سعود الفيصل في «مجلس الشورى»

الدبلوماسية «الغرائزية»

محمد الأنصاري

لا صلة لما قاله وزير الخارجية السعودي في مجلس الشورى بالمطالعات أو بالأحرى الشروحات التي يقدّمها عادة وزراء خارجية الدول، والديمقراطية منها على وجه الخصوص، أمام ممثلي الشعب والمجالس البرلمانية.. لا يجد نفسه ملزماً لفعل ذلك، فهو يؤكد انتماءه لدولة شمولية، عائلية مستبدة.

وزير الخارجية الأقدم في العالم (منذ العام 1975 حتى الآن)، لا يتحدث عن سياسة خارجية، وخطابه في مجلس الشورى ليس للداخل وانما للخارج، هو لا يشرح السياسة الخارجية بل يطلق مواقف سياسية من داخل مجلس الشورى..

ما قاله سعود الفيصل ينحصر في موضوعات محدّدة هي «الانشغالات» السياسية السعودية طيلة السنوات الخمس الماضية..وقد حصرها في التالي: فلسطين، وعلى وجه خاص مبادرة السلام، إيران، العراق، سوريا، اليمن، الارهاب.

في المقدّمة، تحدّث سعود الفيصل عن «تحديّات إقليمية» ما يجعل السياسة الخارجية إقليمية بدرجة أسياسية، ما يبطن نفياً لتحديات دولية، وهذه كفيلة بأن تؤشر الى ما تعنيه أن يكون الحديث عن مجرد «تحديّات إقليمية»، والسبب كما يقول "لما حَلّ بعدد من الدول المجاورة أو القريبة من أزمات حادة عصفت بواقعها ودفعتها إلى مستنقع الحروب الأهلية والصراعات الطائفية مما يتطلب منا اليقظة والحذر".

ومن الطبيعي أن يوصّف الرجل واقع الدول الاقليمية على هذا النحو رغم أن المملكة لعبت دوراً محورياً في تأجيج هذه الحروب الاهلية والصراعات الطائفية على الأقل في سوريا والعراق، وهي الآن تقود حرباً عدوانية على اليمن وتدفع هذا البلد الشقيق نحو الحرب الأهلية..

في الشكل تحدّث بطرافة عن حالة الأمة التي تشبه حالته الصحية إذ قال «كانت حالتي فيها أشبه بحالة أمتنا». وتوصيف كهذا لحال الأمة كفيل بأن يجعل السياسة الخارجية السعودية في حال توتر وضياع..

لفت الى أنه لم يكن في البلاد حين توفي الملك عبد الله «لم أكن في ربوع هذا البلد لأودع وأرثي الملك الراحل..». وتوقف بعض الوقت لتقديم شهادة إطراء في الملك عبد الله ، وأنه كان «ملكاً عادلاً» ووصفه بـ «الملك الصالح». وهي شهادة على كل حال يتكفل الشعب بتقييمها.

ما يهمنا في شهادة سعود الفيصل هو قوله بأن الملك عبد الله :«لم يغب البتة عن أروقة صناعة القرار فيها بشقيه الداخلي والخارجي» وهذا يكفي للتوضيح بالنسبة لأولئك الذين يتحدثون عن تباين في مواقف الحكّام السعوديين إزاء قضايا خارجية..بل ثبّت سعود بن فيصل العبارة الدراجة وهي أن كل ملك «سيسير على نهج أرساه مؤسس الدولة السعودية الحديثة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. والتي حافظ عليها الخلف الصالح من الملوك الذين أتوا من بعده».

تحدّث سعود الفيصل عن ثوابت السياسة الخارجية للملكة السعودية وعلى رأسها:د

تحدّث سعود الفيصل عن ثوابت السياسة الخارجية للملكة السعودية وعلى رأسها:

ـ الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، وخدمة الأمن والسلم الدوليين، مع الالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية واحترامها، وبناء علاقات ودية تخدم المصالح المشتركة مع دول العالم، تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وذلك في إطار خدمة مصالح الوطن وحمايته والحفاظ على سلامة اراضيه واستقراره ونماءه، ورعاية مصالح المواطنين، وإعلاء شأن المملكة ومكانتها في العالم.

مقطع يكاد يكون منقولاً بصورة حرفية من أدبيات السياسة والدساتير والمواثيق الدولية التي تكاد تتناقض تماماً مع ترجماته في الواقع، باستثناء ما يتعلق بمصالح عائلته المالكة في الداخل والخارج والتي يعبّر عنها «تحسيناً» ببناء علاقات ودية تخدم المصالح المشتركة وإعلاء شأن المملكة ومكانتها في العالم. وهذه لا تسري على كل الدول والبلدان بل هناك دول وشعوب لا تعرف المملكة السعودية الا عبر فتنها ومؤامراتها وجماعاتها الارهابية ومشايخ تكفيرها..

يفرّق سعود الفيصل بين نوعين من الدبلوماسية: الدبلوماسية التقليدية المحدودة بين الدولة والحكومات الى ما اصطلع على تسميته بالدبلوماسية الشاملة. وهنا لابد من وقفة تأملية في المصطلحين. هو فرق بين دبلوماسية قديمة وحديثة.

ومن المعروف أن الدبلوماسية القديمة كانت تستهدف استقرار أوروبا دون بقية العالم من خلال اتفاق عام 1815 وكان كفيلاً بتجنيب القارة الحروب لمدة قرن من الزمن قبل أن تعيش حربين طاحنتين..

في حقيقة الأمر أن الدبلوماسية التقليدية التي ارتبطت بأوضاع الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت تتعارض مع مبادىء الديمقراطية، لأن تلك الدبلوماسية كانت مسؤولية عن الحروب التي عانت منها البشرية خلال تلك العهود التي سيطرت فيها قواعد تلك الدبلوماسية وأساليبها. وكان الانتقال من الدبلوماسية القديمة الى الدبلوماسية الجديدة أو الشاملة هو التحوّل الهيكلي والتنظيمي في المجتمع الدولي، والتبدّل الجوهري في مسار الاهتمامات الدولية، وتالياً أهداف النشاط الدبلوماسي، وجاءت الثورة التكنولوجية في عالم الاتصالات والمعرفة المعلوماتية لتحدث نقلة نوعية هائلة في مجال العمل الدبلوماسي..

استقلال الدول، ثم انتقالها الديمقراطي، والتطوّر الصناعي والاقتصادي والتداخل بين الدول وتعاونها في الشؤون المالية والتجارية والثقافية والتعليمية والسياسية والاجتماعية والاعلامية ساهم في اقتراب العالم من تحقيق فكرة القرية الكونية أو العولمة، وهذا ما يجعل موضوعات الدبلوماسية مختلفة من كونها مقتصرة على قضايا السلام والحرب والاستراتيجية وحماية المواطنين في الأراضي الأجنبية وحقوق الملاحة والتجارة وتسليم المجرمين في القرن التاسع عشر، فإن الموضوعات اختلفت لتشمل طائفة كبيرة من القضايا تشمل الطاقة والمياه والسكان والارهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك السلاح النووي، والبيئة، والهجرة، والأمراض الوبائية. يضاف الى ذلك الثورة التكنولوجية التي سهلت التواصل بين الدول والافراد عبر سلسلة من الوسائل والقنوات التي أحدثت تغييراً حوهرياً في الدبلوماسية، فبات بالامكان عقد مؤتمرات افتراضية عبر الاقمار الصناعية، وشبكات تلفزيونية مغلقة.

ولكن الأهم في الدبلوماسية الحديثة والشاملة هو اندكاك عنصر الديمقراطية في العلاقات الدولية، فبعد أن كانت إدارة العلاقات الدولية تدار من قبل نخب سياسية تنتمي لعوائل حاكمة تتوارث السلطة وتحتكرها بموجب دعاوى محددة، باتت الدبلوماسية الحديثة تدار من قبل أشخاص منتخبين يأتون عبر صناديق الاقتراع ومن خلال عملية ديمقراطية حيث لعبت دوراً كبيراً في إحداث تحوّل جوهري في العملية الدبلوماسية وهذا ما بات يطلق عليه بالدبلوماسية ذات الطابع الديمقراطي democratized diplomacy أي أن الدبلوماسية لم تعد حكراً على طبقة أو شخص بل بات للمجالس البرلمانية وللأحزاب السياسية وللرأي العام دور في توجيه العمل الدبلوماسي.

وفي ضوء هذا التحول بات يطلق على الدبلوماسية اليوم بالدبلوماسية الشاملة أو الكاملة Total Diplomacy القائمة ليس على ممارسات تقليدية مثل الاستقبالات الروتينية للزعماء والرؤساء أو إقامة المآدب، وكتابة التقارير بناء على ما ينشر في الصحف ووسائل الاعلام أو حتى النشرات الخاصة، بل تستوعب منظومة نشاطات واسعة ومتنوعة بما يشمل كل أوجه الحياة (الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية والامنية والجغرافية والبيئية ..الخ) في البلدان المستهدفة بالعمل الدبلوماسية.

سعود الفيصل وانطلاقاً من كونه ينتمي لدولة شمولية فهو غير معني بالمفهوم العلمي والحديث للدبلوماسية الشاملة، ويكتفي بالجانب التقني والتنظيمي من خلال زيادة عدد المؤسسات وتوسيع نشاطها وزيادة عدد الموظفين العاملين في أجهزو وزارة الخارجية، وهذا لا ينعكس البته في عملية صنع القرار ولا عدد المشاركين في رسم السياسة العامة للبلاد.

ولأن المرأة يراد لها أن تحضر “للدعاية” ولتحسين الصورة المشوّهة لمملكة لا تزال تحرم المرأة من حقوقها الأساسية والأوليّة، فإن سعود الفيصل يتعمد تسليط الضوء على دور المرأة ويختار عبارة جاذبة وذات طابع دعائي مقصود “وتقديراً لأهمية دور المرأة السعودية”، فإنه يتحدث عن التمثيل الكمّي للمرأة في الوزارة :“ليرتفع عدد الموظفات من (60) ستين موظفة عام 1429هـ الى (284) مائتين وأربعة وثمانين موظفة عام 1435هـ ، أي بزيادة فاقت أربعة أضعاف العدد” .

لم يخبرنا سعود الفيصل عن عدد السفيرات في الخارج، ولا عن وجود نساء في مطبخ القرار في الوزارة، إن كان هناك مطبخ في الأصل.

في الشكل يتحدث سعود الفيصل عن التوسع المؤسسي ويعد ذلك هو تطبيق الدبلوماسية الشاملة، أي زيادة عدد بعثات المملكة في الخارج الى 120 بعثة تغطي علاقات المملكة السعودية مع 134 دولة.. وفي الشكل أيضاً تحدّث عن العامل التكنولوجي وتحديداً عن الخدمات الالكترونية التي تقدّمها الوزارة والتي بلغت 82 خدمة الكترونية..وأيضاً شمل التطوّر الشكلي إنشاء معهد الدراسات الدبلوماسية لإعداد الدراسات والبحوث.

لم يأت سعود الفيصل على ذكر العوامل الأخرى الجوهرية في العمل الدبوماسي، وخصوصاً الديمقراطية ودورها الجوهري في الانتقال بالعمل الدبلوماسي والعلاقات بين الدول. تناول سعود الفيصل مسألة العمل الجماعي، من خلال أطر غير مكتملة النمو كقوله «الدعوة الى الاتحاد الخليجي» أو «المساهمة في إصلاح جامعة الدول العربية» أو «تعزيز دور منظمة التعاون الاسلامي» أو «الدعوة الى تطوير هياكل الأمم المتحدة» و»إصلاح مجلس الأمن».

في القضايا، يبدأها بالقضية الفلسطينية ويقول «وتشكل القضية الفلسطينية المحور الأساسي لسياسة المملكة الخارجية..». ولا نعلم أن هذه القضية كانت محوراً في يوم ما للسياسة الخارجية السعودية وإن المبادرتين التي تبنتها الأخيرة في عهدي فهد وعبد الله هما للتخلّض من القضية الفلسطينية وليس لكونها محورية.

في المسألة اليمنية، يلجأ سعود الفيصل الى لغة عاطفية لا يخفى الهدف من ورائها: «إن اليمن السعيد يئن من آلامه. ولقد إستُبدلت إبتسامته بدموع على القتلى وألم على ضحاياه..». ثم يقول أن المملكة مع دول مجلس التعاون وأطراف الدولية الفاعلة لم تدخر جهداً ـ في إشارة الى المبادرة الخليجية ـ بغية الوصول «للحل السلمي لدحر المؤامرة عليه»، وحل مشاكله و«العودة إلى مرحلة البناء والنماء بدلاً من سفك الدماء». ولكن لليمنيين رأي في هذا الكلام المطلق، هل حقاً كانت هناك مرحلة بناء ونماء في السابق، أي في الفترة التي كان اليمن يدار من الرياض أو بالأحرى من سفارتها في صنعاء الى جانب السفارة الأميركية.. وأي مؤامرة على اليمن أكبر وأخطر من ذلك.

بطبيعة الحال، فإن سعود الفيصل الذي جاء لمجلس الشورى لإطلاق مواقف سياسية كان من الطبيعي أن ينقل خلافه الشخصي ومن بعد خلافه نظامه العائلي مع ايران وحلفائها في الخارج.. فقال بأن «ميليشيا الحوثي وأعوان الرئيس السابق - وبدعم إيران - أبت إلا وأن تعبث في اليمن، وتعيد خلط الأوراق وتسلب الإرادة اليمنية، وتنقلب على الشرعية الدستورية»، وهل كانت الرياض قبل ذلك تشيع الأمن والاستقرار والرفاه والحرية والاستقلال لليمنيين..

ما لفت الانتباه في كلام سعود الفيصل عن اليمن قوله: «إننا لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها..». فإذا لم يكن العدوان السعودي على اليمن من جانب واحد يسمى حرباً فماهي الحرب إذن. فكيف وإن تبريرها جاء عقب هذه العبارة مباشرة «أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي. فكيف إذا جاءت الاستغاثة من بلد جار وشعب مكلوم، وقيادة شرعية، تستنجد وقف العبث بمقدرات اليمن، وتروم الحفاظ على شرعيته ووحدته الوطنية وسلامته الإقليمية واستقلاله وسيادته». فما هو إذن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحت أي مبرر قانوني سمحت المملكة السعودية لنفسها بالتدخل في اليمن، وأين هي الاستغاثة من الشعب المكلوم، ومن هي القيادة الشرعية وقد انتهت مدة ولايتها بحسب المبادرة الخليجية، ومن أعطى المملكة ولاية على هذا البلد بدعوى الحفاظ على شرعيته ووحدته ووو..

والأنكى حين يقول سعود الفيصل «حظي التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن، بمباركة واسعة وتأييد شامل من لدن أمتنا العربية والإسلامية والعالم». فأين هو «التأييد الشامل» في الأمة العربية والاسلامية؟

الإصرار على مواصلة العدوان «ولسوف تستمر عاصفة الحزم للدفاع عن الشرعية في اليمن حتى تحقق أهدافها» يكشف عن نوايا عدوانية ضد الشعب اليمني أو على الأقل ضد قطاع واسع من هذا الشعب الذي يرفض العدوان بل ويرفض عودة عبد ربه منصور هادي الى السلطة.

تحدث سعود الفيصل عن مواقف باتت مكررة في الملف السوري وتساهل كثيراً في لغة الأرقام حين قال بأن عدد القتلى يكاد يصل الى نصف مليون، وأن المهجّرين واللاجئين يفوق عددهم 11 مليون. وبدا هذا التساهل مفهوماً في إصراره وعائلته على الاستمرار في تغذية آلة الموت في أرجاء سوريا، عبر دعم الجماعات المسلّحة التي لم تعد تميّزها عن جرائم النظام. تباكي سعود الفيصل على مأساة السوريين ليست نابعة من حرصه على الشعب وبلده بل هو يستخدم اللغة الانسانية لتأكيد الموقف من طريق الحل الذي لا يمكن أن يتحقق على الأرض من خلال تشكيل «هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات سياسية وأمنية وعسكرية واسعة، لايكون للأسد ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور فيها، مع السعي نحو تحقيق التوازن العسكري على الأرض لإرغام سفاح دمشق للاستجابة للحل السلمي في ظل إصراره على الحسم العسكري الذي دمر البلاد وشرد العباد». في حقيقة الأمر، أن هذا الحل يصدر عن أولئك الذين يصرّون على إبقاء سورية في دوامة العنف وعدم الخروج منها، لأن كل القوى الكبرى باتت على قناعة بأن من غير الممكن اعتماد الحلول الاقصائية بهذه الطريقة. ومهما بلغت جرائم بشار ضد شعبه فإن الحل لا يكون على الطريقة السعودية التي لا يهمها رؤية نظام ديمقراطي في دمشق بل نظام وصاية يخضع تحت أوامر وإملاءات الرياض.

تحدث سعود الفيصل عن العراق بلغة الطائفي، فهو لم يتحدث عن حقبة النظام البعثي الصدامي الذي أذاق العراقيين من كل المكوّنات الموت، وراح يتحدث عن مرحلة ما بعد سقوط النظام «عندما نتحدث عن بغداد، فنحن نتحدث عن عاصمة العروبة الجريحة التي قاست الأمرين، على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من قِبَلِ أطراف خارجية تلهث من أجل إشاعة الفتنة والفرقة والتناحر، ولا تكف عن إرتكاب الجرائم وبث الكراهية وغرس الحقد في عاصمة الرشيد..». والعبارة الأخيرة كافية للكشف عن هوية من يقصدهم سعود الفيصل، فهو يحمّل الحكم في العراق وعلى وجه الخصوص في عهد نوري المالكي كمل المسؤولية فيما يلتزم الصمت التام حيال التنظيمات الارهابية وعلى رأسها داعش التي باتت جرائمها معروفة وموثّقة.

يتحدث عن فترة حيدر العبادي وما أعلن عنه من «إعادة بناء العراق على أسس وطنية «وبمساهمة من جميع العراقيين بكافة مكوناتهم دون إقصاء لمذهب أو طائفة أو عرق..». من يقرأ هذه الفقرة لا يتخيّل صدورها من رجل تمارس عائلته الحاكمة على أساس إقصاء ثلاثة أرباع المكوّنات السكانية فيما تحتكر عائلته والمكونان الوهابي والنجدي ما يقرب من 80 بالمئة من المناصب الوزارية.

موقف سعود الفيصل من ايران ليس فيه جديد، فقد أرجع الموقف الى بداية الثورة الايرانية وما تلاها «فوجئنا بسياسة تصدير الثورة، وزعزعة الأمن والسلم، والتدخل السافر في شئون دول المنطقة، وإثارة الفتن والشقاق بين أبناء العقيدة الواحدة».

ولأن ثمة أوضاعاً جديدة فرضها الاتفاق المبدئي بين ايران ودول 5+1، فإن لهجة سعود الفيصل تجاه ايران تراجعت بصورة لافتة «إننا اليوم لن ندين إيران أو نبرأها من الاتهامات الملقاة على عاتقها، ولكننا سنختبر نواياها، بأن نمد لها أيدينا كبلد جارة مسلمة ، لفتح صفحة جديدة..كبلد مسلم، فإن كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم يفرض عليها خدمة قضايانا الإسلامية لا تشتيتها وتفريقها، وعلى إيران أن تدرك أن دعوة التضامن الإسلامي وجدت لتبقى..».

تحدث سعود الفيصل عن الملف النووي الايراني في ضوء الهواجس الأمنية السابقة مع ذلك استدرك «دعمنا دائما الحل السلمي القائم على ضمان حق إيران ودول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها».

ولفت الى ما بعد النووي وخارجه «إذا ما كانت مجموعة دول (5+1) تأمل في إعطاء دور لإيران في المنطقة فعليها أن تسعى أولا لتحقيق التوافق بين إيران والدول العربية، بدلا من الالتفاف على مصالح دول المنطقة لإغراء إيران بمكاسب لا يمكن أن تجنيها إلا إذا تعاونت مع دول المنطقة». وهذه الفقرة تلّخص مخاوفه على المستوى الشخصي وكذلك دولته.

ويمكن أن نختم بكلام الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة مع توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» في 6 إبريل الجاري حين قال بأن «أكبر خطر يتهدد عرب الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران إنما السخط داخل بلادهم، سخط الشبان الغاضبين العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم».

الصفحة السابقة