فريدمان يحدّثكم: أقدّم لكم إبن سلمان!

خالد شبكشي

ليس أسوأ من كذب آل سعود الا جوقة الصحافيين الاميركيين الذين يعملون وفق حجم الصرّة التي يرمي بها السلطان اليهم وهم الذين لم يألفوا نظام “الشرهات” بالطريقة المعمول بها في مملكة النفط والصمت والعار..

من أبرز أعضاء تلك الجوقة، توماس فريدمان، الصحافي الأميركي المقرّب من البيت الأبيض، ومن آل سعود أيضاً، وقد كتب كثيراً وقابل كثيراً من ملوك وأمراء آل سعود. ونتذكر بشارة الملك عبد الله، حين كان ولياً للعهد، إلى العالم بإطلاقه مبادرة السلام في قمّة بيروت في مارس 2002. اختار الأمير عبد الله الصحافي البليد أحمد الجار الله (رئيس تحرير السياسة الكويتية) ولكن بنسخته الأميركية هذه المرة، أي توماس فريدمان، كي يطلق عبره مبادرته للسلام في قصة امتزجت فيها الفانتازيا بالعلاقات العامة..

مقالة فريدمان التي تتهم السعودية بالإرهاب، فاستدعي للرياض لإصلاح الخطأ!

فريدمان كتب كثيراً عن السعودية وكان للإنصاف قناة توصيل عالية الكفاءة من وإلى الرياض. ويحضر فريدمان حين تتعرّض سمعة آل سعود للخطر، هكذا برز بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر ويحضر الآن بعد هجمات باريس في 13 نوفمبر..والوظيفة باتت معروفة: المشاركة في حملة العلاقات العامة التي تطلقها السعودية حين تتعرض لانتقادات على مستوى دولي بسبب ضلوع أفرادها أو أفكارها في أعمال إرهابية..

كان يمكن أن ينجو فريدمان بصندوق الأكاذيب التي فتحه لجمهور يعرف أنها مجرد أكاذيب مدفوعة الأجر ودون أن يقع في مطبّات أصبحت كبقع الضوء. بكلمات أخرى، كان يمكنه الدفاع وبلغة تبريرية كعادته عن النظام السعودي ودرء تهمة ارتباطه بالإرهاب دون الدخول في التفاصيل، خصوصاً تلك التي يمكن إخضاعها للفحص والتحقيق..

ولكن وعلى ما يبدو فإن «المُشغِّل» أراد منه أكثر، وهو في الوقت نفسه استجاب لرغبته في الحصول على المزيد من «الشرهات»، فراح يدندن نغمة يسهل كشف مصدرها، وأصلها وفصلها..

بدأ فريدمان حملة الدعاية السعودية خلال زيارته للرياض بمحاضرة مشبّعة بكل آيات التبجيل والدفاع عن النظام السعودي وعلى الطريقة الأميركية. ثم قرر تسييل تلك المحاضرة في مقالة نشرت في صحيفة (نيويورك تايمز) في 25 نوفمبر الماضي وعنونها بـ «رسالة من السعودية».

بدت الجرعة الدعائية مرتفعة من السطور الأولى حين عقد مقارنة بين صورة المملكة السعودية من الخارج وأخرى من الداخل، في سياق تصويب مقصود، بأن صورة الخارج مشوّشة، مضطّربة، ومجتزئة. أكثر من ذلك، هو يريد «تجريم» الكتابة عن المملكة السعودية من الخارج لأنها تتوسّل صورة افتراضية مشوّهة من قبيل أن السعودية «كمصدر لأكثر اشكال الاسلام قسوةً والمضادة للتعددية».

وهنا يرسم فريدمان الخط الفاصل عقدياً بين السعودية وتنظيم داعش، وكأن السعودية وداعش لا تشتركان في العقيدة الوهابية. ومن هذا التفارق يؤسس فريدمان مقالته ويقيم عليه كل ما يلي من مقارنات واطراءات.

يزعم فريدمان بأنه جاء في مهمة تقصّي حقائق من أجل الكشف عن جذور داعش في السعودية بناء على وجود 1000 شاب سعودي ضمن صفوفها (وحتى الرقم اختاره فريدمان بعناية مع أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير). وحسناً اعترف بقصور مهمته لعدم امكانية ذهابه للمساجد حيث يتواجد الشباب الملتحين المنغمسين في المذهب الوهابي «وهو المكان الذي تجند فيه داعش هؤلاء الشبّان»..

وطالما أن مصادر معلومات فريدمان هم على شاكلة عادل الجبير، وزير الخارجية المترجم، فليس بالامكان الحصول على صورة محايدة، فقد تطابقت المهمة لدى فريدمان والجبير في انتاج «الصورة المرغوبة» كما أرادها «المشغّل»، وليكن الملك أو أحد الأمراء، الذي سوف تتكشف هويته تدريجاً من خلال المقالة.

الجهة المضيفة لفريدمان كانت «مركز الملك سلمان للشباب»، وهذا أول حرف في بيت القصيد، وقد نال المركز حظّه من المديح في مقالة فريدمان «منظمة تعليمية مثيرة للإعجاب»، على حد قوله. محاضرة فريدمان كانت مخصّصة لموضوع تقني: كيف للقوى التقنية أن تؤثر على بيئة العمل. كان الحضور استثنائياً كما الاستقبال والاسئلة..إذاً فهو حدث استثنائي..

قدّم فريدمان مطالعة استعراضية بلهجة دعائية واضحة، إذ تناول برنامج الابتعاث الذي أطلقه الملك عبد الله، وعن النساء وأنهن «يعملن في المكاتب في كل مكان»، بل زاد على ذلك بأنه هناك من كبار المسؤولين من همس له بأن «بعض المتحفظين الذين ينتقدوا بقسوة حضور المرأة في بيئة العمل علناً، يحاولون الضغط عليهم سراً لكي يحصلوا بناتهم على مقاعد دراسية أو وظائف جيدة». حسناً، معلومة وإن يعرفها الكثيرون من أبناء هذا البلد إلا أنها تصلح أيضاً كعنصر دعائي في رسم صورة الداخل المراد تصديره للحلول مكان صورة الخارج المشوّهة، بحسب فريدمان..

فريدمان يلقي محاضرة على المسعودين

يرى فريدمان في توتير وكأنه «هبة من السماء لمجتمع مغلق» ولم يحدّث نفسه ولو للحظة لماذا يلجأ الشباب السعودي الى استخدام «تويتر للتحدّث مع الحكومة»، ألم يكن مناسباً الحديث عن غياب الأقنية النظامية التي تسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم، وتنظيم صفوفهم في مؤسسات أهلية فاعلة يوصلون من خلالها أصواتهم ويحقّقون عبرها ذواتهم، فضلاً عن غياب التشريعات الكفيلة بضمان الحريات والحقوق..!

على أية حال، كل ما سبق يبدو مجرد مقدّمات لما هو أهم، أي للحفلة الدعائية التي ينوي فريدمان إقامتها في مقالته، والتي سوف يخصّصها لعبقرية فذّة لاتجد لها ترجمة عملية الا في مخيّلة فريدمان وجوقة الدعائيين الذي اختارهم محمد بن سلمان لتسويقه للرأي العام الغربي..

فريدمان صوّر ابن سلمان في هيئة الفارس والمنقذ والمخلّص. فالمملكة التي تعجّ بالطاقات والكفاءات لم ينقصها سوى «قيادة مستعدة لتوجيه هذه الطاقات نحو الإصلاح». عبارة لها ما قبلها ولها ما بعدها، فهي عبار مكثّفة تبطن الخطة الانقلابية التي ستعيد رسم مستقبل المملكة، وعلى حد قوله فإن محمد بن سلمان دخل الى السلطة «وشرع في مهمة تحويل الكيفية التي تُحكم فيها المملكة». في كلام فريدمان ما يبزّ به أكثر الأقلام خبرة في مديح النظام السعودي، فقد جمع مفاتيح الإطراء في مقالة واحدة، وصار يوزعها على أبواب التملّق رجاء الفوز بجائزة مجزية..

يسرد فريدمان قصة الأمسية التي قضاها مع محمد بن سلمان في مكتبه حيث حظي بحفاوة خاصة. ويعلّق «وبطاقته المتفجرة رسَم خططه بالتفاصيل». كل من يعرف محمد بن سلمان وقابله وتحدّث معه وقيّم قدراته سوف يرفع حاجبيه حين يقرأ هذه العبارة، لأن الرجل يكاد يخلو من الحد الأدنى من الذكاء، وليس لديه نظرة مستقبلية حقيقية، فهو أشبه بجهاز تسجيل ينقل ما يقال له، وليس قادراً على خوض نقاش من أي نوع، فضلاً عن التلعثم الذي يرافق حديثه مع الآخر، وحركات وجهه الغريبة التي تكشف عن شخصية مريضة نفسياً. هو لا يمتلك خبرة سياسية ولا في الادارة والحكم وما يقوله فريدمان يصلح كمادة دعائية..

لا ريب أن الشخص الذي قابله فريدمان ليس محمد بن سلمان الذي يعرفه أمراء آل سعود ويعرفه المقرّبون منه والعارفون بخباياه أو حتى الذين التقوه. يزعم فريدمان بأن ابن سلمان لديه مشروعاً متطوّراً مرسوماً على لوحة قيادة للحكومة على الانترنت وفيها توضيح شامل لأهداف كل وزارة، وأنه يسعى لإحداث نقلة كبيرة في الأداء الحكومية عبر مشاركة أطراف البلاد كافة. ويختم هذه الفقرة بالقول: «أقول لكم أيها الوزراء: منذ أن قدم محمد بن سلمان، القرارات الكبرى التي كانت تستغرق سنتين، يتم تنفيذها الآن في غضون أسبوعين».

يسهب فريدمان في بناء الصورة الافتراضية لمحمد بن سلمان، ويستدعي أقوالاً لم تصدر عنه منها «التحديات الرئيسية هي الاعتماد المفرط على النفط والكيفية التي نُحضر فيها وننفق ميزانيتنا». هي عبارة لا تصدر الا عن شخصية استراتيجية تفوق إمكانيات الشاب وخبرته وشهادته العلمية.

واختار محمد بن سلمان فريدمان كي يمرّر عبره قرار خفض الدعم عن الغاز والكهرباء والمياه عن السعوديين الاثرياء ولكن الأخطر من ذلك هو «فرض ضرائب على القيم المُضافة وضرائب للحد من استهلاك السلع الضارة على السجائر والمشروبات السُكرية، وخصخصة المناجم والأراضي غير المطورة وفرض الضرائب عليها مما يُحرر المليارات المجمدة حتى لو انخفض سعر النفط إلى 30 دولار للبرميل، كما سيكون للرياض الإيرادات الكافية للاستمرار في بناء الدولة دون الحاجة لاستنفاذ المدخرات».

كلام كبير جداً يا فريدمان على محمد بن سلمان، ويفوق قدرته على الاستيعاب ولو قرأه من مقالتك لأنكر صدوره منه، ورفع حاجبيه ـ مع من سوف يرفعهما ـ لاستحالة صدوره منه، وهو الشاب المتواضع في قدرته الذهنية.

في حقيقة الأمر، أن فريدمان هو يكتب العبارات التي يجدها مناسبة ثم يضعها بين قوسين لدواعي النسبة الى صاحبها الافتراضي محمد بن سلمان. يقول فريدمان نيابة عن الأمير الشاب الفذ «سبعون بالمئة من السعوديون هم تحت سن الثلاثين، وأن وجهات نظرهم تختلف عن النسبة الباقية، فأنا أعمل من أجل أن أصنع لهم بلداً يودون أن يعيشوا فيه في المستقبل”. ممتاز، عبارة جميلة ويمكن الرهان عليها حين تصدر من عقل استراتيجي يخطط لبلد يواكب المستقبل بل يسارع الزمن من أجل أن تكون الأغلبية السكانية قادرة على العيش فيه.. ولكن السؤال هل هذا كلام محمد أم توماس؟

وحين يراد رسم صورة البطل لا بد من سرد التحديات التي يواجهها كيما تخرج البطولة على أصولها. فهذا الأمير الاستراتيجي يواجه تياراً محافظاً، ومقاومة للتغيير من داخل المجتمع، ولكن وجود قيادة تتطلع للبناء وتعتمد في شرعيتها على مقدار ما تبني لا ما تعد..يقول توماس بأن الأمير محمد حصل على دعم والده الملك سلمان، وهذا صحيح وكفى أما أن هذا الدعم كان من أجل إحداث نقلة في أداء الدولة أو «كجزء من تحول واسع النطاق لإضفاء الطابع المهني على الحكومة وتحفيز القطاع الخاص على القيام بدور أكبر من الناحية الاقتصادية»، فتلك جزء من المزاعم التي سمع الناس بها ولربما فات توماس ما صنع وزير الإسكان في تبرير أزمة السكن ونسبتها الى «الفكر» حتى مضت نكتة طارت بها الأغلبية المحرومة من ثروة البلاد.

فريدمان الصهيوني حصل على المال الذي يريد
وأعطى لآل سعود المديح المقزز!

وحتى تكبر الكذبة يقوّل توماس مضيفه محمد بأن تبسيط الحكومة هو أمر حيوي «ليساعدنا على محاربة الفساد الذي يعتبر احد أهم التحديات الرئيسية التي تواجهنا». هل يعقل صدور هذا الكلام عن محمد، وهو الذي وضع يده على ثروة فلكية وشاعت رائحة سرقاته في كل مكان؟ وهل يعقل أن يكون هذا الشخص محارباً للفساد وقد غرق فيه منذ اللحظة الأولى لتعيينه، وخصوصاً حين وضع يده على شركة أرامكو، البقرة الحلوب والشريان الحيوي لاقتصاد البلاد؟

أما المفاجأة الصادمة فهي ربط التخلص التدريجي من الاعانات الحكومية ورفع أسعار الطاقة، وإنشاء مفاعلات نووية ومولدات الطاقة الشمسية.. وكأن البلاد فقيرة الى الحد الذي يجعل من مجرد وقف الدعم ورفع أسعار الوقود كفيلاً بإطلاق مشروع المفاعلات النووية، وهل لذلك علاقة أيضاً بالسيول، وكارثة البنية التحتية، والفساد الاداري الذي فاق التصوّر، وأزمة السكن، وارتفاع البطالة، وتزايد أعداد الفقراء..الخ؟

على من تضحك يا توماس، ألم تسأل حين كنت في ضيافة «المشغّل»: إن كان بامكانك النزول الى الشوارع والحديث الى الناس العاديين الى أبناء الأغلبية المحرومة، أم كنت مشغولاً في تلبية دعوات الطبقة البرجوزاية والتنقل بين قصور الأمراء؟!

يواصل توماس رواية محمد بن سلمان المزعومة عن مشاريع المستقبل، وتوقف طويلاً عند فرض الضرائب، وخلط بين الرؤية التقليدية لدفع الضرائب في السعودية، وبين الخلفية السياسية على قاعدة: “لا ضريبة بدون تمثيل ـ سياسي”.

قنبلة من العيار الثقيل أطلقها توماس نيابة عن ابن سلمان، حين كتب رؤية مزعومة له في شكل الحكومة. كتب وتأملوا في ما كتب نقلاً عن ابن سلمان الافتراضي: “يستحيل على أي حكومة ان تبقى قائمة دون أن تكون جزءً من المجتمع ومن دون أن تمثلهم»، وأضاف توماس نقلاً أيضاً عن ابن سلمان الافتراضي: «نحن رأينا ما حدث في الربيع العربي، لم تصمد سوى الحكومات التي كانت على اتصال مع شعوبها. إن الناس تسيء فهم النظام الملكي لدينا، هي ليست شبيه بأوروبا. ان النظام الملكي الخاص بنا يحمل شكلاً قبلياً، حيث هناك الكثير من القبائل والقبائل الفرعية والمناطق مرتبطة بالجزء العلوي». و قال ايضاً: «الملك لا يمكنه الاستيقاظ واتخاذ قرار حول القيام بأمر ما”.

نقولها بالمصري: يا راجل، إتق الله! معقول ان هذا كله يصدر عن محمد بن سلمان، الذي يعاني من مشكلتين في اللسان وضيق التفكير.

وفي مكان ما تتراجع شخصية محمد بن سلمان وتحضر بكثافة شخصية توماس فريدمان كقوله بأن محمد بن سلمان نفى أن يكون داعش نتاج للعقلية الدينية السعودية، وأنها في الحقيقة «ردة فعل ضد الوحشية تجاه العراقيين السنّة من قبل حكومة نوري المالكي الشيعية الموجهة من ايران، وضد سحق السوريين السنّة من قبل حكومة دمشق المدعومة إيرانياً. هذه بالتأكيد ليست فقرة في حديث توماس مع محمد، بل اختارها توماس بعد إذن الأخير لتكون جزءاً من الرؤية الشاملة لدى العبقرية الفذّة.

وفي المسعى السعودي لصناعة الضحية، والذي تنبّه له توماس فريدمان، بأن أنتج فقرة درامية تصلح لأن تكون مشهداً حزيناً في مسلسل الارهاب. ينقل فريدمان شكوى ابن سلمان بأن التفجيرات التي طالت مساجد في السعودية، وهي مساجد الشيعة باستثناء مسجد في معسكر في الجنوب لا يعرف مصدره، كانت تستهدف زعزعة النظام، ولكن هذا النظام رفض مجرد زيادة الرقابة على تحرّك الأفراد المشتبه بهم، وعاقب العناصر الأهلية التي انخرطت في اللجان الأهلية لتفادي وقوع هجمات إرهابية على المساجد، وإن كلام العالم بأن السعودية هي مصدر الهام داعش لم يكن جزافاً ولا افتراءً، فالعقيدة الوهابية الايديولوجية المشرعنة للنظام السعودي، هي نفسها عقيدة هذا التنظيم الارهابي، وإن توصيم الأخير لأمراء آل سعود وحتى علماء المؤسسة الدينية الوهابية الرسمية بالكفر، لا يعني التمايز، بل هو من صميم المذهب نفسه الذي يحارب نفسه والآخر، وهناك نصوص في مراجعه القديمة ما يجعل التكفير متاحاً حتى للأتباع.

ولم يغفل توماس أن يقحم الصراع الإيراني السعودي في معركة داعش كيما تضيع معالم القضية وآثار الجريمة.

وفي سياق بناء «الضحية» أيضاً، يقول توماس نيابة عن محمد بن سلمان بأن داعش لديها رسالة للشباب السعودي بأن الغرب يحاول فرض أجندته عليهم، وأن الحكومة السعودية تساعدهم في ذلك.. يرى ابن سلمان على لسان فريدمان أن السعودية لم تعمل بما يكفي لشرح وضعها للعالم، أي بعبارة أخرى لم تقدّم نفسها بما يكفي كضحية، مع أن أدبياتها التكفيرية عمّت أرجاء العالم وباتت مقروءة ومسموعة ومرئية، فماذا هناك لم يقله ابن سلمان وعائلته ومشايخ مملكته الوهابيين.

في مقاربته للملف اليمني، لا يكاد يتمايز توماس فريدمان عن أي كاتب سلطوي، فهو يقدّم القراءة السعودية للمسألة اليمنية: تحالف خليجي بقيادة السعودية لقتال المتمرّدين الحوثيين، وفوق ذلك موالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، والمدعومين من ايران، وأنهم طردوا الحكومة اليمنية الشرعية خارج العاصمة، وأن السعودية البريئة الوادعة الملتزمة بالقانون والشرعية الدولية، تحاول إعادة الهدوء والاستقرار الى اليمن وعودة الشرعية!

الطريف أن فريدمان يحمّل الضحية المسؤولية في رفض الحل السياسي، ويصوّر السعودية الطرف الحريص على التوافق والحل السياسي، مع أنه قبل غيره وولد الشيخ، المبعوث الأممي، يدركان تماماً بأن من يعطّل الحل السياسي هو السعودية، لأنها لا تجد ما تفاوض عليه في جنيف، وإن إيقافها العدوان يعني الاقرار بالهزيمة.

شيء واحد يعرفه توماس ووضعه على لسان محمد بن سلمان، مع أنه نسبه لمسؤولين في أكثر من دولة خليجية (الامارات والكويت على وجه الخصوص) الى جانب المملكة السعودية؛ وهذا الشيء هو مطالبة هذه الدول من الولايات المتحدة بعدم الخروج من المنطقة، وألا تتخلى عنها، وبالتأكيد عن الأنظمة الخليجية فيها. وصاغ توماس عبارة جميلة لهذه الرغبة، ووضعها على لسان محمد بن سلمان لتكون خاتمة مقالته التمجيدية: «هناك أوقات يكون فيها القائد ليس بقائد [في العالم]، وعندما لا يكون هناك قادة، ستترتب على ذلك الفوضى”.

الصفحة السابقة