العنف الوهابي (الرسمي والداعشي) بديلاً للدولة الريعية

يحي مفتي

من سوء حظ المواطنين أولا، أن جاء الى سدة المُلك (سلمان) المعروف بأنه الأكثر عنفاً ودموية من الحكام السابقين، حتى يكاد يضاهي دموية والده عبدالعزيز مؤسس الدولة. وهذا العنف تم التعبير عنه منذ مجيئه، في حرب اليمن، حيث يقتل الشعب هناك بصمت، بالصواريخ والقنابل العنقودية، والتجويع عبر حصار المنافذ اليمنية كلها. هو عنف يفوق الوصف. وتم التعبير عنه في الداخل حيث كانت تجليات العنف واضحة: حملات الإعدامات المُعلن عنها رسمياً، وكذلك الأحكام بالإعدام الصادرة والتي تشمل العشرات ان لم يكن المئات، وآلاف المعتقلين أدخلوا السجون لأتفه الأسباب؛ وطابور طويل من الممنوعين من السفر، والمفصولين من الوظيفة، والمحرومين حتى من الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي. ومن يعرف شخصية الملك سلمان، يعلم أن عنفه أصاب حتى افراد عائلته، وقد سبق له أن دبّر حادثاً قتل فيه ابنه ـ غير الشرعي ـ عبدالله.

 

ومن سوء حظ المواطنين ثانياً، أن أقرب شخص للملك سلمان، هو ابنه محمد، ويقال دائماً انه شبيه جده مؤسس الدولة، ولا شك ان صفات محمد بن سلمان تتناغم مع صفات أبيه في العنف، حتى أنه افتتح له سجوناً خاصة به، شأنه شأن أبيه حينما كان أميراً للرياض.

محمد بن سلمان عنيف ايضاً، الى حد الرعونة، تجاه خصومه، حتى بين الأمراء. وقبل نحو شهر، كان الشيخ الموالي للنظام سعد البريك (ابو الجماجم)، قد دافع عن الشيخ عصام العويد الذي انتقد هيئة الترفيه، فطلبه جهاز المباحث التابع لولي العهد محمد بن نايف للتحقيق والاعتقال، فما كان من البريك الا ان طلب التأجيل فهو سيغادر الرياض الى جدة، فقيل له: دعنا نعتقلك نحن، وإلاّ فإن محمد بن سلمان سيعتقلك. نحن أرحم بك منه!

ومن سوء حظ المواطنين ثالثاً، أن ولي عهد سلمان، هو وزير الداخلية محمد بن نايف، رجل القمع الأول، وابن رجل القمع الراحل نايف بن عبدالعزيز. ووزارة الداخلية لها من السلطات، وبين يديها من الإمكانات والموظفين والصلاحيات ما يعادل نصف جهاز الدولة من وزارات وغيرها، حتى أن الإصلاحي المعتقل عبدالله الحامد ورفاقه طالبوا بتفكيك وزارة الداخلية الى ثلاث وزارات. وتتمدد صلاحيات وزارة الداخلية لتشرف على الإعلام المحلي، وعلى وزارة الحج، وعلى المشايخ بمن فيهم هيئة كبار العلماء وغيرها، وعلى القضاء ووزارة العدل وعلى طيف كبير من القضاة الوهابيين الفاسدين، فضلاً عن أن سلطة محمد بن نايف على المثقفين والكتاب حادة جامحة، بحيث لا يستطيعون حتى التنفس.

إذن نحن محكومون بعقليات أمنية عنفية دموية، رسخت تاريخها على هذا النحو، وأثبتت انها لا تمضي سياساتها إلا عبر القمع، سواء كان في الماضي أو الحاضر.

هذه العقليات الأمنية الثلاث تجمّعت لتدير الدولة هذه الفترة، وهو أمرٌ غير مسبوق، ما جعل المواطن لا يرى غير الدم والعنف لأتفه الأسباب.

وهذه العقول المهووسة بالعنف، لا تجد أمراً يصعب عليها تنفيذه، وأول ما تلجأ اليه من حلول هو الذراع الأمنية.

لا عجب ان حلول آل سعود، للأزمة السياسية، كما الأزمة الإقتصادية، كما أزمة الحريات، تمرّ عبر تلك الذراع الطويلة، وحسب تعبير رجال المباحث: (اللي ما يربيه الزمان، يربّيه سلمان)! وذلك عبر (السيف الأملح) الذي تم التوسع في استخدامه.

الآن، ونحن أمام ظاهرة الإفقار للشعب، وتحويل أكثر من نصفه الى ما دون خط الفقر، فإن المعوّل ليس على نجاح رؤية محمد بن سلمان العمياء، وليس المعوّل على تنفيس الغضب الشعبي من خلال تطوير النظام السياسي، ولا عبر الشفافية وايقاف الفساد والنهب، ومحاسبة المفسدين، واصلاح القضاء، والسماح بقيام مجتمع مدني، واعتماد اصلاح اداري حقيقي، واستيلاد ثقافة وطنية تمنع استخدام الطائفية في حروب النظام الداخلية والخارجية، وغيره.

كلاّ.. فهذه الحلول والحديث عنها بات مستهلكا، ولا يوجد من يستمع لها داخل دائرة السلطة، خاصة (الثلاثي القمعي) الحاكم.

 

المعوّل على حفظ مُلك آل سعود هو المزيد من استخدام ادوات القمع ليس إلاّ.

لكن للعنف حدوداً لمن يفقه في التحولات الإجتماعي.

نحن ابتداءً إزاء مجتمع شاب، وتحديداً نحو 65% من مجموع الشعب هم دون الثلاثين سنة من العمر.

هذا الجيل المنفتح على آخر تقنية الإتصالات العالمية، ومواقع التواصل الاجتماعي..

هذا الجيل.. الذي لم يرَ خيراً من العائلة الحاكمة، لا في تعليم ولا صحة ولا خدمات ولا وظائف..

هذا الجيل الذي لم يخبر القمع القديم لآل سعود، والذي أصبح كدستور ثقافي لدى أجيال سابقة، تتناقل الترهيب بينها من جيل الى آخر.

هذا الجيل، الذي لا يجد شيئاً يخسره من الناحية العملية.. والذي اتسعت في عهده الفاصلة الذهنية بينه وبين من يحكمه (الملك) وهو فوق الثمانين عاماً..

هذا الجيل، وإن تربى بعضه على الطائفية والقبلية، فإنه حين يتضوّر جوعاً، لن يفيد فيه التهديد بالضرب بيد من حديد، ولا تستوقفه منجزات آل سعود الكاذبة التي يلخصها قولهم: (الحمد لله على الأمن والأمان). كلا.. هذا ليس أمناً وليس أماناً، هو عكس ذلك تماماً، ومن لديه قنابل بشرية وألغام اقتصادية وسياسية واجتماعية، فعليه ان يتأكد بأن الحلول الأمنية مع شعب كهذا، وفي ظرف كهذا، لن تنجح مطلقاً، حتى وان استطاعت لفترة قصيرة إرعابه.

الحلّ الأمني السلطوي المتصاعد بحدة هذه الأيام، إنما يكون فاعلاً ضمن الإطار القيمي والمعياري لدى المجتمع، وهذه القيم لم تعد اليوم قادرة على الضبط الإجتماعي للأجيال الجديدة. فضبط القبيلة عبر شيخها، أو الشاب والشابة عبر العائلة وقيمها، والمتدينين عبر مراجعهم الدينية، والجمهور عبر الشخصيات الإجتماعية، أمر لا يمكن التعويل عليه كما في الماضي. الأجيال الجديدة تستعصي على الضبط بالعصا، ولا تؤثر فيها (إخافة الآباء والأجداد) ممّن شهدوا أو سمعوا بصنوف العنف، كما ان هذه الأجيال لم تستنفع بالطفرة النفطية، لأنها ولدت أو تشكلت أفكارها وتوجهاتها بعد انتهائها فليس لديها شيئاً تخسره، وهي تحمل روح تحدّ ومناكفة غير عادية، وتتعرض لضغوطات ذهنية وفكرية فرضتها وسائل الإتصال والتواصل الاجتماعي، وتلعب المقارنة بين بلدهم والبلاد المجاورة دوراً في تعزيز نقمتهم على أوضاعهم. وبالتالي فإن الحل الأمني، الذي يتم التوسّع في استخدامه، لن يكون ناجعاً دون وجود منظومة (قيم) (ومعايير) سلوكية جديدة تتولّى الضبط، تكون مقبولة، بمعنى حاكميتها على العموم وتتماشى جنباً الى جنب مع آلة العنف.

الإحتقان الموجود في الشارع السعودي بسبب انهيار الدولة الريعية، وتحويلها الى دولة ضرائب بلا حقوق مدنية، سيقود حتماً وفي كل الأحوال الى الإنفجار عاجلاً أم آجلاً.

إن التوسّع في استخدام العنف لا يحلّ مشكلة آل سعود مع مواطنيهم، رغم كلفته من الناحية الإنسانية، إذ لا بد أن يكون العنف متواصلاً زمانياً وشاملاً مكانياً وحاداً في عمقه، ولا أحسب أن طبقة حاكمة يمكنها توفير مثل هذا النوع من الحل لفترة طويلة، وقد تمّت تجربة هذا الحلّ في أماكن عديدة من العالم وفشلت، وإلاً لما قامت حكومات وسقطت دول. وأحسب أن أي حكومة تتمنى بالفعل أن (تشرعن) نفسها باستخدام القدر الأدنى من العنف ضد جمهورها، إذ قد يغيب عن الذهن أحياناً، حقيقة أن التوسع في استخدام العنف يؤدي الى نقصان في (شرعية) الحكم. فالعنف الرسمي ليس مؤشراً على عدم الرضا الشعبي فحسب، ولكنه يفقد الحكومة قواعدها الشعبية، بحيث يصبح تغييرها ضرورة ملحّة. وأقصى ما يفعله العنف الحكومي، أو بالأحرى الحل الأمني، هو الاكتساح الظاهري للمشكلة، ولكنه يعمّقها في الوجدان الشعبي، فإذا ما جاءت أي فرصة انقلب الناس على (أسيادهم) وبعنف. إن من أهم مقاييس (شرعية) أي حكومة النظر الى حجم استخدامها للعنف ضد جمهورها ونخبه.

 
الحل الأمني الرسمي مكلف وفاشل

إن التوسع في استخدام الحل الأمني، يأتي بردّ فعل عنفي مماثل، حيث تنشط الحركات السريّة، وتتعمّق ثقافة التطرف والعنف بعيداً عن أعين السلطات، وتتجه الأنظار الى الحلول الراديكالية (على شاكلة حلول الإستئصال الأمني الرسمي) فتغيب عن ساحة المواجهة وجوه الإصلاح ودعوات التدرّج في التغيير، وتكون السيادة للقاعدة وداعش، وستكون هذه المرة بمباركة المواطنين. ومما لا شكّ فيه، أن الجزء الأكبر من العنف السائد، يعود في جذوره الى عنف السلطات الأمنية، والى تيبّس القنوات السياسية التي تضيق بالآراء والطموحات الشعبية دون أن تلقى لها استجابة رسمية تذكر.

ولعلنا نقول بشيء من الإطمئنان، إن غياب دعوات الإصلاح السياسي على الصعيد الشعبي، والتي ظهرت أولى آثارها في بداية التسعينات، أمرٌ يدعو الى القلق، لا بالنظر الى أن تلك الدعوات كانت طارئة أو زوبعة في فنجان، كما يتصور بعض المحللين، بل لأن العنف ثقافة وممارسة تصاعد منذ ذلك الحين، الرسمي منه وغير الرسمي. فالقمع قضى على التعبيرات الظاهرية لتلك الدعوات، او لتلك الحاجة الماسة للتغيير السياسي، ولكنه لم يحل دون انتشارها وتصاعد الشعور بالحاجة إليها على الصعيد الشعبي.

بعد عريضة الرؤية ٢٠٠٣، جاء القمع مباشرة. ومنذ 2005، اي منذ وصول الملك عبدالله الى العرش، انطفأ كل الحديث عن الاصلاح، واختفت كل الوعود بذلك، بل أن لفظة الاصلاح لم تعد تُستخدم في الإعلام، وحلّ مكانها (التطوير)! واستمر الحال الى اليوم، حيث لا يوجد اصلاحيون إلا داخل السجون، ولا يوجد مطالبون بالإصلاح البتة، وإنما صرخات العنف الرسمي التي تهدد المواطنين حتى وهم على مواقع التواصل الاجتماعي في بجاحة غير معهودة.

الإصلاح السياسي تم نسيانه رسمياً وشعبياً. واتجه الحديث الى الحلول الراديكالية.. الى (اسقاط النظام)، فحكم آل سعود لا يتعايش مع الإصلاح، ولا يقبل به، مهما كانت درجاته. ونظراً لاختفاء الاصلاحيين في السجون، ورفض آل سعود للإصلاح، اصبحت الساحة فارغة إلا من الدواعش والقواعد، الذين يهددون وينذرون بضرورة اسقاط النظام.

كان آل سعود في 2004 يعدون بالإصلاح الذي زعموا أنه لا يمكن أن يتم الا بعد التخلص من القاعدة التي كانت تفجر في المدن السعودية الرئيسية: الرياض وجدة والدمام والخبر وغيرها. واصطفت النخبة مع آل سعود، ولكن ما انتهت المعركة إلا ودعاة الإصلاح في السجون.

الآن، يبقى ال سعود وأدواتهم الدواعش والقواعد يتقاتلون، في مرحلة الإنبعاث القادمة. ومن المؤكد أن آل سعود لن ينالوا التعاطف ولا الدعم الشعبي ولا حتى الرغبة من الجمهور في أن ينتصروا.

الدواعش وراديكاليتهم في الأهداف والوسائل هم البديل للإصلاح والإصلاحيين!

وينبغي التأكيد مجدداً بإن الحلّ الأمني يخنق البلاد برمّتها، حاكميها ومحكوميها. إنه يختطف مستقبل أجيالها، ويشلّ حركة الإبداع والتطوّر فيها في شتى المجالات. وكما رأينا فإن الحل الأمني الذي يستهدف في الأصل عدم تقديم تنازلات سياسية، هو بحد ذاته حلٌّ مكلفٌ من الناحية السياسية، أي أن النظام يدفع ثمن عدم التغيير من (شرعيته) ومقبوليته لدى قواعده الشعبية.

 
انبعاث عنف داعشي وقاعدي متوقع، مدعوماً بالإنهيار الاقتصادي والهزيمة السياسية

في ظل تبدّد الدولة الريعية، وتحطم الولاءات السياسية لآل سعود على عتبتها، لا مفر من تقبّل نتائجها، ومن نتائج النظام الضرائبي الذي لا يتسق مع عقل ولا مصلحة، اللهم إلا مصلحة اللصوص آل سعود.

جيب المواطن قد يكون حلاً لدى محمد بن سلمان، لكن عليه أن يدفع الثمن هو ايضاً عبر السماح بالمشاركة السياسية، ومراقبة اداء الحكم، ومحاسبة اللصوص.

اما العنف وحده فليس حلاً، لا الآن ولا في المستقبل، وان الإنغماس فيه، يقرب الدولة من نهايتها المحتومة: الزوال، وحكم آل سعود من النهاية.

المشاركة السياسية هي المدخل الصحيح لحل الأزمة الإقتصادية والسياسية والأمنية العاصفة.

لم يعد بالإمكان اليوم إلغاء دور المواطنين في تقرير مصيرهم، عبر المشاركة السياسية أو على الأقل عبر التأثير على السلطة السياسية وتوجهاتها. كما لا يمكن بأي حال قتل الطموحات السياسية للنخب (أياً كان تعريفها) فذلك يستلزم تغيير الخلقة البشرية. أيضاً لا يمكن وقف الصراع على السلطة ولأمد بعيد بوسائل القمع وحدها، أو عبر غرس قناعات (الحق الإلهي) أو (حق القوة: أخذناها بالسيف) أو حكاية (ملك الآباء والأجداد). المفترض: هو تنظيم مشاركة الجمهور، واستيعاب الطموحات، على الأقل ضمن الحدّ الممكن الذي لا يؤدي الى موت الذئب ولا إفناء الغنم، أملاً في الوصول الى أكبر قدرٍ من الإستقرار السياسي في ظل هذا الظرف العصيب.

هل يتغير سلوك ال سعود؟

 لتفادي الأسوأ..

فان سلوك آل سعود يجب أن يتغير..

فهم أساس البلاء والمشاكل..

فسادهم الذي لا حدّ له، وقت الوفرة ووقت الأزمة لم يتغير.

نهبهم للأرض وما عليها وما تحتها، سبب مشاكل كثيرة.

سيطرتهم على العقود الحكومية، وعلى الشركات الكبرى بأسماء مختلفة، زاد الطين بلّة.

تهريبهم لأموال البلاد بالتريليونات الى البنوك الغربية، فيما تستجدي الحكومة مستثمرين أجانب.. أمرٌ غير معقول وغير مقبول.

الخصخصة المخطط لها، حتى يشتري الأمراء وحلفاؤهم من الشركات الخارجية ما يتم تخصيصه وبتراب الفلوس، أمرٌ معيب.

ثم إن أموال الدولة في الخارج التي لا يعلم بحجمها أحد، ولا يعلم بمن يديرها أحد، هي مجال آخر للفساد الذي لا يوجد له مثيل في العالم.

اذا لم يتغير سلوك آل سعود المالي، ويكفوا عن عبثهم ونهبهم، اضافة الى حروبهم البلهاء، ومؤامراتهم التي دمرت منطقة الشرق الأوسط، فنحن كشعب سنبقى في عين العاصفة.

أيديولوجيا النظام الوهابية جزء من المشكلة وجزء من التغطية على الفضائح، وجزء من التنفيع المتقابل.

هذه الأيديولوجيا التي نشرت الشر والعنف الى كل اصقاع العالم، لا يمكن ان يكون لها دوراً حسناً في الداخل.

والإستبداد يأتي فوق هذا كله، لاستدامة الفساد واستدامة السيطرة على الشعب باسم الدين وتطبيق الشريعة وبالاعتماد على قيم باهتة، بأن الحاكم يحق له ان ينهب ما يريد، وان آل سعود ملكوا البلاد، ويحق لهم العبث بها وبمصير عشرات الملايين الذين يعيشون فيها.

هذه الثقافة التي يروج لها، وهذا الاستبداد إن لم يتوقف، ويتوقف معه النهب الامراء، فالسفينة ليس فقط قد تم خرقها مراراً وإنما هي تترنح الان وقد تجنح او تغرق قريباً.

لكن هناك من يقول صادقاً بأن الطلب من الحاكم السعودي الظالم بأن يعدل، شبيه بقولكَ للمجنون: إعقل!

ولن يعقل آل سعود إلا بعد أن يروا الجمهور في الشوارع، وبعد أن تزرع شوارعنا بالعنف الداعشي والقاعدي الوهابي، وبعد أن يذهب خيرة الإصلاحيين الوطنيين الى المنافي والسجون، وبعد ان تنتشر المجاعة والفقر، ويأكل الناس بعضهم بعضاً.

ما نتحدث عنه ليس مفاجئاً، ولا يفترض أن يكون كذلك. فهو يحدث اليوم بصورة مصغرة والدائرة تكبر يوماً بعد آخر. والخطر يتصاعد لمن ألقى السمع وهو شهيد.

اذا كان سلوك آل سعود لن يتغير، وهو الأرجح، فإن سلوك المواطنين سيتغير ـ على الأرجح أيضاً.

المواطنون تأخروا كثيراً، خاصة النخب التي اثبتت انها فاسدة حتى النخاع.

انتظروا عشرات السنين من تلاعب الأمراء بالثروة الوطنية، حتى اصبح النهب ليس فقط السمة السائدة، وإنما ما عاد النهب القليل يُشبع الجشع لهؤلاء الأمراء، وصارت الميزانيات الفلكية بلا أثر على المواطنين وحياتهم، فحتى الفتات الذي كان يأتي في السبعينيات، اختفى ولم نعد نسمع الا عن مشاريع وهمية، تستقطع عشرات المليارات من الدولارات.

الصمت الشعبي بسبب النخب او بسبب مشايخ الوهابية او بسبب القمع او لأي سبب آخر، هو الذي جعل آل سعود يطغون أكثر فأكثر، حتى أوصلوا الشعب الى القاع.

ومن المؤكد، أن ثقافة جديدة ستخرج الى العلن.

فالجوع أبو الكفار.

والأمعاء الخاوية، والعيش الحقير لملايين المواطنين، لا بدّ أن يؤدي الى اهتزازات عنيفة.

ومن لم يدفع ثمن التغيير (اعتقالاً) وقت رخاء الدولة؛ سيُجبر على دفع ثمنه (دماً) في هذه المرحلة البائسة.

الصفحة السابقة