حرب العدوان تبحث عن حسم

صواريخ يمنية على مدن سعودية

خالد شبكشي

دخلت الحرب العدوانية على اليمن عامها الرابع، فيما كان ممثل الأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث في صنعاء، حيث أرسلت الرياض رسالة له بأن قصفت المطار بعد ساعات من وصوله.

وظهر زعيم أنصار الله، السيد عبدالملك الحوثي، مخاطباً ومهدداً بأسلحة وصواريخ تصل الى عمق الخصم، دون أن تكون له قدرة على التصدي لها.

 
مجزرة الحديدة.. لن تكون آخر شناعات آل سعود!

وبعدها بساعات، وجّهت القوات اليمنية سبعة صواريخ باليستية الى مدن: الرياض وجازان ونجران وخميس مشيط وأبها، قالت الرياض أنها أسقطتها جميعاً ولم تبلغ أهدافها. في حين كان التركيز فقط على الصواريخ التي وُجهت للعاصمة، وليس الى المدن الجنوبية، التي لم يعرها النظام ولا المعلقون أهمية.

لكن الوقائع كذبت ما زعمته الرياض من اسقاط الصواريخ، فالمواطنون قد صوروا ما جرى في سماء الرياض بهواتفهم المحمولة، وتبين ان للخصم اليمني قدرة على إيصال لهيب الحرب الى العمق السعودي، الى حيث الرياض العاصمة. ولذا كان التوتر شديداً عكسته تعليقات المواطنين في مواقع التواصل الإجتماعي، وعكسه رد فعل السلطات التي طلبت من الكويت ان ترسل رسالة لمجلس الأمن تندد فيها بالصواريخ اليمنية، ثم تقدمت الرياض بشكوى لمجلس الأمن ضد ايران وضد الصواريخ، بحجة أنها تهدد الملاحة والأمن الدوليين، وهددت بالرد على إيران عسكريا بزعم أنها من زوّد الجيش اليمني بها!

البيانات الرسمية قالت بأن صاروخين فقط قد تم توجيههما الى الرياض، ولكن تبين أن الإنفجارات أكثر من ذلك، حتى ان بعض سكان العاصمة الرياض أوصلها الى عشرة. والسبب هو أن منظومة الباتريوت المضادة فشلت في التصدي وسقطت على سكان الرياض أنفسهم. وقد تحدثت الصحافة الغربية عن فشل منظومة الباتريوت او جهل مستخدميها. فيما تحدث آخرون بأن الأميركيين باعوا الرياض أسلحة قديمة وفاسدة بأسعار مرتفعة على أنها حديثة وجديدة.

هناك تحوّل عسكري في الحرب السعودية على اليمن، وقد تتمدّد الحرب أكثر فأكثر لتشمل فضاءات أخرى، وربما دولاً أخرى.

فقد سبق أن هدد أنصار الله (الحوثيون) باستهداف ناقلات النفط السعودية، لكن الرياض لم تأخذ تهديداتهم مأخذ الجدّ، الى أن قاموا قبل بضعة أسابيع بإطلاق صاروخ أصاب ناقلة نفطية، قالت الرياض أنها كانت أصابة طفيفة؛ فيما رأى آخرون بأن الرياض وواشنطن أرادتا أن لا يصاب العالم بالهلع فترتفع أسعار النفط في غير صالح المستهلك الغربي بالتحديد.

وأدخل الحوثيون/ أنصار الله، طائرات الدرون الى المعركة، وقصفوا خزانات النفط في جازان، التابعة لشركة أرامكو، كما قصفوا مواقع في مطار أبها، ما أدرى الى تعطيل رحلات الطيران عدّة ساعات، وهو ما اعترفت به الرياض.

ويوماً بعد آخر، تزداد الصواريخ الباليستية التي يتم اطلاقها على السعودية، وقد هدد الرئيس اليمني صالح الصماد، بأن قوات صنعاء ستزيد عدد الصواريخ الباليستية التي تطلقها على السعودية، وقد يصبح الإستهداف بشكل يومي.

 
مارتن غريفيث في صنعاء بحثاً عن حل سياسي

ومن المتوقع جداً، ان تنتقل الصواريخ اليمنية لتصل الى نقاط أبعد من العاصمة الرياض كالظهران وابقيق في المنطقة الشرقية، حيث آبار النفط وحقوله وصناعته، خاصة محطة ابقيق لفصل الغاز التي ان تعطلت فإن التصدير السعودي للنفط قد يتوقف كلياً.

ولأن شريك الرياض الأساس في العدوان (من بين دول المنطقة) هي الإمارات، فإن احتمالات التصعيد تجاهها كبيرة جداً. وقد سبق أن أطلق صاروخ واحد على الإمارات قبل بضعة أشهر، قالت أبو ظبي انها أسقطته، فيما يطالب كثير من اليمنيين الى استهداف الإمارات، أسوة بالرياض، نظراً لتغوّلها في اليمن، وأطماعها التي لا تعرف حدوداً فيه، فضلاً عن تجاوزاتها الكثيرة بحق السكان اليمنيين.

من جانب السعودية، هناك تصعيد أيضاً، فالجبهات العسكرية الست والعشرين التي فتحتها السعودية والإمارات على اليمن، تشتغل في معظمها، وفي كل يوم هناك تصعيد في منطقة الى ان تصل الى مرحلة الإنسداد، فينتقل الاهتمام الى جبهة أخرى. فمن نهم الى مأرب الى صرواح الى الجوف الى الحديدة الى ميدي الى المخا الى صعدة والملاحيظ وغيرها، في دائرة لم تعرف التوقف.

السعوديون صعّدوا من عدوانهم وقصفهم المدنيين بعد تزايد الصواريخ اليمنية. فكلما خسر السعوديون على الأرض، عوّضوا عن ذلك بالقصف للمدنيين، فتلك نقطة الضعف لدى الجانب اليمني، الذي لا يستطيع ان يعامل الرياض بالمثل، ليس لأنه غير قادر، بل لأنه لا يؤمن باستهداف المدنيين، رغم ان الرياض تزعم ان هناك استهدافاً (حوثياً) لليمنيين. والحقيقة ان الذين اصابتهم القذائف اليمنية في الأراضي السعودية من المدنيين قلة جداً، وأغلبها حوادث بالخطأ، ومن قضى بسببها لا يزيد ـ حسب الحكومة السعودية نفسها ـ عن ٢٣ شخصاً، في حين ان المدنيين الذين قتلوا في اليمن زاد عددهم على السبعة آلاف شخص.

اختراق وحيد حققته الهجمات السعودية المتكررة، وهو السيطرة على بلدة ميدي، التي سبق ان خسرها الجانب اليمني العام الماضي، ثم استعادها اليمنيون من ايدي السعودي والقوات التي تقاتل بالنيابة عنها (السودانيون واليمنيون الجنوبيون). وبالمناسبة، فإن الرياض تقاتل قوات صنعاء بغير قواتها، وإنما بالسودانيين (الذين تعرضوا مؤخراً الى مقتلة كبيرة في صفوفهم) وباليمنيين الذين استقدمتهم من عدن وغيرها.

 
الصواريخ اليمنية الباليستية.. تحوّل في المواجهة

لكن هناك معركة أخرى تخسر فيها السعودية، بل تُستنزف فيها بشكل يومي. وهي الجبهة الداخلية السعودية. حيث بات من المعلوم ان جزءً من الحرب اليمنية يدور منذ أكثر من عامين ونصف على الأراضي السعودية، وقد سيطر أنصار الله والجيش اليمني على مدن وقرى سعودية، وقدّرت المساحة التي يسيطرون عليها بنحو ٢٥٠ كيلومتراً مربعاً. ويكاد لا يمر يوم بدون ان تكون هناك خسائر بشرية في القوات السعودية ـ هذه المرة، وهي تُنشر بالصوت والصورة في نشرات أخبار قناة المسيرة اليمنية. في المقابل لا تخلو قنوات السعودية الفضائية وكذا الإماراتية ـ وبشكل يومي ـ من انتصارات وهمية وقتل العشرات من الأعداء، ولكن لا تستطيع دعمها بشريط فيديو صغير!

ليس في نية الرياض إيقاف الحرب. وقد أتحفنا محمد بن سلمان بتصريحات متضاربة خلال الأسابيع الأخيرة. قال ابتداءً ان الحرب في اليمن قد شارفت على الإنتهاء وأنها تقترب من تحقيق أهدافها. قال ذلك حين واجه الضغوط من الإعلام الغربي. وفي ذات الفترة كرر هو ووزير خارجيته مقولة (الحل السلمي للأزمة اليمنية)، تهدئة للغضب العالمي على المجازر التي تقوم بها الرياض. ثم بدا لمحمد بن سلمان الحديث عن ان المملكة تريد حلاً سلمياً، ولكن الحوثيين لا يريدون ذلك؛ ثم أضاف بأن الحل السلمي قريب ولكن المملكة تعمل على شق الحوثيين من الصف الثاني والثالث، وأعلن صراحة دعم بلاده لمن يريد انشقاقاً، في دعوة علنية تعكس احباطاً سعودياً متزايداً، وفي دلالة على أن الرياض لا تفكر الآن في أي حل سلمي، وأنه لازالت لديها أوهام بأنها ستنتصر عسكرياً.

القيادات الغربية التي استقبلت ابن سلمان في لندن وباريس وواشنطن، ورغم أنها شريكة في جرائم آل سعود في اليمن، وبشكل مباشر، كما قال ذلك جيرمي كوربن زعيم المعارضة في بريطانيا عن حكومة المحافظين.. الا ان تلك القيادات استخدمت الغضب الشعبي الغربي لابتزاز آل سعود أكثر فأكثر، وبعد أن يحصلوا على ما يريدون من عقود بالمليارات، يعلنون وقوفهم مع الرياض في حربها، ويتهمون قوات صنعاء بأنها المعتدية وانها هي التي شنّت الحرب، في أكذوبة فاضحة، وهو ما قالته قيادات بريطانية. اما ماكرون فقد باع على ابن سلمان مقولة بأن بلاده فرنسا لن تتسامح مع الصواريخ الباليستية التي يطلقها انصار الرياض على العاصمة الرياض!

ومن جانبها، فقد وجدتها الرياض فرصة لاستمرارها في الحرب، بالقول أنها تتعرض للصواريخ الباليستية، ولتهاجم ايران أيضاً بأنها المزود لأنصار الله بها.

بيد أنه ينبغي الإلتفات الى حقيقة ان الصواريخ بمقدار تأثيرها على الخصم مادياً، فإن وصولها الى المدن السعودية خاصة العاصمة، له فعل الزلزال على الصعيد النفسي، حيث دبّ الرعب في سكان الرياض، الذين كانوا يظنون انهم بعيدون وبمنأى عن الحرب.

ترى هل أخطأ أنصار الله باستهداف الرياض بصواريخ باليستية؟

كلاّ..

 
الباتريوت الخائن!

اليمنيون معتدى عليهم، ولهم الحق بالرد، وهو ردّ أقل بكثير مما تفعله السعودية بهم يومياً من خلال القصف والتدمير والحصار والتجويع.

واليمنيون لم يستهدفوا بصواريخهم الباليستية المدنيين، حتى مطار الرياض لم يكن مستهدفاً بذاته وانما القاعدة العسكرية بجانبه.

من الناحية الأخلاقية لم يرتكب انصار الله خطأ.

ومن الناحية السياسية، فإن فرصة نجاح غريفيث ـ ممثل الأمم المتحدة الجديد الى اليمن، قد ازدادت بالأزمة، فلعلّها تقنع السعوديين بتوقف الحرب. لأنه من الواضح من خلال نتائج زيارة ابن سلمان، أن قادة بريطانيا وفرنسا وامريكا قد استلموا ثمن التمديد للحرب العدوانية على اليمن. لعل صواريخ صنعاء المتزايدة، والتي يزداد مع الزمن دقتها، تقنع الرياض في النهاية بأن الحرب أضحت عبثية وان الخسارة كبيرة.

للتذكير فإن الرياض نقلت مقر اجتماع القمة العربية الأخيرة من الرياض الى الظهران، بتبرير الصواريخ إياها.

وللتذكير أيضاً، فإن الصواريخ الباليستية كانت مستهدفة منذ اليوم الأول للعدوان السعودي، وقد قال المتحدث باسم العدوان يومئذ احمد عسيري بأنه قد تم تدمير ٩٩٪ منها. وثبت ان اعلام الرياض كان ولازال وسيكون في المستقبل محترفاً للكذب. وحتى مقولة توريد الصواريخ الباليستية من ايران، فإنه لو كانت تلك الصواريخ بأعداد قليلة لكانت المزاعم السعودية مقبولة. اما وقد تزايدت بشكل كبير، فإن احداً لا يصدق استيرادها، خاصة بالنسبة لبلد محاصر بشكل شبه كامل منذ أكثر من عامين ونصف، بالسفن والمدمرات الحربية الأمريكية والسعودية والمصرية حتى. والمطارات مغلقة، ولا يوجد منفذ لليمن براً الى عُمان، ولكن لا يمكن الوصول الى حدودها الا عبر مناطق جنوب اليمن الذي تسيطر عليه السعودية والإمارات. فكيف جاءت كل هذه الصواريخ إن لم تكن مصنّعة محلياً؟

قال محمد بن سلمان بشأن اليمن في أحد تصريحاته بأن الخيارات أمام بلاده بين السيء والأسوأ. (السيء) هو استمرار الحرب حتى وإن كانت بلا أفق نصر عسكري. و(الأسوأ) هو ايقافها بحل سياسي سلمي، وهذا يعني انتصاراً للإرادة اليمنية على آل سعود!

من المؤكد ان الرياض المعتدية ستخسر حربها العدوانية اللاأخلاقية على اليمن. وسيخسر حفاؤها الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون، الذين يساهمون بشكل مباشر في الحرب بالسلاح والتخطيط والتدريب وتحديد الأهداف وقيادة العمليات.

الزمن سيعلّم الرياض ذات يوم، بأنها لو أوقفت حربها مبكراً لكان أفضل لها؛ وأن تأخرها في قبول الحل السلمي، يجعل الخسارة تتضاعف بشكل مستمر.



الصفحة السابقة