معركة (تحرير الحديدة) المزعومة

غريفيث.. والحل المستحيل في اليمن!

عمر المالكي

الحرب السعودية العدوانية على اليمن، أبعد ما تكون عن النهاية.

لا حديث اليوم عن حل سلمي قريب، رغم ما يقال عن مبادرات يقوم بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث.

كل الحديث اليوم هو عن تسعير الحرب، واحتلال الحديدة حيناً، وصنعاء حيناً آخر، وصعدة حيناً ثالثاً!

اجتماعات الكويت وجنيف ومسقط، التي التقى فيها الأفرقاء اليمنيون بحثاً عن حل، صارت خبراً من الماضي السحيق، ولا يريد آل سعود وآل نهيان لها أن تتكرر.

في الحقيقة، لا يطيق آل سعود مجرد الحديث عن مبادرة حل سلمي في اليمن، وآية ذلك أنه منذ تعيين غريفيث خلفاً لاسماعيل ولد الشيخ احمد، عميل السعوديين، فإن الاعلام السعودي لا يذكر غريفيث الا بالتنقيص، والقول بأنه جاء لإنقاذ (الحوثي)!

زيارة محمد بن سلمان الأخيرة لأوروبا وأمريكا، وفّرت مساحة كبيرة لاستمرار الحرب العدوانية على شعب اليمن، فقد دفعت الرياض ثمن التغطية السياسية الأمريكية والأوروبية على شكل صفقات سلاح وعقود بعشرات المليارات من الدولارات، وقيل بمئات المليارات من الدولارات. وعليه ـ من وجهة نظر آل سعود ـ لماذا الحديث عن (حل سلمي) في اليمن؟!

اذا لم ترد الرياض حلا سلمياً، وهي تتحدث بالنيابة عن حكومة (الشرعية) في احد فنادق الرياض، وتحتجز رئيسها عبدربه هادي، الممنوع عليه الذهاب حتى لعدن.. فما هي الخيارات أمامها غير الحرب؟ وهل إعطاء فترة زمنية أكبر سيؤدي الى نصر عسكري سعودي اماراتي طال انتظاره؟!

من الناحية المنطقية البحتة، فإن تحركات مارتن غريفيث بحثاً عن حل سلمي.. مفيدة أيضاً لقوى العدوان نفسها، والتي تورطت في حرب هي غير قادرة على حسمها. لكن الرعونة السعودية الإماراتية، مدعومة برعونة ترامب بشكل خاص، هي ما يغذي الحرب الى ما لا نهاية. وإلا فإن الرياض من الناحية الواقعية بحاجة الى مخرج من الوحل اليمني، مثلما هو شعب اليمن بحاجة الى انهاء الحرب الظالمة والحصار والتجويع والكوليرا!

إذن لتستمر الحرب، وفق منطق المحمدين، ابن سلمان وابن زايد!

الجبهات المفتوحة كثيرة.. نحو ٢٣ جبهة صدام عسكري قائمة، أهمها:

جبهة نهم، والتي عوّلت الرياض عليها لسنوات لكي تكون مدخلاً للوصول الى صنعاء، ولكنها لم تفلح.

جبهة تعز، والتي دخل حزب الإصلاح الإخواني بقواته الى جنب القاعدة، لتغيير موازين القوى فيها، بالاتفاق مع المحمدين، لم تفلح المعارك فيها أيضاً.

جبهة الشمال، حيث القصف المركز على المدن الحدودية اليمنية، بغرض اسقاط (صعدة)، وهذا من المستحيلات، رغم اعلان الرياض مراراً انها قاب قوسين أو أدنى من السقوط!

وهناك جبهة مأرب، التي تراوح مكانها، وجبهة الجوف التي تلقى العدوان فيها خسائر فادحة من قوات سودانية ويمنية جنوبية، فضلاً عن الجبهة السعودية نفسها حيث اختراق الجيش اليمني واللجان الشعبية للدفاعات السعودية في جيزان ونجران وعسير، فأصبحت تنزف خسائر بشرية يومية.

يضاف الى هذا كله، جبهة الحديدة، الميناء، التي يراد من خلالها احتلاله، بقوات تتسابق من الشمال السعودي على الخط الساحلي من ميدي، ومن الجنوب بقوات تقودها الإمارات.

هذه الجبهة الأخيرة ـ الحديدة ـ قيل أنها ستحلّ أزمة العدوان، وتحقق لهم النصر الذي عادة ما يُعلن عنه قبل أن يتحقق، اللهم الا ان يكون نصراً سعودياً مؤزّراً على مواقع التواصل الاجتماعي.

 
غريفيث.. البحث عن حلّ سلمي لحرب اليمن

حدث اختراق في جبهة الحديدة، من الجنوب، سرعان ما تمّ تطويقه، وتم انزال خسائر فادحة قضت على أي أمل بإسقاط الحديدة، لكن التهويل بإسقاطها لازال قائماً، بهجوم كبير: جوي وبحري وبري!

إزاء الخسائر الكبيرة، وحسب وول ستريت جورنال، فإن الامارات ـ كما السعودية ـ طلبتا مشاركة قوات أمريكية مباشرة في السيطرة على ميناء الحديدة، ما يعني ان قوى العدوان تدرك بأن تفوقها الجوي وفي السلاح النوعي، لم يحقق لها على مدار أكثر من ثلاث سنوات ميزة كبيرة قادرة على حسم المعركة لصالح المعتدين.

على العكس من ذلك، فإن الجيش اليمني واللجان، أدخلوا عنصر توازن جديد، وهو الصواريخ الباليستية، التي قال متحدث العدوان السعودي السابق أحمد عسيري، ومنذ الأيام الأولى للعدوان، بأنه قد تم القضاء على ٩٩٪ منها!

الواضح اليوم أن الصواريخ الباليستية اليمنية تسبب ارباكاً في قوى العدوان، سواء في جبهات الداخل، أو في العمق السعودي، فيما تنتظر القوة الصاروخية اليمنية التوقيت المناسب لارسال الصواريخ الى الإمارات أيضاً، لأنها تمادت في عدوانها وجرائمها.

تحاول الرياض ان تقول ـ بل هي تقول ذلك علناً في بعض الأحيان ـ أن سبب فشلها في العدوان، يعود الى ان هناك قوى دولية لا تريد لها أن تنجح وتنتصر، وهي تقصد ان أمريكا وأوروبا عامة، وتزعم ان هذه الدول لا تقبل بانتصار سعودي. في حين اننا جميعاً نعلم، بأن أسلحة العدوان وذخائره، ومخططيه، ومعلوماته الاستخباراتية، وقادة عدوانه الأساسيين هي غربية.. فلمَ لا يريدون النصر لآل سعود والحالة هذه؟

يُقال لك: لأن الغرب يستفيد من بيع الأسلحة واستمرار الحرب!

ان كان هذا صحيحاً، فلمَ يحقق آل سعود وآل نهيان للغرب ما يريد؟ لمَ لا يوقفون الحرب إن كان هناك فيتو غربي على نصرهم المزعوم؟

لا توجد سوى دولة واحدة هي ألمانيا، أوقفت مبيعات السلاح الى السعودية، ولو جزئياً. ومع هذا، ارادت الرياض معاقبتها، كما هو معلن، حيث جاءت الأوامر من محمد بن سلمان بعدم إرساء صفقات وعقود مدنية على شركات المانية.

الآن هناك حديث عن اعتراض غربي على احتلال الحديدة من قبل قوى العدوان.

تصريحات كثيرة نسمعها، ولكن الحقيقة هي ان قوى العدوان لا تستطيع في الأساس السيطرة على الحديدة. وإن أي هجوم عليها سيتسبب في خسائر مدنية كبيرة، دون ان يحقق المعتدون هدفهم باحتلالها.

لقد فشلت قوى العدوان في اسقاط مدن أصغر بكثير من الحديدة، ولا أفق لأي معركة قادمة بالنجاح لاحتلالها حتى لو تدخلت قوى عسكرية أمريكية بكثافة فيها، وهو أمرٌ غير متوقع. لأن الأمريكيين يعلمون أمرين أساسيين:

ـ لا ضمان بأن مشاركتهم العسكرية بقواتهم مباشرة في احتلال الحديدة سيحقق النصر.

ـ لا ضمان بأنه في حال سقوط الحديدة ان تنتهي الحرب ويتم اسقاط الحكم في صنعاء.

من الناحية العملية، فإن الولايات المتحدة لا يهمها انهاء الأزمة السعودية مع قطر، ولا الحرب العدوانية السعودية على اليمن. وحسب قول جون بولتون، مستشار الأمن القومي، فإن ما يجري مجرد مصارعة عبيد، لا يؤثر على السادة (بمعنى آخر: فخّار يكسّر بعضه).

 
اجتماع حزب الإصلاح الاخواني مع المحمدين لتنشيط جبهة (تعز)!

حرب اليمن والأزمة مع قطر، مجرد ثقب كبير، يجري من خلاله استنزاف السعودية، التي يهمها ان لا تخرج من الأزمتين خاسرة، والغرب يريد ان يبيع السلاح ويجني الأموال من أطراف الصراع، وبالتالي فليس هناك ما يضغط من أجل إيقاف العدوان.

وعليه، فإن الحديث عن مبادرة جديدة لمارتن غريفيث لحل الأزمة اليمنية، يأتي خارج اطار المزاج الغربي، المشغول بقضايا أخرى أكثر أهمية والحاحاً. لا يوجد حماس كاف ـ ان وُجدَ أصلاً ـ بشأن إيقاف حرب العدوان على اليمن. المهم ان تكون الحرب تحت السيطرة، ويمكن لغريفيث ان يناور ويناور ويحاول، وفي النهاية سترفض الرياض، ولن تضغط أمريكا وبريطانيا من أجل حل!

الآن، هناك تهديد باحتلال الحديدة، وهو تهديد لا قيمة له. هو أشبه ما يكون بحالة رغبوية ليس إلاّ!

اذا كان لنا ان نستفيد من عبر التاريخ، ومن عبر سنوات العدوان الثلاث الأخيرة، فإنه يمكن قول التالي:

لا تستطيع قوى العدوان شنّ هجوم متعدد برا وجوا وبحراً على ميناء الحديدة. فالقوات البرية التي تديرها الإمارات بقوات يمنية جنوبية وأخرى مرتزقة من دول اخرى، مقطعة الأوصال بسبب الاختراق العسكري للجيش اليمني واللجان في (فاز) و (الجاح)، حيث أضحت القوات محاصرة ومفككة وبعيدة عن امداداتها الرئيسية التي تؤهلها لخوض معركة برية. أما المعارك الجوية والإنزال البحري، فلن يحسما المعركة، وربما تنتظر قوى العدوان (مفاجآت بحرية) سبق أن أشار اليها عبدالملك الحوثي من جهة امتلاك صواريخ تستطيع ان تصل من بر البحر الأحمر الشرقي الى برّه الغربي.

لن تُشنّ معركة (تحرير الحديدة) المزعومة، الا بمشاركة قوات أمريكية فاعلة، وهذه المشاركة مشكوك في حدوثها؛ وأيضاً تتطلب المعركة الموعودة والمزعومة، مشاركة فاعلة بقوات إماراتية وسعودية، وليس فقط قوات (المرتزقة) ما يعني انتظار خسائر كبيرة في قوى العدوان قد لا تتحملها في الوقت الحاضر، خاصة مع عدم ضمان نجاح العملية العسكرية.

الاقدام على معركة الحديدة، قد يعني تفعيل خيارات صنعاء التي لم تستخدم حتى الآن. من المحتمل ـ مثلاً ـ تفعيل المعارك في الأراضي السعودية، ولربما تسقط بعض المحرمات السياسية حتى الآن، وقد تؤدي الى هجمات على مدن من أجل اسقاطها، فيما قوات العدوان مشغولة بالحديدة. وقد يؤدي الهجوم على الحديدة الى تنشيط الصواريخ الباليستية من الناحية العددية والنوعية. فحتى الآن، لا يخفى الانزعاج السعودي من تلك الصواريخ، رغم ان اعلام الرياض يتحدث عن صواريخ (طعاطيع) أي لا قيمة لها ولا تأثير!

لا يبدو أننا وصلنا الى ذروة الدموية في العدوان السعودي الإماراتي على اليمن؛ والبحث عن نصر طال انتظاره من قبل الدولتين المعتديتين، قد يفجّر جبهات لا قبل لهما بها.

الحرب اليمنية تبدو بلا حسم حتى الآن.

لكن من ينظر الى بداية العدوان والى ما وصلنا اليه الآن، يلحظ بوضوح حقيقة ان الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لصنعاء، يزدادان قوة ويعتمدان على رصيد شعبي لم ينضب، وعلى قوة لم تظهر كل آثارها، في حين نجد في الطرف الآخر وقد استهلك كل خياراته وتكتيكاته وحتى مصادر تجنيده.

قيل ان دخول الاخوان (حزب الإصلاح) في معركة تعز سيغير المعادلة ولكن شيئاً لم يتغير البتة.

والآن يقال ان دخول القوات الأمريكية في المعركة بكثافة سيغيرها، وهذا غير مضمون ألبتة أيضاً!

اليوم أو غداً أو بعد غد.. ستتوقف الحرب رغماً عن العدوان، وسيجرّ المعتدون أذيال الخيبة.

نتيجة متوقعة لا يريد المحمدان الشقيان (ابن سلمان وابن زايد) التسليم بها.

مجرد القبول بالتفاوض الجاد لحل الأزمة، لا يبقى مكان لهما.

الحرب تخوضها الدولتان المعتديتان، باسم اليمنيين، وتفرضان خيارهما العنفي على جميع اليمنيين.

لو تُرك الأمر لليمنيين لما قامت الحرب أصلاً.

الحرب لم تكن في يوم من الأيام خياراً يمنياً، بل خياراً سعودياً اماراتياً، يرفض ان يلتقي اليمنيون على حل توافقي.

الصفحة السابقة