البيانات السعودية.. إعادة تصوير

مشاري الذايدي

لست ضد ظاهرة رفع بيانات المطالبة السياسية، أو حشد التواقيع لها، من كل حدب وصوب، في أي مكان في العالم، أو كما جرى ويجري في السعودية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بشكل لافت. هو نوع من الاحتجاج «السلمي» أفضل من أحداث شغب، وارتكاب أعمال عنف. هذا من حيث المبدأ، ثم ان هناك قراءة مثيرة وممتعة لظاهرة البيانات المذيلة بعشرات الأسماء في السعودية، فهي، إضافة لأشياء أخرى، نوع من استعراض الوجود، والقول بأن ما نطالب به يملك سندا شعبيا، وهو رأي الشارع، وفي تقديري أنه يجب أن لا يقلق السعوديون كثيرا من ذلك، رغم أنه يخدش الهدوء و«الركادة» السعودية المألوفة في الساحة المحلية.

لاحظنا خلال الشهرين الأخيرين عودة ظاهرة البيانات، وكان آخرها بيانٌ موقعٌ من قبل 61 شخصا، من أكاديميين وموظفي دولة، يعبر عن رؤية مغرقة في تشددها لطبيعة السياسات الحالية في السعودية. ميزة هذا البيان، الأخير، على غيره من بيانات الفترة الحالية، هي لغته الحادة، وتصويره البالغ الترهيب للمشهد السياسي الحالي، فهو بيان من النوع العالي الصوت، يعكس المزاج المتوتر الذي افرزه، إنه يريد إقناع من يطالعه بوجود :«عصابة معروفة بالتوجه التغريبي المنحرف قد تمكنت من التأثير على القرار، والتولي على بعض المؤسسات ذات الأثر الكبير في هوية المجتمع ومستقبله»، وأيضا هذه «العصابة» متهمة بـ :«سعيها الحثيث نحو تجفيف منابع الخير في وجره إلى ضروب الانحراف».

هل إصدار مثل هذه البيانات، وبمثل هذه اللغة، وبهذا النوع من التحريض، أمر مريح ؟! آخذين في الاعتبار ما تحمله من اتهامات وتوصيفات للمخالفين تصل إلى حد قارب التحريض على قتلهم، أو إضعاف الاكتراث لأمرهم لو حصل، على سبيل الافتراض، أن شابا متحمسا ذهب بالبيان حدا يتجاوز الكلمات إلى الأفعال، ورأى أن من واجبه «الشرعي» أن يريح العباد والبلاد من احد «رسل الكفار» هؤلاء ! وما بيان أسامة بن لادن الأخير المحرض على قتل مثقفين وشعراء وكتاب عنا ببعيد. لا ! بل وإن هناك اتفاقا على شخصيات مشتركة بين بيان بن لادن وبيان الـ61 هؤلاء، ونجد نفس الشخصيات يحرض عليها، لكن بن لادن يدعو لـ«قتلها» صراحة، وبالاسم، وهؤلاء، وبتلميح يشبه التصريح عنهم، يصفونهم بالنفاق الاقبح ويدعون لـ«قتالهم» والإغلاظ عليهم أسوة بمنافقي المدينة في العهد النبوي. أي انه اختلاف في الدرجة وليس في النوع ! هذا النوع من البيانات، اجد صعوبة في إدراجه ضمن أفعال الاحتجاج السلمي، وأجدها اقرب إلى بيانات التحريض على القتل أو الإلغاء، وهنا تصبح الكلمة جهدا يدخل ضمن الفعل العنفي لا السلمي، وكما قيل: وإن الحرب مبدؤها كلام !

الشرق الأوسط، 30/5/2006

الصفحة السابقة