الملك الناصح والمحذر!

الصغيرُ يبقى صغيراً

مَنّ يحذّر مَنْ؟!

ماذا يعني أن يزور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد السعودية مرتين خلال فترة قصيرة، وقبله الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، في حين لم يزر ملكٌ سعودي إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود؟

وماذا يعني أن تكون الرياض محطّة لمسؤولين إيرانيين بين كل فاصلة قصيرة وأخرى، في حين أن المسؤولين السعوديين لا يزورون إيران إلا اضطراراً وفي الغالب من قبل وزير الخارجية؟

هذا يعني بالطبع التأكيد على دور سعودي محوري في المنطقة وما يتعلق بقضاياها الملتهبة.

ولكن السؤال الأهم: وماذا عن محورية إيران، فهي تستقطب الإهتمام أكثر بكثير من السعودية، فلماذا لا يزور مسؤولون سعوديون طهران إلاّ لماماً؟

هل يعني ذلك أن ايران تعترف وتعير الدور السعودي أهمية كبيرة ولا ترى حساسية في التعاطي مع السعودية والسفر اليها بما يؤكد أهمية الأخيرة، في حين أن السعودية لا تعترف بالدور الإيراني ولا تعيره أهمية بنفس المستوى، وبالتالي لا تريد أن تعطي إيران فرصة للزعم بأنها تمثّل ثقلاً في المنطقة؟

أم أن الأمر يعكس حيوية في الدبلوماسية الإيرانية في متابعة مصالحها القومية، لا تقابلها ذات الحيوية في الجانب السعودي؟

الجانب السعودي وهو يرى الإلحاح الإيراني في التواصل من أجل حل مشكلات المنطقة، اعتقد ولازال بأن الجانب الإيراني يعبّر عن ضعف وحاجة للدور السعودي، وأن ذلك هو السبب الذي يجعل صاحب الحاجة في حركة دائبة ومبادرات مستمرة كيما يشعر بالإطمئنان، وهذا في النهاية أدّى الى تعزيز الشعور لدى المسؤولين السعوديين بمتانة موقفهم، وبدالّتهم على إيران، بل تولّد شعور بالتعالي لديهم على الإيرانيين، والإستهانة بهم.

هذا الشعور بالتعالي هو الذي دفع بالمسؤولين السعوديين الشهر الماضي الى تسريب معلومة تفيد بأن الملك عبد الله (حذّر) نجاد و (نصحه) بأن اميركا جادّة في الهجوم على إيران، وأنه أخشن القول اليه، وطلب منه بأن ينقل رسالة لبقية القيادة الإيرانية، بضرورة إيقاف المشروع النووي الإيراني، على الأقل لمدة سنتين الى أن يرحل بوش من الحكم!

ذات التسريب نقله سعود الفيصل، وزير الخارجية، الى مجلة دير شبيغل الألمانية، وكان خبراً عاجلاً ثم رئيسياً في نشرات أخبار (العربية) وكأنّ الحكومة السعودية تريد أن تقول وبغرور بأن لها اليد العليا، وأنها في الوقت الذي تخشى فيه القوة العسكرية الإيرانية المتعاظمة فإنها (تحتقر) في الوقت ذاته القيادة الإيرانية كما مسلكها السياسي.

الجانب الإيراني يرى الصورة مختلفة تماماً، فمن جهة، هو لا مشكلة لديه في الإقرار بالدور السعودي في المنطقة، وعلى مستوى العالم الإسلامي، ولطالما كان الإيرانيون يرددون منذ عهد رفسنجاني بأن للعالم الإسلامي جناحان لا يمكنه أن يحلّق بدونهما: السعودية وإيران. فهما يمثلان الشقين المذهبيين المتنافسين، وهما يمثلان قوتين حقيقيتين في قلب الشرق الأوسط، وبتعاونهما أو تحالفهما يمكن حلّ معظم مشاكل المنطقة.

والجانب الإيراني يرى أن قوّته الدبلوماسية في حركة رجاله الدائبة، ولا يعد زياراته للسعودية، إهانة للذات، ولا خلافاً لمصلحة، ولا هي تعبير عن ضعف، بقدر ما تشير الى البحث أكبر عن مزيد من القوة عبر التحالفات والنشاط الدبلوماسي المكثّف لمواجهة ما يعترض الحكم الإيراني من مشاكل أو مخاطر.

والجانب الإيراني أيضاً، وهو يتعاطى مع نظيره السعودي، يحمل رغم الشعور بالاعتزاز القومي، تواضعاً أمام الجانب السعودي، يمكن تلمّسه في نجاد، فهو لم يأتِ بعنتريات، ولم يهدد، بل أن السياسة الإيرانية كما هو واضح لكل الإعلاميين تتجنّب الردّ على التصريحات الخليجية بالذات، والسعودية بصورة أخصّ، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي، او التدخل الإيراني في العراق. وكأن الإيرانيين أرادوا التطمين من جهة، ولكنهم في نفس الوقت لم يصرفوا وقتاً على الكلام دون الفعل، فهم ماضون في استراتيجيتهم بشكل واضح وبدون تردد، ويحاولون في نفس الوقت طمأنة الجيران.

الجيران، خاصة السعودية، قلقون، ومبعث القلق يمكن اختصاره في نمو الدور الإيراني الإقليمي والقدرة العسكرية الإيرانية متعدد الجوانب. ومع أنه واضح تماماً أن العدو بنظر إيران هو: أميركا، وتستشعر التهديد منها ومن حليفتها اسرائيل، إلا ان السعوديين بالذات ملتصقون بتلك السياسة، وكأنهم يرون الخطر الإيراني موجّهاً لهم بالذات ولنفوذهم وقوتهم. في حين أن لسان حال المسؤولين الإيراني يقول: من أنتم حتى نخاف منكم، أو نستعدّ بكل هذا السلاح لمواجهة خطركم؟ أنتم أصغر من أن تواجهونا، وعيننا على أميركا التي تهددنا وليس أنتم يا من تصرّون أن تكونوا ذنباً ملحقاً بهم!

ربما كان هذا شعور المسؤولين الإيرانيين وهم يستمعون الى (تحذير) و (نصح) الملك السعودي. فمن يحذّر من؟ وبأيّة قوة، ووفق أيّة فهم تقدّم النصائح؟!

القيادة السعودية ـ وبقية القيادات العربية ـ غير واعية لحقيقة إيران كدولة، لا تنتمي الى النسيج العربي، ولا تفكر بالعقل العربي، ولا تواجه خطراً عربياً، ولا ترى في العرب نموذجاً لا للحكم ولا للتقدم العلمي والصناعي والعسكري. وبالتالي فهم أجدر بأن يدرسوا التجربة الإيرانية أولاً، ويوفّروا تحذيراتهم ونصائحهم لأنفسهم، ولينجزوا لشعوبهم عشر إنجاز الحكومة الإيرانية على المستوى الديمقراطي وعلى مستوى التقدم، وعلى مستوى العزّة الوطنية.

الصفحة السابقة