مَن يُلقم الآخر سمومه؟   اردوغان في الرياض: إرث العثمانيين حاضر!

هل يتفوق منطق الجغرافيا على التاريخ؟

تحالف الأعداء بين أنقرة والرياض

هيثم الخياط

تبحث الرياض عن قوى اقليمية تواصل استراتيجية القائمة على استمرار معاركها السياسية مع ايران! وهي ترقب بقلق اقتراب الدخان الأبيض كنتيجة للإتفاق النووي الإيراني، ما يجعلها تحت وطأة النفوذ الإيراني، تماماً مثلما كانت أيام شاه ايران! كما يقلص من قيمة السعودية استراتيجياً بنظر حلفائها الغربيين.

راهنت الرياض على حرب أميركية عسكرية ضد إيران بحجة مشروعها النووي، وأعلنت ـ حسب ويكيليكس ـ أنها على استعداد للمشاركة فيها بالمال دون الدمّ! لكن حماسة واشنطن ـ الخارجة من جحيم العراق والمتورطة في أفغانستان ـ تضاءلت، فاستاءت الرياض، ولكنها لم تفقد الأمل.

كما راهن الأمراء السعوديون على رعونة الصهاينة الذين يهددون بشنّ الحرب على طهران وحدهم دون الرجوع الى أمريكا؛ لكن الجبناء الذين لم يستطيعوا التغلب على لبنان ولا على غزّة، هل سيجازفون بحرب مع ايران؟ تراجع الصهاينة رغم الحاح السعودية، فما كان من المسؤولين الصهاينة الا القول بأن اسرائيل لن تحارب بالنيابة عن الآخرين، في اشارة الى السعودية!

انتقل الجهد السعودي بعدها الى تعطيل الإتفاق النووي، بالتعاون مع اللوبي الصهيوني في امريكا، والتحالف مع اعضاء الكونغرس اليمينيين والصهاينة. ودفع الأمراء مليارات الى الرئيس الفرنسي هولاند ليلعب الدور المتشدد في المفاوضات، ولكن الى حين، فقد أخذ الأموال ـ كما فعل باسم سوريا من الخليجيين ـ ولكنه لم يستطع او لم يرغب ان يغرّد خارج السرب الغربي.

العالم الغربي الحليف للسعودية يتجه للصلح مع ايران، وحل الملف النووي، الذي ستكون تبعاته السياسية كبيرة وثقيلة على الرياض وتل أبيب.

لكن من بقيَ يريد مواصلة المواجهة والصدام، ولماذا؟ حتى الأردن، زار وزير خارجيتها الى طهران مؤخراً ما أزعج الرياض؛ والمغرب التي قطعت العلاقات مع طهران قبل ثلاث سنوات بحجة البحرين، أعادت العلاقات من جديد؛ وحتى مصر السيسي مستاءة من الإبتزاز السعودي، فكل دول الخليج لديها علاقات وسفارات مع طهران، في حين يراد لمصر بالذات ان تبقى بلا سفارة، وأن تتقمّص دور المخلب الذي لا يمكن لها أن تجيد تمثيله.

الآن تتجه السعودية لتفعيل دور تركيا والباكستان في مواصلة المواجهة مع إيران. وهنا سؤالان:

الأول ـ لماذا تصرّ الرياض على مواصلة المواجهة ورفض الحوار الذي طالما دعا اليه ظريف؟ المحللون الاستراتيجيون يتفهمون قلق الرياض من تبعات الاتفاق النووي الإيراني على نفوذها السياسي المتآكل اصلاً في المنطقة، لكنهم لا يتفهمون كيف ان دولة بلا خيارات مواجهة مباشرة، تسعى الى المزيد منها، مهما كلّفها من خسائر؟ كيف للرياض اعتماد استراتيجية حرب او مواجهة مع دول أقوى منها، ولكن بغير جيشها او قواتها المسلحة، وكل رأسمالها هو المال، وكأن غيرها لا يمتلك شيئاً منه.

أيضاً يمكن تفهّم حقيقة أن الرياض قد لا تريد ان تحاور من موقع الضعف، وبالتالي فهي تريد أن تعدّل موازين القوى على الأرض، سواء من خلال الأزمة السورية او العراقية او غيرها، قبل ان تقدم على خطوتها. لكن لا يمكن معرفة مدى صوابية هذا الخيار بعد أن شارفت الحرب ان تضع أوزارها، فأسياد آل سعود قرّروا أن الحرب مكلفة وغير ممكنة، وان الحوار هو الطريق الوحيد، خاصة وأن الرياض نزفت الكثير من نفوذها طيلة السنين الماضية، بما فيها عام التفاوض الايراني الغربي، ولا أدلنا على ذلك ما جرى في اليمن؛ فكيف يمكن ان تتوقع الرياض انها ستتمكن من تحسين وضعها من خلال المواجهة؟ لماذا ـ مثلاً ـ لا يكون الحوار مع ايران طريقاً للحفاظ على ما تبقى لديها من نفوذ، أو لاستعادة بعض النفوذ الضائع من خلال رسم حدود الخلاف بين البلدين من خلال التفاهمات؟

الثاني ـ لماذا تشعر الرياض بالوحدة والتيه وضياع البوصلة؟ ولماذا يفترض الأمراء أن هناك أحدٌ ما في دولة ما سيواصل معاركهم ومن اجل مصالحهم هم؟ لماذا تفترض الرياض أن تركيا او الباكستان اللتان ترتبطان بحدود طويلة مع ايران، ولديهما مصالح مشتركة بعشرات المليارات يمكن لهما أن يضحيا بأمنهما الإقليمي بل واستقرارهما، فقط لأن الرياض تريد ذلك شفاءً لأحقاد أكثر منها بحثاً عن منافع؟

السيسي للمرة الثانية في الرياض

اجتمع اردوغان في الرياض في الثاني من مارس الجاري بالملك سلمان؛ وفي الرابع من مارس اجتمع الملك مع رئيس الوزراء الباكستاني الذي وافقت بلاده على ارسال ثلاثين الف جندي لحماية السعودية، تماماً مثلما فعلت أواخر السبعينيات الميلادية الماضية. العنوان العام هو تخفيف حالة الضياع السعودي، والبحث عن حليف تلجأ الرياض اليه، فهي لم تعد تثق كثيراً في واشنطن؛ في حين ان القاهرة لا تستطيع ان توفر لها ما تريده، مع أن الرياض وافقت على تشكيل قوة عربية (مصرية بالأساس) لمكافحة الإرهاب، والحقيقة هي ان غرض القوات المقترحة: التدخل في اليمن لصالح السعودية، في حين تريدها مصر ذراعاً لها للتدخل في ليبيا على أن تدفع دول الخليج الأموال مقابل تلك القوات.

تحديداً، ماذا تريد الرياض من تركيا؟ فإذا كانت الباكستان موثوقة من الرياض، فإن اسطنبول كما القاهرة غير موثوقتين، نظراً لأنهما أسقطتا الدولة السعودية الأولى والتي لازالت مرارتها باقية في حلوق الأمراء؟ كيف ستوفي الرياض تركيا حقها فيما لو أرادت الانسجام مع السياسة السعودية؟ فتركيا لا تستطيع ان تتمدد جنوباً اذا ما صارعت ايران والعراق وسوريا في آن واحد؛ ولا اسطنبول مستعدة لخسارة ثلاثين مليار في تبادل تجاري مع طهران، وأربعة عشر مليار دولار في تبادلها التجاري مع العراق.. هل ستعوض الرياض تركيا عن هذا كله؟

زد على ذلك، فإن تركيا مرتبطة بحلف الناتو، فهل تستطيع الرياض أن ترسل عسكر تركيا للحرب مع طهران، ولماذا؟ وهل ستقبل الرياض او تستطيع ان تبرم صفقة تتنازل فيها لتركيا عن دعم السيسي وترفع جماعة الاخوان من قائمة الإرهاب؟

اما الباكستان فمشاكلها اكثر من ان تحصى، والشارع فيها بدأ بالإنقلاب على الأيديولوجية الوهابية منذ جريمة قتل المئات من التلاميذ في إحدى المدارس قبل بضعة أشهر. الباكستان تقترب من ان تكون دولة فاشلة، فهل هي قادرة او راغبة او لديها المبرر حتى بأن تفتح لنفسها جبهة مع ايران، في حين ان لديها جبهات أخرى مفتوحة في افغانستان والهند؟

كل الدول سواء تركيا او الباكستان او مصر لن تخوض حرب السعودية العمياء المركّبة على أحقاد طائفية وصراعات غير مبررة. المنطقة تقترب من مرحلة التهدئة السياسية، وتحاول ان تقلع شوك السعودية الوهابي المتمثل في القاعدة وداعش واضرابهما. لا احد يبحث عن حروب. لكن الكثير من الدول قد تطمع في المال السعودي، ولكنها لن تدفع ثمن ذلك دماً وعدم استقرار كما تريد الرياض، فالمال هنا ومهما تعاظم حجمه، لا يغطّي تكاليف الدم وعدم الاستقرار.

غداة زيارة أردوغان الى الرياض، طمع الاخوان ـ الخليجيون منهم بالذات ـ وروجوا لتحالف سنّي باكستاني سعودي تركي يواجه ايران، واستثنوا مصرَ منه؛ في حين روّج سعوديون آخرون لتحالف تركي سعودي مصري لتحقيق ذات الغاية؛ في حين أن النسخة الأصلية للتحالف المقترح من قبل إيران هو تحالف يضبط ايقاع الصراعات في المنطقة تشترك هي فيه مع مصر وتركيا!

زيارة أردوغان

المقالات التي كتبت عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى الرياض في 28 فبراير الماضي تحوم في أغلبها حول تمنيات أكثر منها حقائق. ببساطة، إن مثل تلك المقاربات تنطوي على إحباط إزاء المتغيرات على الأرض التي تصب لغير صالح المعسكر الذي تشارك فيه السعودية، فيجري التعويض عنه برسم صورة وردية لعالم يطلقه الخيال الخصب المشفوع بالتمنيات.

في اللحظة التي أعلن فيها عن زيارة أردوغان والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام، لم تكف أقلام المتفائلين والمحبطين على السواء عن الحديث عن تحالف تاريخي سوف يسفر عن قمة سلمان أردوغان..أكثر من ذلك، ولأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدين، ينبري مجموعة من المحسوبين على التيار الصحوي الاخواني في المملكة الى تخصيص عدة هاشتاقات للترحيب بأردوغان في المملكة، وإفراغ قائمة التمنيات التي يرجوها أعضاء التيار من القمة السعودية التركية.

كان الربيع العربي محطة فاصلة في العلاقة بين أنقرة والرياض، فقد ساندت القيادة التركية الثورات في مصر وتونس وسوريا مؤملة وصول جماعات الاخوان المسلمين الحليفة لها الى الحكم، فيما كانت الرياض تكيل اللوم لواشنطن لتخليها عن مبارك مصر، وتستعد لقيادة الثورة المضادة. وبرغم التنسيق بين الرياض وأنقرة في الملف السوري، الا أن إسقاط محمد مرسي بفعل مؤامرة قادتها السعودية والامارات بأموال النفط، دفع الى توتر صامت في العلاقة بين الرياض وانقرة.

يرى مراقبون بأن موت الملك عبد الله وتولي سلمان الحكم، فتح الباب مجدداً أمام فصل في العلاقة بين البلدين، ينظر اليه المتفائلون على أنه مختلف عن سابقه، والسبب في ذلك هو التحديات الاقليمية. فالمطلوب هو تعاون مشترك لمواجهة ايران، التي ينظر اليها الاتراك والسعوديون بأنها باتت أكثر قوة من ذي قبل في العراق وسوريا واليمن ولبنان، بل وتسير بثبات نحو اتفاق نووي مع الغرب، الأمر الذي قد يطيح برؤوس كبار في المنطقة.. فالمتغير الإقليمي هو الذي فرض نفسه على العلاقة بين الرياض وأنقرة، وليس بسبب انتقال السلطة من عبد الله الى سلمان.

راهنت السعودية وتركيا على دور اسرائيلي فاعل في الغرب ـ والولايات المتحدة على وجه الخصوص ـ لإخراج ايران من المعادلة الدولية، وتعطيل الاتفاق المرتقب مع 5+1؛ ولكن بدا واضحاً ان آخر الأوراق التي لجأ اليها رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بخطابه في الكونغرس في 3 مارس الجاري كانت يابسة وبلا فائدة، بل إن البيت الأبيض بدا مرتاحاً في مواجهة الضغوطات المتوقّعة التي يمكن أن تفرض عليه من الكونغرس أو حتى من حلفائه في الشرق الأوسط. لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في الرياض يأتي لطمأنة هذه الدول الى أن الاتفاق النووي ليس موجهاً ضدهم بل لنفعهم كونه يضمن عدم صناعة ايران لقنبلة نووية.

على أية حال، فإن أردوغان التي تبدو علاقته بالغرب عموماً فاترة، يجد نفسه أمام خيارات صعبة. خسر فرصة الانضمام للاتحاد الأوروبي على الأقل في المدى المنظور، ولا سبيل أمامه سوى الإنخراط في قضايا عرب الشرق الأوسط، وإن تطلب المزيد من صنع المشاكل والمتاعب للدول التي تقع خارج نفوذه أو يريد تخريب نفوذ الآخرين فيها.

خارج نطاق ما جرى التفاهم بشأنه بين أردوغان وسلمان، فإن أنصار الرجلين يتطلعون الى تحالف استراتيجي وليس الى تفاهم تكتيكي، يستهدف قضايا آنية. والحال، أن البلدين عاشا تجارب سابقة في التفاهم والتنسيق، ويدركان المدى الذي يمكن أن تصل اليه العلاقة بينهما. والا مالذي يدفع الرياض للاستعانة بجنود من باكستان وتتعاون معه عسكرياً وهي الحليف البعيد فيما تسقط تماماً فكرة الاستعانة بتركيا أو بمصر وهما الأقرب جغرافياً؟!

الى السعودية: زيارة.. وتجارة!

يضع بعض الكتاب حاجة تركيا والسعودية الى تحالف استراتيجي يضم اليه مصر في إطاره المذهبي، أي بناء حلف سني في مقابل حلف شيعي تقوده إيران. ويتغافل هؤلاء عن طبيعة العلاقة الحيوية التي تربط ايران وتركيا وهي ضرورية للبلدين على المستويين الشعبي والرسمي.. ولذلك، يحاول الطرفان التركي والايراني عدم الاقتراب من نقاط التماس المتفق عليها بينهما، وإن التجاوزات التي تحصل تقع في المساحة المختلف عليها وفي الغالب تكون لمرة واحدة أو مرات نادرة.

كفّة المصالح في العلاقة بين الرياض وأنقرة هذه الأيام راجحة على كفّة الخسائر، بنظر البعض، وهناك معادلات إقليمية وتحدّيات قريبة تفرض زيادة التنسيق والتعاون الى درجة أكبر، وسوف يقتصر ذلك على الجانبين السياسي والامني. فالسعودية لم تعد الدولة القادرة على دفع الأموال كما كانت تفعل في السابق، ولذلك فإن الاهداف التي تتوخاها من وراء تعاون ما مع تركيا لن تكون محض سعودية، ولن تكون محض استراتيجية.

الذين يتطلعون الى التحالف الاستراتيجي بين أنقرة والرياض يدعون الى تجاوز التاريخ والانحباس في الجغرافيا، والحال أن التاريخ ليس مجرد حوادث غابرة، بل هو نهج ورؤية وعقيدة وهذا ما لا يمكن تجاوزه، وإن التنافر والريبة والحذر ستحكم العلاقة بين الرياض وأنقرة في كل الأحوال، وإن الوقائع الجديدة على الأرض قد تملي عليهما تفاهماً عابراً ولكن لن يلغي التاريخ كما لن يلغي التباين بينهما، وإلا نكون أمام انصهار تام بين كيانين متناقضين.

ولنتوقف عند المثال المصري، الذي يفترض أن يكون أخف وطأة من المثال التركي، وبالرغم من محاولات السعودية لناحية إخضاع مصر تحت إرادتها عن طريق المساعدات، فإنها لم تنجح حتى في أشد حالات مصر ضعفاً وعوزاً، وما التسريبات التي راجت مؤخراً من مكتب السيسي، وما اشتملت عليه من مواقف حول السعودية ودول الخليج سوى الحقيقة التي يضمرها رؤوساء مصر في كل المراحل، ويدركها قادة الخليج في كل المراحل أيضاً، ما يجعل التعاون والتنسيق بين هذه الدول في محدوداً وإن طال به الزمن.

أولئك الذين يطالبون بحلحلة ملف حركات الاسلام السياسي في مصر في ضوء التعاون السعودي التركي يحثّهم الأمل المبالغ بأن تقع معجزة تاريخية بأن تسوّى كل المشكلات والتناقضات بضربة حظ واحدة لا تتكرر.

من الطريف أن بعض الكتّاب يفرض أجندة على التحالف التركي السعودي بما يتناسب وتوجّهاتهم السياسية والايديولوجية، فيريدون مثلاً من تركيا أن تقنع الاخوان المسلمين بالتخلي عن «التنظيم الدولي» للجماعة بما يزرع الثقة لدى حكومات الخليج، وهل التنظيم الدولي سوى التجسيد العملي لفكرة الأمة التي لو تخلّت الجماعة عنها لفقدت هويتها ومبرر وجودها ومشروعيتها وسط جمهورها العريض.

تبدو إيران الحاضرة بسطوة في الدعوة لبناء تحالف استراتيجي شامل يضم تركيا والسعودية الى جانب مصر التي يجري تكييفها تدريجاً كيما تكون مؤهلة للإنضمام الى التحالف بعد أن تسوّي مشكلاتها مع الاخوان المسلمين ومع تركيا، ويراد من السعودية أن تلعب دوراً في إقناع مصر بتحسين أوضاع حقوق أفراد الاخوان المسلمين، وصولاً الى صيغة مصالحة بين النظام المصري والجماعة، تكون جزءً من اشتراطات التحالف السنّي لمواجهة ايران الشيعية! والطريف أن التحالف رغم شموليته بحسب رغبة كتّاب سعوديين وخليجيين.. الا أنه ينتهي في الأخير الى نقطة واحدة أو بالأحرى الى هدف وحيد هو مواجهة ايران، ووقف تمدّد نفوذها في العراق وسوريا واليمن، والأطرف حين يكون هذا التحالف الاستراتيجي ليس سنيّاَ بصورة كاملة، بل لا بد أن يكون مدعوماً بتحالفات دولية لضمان نجاحه، بحسب الكاتب السعودي عبد الله البريدي في مقالة له بعنوان: (سلمان/ أردوغان.. من التاريخ الى الجغرافيا)، والمنشورة في «الجزيرة نت» في 1 مارس الجاري.

بدت شروط التحالف كما يقترحها كتّاب سعوديون وخليجيون تعجيزية، وإن الضمانات الكفيلة بصون وحماية التحالف المأمول بين أنقرة والرياض بلغت من المثالية والرغائبية بحيث كشفت عن صعوبة ـ إن لم يكن استحالة ـ تحقّق مثل هذا التحالف. فالبعض يقترح توفّر عناصر مثل الاسناد الشعبي وآخر الدولي وربما تعضيد من السماء، وتحسّن المنّاخ، وارتفاع اسعار النفط، وخلو الدولتين من فاسدين ومغرضين ومنتفعين وخصوم، وهدوء في البلدين يسمح بالعمل دون عوائق.. و..و.. وفي نهاية المطاف نكون أمام وضع مستحيل.

على أية حال، فإن أردوغان حين زار المملكة حمل معه أجندته الخاصة، نكتشف ذلك من طبيعة الوفد المرافق له. فهو في الوقت الذي يعرض خدماته السياسية والامنية يقبض ثمنها في الإقتصاد، وهو ما تكفّل وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي ورجال الأعمال الأتراك المشاركين في وفد أردوغان عرضه في الزيارة.

المصالحة التركية المصرية في السعودية حسمها الخصمان أردوغان والسيسي، فقد نفى الرجلان المصالحة قبل أن تطأ أقادمهما مطار الرياض، فأردوغان قال بأن «اللقاء مع السيسي غير وارد، ولا يوجد ذلك على أجندتنا على الإطلاق، ولكي يحدث مثل هذا الأمر، يتوجب الإقدام على خطوات في مسار إيجابي بشكل جاد للغاية». وردّ عليه السيسي أيضاً بأن طلب من نظيره التركي الكف عن التدخل في شؤون مصر الداخلية، وأضاف الى ذلك إجراءات بالغة الدلالة من بينها أحكام الإعدام ضد قادة الاخوان، وتصنيف حركة حماس كمنظمة إرهابية. بل إن السيسي عاد من الرياض مستاءً بسبب طريقة تعامل الملك سلمان معه في سؤاله عن مصير المساعدات الخليجية التي قدّمت الى مصر في المرحلة السابقة.

الى جانب ذلك، فإن المراقب لأداء القيادة التركية يلحظ البطء في التعاطي مع ملفات السياسة الخارجية، وتنأى عن خوض معارك في المناطق المحرّمة التي تضرّ بمصالحها الحيوية، بل تعمل على أساس أن تكون لها الكلمة الفصل في هذه المناطق خصوصاً في العراق وسوريا. ولذلك فإن أقصى ما توصّلت اليه أنقرة مع الرياض هو تدريب المعارضة السورية المعتدلة، وهو يأتي في سياق اتفاق سعودي أميركي تركي.. أما مصر فهي دون ريب خارج هذا الإتفاق وتميل الى التنسيق مع النظام السوري الذي تعتبره شريكاً حيوياً لها في المستقبل.

البراغماتية التركية تفرض الانتظار لما سوف يسفر عنه مسار التفاوض بين ايران و5+1 حول الملف النووي؛ لأن أي اتفاق سيخرج به سوف يغيّر معادلات المنطقة، لا ننسى أن ايران ليست مصدر تهديد مباشر للأمن القومي التركي، قد يكون كذلك بالنسبة للسعوديين، بل هناك اتفاقيات جنتلمان بين أنقرة وطهران تحول دون الوصول الى نقطة القطيعة أو الحرب بين الدولتين.. فهما يتناوشان في مناطق الآخرين، ويلعبان في أراض الغير، وليس في ذلك ضير بالنسبة لهما، ولذلك من غير الممكن أن تجد شبكة تجسس تركية في ايران أو العكس، أو عمليات سرية مسلّحة تقوم بها إيران ضد تركيا أو العكس.

تبدو آفاق التعاون بين تركيا والسعودية معروفة ومحدودة وتتركز حالياً في الملف السوري، وهناك كلام عن تنسيق مستجد في الملف اليمني مع محدوديته بالنسبة لتركيا التي سوف تلعب مجرد دور لوجستي كتسهيل انتقال المقاتلين عبر أراضيها جواً الى اليمن؛ وإن علاقة انقرة بحزب الإصلاح تبدو أضعف من علاقة الأخير بالسعودية. في نهاية المطاف فإن المسألة اليمنية قلق سعودي وليس تركياً، وهناك من يتحدث عن مسار أبعد في التعاون يضمل قطاع غزة ويستوعب شعاعاً ممتداً من ليبيا مروراً بتونس ومصر وصولاً الى اليمن جنوباً والعراق وسوريا شمالاً، ولكن مثل هذا الرأي أقرب الى الخيال العلمي منه الى الواقع.

الصفحة السابقة