أوامر ملكية على مقاس محمد بن سلمان!

محمد الأنصاري

في السابع من مايو الجاري، ولأكثر من ساعتين كان التلفزيون السعودي ينقل أخباراً طازجة بشأن التغييرات الوزارية وغيرها. عشرات القرارات والتغييرات، حيث دُمجت وزارات مع بعضها، وألغيت وزارات، وأعيدت تسمية غيرها، وحوّلت مؤسسات الى مسميات أخرى، وأُقيل وزراء، وعُيّن آخرون، او تم تعيين وزراء حاليين في وزارات مختلفة، هذا اضافة الى تغييرات في المرتبة الممتازة او برتبة وزير او تعيينات قضائية أو مستشارين في الديوان وغيره.

قال طبّالو السلطة عن هذه التغييرات بأنها تستهدف تشكيل فريق متجانس سيستخدمه محمد بن سلمان ولي ولي العهد لتطبيق رؤيته الإقتصادية ٢٠٣٠.

لكن كما الرؤية حالمة وضبابية وطفولية في آن، فإن الأدوات البشرية المستخدمة وما يستتبعها من تغييرات وزارية كانت ساذجة أيضاً الى حدّ كبير.

فالتغييرات بأوامر ملكية ستحدث إرباكاً إدارياً كبيراً كونها تتعدى مسألة تغيير وزراء الى تغيير مرجعية وزارات ومؤسسات وتخبيصها دمجاً أو فصلا أو الغاءً كليّاً.

والتغييرات الأخيرة يلاحظ فيها أنها لم تبحث عن الرجل المناسب للوزارة المناسبة او المنصب المناسب لكفاءته، بل العكس تماماً، حيث تم تفصيل الوزارات والمؤسسات حسب طاقة وإمكانية وخبرة الوزير او المسؤول، وهذا أمرٌ غير مسبوق في التاريخ!

والتغييرات الكثيرة والكبيرة أكّدت سيطرة الفئوية المناطقية على الدولة مرّة أخرى بأعظم مما جرى في عهد الملك فهد من (وَهْبَنَةْ الدولة ونجدنَتِها). فمع أن نجد تمثل نحو خمس سكان المملكة إلا انها تستحوذ على أكثر من ٩٥٪ من المناصب العليا في الدولة في كل المجالات السياسية والإقتصادية والتعليمية والقضائية والدينية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية. والتغييرات الجديدة زادت الجرعة لصالح نجد مرة اخرى، ما جعل البعض يلمح بامتعاض عن هذه الظاهرة.

والمرأة التي انتظرت الرؤية فجاءت غَبَشاً بل عمىً، كذلك التغييرات الوزارية وغيرها الكثيرة، لم تشر الى أيّ دور للمرأة لا في الوزارة ولا ما هو أدنى منها. وكما أحبط المواطنون بالرؤية، كذلك أُحبطوا بأن أيّ من آمالهم في التغيير والإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لن تتحقق بفريق العمل الذي اختاره محمد بن سلمان ـ ابن الملك.

التغييرات المستمرة والكبيرة والمتقلّبة في الوزارة وفي أجهزة الدولة منذ ان جاء سلمان الى العرش قبل عام ونيّف تدلّ على تخبّط وليس على وضوح رؤية. فالتغييرات الكبيرة الأولى (تغييرات الفجر المتكررة) قيل أنها تمثل اطاحة برجال الملك عبدالله وتعيين رجال الملك سلمان. وهذه التغييرات الجديدة جاءت برجال الملك غير الرسمي محمد بن سلمان ليحتلوا معظم المقاعد، حتى أن الدكتور فؤاد ابراهيم سمّاها (حَمَنْدنَةْ الوزارة)!

الأديب والكاتب أحمد أبو دهمان وهو من المنطقة الجنوبية، وصاحب مقولة: (ليس أعظم من أن تصحو على وطن شُجاع) عشية عدوان آل سعود على اليمن. ابو دهمان الذي كرر مقولته آنفة الذكر بعد حكاية جزيرتي صنافير وتيران وقال: (أيقظنا سلمان على جزيرتين).. امتعض من ان الأوامر الملكية الكثيرة أكدت نجدية الدولة وسيطرة الأقلية على كل السلطة فقال: (أهل المنطقة الوسطى يتبادلون التهاني بالمناصب؛ أما نحن في الشمال والجنوب والشرق والغرب، فلم ينجح أحد)!

قامت قيامة العنصريين، والطائفيين، والمناطقيين في نجد، وقالوا: انها عنصرية، كلنا ابناء وطن واحد، اتركوها فإنها منتنة.. الخ.

احدهم قال لأبي دهمان: لا تنس البدو، فهم ايضاً مهمشون مستعبدون. فرد: (كلنا ذلك البدوي). وسأل احدهم: متى تتوقع ان نتبادل التهاني ونفرح بتعيينات من المناطق الأخرى التي تشكل الأكثرية؟ فرد: (اذا شابَ الغراب)، يعني اذا ابيضّ ريشُه. يعني ان ذلك لن يحدث، فالإثرة باقية. ثالث نصح بقراءة رسالة الدكتوراة لمحمد بن صنيتان، حول النخب السعودية، وكيف انها مناطقية وان المناصب محتكرة لمنطقة نجد. ورابع ذكّر بوزير الصحة آل هيازع الذي عُزل من منصبه بعد شهر ونصف في تشكيلة وزارية جديدة، فقال ابو دهمان (ما أمداني أبارك له).

المعارض الدكتور حمزة الحسن قال ان اغلبة الأسماء التي وردت في الأوامر الملكية هي من نجد، المملكة هي نجد، والحكام من نجد، والدين من نجد؛ واضاف: حقاً هي مملكة نجدية. وان ازمة السعودية تكمن في خشية الأكثرية من الحديث عن هذه الحقيقة الناصعة من ان أقلية تحكمها وتسيطر على السلاح والقضاء والمال والإعلام والدين. وزاد بأن منبع مشكلات السعودية يأتي من نجد: (من مذهب نجد، وعنف نجد، وحكام نجد، ومشايخ نجد، وهيمنة نجد، وإثرة نجد)، وختم: (بعدها قولوا ما شئتم عني). فهي الحقيقة.

اما التغييرات الوزارية فكان فيها تدوير، وزير يأخذ مقعد زميله في وزارة أخرى، يعني (زيد أخو عبيد) كما يقول المثل.

ليست الرؤية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للحكومة عمياء، بل حتى الرؤية الإدارية فيها تخبط شديد، يكاد يعصف بجهاز الدولة عامة، كما اوضحت ذلك التغييرات الكثيرة الأخيرة.

إقالة الوزير علي النعيمي من وزارة النفط كان متوقعاً، فالرجل أوضح انه ضد أمور كثيرة يتبناها محمد بن سلمان، بما في ذلك بيع حصة من ارامكو، بل كان ضد رفع اسعار الوقود، وغير ذلك. النفط كان مجرد ادارة في وزارة المالية، ثم تحول الى وزارة باسم وزارة البترول والثروة المعدنية. في الأوامر الملكية الأخيرة أصبحت وزارة الطاقة (اكثر من بترول) والصناعة والثروة المعدنية والكهرباء اضافة الى هيئات عديدة وصناديق ومدن اقتصادية وغيرها! هذه كلها اعطيت لوزير واحد نجدي من (الزلفي).

في عام ١٩٧٥ تم تأسيس وزارة الصناعة والكهرباء، وكانت الصناعة والتجارة مجتمعتين في وزارة، ثم فصلوا المياه عن وزارة الزراعة، وصارت وزارة الكهرباء والمياه، ثم فصلتا وصارت كل واحدة وزارة مستقلة، ثم ألحقت المياه بوزارة الزراعة مجدداً، والكهرباء الحقت بوزارة الطاقة (البترول سابقاً)، وهكذا هي اللخبطة الإدارية.

عام ١٩٧٥ اسست وزارة للحج والأوقاف، وفي التسعينيات اسست وزارة جديدة للشؤون الاسلامية والأوقاف، الآن فصلت الأوقاف والحقت كهيئة بوزير العمل!

أما وزارة العمل نفسها، فكانت مجرد مكتب في وزارة المالية قبل ان تتحول الى وزارة باسم: وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. ثم اصبحت الوزارة اثنتان: واحدة للعمل، واخرى للشؤون الاجتماعية، واخيراً أُعيد جمعهما مع تغيير طفيف في الإسم: (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية)!

بقي ان نقول ان احلام النساء بتعيين وزيرة لم يحصل، ولا حتى وكيلة وزارة!

وبالرغم من وفرة الأوامر الملكية وتلاحقها كل بضعة أشهر، بقي اثنان هامان منتظران:

الأول: أمر بحل وزارة الحرس، وإلحاقها بوزارة الدفاع.

الثاني: أمر بإبعاد محمد بن نايف عن ولاية العهد وإبقائه وزيراً للداخلية، وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد.

الصفحة السابقة