وزارة الداخلية.. الصيف ضيعت اللبن

حين يقترب موسم الصيف وتتهيأ المدارس لاغلاق أبوابها بصورة رسمية، تكون الجماعات السلفية قد أعدّت العدّة لنشاط من نوع آخر عبر تنظيم رحلات دعوية ومخيمات صيفية يجتمع فيها الترفيه والتنظيم، حيث يعيش المشاركون في تلك الرحلات أجواء روحية وأيديولوجية مختلفة، تقترب الى حد ما من (الخلوة) ولكنها من نوع آخر..

في موسم الصيف، يكون المنظّمون للرحلات والمخيمات الصيفية قد أنهوا مرحلة الاختيار التي أنهكوا أنفسهم من أجلها طيلة الموسم الدراسي، كيما ينتخبوا العينات المؤهلة للدخول في العمل الدعوي والصعود في مراتبه تدريجياً بحسب مجهوداتهم الذاتية وقابلياتهم للاضطلاع بمهمات صعبة.

في العطلة الصيفية تكون خلايا التنظيم السلفي في حالة استنفار قصوى كونها تنقل الافراد المنتخبين للمشاركة في برامج الرحلات الدعوية الى أجواء جديدة، الى مجتمع آخر يجري صياغته على أسس وقواعد مختلفة، ويربّى الافراد على التمرّد على الواقع الذي يوصم بالفاسد، ويلقّن فيه الافراد العقيدة الصحيحة التي تتضمن دعوة للخروج على المجتمع الكافر، الذي لا يمكن النجاة من مفاسده الا بالتحرر النفسي والذهني من قيوده ونظمه التي تحكم بغير ما أنزل الله، استعداداً الى الدخول عليه بعقلية المصلح الذي يرى بأن لا طريق الى تغييره الا بالانفصال عنه أولاً ثم الاستعداد للتضحية في سبيل الله.

كانت الرحلات الدعوية والمخيمات الصيفية تتم فيما مضى بهدوء ودون ضجيج، وعلى مرأى ومسمع الحكومة والأسر ولم يكن في ذلك ما يبعث على القلق أو يلفت الانتباه، طالما بقيت تلك المناشط في حدودها التربوية المحضة، بل كانت تلقى دعماً سخياً من الحكومة والجمعيات الخيرية والأهالي، كون ذلك ـ في الظاهر ـ من أوجه الخير التي تستحق الدعم والبذل.

الصورة اختلفت هذا العام، فلم تعد تلك الرحلات الدعوية الصيفية نزيهة وليست بالضرورة مصممة لأغراض تربوية ودعوية محضة، فبعض هؤلاء الذين شاركوا فيها تحوّلوا الى عناصر قتالية، بل قد استعملت المخيمات الصيفية نفسها معسكرات يتدرّب فيها الاعضاء على حمل السلاح، وفنون القتال، وأساليب الدفاع عن النفس، وقد تكون الجرعة الخاصة بتنمية العضلات تفوق بأضعاف الجرعة الخاصة بتنمية المخ والطاقات الذهنية. وقد كشفت التحقيقات الامنية والصحافية أيضاً عن معلومات بالغة الخطورة حول البرامج المعدّة سلفاً في الرحلات الدعوية خلال فترة العطلة الدراسية في صيف كل عام.

في هذا العام، وبعد أن بدا واضحاً الخطورة الكامنة في دور الرحلات الدعوية الصيفية في تخريج جيل من الشباب المتسلّح بأفكار متطرفة، يكونون فيها أعضاء مرشّحين للدخول في جماعات العنف وخوض القتال ضد المجتمع والدولة، قررت أخيراً الاجهزة الامنية اختطاف المشروع السلفي الصيفي، عبر توجيهات صارمة تتعلق بتنظيم

الرحلات الدراسية والمخيمات الصيفية للحيلولة دون انخراط الطلاّب السعوديين مع الإرهابيِّين خلال عطلتهم الصيفية. وطلبت وزارة الداخلية من وزارة التربية أن تمنع الطلاب من الاشتراك في برامج العطل الصيفية التي تنظمها جماعات يخشى من كونها على صلة بالجماعات المسلّحة.

وكان وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز قد وجه جملة من التعليمات إلى وزير التربية عبدالله العبيد للالتزام بالقواعد الخاصة ببرامج العطل الصيفية التي تهدف للحدّ من فرص استقطاب الإرهابيين لطلاب المدارس والجامعات لخدمة أهداف خفيّة ونشر معتقدات متطرفة. كما أرسل العبيد تعليمات إلى كل المؤسسات التربوية في السعودية طالباً منها إجراء تعديلات على برامج العطل الصيفية للحدّ من تغلغل المتطرفين وانحراف الشباب.

ووفقاً للتعديلات فإنه يجب أن تتوجه الرحلات إلى المناطق المعروفة، وأن تتركز المخيمات والبرامج الصيفية الأخرى في أماكن موافق عليها ومرخَّص لها مثل إقامات الطلاب والشباب والنوادي الرياضية ومخيمات الكشافة والأماكن المماثلة، كما يجب أن تُحاط السلطات المختصة بتفاصيل عن البرامج والأشخاص الذين يديرونها.

وحذّر الوزير من إجراء أية تعديلات على البرامج دون إعلام السلطات، وأعطى إرشادات تُلزِم بنصب العلم السعودي على الخيم، إضافةً إلى إنشاد النشيد الوطني خلال فترات محددة من النهار، وتعليق لوائح داخل الخيم تزوّد بتفاصيل عن كل طالب ومدرسته. وشدّد الوزير على ضرورة تقديم موافقة مكتوبة وتأكيد من الأهالي على الهاتف أنهم يسمحون لأولادهم بالمشاركة في البرنامج الصيفي.

الصفحة السابقة