الإطاحة بمقرن واستكمال الانقلاب السلماني

حقبة سعودية رابعة أم حقبة النهاية؟

عمر المالكي

خمسة وعشرون أمراً ملكياً صدرت دفعة واحدة؛ قال البعض انها أدخلت السعودية حقبتها الرابعة؛ وأنها جاءت بمثابة عاصفة جديدة على غرار عاصفة الحرب والعدوان على اليمن. أهم الأوامر والتعيينات الملكية ما له علاقة بوراثة العرش، حيث يكمن جزء من الأزمة في تنوّع مراكز القوى داخل العائلة المالكة، وجاءت الأوامر الملكية لتوحّد بعضها على الأقل؛ وجزء آخر يعود الى حقيقة شيخوخة النظام، وتباطؤه في تحويل وراثة الحكم الى الجيل الثالث؛ وجزء ثالث يعود الى أزمة الخلافة العمودية، حيث تنتقل السلطة أفقياً، ما يعني الصراع عليها من قبل مئات من الأمراء المتكافئين من حيث الأحقية بالعرش.

أهم القرارات التي اتخذها الملك سلمان: إعفاء ولي العهد أخيه مقرن من ولاية العهد، ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ولكن بحجة ان ذلك جاء (بناء على طلبه)! ولكي لا يخرج مقرن من مولد السلطة بلا حُمّص، تم تطييب خاطره بتعيين ابنه منصور (مستشاراً) للملك بمرتبة وزير، وما أكثر مستشاري الملك الذين لا يستشيرهم أصلاً!

ومن القرارات الحاسمة، تعيين، أو (اختيار) حسب تعبير الامر الملكي، محمد بن نايف ليكون ولياً للعهد، اضافة الى كونه وزيراً للداخلية. هذا التعيين هو ما كان يريده الأمريكيون. كما عيّن الملك ابنه وزير الدفاع، البالغ من العمر ثلاثين سنة فقط، ولياً لولي العهد، أي الرجل الثالث في السلطة.

ومن الأوامر بالغة الأهمية، إعفاء وزير الخارجية سعود الفيصل من منصبه لأسباب صحية؛ وتعيينه في نفس الوقت وزير دولة وعضو بمجلس الوزراء ومستشاراً للملك ومشرفاً على الشؤون الخارجية؛ بالرغم من تعيين وزير جديد لها هو عادل الجبير، سفير الرياض في واشنطن، وهو ثاني شخصية تتقلّد وزارة الخارجية من عامة الشعب (ومن نجد تحديداً) بعد ان تولاها لسنة ونصف ابراهيم السويل بداية الستينيات الميلادية الماضية.

ردود الفعل

خالد بن طلال يبايع محمد بن سلمان!

في ردود الفعل، فإنه مع كل تعيين هناك تصفيق مبدئي من مشايخ السلطة الذين رحبوا باختيار محمد بن نايف لمنصب ولاية العهد؛ وقد دعا الملك الجميع الى مبايعة محمد بن نايف وابنه محمد بن سلمان في قصر الحكم! وبعد ساعتين من تأييد المشايخ، اصدروا بيانا يؤكد على أهمية حفظ الجبهة الداخلية، تحسّباً لوقوع أمرٍ مفاجئ.

للتذكير فإن محمد بن نايف ولي العهد الجديد هو ذلك الرجل الذي وصفه سعد الحريري بالسفّاح!

وللتذكيرأيضاً، فإن محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، هو نفس الشخص الذي تحدث معه ابوه الملك في فيديو مصور، يؤكد فيه بأنه على المرتبة السادسة وظيفياً، فإذا به يصبح وزيراً وبيده نصف وزارات الدولة في أقلّ من عامين!

اعلاميون، وكتاب، أغلبيتهم الساحقة من نجد الحاكمة، كانوا كعادتهم جاهزين للتطبيل في كل مناسبة، خاصة ان كان المعني فيها وزير الداخلية.

ثم هناك (جيش تويتر) أي رجال المباحث الذين احتلوا مواقع التواصل الاجتماعي ليعلنوا تأييدهم للملك سلمان وتعييناته الجديدة. الأمر ليس مفاجئاً فهذا هو عملهم خاصة في ظروف تستدعي الإستنهاض ومواجهة المعترضين او المشككين او المُسخّفين! ليبراليون ومشايخ أكثرهم من منطقة نجد، تسابقوا في الهتاف للتعيينات الفذّة والعبقرية التي قام بها الملك ليجدد بها شباب الدولة. هاشتاقات عديدة ظهرت من أجل المديح والإحتفاء.

عثمان العمير، مالك موقع إيلاف، ورئيس تحرير الشرق الأوسط سابقاً، صحى من النوم على وقع التعيينات الجديدة فقال بإطراء: (صباح الأنباء السعيدة، صباح التغيير والتبديل والتصحيح والترميم والتصليح والتقويم والمعالجة.. صباح النظرة الى الغد، والإبحار نحو المستقبل)! والمعارض السابق كساب العتيبي علّق: (أفاق السعوديون اليوم على عاصفة بناء الوطن. الملك سلمان يُعلنُ عن بناء الحاضر، وتحصين المستقبل). والاعلامي الفهيد يقول: (لطالما عيّروا وطني بشيخوخة قيادته، وهو وقار. ماذا يا ترى سيقولون اليوم بأكثر قيادات العالم شباباً؟). اعلامي رسمي آخر هو صالح الثبيتي يقول بأن الأوامر الملكية (تؤسس لعهد مختلف، تُمنح فيه المناصب بناء على الكفاءة وليس السن. لهذا حقّ لنا أن نتفاءل).

جماعة النظام يريدون ان يقنعوا المواطن بأن شاباً لم يبلغ الثلاثين من العمر يصبح وزير الدفاع بناء على كفاءته! وأن البلد ستتقدم حين يصبح وزير القمع حاكماً فيها، وسيصنع المعجزات للمواطن تغييراً وتصليحا، اذ لم يشأ العمير ان يقول إصلاحاً فهي كلمة محرّمة في قاموس ابن نايف!

الكاتب عبدالعزيز الخضر، رأى في التعيينات انتقالاً كاملا للسلطة الى جيل الأحفاد، واعتبر ذلك يوماً تاريخياً؛ وأحد كتاب آل الشيخ أثنى على الملك سلمان، فقد عززت قراراته مؤسسة الحكم وجعلها اكثر ثباتاً، حسب قوله، مع ان الجميع يعلم ان الحكم في السعودية شخصي فردي، ولا يعود الى مؤسسة، وكل ملك ينقض قرارات من سَبقه.

اعتدنا من الشيخ الوهابي الرسمي ناصر القطامي الكثير من المديح لولاة أمره، وكان رأيه في التعيينات التالي: (السعودية ترسم مستقبلها بعيون شبابية تنبض توقّداً وحماساً، صقلتها مدرسة الحياة السياسية). شيخ آخر ينصح أصحاب الأسئلة من الذين يشغّلون أدمغتهم، بالدعاء (أما القيل والقال فهذا من السّفهِ والجهل). يعني: لتصفّق أيديكم، ولتخرس ألسنتكم!

ومن الطريف ان مؤيدين كثر للنظام اعتبروا التعيينات نصراً على خصومهم في الداخل من المواطنين، وعلى أعدائهم في الخارج ايضاً. أميرة السديري ترى التعيينات الملكية الصباحية بأنها (عصيبة على الشيعة)! وعبدالعزيز مطر يعتقد أن الليبراليين والملاحدة أطلقوا صيحة الموت بعد التعيينات الجديدة!

الدكتورة مضاوي الرشيد كتبت بأن السعوديين اُشغلوا بحروب آل سعود الخارجية، فلم يفكروا في أمورهم المصيرية الداخلية؛ موضحة ان السعودية هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد بها مؤسسات تمثل الشعب، ولا مجتمع مدني له راي، وحيث الإصلاح السياسي فيها مجرد وهم كبير في مرحلة المحمدين: محمد بن نايف ومحمد بن سلمان. وتستنتج من تهميش دور هيئة البيعة في التعيينات الأخيرة، أن أي إصلاح يُزعم مجرد ظاهرة اعلامية، وان البلد جميعها مرتهنة بقرار ملكي. وأبدت الدكتورة مضاوي الرشيد استياءها من اسلاميين يزعمون الديمقراطية يدعمون آل سعود: (عجبي ممن يدعي انه اسلامي، ثم يقبل بالحكم الوراثي، وولي ولي عهد)!

من وجهة نظر الناشط الحقوقي يحي عسيري، فإن تعيين وزير الداخلية محمد بن نايف ولياً للعهد (مصيبة). أما الناشط الحقوقي الآخر الدكتور حسن العمري، فأبدى أسفه من أن المؤسسة الدينية السلفية المستتْبَعَةْ، وبعض الإسلاميين، أيّدوا التعيينات بصوت عال بسبب تقاطع المصالح؛ وأضاف بأن سبب صمت الأمراء عن التعيينات (هو وجود ملفات قذرة لبعضهم يحتفظ بها جهاز المباحث)؛ كما ان تسارع التغييرات ينبيء عن اشتعال صراع قوي على السلطة وهو ضار باستقرار الحكم؛ وبيّن ان الغرض من اصطناع نصر في عاصفة الحزم كان من اجل الدفع بالمحمدين الى رأس السلطة. 

ولاحظ الناشط السياسي المعارض د. حمزة الحسن امتعاض الملك وجناحه من مقرن، وانه لم يعطه ايّ دور وكان على الهامش تماماً وكأنه غير موجود. لكن قبل الإعفاء، تدبر الملك وجناحه امر احتمال ردّة فعل ابناء عبدالله وحرسهم الوطني، فطلب الملك تحريكه الى الجنوب يوم اعلان انهاء عاصفة الحزم؛ اذ من المحتمل ان ينقض الحرس على السلطة اعتراضاً على التعيينات. واضاف الحسن بأن اثارة موضوع القاعدة وتضخيم منجز مواجهتها كان تمهيداً للتعيينات غير المباركة؛ وتوقع ان تكون خطوة السديريين هي الاستحواذ على الحرس وإبعاد آل عبدالله عنه.

البيعة الكرتونية والإلكترونية

المفتي يبايع الصبي، فيرد بتقبيل رأس المفتي!

هذه ليست بيعة أهل الحلّ والعقد (العلماء والأمراء)، وهي ليست بيعة جزء منهم (الأمراء)، وهي ليست بيعة شعب حسب الشروط: صفقة اليد، وثمرةُ القلب. انها شكلٌ هجينٌ لا علاقة له بالشرع ولا له ارتباط بالبيعة بمفهومها العصري (الإنتخاب)! وحسب الباحث الحقوقي الدكتور العمري، فإنه يرى ان آل سعود خلطوا بين استحقاقات الدولة القانونية الحديث ومفاهيم البيعة الشرعية، فأنتجوا نظاماً هجيناً لا علاقة له بالشرع ولا برأي الأمة في النظام الحديث.

يقرر الملك من يريد، فينصاع الأمراء، فيبصم المشايخ الذين يزعمون أنهم جزء من اهل الحل والعقد؛ وتتم الدعوة لوجوه القوم بأن يبايعوا بالمُلك او ولاية العهد أو ولاية ولاية العهد! ومن لا يستطع الذهاب الى قصر الحكم، عليه بالذهاب الى مبنى الإمارة ليبصم ويثبت أنه مواطن صالح. السفارات تفتح كدكان بدفاتر عتيقة يوقع فيها كلٌّ بإسمه عن بيعته للملك ولولي عهده ولولي ولي عهده!

لكن ظهرت منذ وفاة الملك عبدالله وسائل مبايعة جديدة، للنساء والأطفال والرجال، باستحداث مجسمات ورقية كارتونية تمثيلية تؤكد البيعة (بيعة كرتونية)؛ فضلا عن استخدام التويتر ومواقع التواصل الأخرى لإعلان البيعة التي تكررت في الآونة الأخيرة (بيعة الكترونية)!

السؤال: أين هي هيئة البيعة؟ هل اجتمعت وأقرّت التعيينات الملكية؟ هل بايعت؟!

الهيئة ماتت، لقد قتلها صانعها، وهو الملك عبدالله، حين عيّن سلمان وقبله نايف ولاة عهد له، دون الرجوع اليها.

سلمان لم يدع الهيئة التي يتمثل فيها كل أبناء ابن سعود المؤسس. قيل انه استمزج رأيهم هاتفياً! وأن الأكثرية وافقت على تعيين (المحمدين)، وأن هناك من اعترض، ومادام الأمر قد حُسم ديمقراطياً (!!) داخل العائلة المالكة، ومادام مشايخ نجد الوهابيين قد استُلحقوا الى جانب الجناح السديري وخياراته، فالأمر يصبح معها شرعي، والبيعة شرعية!

غير ان هناك موقفاً لافتاً للأمير طلال بن عبدالعزيز الذي يعيش في المنفى (اليونان) مثل اخيه الملك سعود؛ اذ يقول في رد فعله على التعيينات الكبيرة عبر حسابه في تويتر، بأنه فوجئ بقرارات ارتجالية لا تتفق مع الشريعة ولا أنظمة الدولة، وانه لا يمنح بيعة لمن يخرق احدهما، واضاف: (اؤكد على موقفي هذا، وأدعو الجميع الى التروّي، وأخذ الأمور بالهدوء تحت مظلة نظام البيعة، الذي بالرغم من مخالفته لما اتفق عليه في اجتماعات مكة بين ابناء عبدالعزيز، لايزال هو أفضل المتاح). واضاف طلال معترضاً على التعيينات الجديدة: (إنني أكرر انه لا سمع ولا طاعة لأي شخص يأتي في هذه المناصب العليا مخالف لمبادئ الشريعة ونصوصها وأنظمة الدولة التي أقسمنا على الطاعة لها) وتابع: (أدعو الى اجتماع عام يضم ابناء عبدالعزيز، وبعض احفاده المنصوص عليهم في هيئة البيعة، ويضاف لهم بعض من هيئة كبار العلماء وبعض اعضاء مجلس الشورى… للنظر في هذه الأمور).

وأضح أن الأمير طلال أكثر تحرراً في الافصاح عن موقفه السياسي من ابنه الوليد بن طلال؛ خاصة وأن طلال يعيش الآن في الخارج، وقد سبق وان عارض اخوته. اما الوليد فتجارته وأمواله ومقر شركاته فهي في الداخل، ومهما اراد الخروج والمصادمة فإنه يبقى ضعيفاً، ما لم يقرر تغيير موقع استثماراته! ونقلها للخارج جميعها!

لا يخفي الوليد انه يريد حصة في الحكم، وانه يعترض على العديد من السياسات، بل لا يخفي استعلاءه على أمراء آخرين، فضلاً عن المواطنين العاديين. وهو لم يشعر بالإرتياح طيلة السنوات الماضية لأنه لم يحصل على ما يريد من الحكم. فالمال غير كاف بالنسبة له، ولا بدّ من منصب، فيما هناك اصرار على منعه هو واخيه وأبيه من تبوّأ أي موقع رسمي!

أراد الوليد بن طلال أن يضغط بقناة العرب التي جعل مقرها في البحرين، فما كان من الملك سلمان إلا أن أغلقها باتصال هاتفي واحد، وهي لمّا تُكمل اربعا وعشرين ساعة من البث!

الوليد ممتعض من تصعيد محمد بن نايف كولي عهد، وقد سبق له ان بايع سلمان بالمُلك، وبايع مقرن بولاية العهد، ولكنه لم يبايع محمد بن نايف كولي ولي العهد حينها، وإنما هنّأه فقط بتعيينه. احدى الأميرات وضعت خبراً يقول بأن الوليد بن طلال ألغى متابعة حساب الملك على تويتر؛ كاحتجاج على التعيينات الأخيرة؛ فتحوّل رجال محمد بن نايف من مباحث تويتر اليه ليجلدوه ويهددوه ويهزّؤوه هو وأباه!

 خاف الوليد على نفسه وأمواله فأصدر تغريدتين، أكّد في أحدها مبايعته لمحمد بن نايف ومحمد بن سلمان؛ وصحح في الأخرى الأمر بالقول انه لم يتابع غير شركاته ولكن (يشرفني بكل ولاء متابعة حساب سيدي الوالد.. وتمّ ذلك)!

الصفحة السابقة