة مكافحة الارهاب دعماً للمالكي شخصياً..

لو طاف آل سعود على شعوب العالمين العربي والاسلامي وكشفوا عن مكنوناتها لما وجدوا الا الكراهية لهم وما فعلوه وما يفعلوه الآن ضد مصالح العرب والمسلمين وقضاياهم العادلة، وسوف يفيقون يوماً على سؤال سوف يطرحونه علانية: لماذا يكرهوننا؟

الصفحة السابقة