دولة الارهاب

وحدهم آل سعود الذين يمضون الليل والنهار ويستخدمون كل مصادر قواتهم المالية والاعلامية والسياسية من أجل تقديم أنفسهم على أنهم ضحايا الارهاب، بينما الأغلبية الساحقة من سواهم، حتى لا نقول كل من عداهم، قد توصّلت الى قناعة راسخة وبالأدلة الدامغة على أن النظام السعودي هو الراعي للإرهاب في العالم..

عشرات المقالات نشرت في صحف آسيا وأوروبا والولايات المتحدة وغيرها من قارات العالم حول هذا الموضوع، وجميعها يتفق على أن الارهاب في شكله الايديولوجي يأتي من المملكة السعودية.

في مقالة نيكولاس كريستوف في صحيفة (نيويورك تايمز) في 2 يوليو الجاري بعنوان (السعوديون يزرعون الإرهاب في البلدان الآمنة)، وقد سبق له أن نشر مقالاً في 20 إبريل يصف فيه السعودية بمملكة التخلف وأن خطرها أكبر من خطر المرشح الجمهوري رونالد ترامب، بسبب نشرها لأفطار تحرّض على الكراهية والتطرف والارهاب.. وختم مقابلته تلك بأن طالب بالاعتراف بأن السعودية ليست مجرد «محطة وقودنا» بل وأيضاً «منبع السم في العالم الاسلامي» وان «تعصبها الاعمى» هو الذي يؤجج التعصب الاعمى في الداخل الاميركي.

في مقالته الأخيرة، أي المنشورة في 2 يوليو الجاري، يضيء كريستوف على الأخطار التي تحدق ببلدان شرق آسيوية آمنة بفعل انتشار الوهابية.. وتمثّل المقالة خلاصة لكل ما يقال عن دور السعودية في دعم الارهاب.

يثير كريستوف سؤالاً كبيراً: ماهو البلد الاسلامي الذي لديه أكبر عدد من المواطنين يذهبون للقتال الى جانب الدولة الاسلامية (داعش) من أي بلد أوروبي آخر؟

الجواب هو كوسوفو، في جنوب شرق أوروربا، وهناك تنبعث الأسئلة الأخرى بل والأخطار الكبرى على أوروبا. يقول كريستوف بعد كل هجوم إرهابي من قبل متطرّفين إسلاميين، ننظر الى أعدائنا مثل الدولة الاسلامية (داعش) أو القاعدة. ولكن حسب رأيه ربما نحن علينا أن ننظر الى «أصدقائنا» مثل السعودي.

يبنى كريستوف رأيه على حقائق منها أن السعودية كانت ولعقود طويلة تموّل وتنشر نسخة من الاسلام الوهابي المتشدّد والعنيف حول العالم وهي المسؤولة عن إنتاج الارهابيين.. وليس هناك من مثال أفضل على ذلك الطيش السعودي أكثر مما يجري في البلقان. في سنوات خلت كانت كوسوفو وألبانيا نماذج للاعتدال والتسامح الديني، هذه الصورة السائدة عنهما في أوروبا والعالم، ولكن جاءت السعودية ودول خليجية أخرى وأغدقت الأموال على الجيل الجديد في كوسوفو وألبانيا ومنذ 17 عاماً وزرعت التطرّف الديني في أرض لم يكن فيها من الأصل سوى القليل.. والنتيجة، وكما تعلن عنها الحكومة الكوسوفية أن 300 كوسوفيا سافروا للقتال في سوريا أو العراق، وفي الغالب للإلتحاق بتنظيم داعش. وبحسب توصيف كارلوتا جال في مقالة لها حول الردكلة في كوسوفو، فإن المال السعودي حوّل مجتمعاً إسلامياً معتدلاً ذات مرة الى أنبوب للجهاديين.

لقد بلغت المخاطر المحدقة بكوسوفو نفسها أن الحكومة اضطرت العام الماضي الى إيقاف إمدادات المياه في العاصمة بصورة مؤقتة، وسط مخاوف من أن يكون داعش قد يعد خطة تسميم لشبكة المياه في المدينة. يقول زهدي هيجاري، إمام مسجد في مدينة بيجا، بأن «السعودية تدمّر الإسلام»، وقد تلقى تهديدات بالقتل لا تحصى من قبل متطرّفين.

من أجل مواجهة التطرّف الوهابي في كوسوفو قام هيجاري بالتعاون مع أهل دعوته الإسلامية المعتدلة بتدشين موقع على الشبكة www.foltash.com يوجّه فيه انتقادات للتفسير الوهابي السعودي المتطرّف للإسلام. يطالب المشرفون على الموقع النظام السعودي بتوجيه جهوده لمقاتلة داعش وليس لنشر التطرف في بلادهم، كما يسلط الضوء على تجارب المعتدلين الإسلاميين في السعودية مثل الشيخ الغامدي..لا يخفي هؤلاء التفوق المالي للسعودية ودول خليجية أخرى باستثناء عمان وآثارها على الشباب الكوسوفي وعلى صورة كوسوفو في العالم، حيث شوّهت تاريخ الاعتدال في هذا البلد وراحت تدعم أشكال متطرّفة من الاسلام عبر إعصار من المنشورات، وأشرطة الفيديو ومواد أخرى والتي تحرّض على التطرّف والعنف.. فيسار دوريقي، إمام سابق في كوسوفو، والذي أصبح صحافياً ويكتب عن نفوذ المتطرّفين في بلاده، يقول «لقد بدّل السعوديون الإسلام هنا بصورة كاملة بأموالهم».

بالتأكيد إنها ليست مشكلة كوسوفو وحدها، فقد ذكر أوباما طرفاً من معاناة أندونيسيا ومدارسها الدينية، وقصص معاناة أخرى مماثلة في باكستان حيث أصبح نظام التعليم العام فيها منحطاً وأن السعوديين يملؤون الفراغ بتمويل المدارس المتشدّدة التي تتيح للطلاب الدراسة المجانية، والوجبات المجانية، كما تقدّم للمتقدّمين منهم بعثات دراسية للالتحاق بجامعاتها الدينية في الرياض والمدينة أو مكة المكرمة. بلدان آمنة مستقرة، مثل مالي، بوركينافاسو، النيجر في غرب أفريقيا، ودول أخرى عديدة باتت هدفاً للمال السعودي، الذي يتدفق على المدارس لانتاج تفسيرات راديكالية للإسلام.

بات كثيرون يخافون على أطفالهم من غزو الوهابية لعقولهم وتحويلهم الى قنابل بشرية. أبلغ ما يمكن قراءته من مواقف قلقة إزاء الخطر الإيديولوجي السعودي ما صدر عن السيد الهيجيري حين سئل عن تأثير عن رسام الكاريكاتير الدنماركي فقال: “رسام الكاريكاتير بإمكانه أن يتسبب في إلحاق الأذى بمشاعرنا، ولكن تدمير سمعة الاسلام، فهذا ليس شغل رسام الكاريكاتير ولكنّه شغل السعودية».

الصفحة السابقة