العالم يتحد في مواجهة منتجات الوهابية (داعش والقاعدة)

الحرب على الحكم السعودي حتميّة وإنْ تأجّلت

فريد أيهم

الزمان: بدايات القرن العشرين، وبالدقة في نهاية عام 1913م. والمكان: هو العقير، ميناء الأحساء التاريخي، شرق المملكة السعودية، أو ما يُسمى اليوم بالمنطقة الشرقية، والتي احتلت من قبل القوات السعودية قبل بضعة أشهر فحسب.

يومها كان الكولونيل هـ. ر. ب ديكسون، المعتمد السياسي في البحرين، ثم في الكويت، والذي أصبح منزله بالكويت اليوم متحفاً مفتوحاً للعامة.. يومها كان في زيارة للقاء ابن سعود، فسأله عن جيشه العقائدي، المسمى بـ (الإخوان) أو (إخوان من طاع الله) تمييزاً لهم عن حركة الإخوان المسلمون التي ظهرت عام 1928 في مصر.

سأل ديكسون عن الإخوان، بعد أن رأى عنفهم ودمويتهم، ضد الآخر المسلم، وغير المسلم، وتفننهم بالذبح والقتل تماماً كما تفعل اليوم داعش التي خرجت من رحم الوهابية.

أجاب ابن سعود مطمئناً ديكسون: (لا تخف. الإخوان أنا. وأنا الإخوان)!

بمعنى آخر.. لا تقلقوا أيها الإنجليز على مواقعكم ومحمياتكم في الخليج، فلن يصيبكم من الإخوان أي ضرر، فمفاتيح حركتهم بيدي!

كان الانجليز يشهدون بصمت ودون اعتراض، ما يفعله جيش ابن سعود الداعشي من ذبح وقتل وإلقاء من شاهق وتشدد، وهي كلها أفعال تمارسها داعش والقاعدة والأجنحة السلفية المتطرفة الأخرى اليوم، ولكن الإنجليز الذي سجّلوا تلك الوقائع في مراسلاتهم ووثائقهم المنشورة والموجودة اليوم في وثائق كيو غاردن للخارجية البريطانية، ووثائق وزارة الهند الموجودة الآن في المكتبة البريطانية.. الإنجليز الذين صمتوا عن مجاز دواعش ابن سعود في الطائف وتربة وعن احراق القرى والمدن في المناطق الجنوبية.. فعلوا ذات الشيء مع داعش الحديثة، النسخة التي تكاد ان تكون طبق الأصل من القديمة، سواء من حيث الفكر والأيديولوجيا، او نوعية الممارسات، او طريقة التفكير، أو حتى نوعية المقاتلين، والإنتحاريين الذين هم في أكثرهم من السعودية نفسها، ومن نفس البيئة النجدية الداعشية الأولى!

بكلمة.. داعش والقاعدة وجيش الاسلام (علوش) وأنصار الشريعة وبوكو حرام، وأضرابها.. ليست منتجاً مفاجئاً غير مسبوق، أو غير معروف الملامح، أو باطني لا تُعرف وجهة نظره وأفكاره وعقائده ومؤسساته.

كلا.. بل هي منتج معروف مصدره الفكري والأيديولوجي، والتمويلي.. معروف بتسلسله التاريخي وانتمائه لفكر وهابي وتمويل سعودي واستغلال سياسي غربي.

لا مفاجأة البتة مما تفعله داعش والقاعدة وغيرها للغرب.

لا يستطيع الفرنسيون ولا الإنجليز ولا الأمريكان أن يقنعونا بأنهم لا يعرفون هذه الجماعات، وأن لا دور لهم في تمويلها ودعمها من قبل حلفائهم السعوديين والأتراك والخليجيين، فيما يغضون النظر عن كل ذلك الى أن وقع الفأس في الرأس (الفرنسي هذه المرة، وربما تدور الدائرة على غيره).

عشرات الكتب والدراسات الأكاديمية نُشرت منذ تفجيرات سبتمبر 2001، وكلها تؤشر الى أن مصدر الخطر وتفريخ الإرهاب القاعدي والداعشي وتمويله، كما رموزه ومقاتليه، إنما يأتي من السعودية.. وتحديداً من نجد، وسط المملكة، حيث معقل الوهابية، وحيث حاضنة النظام السعودي الأقلوي.

هل كان الغربيون لا يقرأون الدراسات التي تنشرها معاهدهم ومراكز أبحاثهم، فأُخذوا على حين غرّة بتفجيرات باريس مثلاً؟

ألم تلفتهم كتابات أصحاب الرأي ومثقفيهم في الصحافة وغيرها؟

لماذا ردّ جوج بوش على تفجيرات 9/11 باحتلال أفغانستان ثم العراق الذي لا علاقة له بالقاعدة، وليس السعودية، التي تضم في جنباتها مصنع التكفير والتفجير، وكان معظم مهاجمي أمريكي كانوا من السعودية نفسها؟

لماذا لم يتعلّم الغربيون من تجربة الباكستان الفاشلة بسبب نمو الوهابية؟ ولماذا كرروها في العراق؟ ولماذا كرروها مرات ومرات في ليبيا وسوريا وقبلها اليمن؟

أكلّ هذا كان صدفة، أم ان الغربيين يتفادون مكافحة جذر المرض السعودي الوهابي، ويتجهون بغباء أو تخطيط متقن لمكافحة العرض شكلياً؟ حتى إذا ما أصابهم بعض شرور داعش والقاعدة، نفضوا عن انفسهم التهمة، واستعرضوا عضلاتهم لمكافحتها في أماكن محددة، والسماح لها في أماكن أخرى بالعمل، تماما كما كانوا يفعلون دائماً. فهناك على الدوام، إرهاب حلال سعودي وهابي يتم تسليطه على الخصوم لتدميرهم. وهناك إرهاب وهابي سعودي حرام لدى الغرب وآل سعود، حين يتعلق الأمر بالدول الحليفة والصديقة.

الإنخراط العسكري الروسي المباشر في سوريا، كشف نفاق الغرب هذا؛ وأوضح للشعوب الغربية بأن حكوماتهم تدعم داعش والقاعدة والتطرف، والذي انعكس فيما بعد على الأمن الأوروبي، كما في تفجيرات باريس، وقبلها تفجيرات مدريد ولندن وغيرهما.

فرنسا التي تعتبر أكبر داعم للسعودية وسياساتها خلال السنوات الماضية (وكله بثمن مدفوع)، وفرنسا التي كانت أكبر داعم للجماعات المسلحة المتطرفة في سوريا، اختارها الإرهاب الداعشي مؤخراً، في عمليات، ادت الى مصرع العشرات من الأبرياء.. فانتفضت باريس المتورطة بدعم العنف في سوريا واسترضاء ارهاب آل سعود التكفيري الداعشي، ولكي تُظهر براءتها من الإرهاب، وتطمئن الشارع الفرنسي، قامت بشن بضع هجمات على مواقع داعش في سوريا، ولكن هيهات! فقد قيل لباريس وهي ترسل قواتها الى مالي قبل سنتين: كيف تحاربون الإرهاب في القارة الأفريقية، وتدعمون نفس الجماعات والفكر التكفيري العنفي في سوريا. لكن هولاند وصاحبه فابيوس لم يستمعا الى أحد.

سؤالان مهمان لمعرفة آفاق مستقبل محاربة داعش والقاعدة والفكر التكفيري الوهابي عامة، ومن يدعمهما بدرجة أساس (آل سعود):

الأول ـ لماذا لم يحارب الغرب التطرف في مصدره الأساس، وهي السعودية؟

الثاني ـ هل الانتفاضة الغربية اليوم ـ وبعد تفجيرات باريس ـ تتجه الى محاربة العنف الدموي الداعشي القاعدي الوهابي في مقرّه السعودية؟ أم يكون الحال كما بعد 9/11، حيث تمت مهاجمة العراق واحتلاله، بدلاً من تأديب آل سعود ووهابيتهم؟!

بالنسبة للسؤال الأول، فإن الغرب يعلم علم اليقين بأن السعودية مصدر الفكر الإرهابي. لقد قال ذلك أكثر من مسؤول أوروبي مراراً، وبينهم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا. هذا يعني أن الرياض لم تخدع الغرب، بل ان الدول الغربية جارتها في سياستها الداعشية. ما تفعله الرياض من دعم الدواعش والقواعد والإستفادة منهم في دولة عدوة (ارهاب حلال)؛ وكذلك من محاربتها حين تتعدى الحدود فتحارب الحلفاء (ارهاب حرام).. هو ما تقوم به الدول الغربية كما السعودية تماماً. لقد وجدت امريكا وغيرها، كما السعودية نفسها، أن عقل الوهابيين المتطرفين والعنفيين الدواعش ومن قبلهم القواعد، ومثلهم كل الأسماء الأخرى، وجدته عقلاً سياسياً صغيراً، في ازاء قوة هائلة يمتلكها هؤلاء الدمويون القتلة الإرهابيون، وهي قوة مغرية، لأي طامع أو لاعب بالسياسة. ولهذا سهل على الغرب كما السعودية والى جانبها تركيا ودول خليجية اخرى كقطر، أن تستثمر العقل السياسي الصغير، والقوة العسكرية الهائلة التي لا تبالي بالموت، تستثمرها في مشاريعها السياسية.

وهكذا، فإن لعبة السعودية، هي بالضبط لعبة الغرب نفسه: تسمين الوهابيين الدواعش والقواعد لذبح الخصوم، وقتلهم ان تجاوزوا لمهاجمة الحلفاء.

وهنا يبرز مكمن الخطأ الإستراتيجي. فالوهابيون الدواعش والقواعد لا يلبثوا أن يهاجموا من استثمرهم. حدث هذا في السعودية نفسها مراراً، اولها مع ابن سعود الذي قتل جيشه الإخواني (اخوان من طاع الله) في معركة السبلة (القرعا) حين اكتشفوا حقيقته واستغلاله لهم. وحدث ثانية ايام جهيمان، وثالثة مع الصحويين، ورابعة مع الدواعش.. وفي كل مرة ترى الرياض انها تستطيع الاستمرار في اللعبة ذاتها، خاصة وأنْ لا جيش حقيقي لديها تعتمد عليه في حروبها السياسية والعسكرية في الخارج.

الأمر ذاته حدث مع الباكستان التي أصبحت دولة فاشلة.

وحدث مع علي عبدالله صالح الذي سمّن القاعدة على الطريقة السعودية في حروبه المتكررة ضد الحوثيين (أنصار الله)، وإذا بها اليوم تأكل الجنوب اليمني بالتحالف مع السعودية وأمريكا نكاية بأنصار الله والجيش اليمني.

كل من يتحالف مع القاعدة ويدعمها سيحرقه لهيبها، مجتمعاً كان أو حكومة.

الأمريكيون استفادوا من الوهابيين القواعد أيام الحرب في أفغانستان، فارتد منتجهم عليهم في أكثر من مكان بالعالم.

بعض المسؤولين السوريين دعموها في العراق فارتدت عليهم اليوم.

والأتراك دعموها، وقد بدأت ترتد عليهم، وسترتد في المستقبل القريب جداً: اغتيالات وتفجيرات في المدن وغيرها.

والأمريكيون والفرنسيون تحالفوا مع القاعدة ضد القذافي الذي حذرهم منها، فدخلت البلاد في الحرب الأهلية، ولن يستطيع الغرب ان يحل أزمتها في المستقبل القريب، بل عليه ان يتعاطى مع تداعياتها كالهجرة مثلاً، وتمدد الإرهاب الوهابي الى أعماق أعماق أفريقيا، هذا غير ان ينتقل الى اوروبا.

وهكذا..

سؤال يتولد من السؤال الأول: هل أدرك الغربيون أن الألاعيب السياسية سترتد عليهم؟ وهل ادركوا أن ألاعيبهم قد سبق تجربتها من قبلهم ومن قبل غيرهم، فكان نصيبها الفشل؟ وهل هم اليوم في وارد الكفّ عن هذه السياسة، ويتخذوا واحداً من قرارين: حرباً ضد الإرهاب الداعشي الوهابي؟ أو دعماً له بالكامل، وليس امساك العصا من الوسط؟

فيما يتعلق بالسؤال الثاني، وما اذا كان الغرب سيحارب الإرهاب الوهابي في مصدره بدل التعاطي مع أعراضه؟؛ أي هل سيقدم الغربيون اليوم، بعد تفجيرات باريس، واحداث بلجيكا، وبعد الفظاعات الوهابية القاعدية والداعشية والتي شهدها العالم العربي والإسلامي وغيرهما خلال السنوات الماضية في أكثر من بلد وأكثر من قارة.. هل سيُقدِم على مواجهة السعودية بحقيقتها الداعشية، ومحاربة أيديولوجيتها الوهابية في مصدرها، مثلما قال جيمس شلسنجر، وزير الطاقة في عهد كارتر، بعد أحداث 9/11 من أن الحرب يجب ان تذهب الى حيث (المصنع) في السعودية؟

هناك ما يشبه المؤامرة الغربية.. بطلتها السعودية، وداعش والقاعدة. فالغرب الذي يحلب السعودية مالياً، عبر صفقات السلاح، وغيرها.. لا يريد أن يواجهها بحقيقتها المرة. ومن جهة ثانية، لم يحسم الغرب ـ كحكومات ـ أمره بشأن دور السعودية في تمويل وتفريخ الإرهاب. إذ لازال يغطي على سوءاتها، مثلما فعل في أحداث سبتمبر، فحتى تقرير لجنة التحقيق الأمريكي، لم ينشر الأمريكيون الجزء المتعلق بالسعودية الى هذا اليوم بعد أكثر من 14 عاماً من تلك الأحداث.

بيد أن شيئاً ما حدث بسبب تفجيرات باريس، جعلت الحكومات الغربية ـ أو بعضها على الأقل ـ أن تعيد التفكير، دون أن تصل الى القرار الأهم بعد.

فقد انفجر الإعلام والمثقفون الغربيون إزاء سياسة النفاق التي تنتهجها حكوماتهم. وأقروا في مقالات صحفية غير معهودة بأن حكوماتهم انتهجت سياسات خاطئة تجاه داعش والقاعدة والتطرف الوهابي عامة، واكدوا أن حكوماتهم أخفت عنهم حقيقة دور السعودية في ترويج العنف، وقد قاموا بمهاجمتها بأقلامهم. بل ان بعض الحكومات كبلجيكا عمدت الى إغلاق بعض المساجد الممولة من الوهابيين السعوديين والحكومة السعودية، بعد أن فرخت عدداً من الإرهابيين.

لكن هذا كلّه، قد لا يؤدي الى تغيير جذري في السياسة الغربية تجاه السعودية كنظام حكم.

ربما ـ نقول ربما ـ يعمد الغربيون الى محاربة الوهابية كأيديولوجيا، دون مساس بالداعم والمروج لها، وهم الأمراء السعوديون. فلازال آل سعود حلفاء الغرب، ولازالوا يدفعون له (الجزية عن يدٍ وهم صاغرون).

قد تكون في الأفق حملة عالمية ضد الوهابية كمذهب وأيديولوجيا يفرخ العنف والقتل والإرهاب في كل مكان في العالم تصل اليه. وسيقود هذا حتماً الآن او غداً أو بعد غد، الى مواجهة الحقيقة. الحقيقة تقول ان الوهابية تستقي دعمها الأساس من آل سعود، الذين استخدموها لشرعنة حكمهم، وللسيطرة الأقلوية الوهابية على السعودية نفسها، كما استخدموها كجيش متقدم لمحاربة الخصوم، ودعم الحلفاء أحياناً كما في افغانستان وسوريا، وكان نشرها يعني نشر النفوذ السعودي الى أصقاع العالم.

لقد دعا بوش الإبن بعد أحداث 9/11 الحكومة السعودية الى ما أسماه بفكّ الإرتباط بينها وبين الوهابية، ولكن هذا مستحيل. فقد أدرك كارهاً هو والقادة الغربيون الآخرون، أن آل سعود والوهابية توأمان سياميان، وأن فصلهما يؤدي الى موت أحدهما، أو كليهما. هذه حقيقة التحالف السعودي الوهابي: منفعة مشتركة، أو موت مشترك!

لا يستطيع آل سعود الاستمرار في الحكم بدون دعم الوهابية، كما لا تستطيع الوهابية ان تنتشر دون إمكانات الدولة السعودية التي تم الإستحواذ عليها من قبل الاقلية النجدية الوهابية على الصعيد السعودي نفسه.

الوهابية نعمة آل سعود طيلة قرون.. فبدونها ما وصلوا الى الحكم، وما بقوا فيه.

ولكنها عمّا قريب ستتحول الى نقمة عليهم، وسيتداعى عليهم العالمان العربي والإسلامي بسببها، وسيجد الغربيون وإن متأخراً ان لا مناص من مكافحة الإرهاب القاعدي الداعشي من جذوره الممتدة الى نجد، وسط السعودية، وكذلك لطم النظام السعودي الذي يوفّر لها الإنتشار والدعم.

بديهي، أن الرياض بعد أحداث باريس، وهي تستمع الى ما يقوله العالم عن أيديولوجيتها، وتقرأ ما يُكتب في صحف الغرب الحليف عن دورها في دعم داعش. فما كان منها إلا أن أنتجت برنامجاً من حلقات ثلاث بثته العربية، يوصل رسالة تقول: ان السعودية ضحية للإرهاب القاعدي والداعشي، وليست مروجاً له. وحسب تعبير أحد الباحثين: ستحاول الرياض إعلان براءتها من أفعال داعش والقاعدة الوهابيتين، ولو أضطرت فستقوم بتدبير تفجيرات داخل السعودية نفسها، لإثبات أنها بريئة من تمويل الإرهاب.

لكن هذا حل مؤقت. فالمواطن المسعود نفسه يعلم أن ملعب داعش الرئيس هو السعودية نفسها، وان الدواعش محميين قانوناً من آل سعود. وأن الفكر الداعشي يرضعه الطلاب منذ الصف الأول الإبتدائي، وأن جامعات السعودية تخرج قادة دواعش تكفيريين مجرمين، ليس لاستهلاكها المحلي فحسب، بل وتصدر جزءً لا بأس به الى الخارج، هم الآن قادة في تنظيمات قاعدية وداعشية.

الصفحة السابقة