السعودية بين (العمى) و(الرؤية)

طراد سعيد العمري

يمكن المجادلة بأن السعودية بلغت درجة متقدمة من (الشعور بالقوة) خلال العامين الماضيين، ما يتطلب مزيداً من الحذر، وكثيراً من الإنضباط السياسي. ظهر ذلك واضحاً من خلال السياسة الخارجية والخطاب السياسي الحاد، بدليل دخول السعودية حزمة من التحالفات السياسية والعسكريةخلال عام واحد: التحالف العربي؛ التحالف الدولي؛ والتحالف الإسلامي.

يجدر القول بأن الشعور بالقوة أمر، والقوة أمر آخر مختلف تماماً. يقول مايكل هوارد، أستاذ التاريخ السياسي: (تتنامى القوة للدولة حتى تصاب بالعمى، عندها يكون كل شيء مفاجئاً). الشعور بالقوة اذا لم يستند على تقييم حقيقي وواقعي وعقلاني، ويتم توظيفه بالشكل الجيد، يصبح ذلكالشعور مدمراً في السياسة.

ظهور تركي الفيصل متحدثاً في مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس في التاسع من يوليو 2016 كان من ضمن منهج أو طريق (الشعور بالقوة)، ما أثار العديد من الإسئلة: هل قررت السعودية الإتجاه نحو التصعيد مع خصمها السياسي إيران، والدخول في نفق جديد من الحمى السياسية بتأثير (الشعور بالقوة)؟ وهل إستطابت السعودية وإستسهلت وإستمرأت (السياسة الصلبة/ هارد بوليتكس) بغض النظر عن مآلاتها ونتائجها، حتى لو أصيبت بالعمى، وتحققت مقولة مايكل هوارد؟

رؤيـة 2030 تتطلب عنصرين أساسيين لنجاحها: الأمن والسلام والإستقرار؛ والإعتماد على (السياسة الناعمة/ سوفت بوليتكس) أي سياسة خارجية تتسم بالهدوء وقليل من الحدية. صحيح أن البعض يرى أن رؤيـة 2030 ولدت منقوصة، فهناك جوانب أساسية هامة، مثل الجانب السياسي متمثلاً في: صياغة دستور (عقد إجتماعي)، ومشاركة سياسية حقيقية، ومؤسسات مجتمع مدني.

العودة إلى الداخل حتى لو أدى بالسعودية إلى سياسة «الإنكفاء» أو منهج «الحياد»، بات ضروريا. لكن الدول قد تنزلق نحو الهاوية نتيجة (العمى)، فقياس القوة معقد بما فيه الكفاية بحيث يختلط في قياسه ووزنه: المجرد بالمشخص، والحقيقي بالوهمي، والملموس بغير الملموس، والماديبالمعنوي، والصلب بالناعم، والزمان بالمكان. لكن خطورته تكمن في تولّد حالة توصف بـ (الشعور بالقوة)، ولطالما دخلت دول كثيرة حروباً تؤكد مسوغاتها سرعة إنجازها، ومحدوديتها، وسهولة السيطرة عليها ثم إنهاءها، ولكن لا تلبث تلك الحروب والنزاعات أن تستمر أعواماً، بلعقوداً، مما يجر الى كوارث ونكسات. والتاريخ يحكي قصصاً كثيرة، وبالنسبة للسعودية، فحرب اليمن وملفها لازال مفتوحاً، والمماحكات السياسية الصلبة لازالت في العراق وسوريا ولبنان، والمساعدات الخارجية السعودية تقترب من الطابع العسكري أكثر من المدني، والإعلام هو أقرب للتوجيه والتحفيز والتجييش، منه إلى إعلام مدني. ومؤخراً، هناك مشاركة تركي الفيصل في شأن داخلي لدولة أخرى لإسقاط النظام، ما قد يؤدي إلى إمكانية إستمرار السعودية في مجال (الشعور بالقوة) ويؤدي بالتالي إلى (العمى)، وإنعدام الرؤية.

رؤية 2030 هي خارطة طريق تتطلب السلم والأمن والإستقرار، ما يتنافى كلياً مع الحروب والفتن، ما ظهر منها وما بطن. والسعودية تقف أمام مفترق طريقين: (١) طريق (الشعور بالقوة) والإسترسال خلف أوهام تلك المشاعر التي يطلق عليها البعض محلياً (المهايط)، حتى تصاب الدولةبالعمى، ثم تأتي الأحداث مفاجئة صادمة وقد تكون مدمرة. (٢) طريق الـرؤيـة 2030، حتى لو كان منقوصاً، وتهيئة مستلزمات تحقيقها من أمن وسلام وإستقرار وإنفتاح على العالم بسياسة خارجية تجنح نحو السياسة الناعمة.

الصفحة السابقة