عنف قادم لتركيا والأردن والسعودية

قلق سعودي من إنبعاث العنف في أراضيها!

محمد شمس

لم تكن النتيجة الاستشرافية خطأ، تلك التي توصّل لها الكاتب السعودي يوسف الديني، في مقالته بصحيفة الشرق الأوسط (٢٤ يناير ٢٠١٧) والتي حملت عنواناً لافتاً: (انبعاث الخلايا: استباقية السعودية ويأس داعش)، ووصف عام ٢٠١٧ بانه (عام الإرهاب، وحصاد الإهمال لقضايا الإقليم؛ والأكيد أننا سنشهد انبعاث خلايات داعش والقاعدة في كل مكان، وهو عام الخلايا النائمة والمعولمة). 

 
مواجهات حي الياسمين ـ الرياض

وكالعادة، لم يكن يتوقع من الديني ان يحمل حكومته مسؤولية انبعاث العنف، ولذا نزّه حكومة آل سعود من دعم الإرهاب، وقال ان منبع الإرهاب الداعشي في سوريا وبسبب وجود نظام الأسد؛ ونشاطات ايران، وليس بسبب استثمار آل سعود لداعش والقاعدة وترويجها لفكر التطرف الوهابي، وتمويله ورفده بشباب من السعودية نفسها للقتال في الخارج. وهو ما يقوله الكتاب والمحللون السعوديون انفسهم.

اذا كان كذلك، أي ان مصدر الإرهاب التكفيري العنفي ليس السعودية، فلمَ يؤشر العالم بإصبعه الى المنبع السعودي للعنف؟ الى الوهابية كأيديولوجيا، والى السعودية كنظام حكم؟

ولمَ كان شباب الوهابية المسعودون بالآلاف يقاتلون في الخارج الى جنب النصرة وداعش؟

ولمَ تصبح السعودية المرشحة الأولى للعنف الداعشي، إن لم تكن هناك أرضية لذلك؟

يكتفي الديني بتبرير ان سبب وجود السعودية على رأس قائمة داعش، هو انها تقف بقوة في الحرب على الإرهاب، مع اعترافه بوجود ازدواجية سعودية في التعامل مع الارهاب المحلي، والارهاب الخارجي، أي الارهاب الذي تؤيده الرياض والذي هو (ارهاب حلال) ضد الخصوم، ونصح بأن تزيد حكومته مكافحة الإرهاب الداعشي في الخارج، ومبرره (حتى لا نقع في ازدواجية التعامل مع الإرهاب)؛ واعترف بأن خطاب داعش أقوى من خطاب الوعظ السلفي، وان الخطاب الديني المعتدل غائب في السعودية.

ما يهمنا، هو أن خلايا داعش تنشط هذه الأيام في السعودية، وأكبر دلالة على ذلك مواجهات حي الياسمين في الرياض التي قتل فيها داعشيان؛ وتفجيرات حي الحرازات بجدّة، ومهاجمة وكر آخر لداعش فيها.

هذا يعني ان داعش لم تيأس.

بل يمكن القول أن العنف في السعودية سيدخل مرحلة جديدة.

مبررات العنف القادم

يمكن القول بأن العنف المتوقع في السعودية، وربما في غيرها من الدول، سيكون عنفاً مشتركاً (داعشياً وقاعدياً)، أي ان الخلايا الداعشية والقاعدية في السعودية ستقوم بتأجيج العنف، ومواجهة النظام وقواه العسكرية والأمنية.

فمع أن الرياض أعلنت ـ إسميا ـ انضمامها للحرب على داعش، وتفادت الحديث عن جبهة النصرة، بل كانت مدافعاً عن وجودها في الأصل وعدم تمييزها وضربها.. رغم هذا، فإن الطرفين سيكونا مدفوعين للإنتقام من الموقف الرسمي السعودي.

عنوان العنف القادم سيكون (الإنتقام) من الهزيمة التي تتعرض لها القاعدة في اليمن وسوريا تحديداً، ويضاف العراق بالنسبة لداعش.

 
السعودي عبدالله المحيسني، ممثل آل سعود في جبهة النصرة

لشرح هذا الأمر نقول، بأن القوى الداعشية المحليّة، حيث المصنع الوهابي الداخلي، الذي ينتج الأفكار والمعتقدات، ويشرعن العنف ويحض عليه.. التزمت الصمت بشكل شبه شامل، خلال السنوات الماضية، في محاولة لتهدئة المعركة البينية بين داعش الأم (الدولة السعودية) وبناتها اللاتي أنتجتهن.

سبب الصمت، هو ان الطرفين يخوضان معركة أخطر وأكبر.

ولا شيء في ذهن الوهابية، اعظم وأخطر وأهم، وأكثر حماسة، من المعركة ضد الروافض بتعبيرهم، وهي معركة تشمل أراضي دول عديدة، ومذاهب مختلفة: (الشيعة الإثناعشرية/ الاسماعيلية/ الزيدية/ وحتى العلوية ـ النصيرية).

كأنّ التيار الداعشي والقاعدي في السعودية أجّل معركته لصالح هذه المعركة الكبرى، سواء كانت في اليمن، او سوريا، او العراق، او حتى لبنان والبحرين، بل وحتى في الداخل السعودي نفسه. على أمل، ان يثبت النظام السعودي كفاءة في المواجهة، ويحقق إنجازاً ملموساً فيها، يغفر له خطاياه الأخرى، التي على أساسها جرى تكفيره وفق المعتقدات الوهابية الأصلية نفسها.

الآن، وقد ثبت:

ـ ان النظام السعودية خسر معركة العراق بشكل شبه مطلق.

ـ وخسر النظام معركة لبنان، بشكل شبه مطلق.

ـ ويكاد يخسر بشكل مطلق معركته في سوريا، ويخرج بدون مكسب سوى تدمير البلد نفسها.

ـ وأما الحرب السعودية العدوانية على اليمن والتي مضى عليها عامان، فلا أُفق لها، وان استمرارها، يمثل هروباً سعودياً عن مواجهة الحقيقة (الهزيمة وتداعياتها المحلية).

الآن.. بعد هذا كله، تشتغل مفاعيل الهزيمة، فتفكّك المهزومين، حيث يعلو الصراخ والإتهام كل طرف للآخر، سواء كان دولاً، او جماعات سياسية.

الآن، بدأ الدواعش والقواعد في السعودية، تشغيل الماكنة على النظام السعودية، وتفعيل أدوات التكفير ضدّه: 

فهو نظام غير شرعي، ولا بيعة له.

وهو نظام خارج من الملّة، وفق قواعد الولاء والبراء، بتفسيرات مؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب.

وهو نظام لا يطبق الشرع، حيث البنوك الربوية، وحيث العلمنة وغيرها ـ بنظرهم.

ثم إنه نظام يتحاكم الى القانون الدولي، اي أنه نظام يتحاكم الى الطاغوت، وقد أُمروا بالكفر به.

وهو نظام عطّل الجهاد في سبيل الله، والآن عطّل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثم إنه نظام فاشل، ويدعم أعداء الإسلام ضد (المجاهدين!!) في العراق وسوريا واليمن.

 
تفجير الحرازات ـ جدة

الى آخر الإتهامات التي تخرج آل سعود ونظامهم من الملّة.

ولسان حال الدواعش المحليين اليوم يقول: كيف تريدون أن ينصرنا الله، وهؤلاء الفسقة الكفرة يحكموننا؟!

أي أن سلاح التكفير الذي بدأ الوهابيون باستخدامه بعيد أحداث سبتمبر ٢٠٠١، وأنتج عشرات التفجيرات والمواجهات وسقط ضحية ذلك ما يصل الى ألف وخمسمائة شخص، وأربعة آلاف جريح..

هذا السلاح الذي تمّ تجميده مؤقتاً.. بدأ تفعيله من جديد. وما علينا إلا أن نتوقع المزيد من العنف.

عودة الدواعش الى المنبع

رأى بعض المحللين أن قلقاً شديداً ينتاب العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية، من احتمالية عودة الدواعش والقواعد المهاجرين الى مواقع الصراع والحروب، الى بلدانهم الأصلية، وما تحتمله هذه العودة من مفاجآت غير سارّة، سيكون أولها تفجّر العنف من البلدان المصدّرة للعنفيين.

كأنهم يريدون القول بأن هزائم داعش والقاعدة في العراق وسوريا بالذات، سيؤدي الى تسهيل عودة المقاتلين الأجانب الى ديارهم، وهم يحملون على أكتافهم وزر الهزيمة، ومرارتها التي قد يفجرونها ضد مجتمعاتهم وحكوماتهم. تماماً مثلما حدث مع من أُسموا ـ حينها ـ بالأفغان العرب.

الأوروبيون، خاصة الفرنسيين، مرتعبون من عودة الدواعش الى بلدانهم الأوروبية؛ ولهذا صرح هولاند، الرئيس الفرنسي، في الأشهر الماضية، بضرورة اجتثاث المقاتلين الدواعش في سوريا والعراق، وعدم السماح لهم بالعودة الى اوروبا. جاء ذلك في سياق معارضة فرنسا لمحاولة امريكا تسهيل تسرب المقاتلين من الموصل الى الرقّة في سوريا، لأن الخطوة التالية ـ وهي الأسهل ـ تعني دخول تركيا والعودة الى أوروبا عبر المطارات.

نعم.. بلا شك فإن عودة الدواعش أمرٌ خطر.

هذا ما تخشاه تونس مثلاً، حيث اثير الجدل على المستوى الشعبي والإعلامي والرسمي، ما إذا كان من الممكن إتّقاء شر نحو ثمانمائة داعشي عادوا من سوريا والعراق.

 
طابخ السمّ آكله: اغتيال السفير الروسي في تركيا

وهناك مئات او آلاف الدواعش يريدون العودة الى مصر، وظهروا في فيديوهات تطالب حكومتهم بتسهيل عودتهم.

وبديهي ان كل دول العالم المصدر للعنفيين الدواعش، بما فيها السعودية، لا تريد لهؤلاء العودة، بل تريد لهم القتل هناك في الموصل او في الرقة او غيرها. مع العلم ان الرياض تزعم بأن لديها نظام مناصحة لهؤلاء قادر على تغيير سلوكهم، وهو امرٌ لم يثبت أبداً، فمعظم المقاتلين السعوديين في اليمن وقياداتهم هم من خريجي المناصحة (الشهري مثلاً)، وكذلك فإن معظم من يقوم بالعنف هذه الأيام، قد تم اطلاق سراحهم وفق برنامج المناصحة. واصلاً فكرة المناصحة إنما جاءت كمخرج رسمي سعودي من مأزق معاقبتهم واعدامهم، باعتبارهم في الأساس من بيئة النظام وحاضنته الاجتماعية النجدية او المذهبية الوهابية.

الحكومة السعودية لا تخشى عودة الدواعش والقواعد الى المملكة، فهي قادرة على ضبط حدودها، واصطياد العائدين.

وقد كانت فيما مضى، ولمجرد الدعاية بأنها تحارب الإرهاب، تحاول اقناع الدواعش والمقاتلين في جبهة النصرة بالعودة. اما الحقيقة اليوم، فهي لا تريد عودتهم البتة.

المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، قال في تصريح نشرته الصحف المحلية في ديسمبر الماضي ٢٠١٦، ان المسجّلين من السعوديين الإرهابيين الذين يقاتلون في تنظيمات ارهابية يبلغ ٢٠٩٣ شخصاً (هذا لا يشمل من لا تعرف الوزارة بخبرهم، كما أن هذه الأرقام مسيّسة). وقال التركي بأن اكثر من سبعين بالمئة منهم يقاتلون في سوريا، أي نحو ١٥٤٠ مقاتلاً سعودياً، يرجّح أن كثيراً منهم يقاتلون الى جانب جبهة النصرة، بمن فيهم الشيخ السعودي عبدالله المحيسني، الذي هو فعلياً رجل السعودية في الجبهة. وقال التركي بأن نحو ١٤٧ سعودياً يقاتلون في اليمن الى جانب القاعدة وداعش؛ وأن ٣١ منهم في أفغانستان، في حين انه لا يوجد في العراق سوى خمسة مقاتلين سعوديين، اضافة الى الموقوفين الذين قالت الداخلية ان عددهم يبلغ ٧٣ شخصاً، اكثرهم في العراق.

وما يثبت ان هذه الأرقام مسيّسة هو عدد المقاتلين السعوديين في العراق، والذين يعتقد أنهم يقاربون الألف شخص.

وكانت المصادر الغربية قد أكدت ان عدد المقاتلين السعوديين في سوريا وحدها في عام ٢٠١٤، يتجاوز الثلاثة آلاف شخص. وتتنافس السعودية وتونس (٣٢٠٠ ارهابي) في صدارة قائمة الدول المصدرة للإرهابيين، يليهما الأردن (٢٥٠٠ ارهابياً)، حسب المصادر الغربية، والتي قدرت عددهم الكلي بين ٢٠ ألفاً ٢٧ ألفاً، وذلك في يناير ٢٠١٥.

ولاحظت مراكز البحث الغربية، أن السعوديين هم الأكثر استجابة للانخراط في تنظيم داعش، وأن عددهم هو الأكبر بين مقاتلي داعش من الأجانب، وقالت السي آي أيه، بأن العدد الكلي لمقاتلي داعش (فقط) بين عشرين الى ثلاثين ألف مقاتل، بينهم نسبة عالية من الأجانب.

وتوضح الآن، أن السعوديين يمثلون النسبة الأعلى في الانتحاريين، سواء لدى داعش، او لدى جبهة النصرة، وهذا ما توضحه نسبة القتلى السعوديين في العمليات. كما أن السعوديات يمثلن النسبة الأعلى في داعش بين النساء الأجنبيات المنخرطات في التنظيم (بديهي انه لا يمكن ان تكون نسبة النساء عالية دون ان يقابلها نسبة كبيرة من الرجال السعوديين المرافقين كأخ او كزوج).

لهذه المعطيات، ندرك ان السعودية كدولة، حريصة على تقليل عدد ارهابييها، حتى لا تتوجه لها الأصابع كدولة أولى مصدّرة للإرهاب، ليس فقط بالفكر الوهابي التكفيري العنيف، ولا بالمال الذي تقدمه بطرق شتى فقط، ولكن أيضاً بالرجال المقاتلين.

ومن هنا يمكن السخرية بما قاله عبدالمنعم المشوح، رئيس حملة السكينة، التي تقول الحكومة انها تستهدف محاربة الفكر العنيف على صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.. يقول المشوح: (نعم يوجد مقاتلون سعوديون في داعش، مثلما يوجد فيها مقاتلون من أغلب الدول. لكن أعداد السعوديين هي الأقل).

 
قوى التطرف والعنف الوهابي حيّة في الأردن

وبالنسبة للغربيين، بدا الأمر واضحاً: ان المقاتلين القادمين من دول الخليج يمثلون النسبة الأكبر في عدد الارهابيين الأجانب، يليهم الأفارقة (من شمال افريقيا: ليبيا وتونس خصوصا)، ثم يليهم الأوروبيون.

ما نخلص اليه، أن القلّة من مقاتلي داعش والقاعدة، في حال عودتها الى ديارها، فإنها ستسبب إرباكاً أمنياً وعنفاً متواصلاً سيستمر لسنوات طويلة قادمة.

مع هذا، فالقضية أكبر من عودة هؤلاء الى بلدانهم.

انها مشكلة المصنع الذي يخرّج أمثال هؤلاء، ويصنع البيئة الحاضنة لطموحاتهم، ويوجههم نحو العنف والدم والقتل.

مضخّات العنف، موجودة في السعودية، في أيديولوجيتها، في فكر مشايخها، في توجيهاتهم، وفي المراكز الإسلامية والمساجد التي تتبنّاها السعودية في الخارج؛ وفي الذين يتم تخريجهم من الجامعات الاسلامية السعودية، والأهم في الاستثمار السياسي لآل سعود لهذا العنف الأعمى.

واذا كانت بعض الدول قد اتخذت خطوات أوّلية لمكافحة هذه الآفة الوهابية التكفيرية العنفية، فأغلقت مساجد ومراكز وهابية ـ فرنسا وبلجيكا مثلاً.. فإن بلد المنشأ (او المصنع السعودي) لا يهمّه أمر العائدين من العراق او سوريا. ما يهمّه الدواعش المحليين الذين يتم تصنيعهم بعشرات الألوف، والذين يمكن ان ينقلبوا على آل سعود في أية لحظة، مثلما حدث في التاريخ الحديث، ابتداءً من (اخوان من طاع الله) مروراً بجهيمان فالصحويين فالقاعدة فداعش التي لاتزال آثارها محفورة بالدم.

دول العنف

العالم مرشح لموجة عنف وهابي جديدة. إما على خلفية الانتقام مما يجري لداعش والنصرة في العراق وسوريا؛ أو على خلفية عودة الارهابيين الى ديارهم بعد الهزيمة؛ أو لسبب أهم، وهو تفعيل الأفكار الداعشية الوهابية المرسّخة في بعض شرائح المجتمعات ضد الحكومات.

هناك ثلاث دول قد تستقطب أكثر العنف:

تركيا، لاعتبارات أساسية، وهي أنها مجاورة لدول زرع فيها الإرهاب الوهابي مخالبه: العراق وسوريا تحديداً، وهي الدولة الأولى التي جاء عبرها الإرهابيون، والتي يتوقع أن يخرج عبر أراضيها الإرهابيون ذاتهم الى بلدانهم؛ فضلاً عن أنها الدولة التي يقاتل من أبنائها نحو ألفي تركي في صفوف الدواعش والقواعد في سوريا والعراق.

ومن جهة ثانية، فإن تركيا ذاتها، قد اصابتها لوثة الوهابية، وقد فقست بيوض الفكر الوهابي لتضرب الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، حيث تشير الصحف التركية الى أن ١٥٪ من أعضاء وكوادر الحزب يتعاطفون مع داعش. وهذه نسبة كبيرة جداً، ما يعني أن تركيا قد يضربها الإرهاب الداعشي بقسوة بالغة، إما من العائدين الأتراك، أو من المتعاطفين محلياً، خاصة وأن الحكومة التركية قد بدأت انعطافة سياسية في غير صالح داعش والنصرة، وقررت مواجهتهما، او لم تمانع بذلك. وهذا بحدّ ذاته كافٍ لإشعال العنف.

إن ما شهدته تركيا في الأشهر الماضية من تفجيرات مستمرة في مدنها، واغتيالات، إنما هو أوّل الغيث، وكما قيل: (طابخ السمّ آكلُه). فبعد دعم داعش اقتصاديا وشراء نفطها، وجعل تركيا حديقة خلفية لقواعدها ولتمرير مقاتليها، جاءت ساعة الدفع، ساعة الحقيقة.

 
أحمد الهليل، تحذير لدول الخليج: إدفعوا وإلاّ..!

الدولة الأخرى المرشحة لأن يضربها العنف، هي الأردن، التي يقاتل نحو الفين من أبنائها الى جانب داعش، عدا أولئك الذين يقاتلون الى جانب جبهة النصرة.

وعلى خطى تركيا، كانت الأردن قاعدة لنشر العنف في سوريا وتغذية الإرهاب، كما انها كانت على الدوام ساحة للفكر الوهابي، وساحة للتخطيط لدعمهم وحمايتهم، ومن الأردن انطلقوا باتجاه الأراضي السورية خاصة الجنوبية منها.

كل من يزور الأردن يدرك حقيقة تنامي التيار الداعشي، حتى أن أبناء مسؤولين ووزراء يقاتلون الى جانب داعش، وحتى أن مدناً تعتبر تحت سيطرة شبه مطلقة من قبل الدواعش المحليين الأردنيين.

ولهذا لم تكن أحداث مدينة الكرك قد جاءت من فراغ؛ ومن المؤكد أن أمثالها سيتكرر في المستقبل، الأمر الذي جعل الحكم الأردني في وضع غير مريح، وهو يسعى بقدر الإمكان الى تفادي الصدام مع التيار السلفي الوهابي الداعشي النشط في الأردن، وفي نفس الوقت هو يحاول تقليم أظافر هذا التيار، والتخفّف من أحمال السياسة الأردنية السابقة التي جعلت الأردن مأوى وقاعدة ومنطلقاً لعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية.

من المؤكد ان الأردن سيعاني في الفترة القادمة، وسيدفع فاتورة سياساته الداعمة لداعش والقاعدة. وقد يعود الكثير من الأردنيين الى ديارهم في ظل أجواء الهزيمة التي أحاقت بالتيار الوهابي العنفي في العراق وسوريا. ومما لا شك فيه أن عودة الأردنيين الى بلدهم ستكون أسهل من عودة السعوديين، نظراً لوجود حدود برية مع العراق وسوريا يمكن التسلل منها والعودة خلسة.

الملك الأردني ـ الذي يستعد لزيارة الى موسكو، والذي يحاول اعادة وصل بعض ما انقطع مع النظام في سوريا، اراد ان يقوم بذات الإنعطافة التركية، فعرض قوات المعارضة في الجنوب السوري للبيع، وقصف قوات خالد بن الوليد التابعة للنصرة في درعا، ودُعي لحضور اجتماعات استانة، باعتباره الوكيل الشرعي عن القوى المعارضة في الجنوب.

هذا الملك، ربما فكر في الوضع الإقتصادي المتردي الذي يعيشه الأردن، والذي يعتبر عاملاً مساعداً على انبعاث داعشي عنفي قوي. وكان الملك الأردني يؤمل دعماً خليجياً مالياً قوياً، يستطيع من خلاله استيعاب موجة العنف والصدام القادمة مع التيار الوهابي العنفي. وحين لم يحصل على مراده، حرّك قاضي القضاة في الأردن الشيخ أحمد هليّل ليثير زوبعة بشأن الدعم الخليجي، فوقف الهليل ووجه في خطبة الجمعة رسالة إلى دول الخليج بضرورة التحرك لدعم المملكة مالياً، وإلا فإن دائرة الخطر لن تقف عند الأردن، مذكراً بالأزمات التي تشهدها سوريا والعراق واليمن و»مؤخراً البحرين»، على حد قوله.

وقال هليل في خطبته: (أخاطب بصفتي إماما للأمة، وعالما من علمائها، قادة الخليج وحكام الخليج، وأخاطب حكماء الخليج، وملوك الخليج، وضيوف الخليج، وأمراء الخليج، ونحن نقدر لهم مواقفهم التي وقفوا بها مع إخوان لهم على مر الأيام..  نقول لهم بكل تقدير واحترام: يا إخواننا، ويا أهلنا، ويا أولي الأمر في هذه الأمة بلغ السيل الزبى.. حذار ثم حذار ثم حذار أن يضعف الأردن، أو أن يتأذى الأردن، أو أن يحاط بالأردن، والأمور أخطر من أن توصف).

وتساءل الشيخ هليل، موجهاً كلامه لملوك دول الخليج وحكامها: (أين عونكم؟ أين هي أياديكم البيضاء؟ أين هي أموالكم؟ أين هي ثرواتكم؟ ألا نعتبر فيما يجري في سوريا والعراق واليمن والآن في البحرين، والله أعلم ماذا يراد بنا وبهم). وواصل: (لئن اشتد الكرب على الأردن وحدث ما لا يحمد عقباه، فلن يقف عند الأردن وحده. ستدور الدوائر على الجميع. هذا نداء استغاثة لإخواننا في الخليج أن ينقذوا الأردن ببعض ما أفاء الله عليهم.. وسيذكر التاريخ أننا مددنا أيدينا إليهم).

أدى هليل دوره، وقدّم استقالته، ليتفادى الحكم الملكي الحرج مع نظرائه في الخليج، وظنّ البعض ان السبب هو غضب الأردنيين من طريقة الإستجداء، وهذا ليس صحيحاً.

المهم ان الأردن مرشح لأن يضربه العنف بقوّة، لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية مجتمعة. ولازلنا في أول الطريق.

الدولة الثالثة التي سيضربها العنف هي السعودية، وقد شرحنا بإسهاب اسباب ذلك.

 وفي الجملة فإن الدول الثلاث هذه (تركيا والأردن والسعودية) قد تستقطب معظم العنف الداعشي القاعدي الأعمى أكثر من أية دولة أخرى. نعم قد يتصاعد العنف في تونس وفي ليبيا وفي مصر وحتى في المغرب والجزائر وبعض دول الخليج، ولكن وجهة العنف ستكون لهذه الدول الثلاث بالتحديد.

وفي المقابل، قد تتحرّر دول ثلاث أخرى من العنف الداعشي القاعدي الذي امتدّ به العمر فيها، وإن بصورة غير كاملة، ونقصد سوريا والعراق والى حد ما لبنان. فهذه الدول كانت ضحية تآمر الدول الثلاث الأكثر في توجيه العنف الداعشي اليها، والتي يرتدّ عليها الآن، ونقصد السعودية وتركيا والأردن. 

وهذا يعني بشكل واضح، ان من يؤيد العنف الوهابي، يرتدّ عليه، لخصوصية في هذا الفكر، ولطبيعة أدواته، وتفكير قياداته مما لا تجد مثله في احزاب العنف الأخرى.

وتاريخياً، فإن كل نظام اراد الإفادة من القوى الوهابية العنيفة داعشية او قاعدية او غيرها، ارتدّ عليه ذلك عنفاً، بمن في ذلك آل سعود أنفسهم، والباكستان، ويمن علي عبدالله صالح، وحتى فرنسا وبعض الدول الأوروبية.

وهكذا، فإن ضحايا العنف الوهابي الأساسيين سيتنفسون الصعداء، في العراق وسوريا ولبنان، فيما تبدأ حلقة جديدة من هذا العنف لتصيب الممولين والداعمين والمشغّلين في تركيا والأردن والسعودية.

ولله في خلقه شؤون.

الصفحة السابقة