تحطيم المفاهيم لدى المُسعودين!

آل سعود وبالتعاون مع مشائخهم متلاحمان، تلاحم الإستبداد السياسي، بالإستبداد الديني الذي هو أسوأ أنواع الأستبداد، كونه يشرعنها، ويؤسس لثقافة طغيان تستمر لسنين أو لعقود طويلة.

ليست المشكلة في أن آل سعود يحكمون بالقمع والحديد والنار، ولا أنهم يسرقون وينهبون ويعتدون ويمارسون الحكم بصورة بدائية، ويعطلون المسيرة الحقيقية لتطور البلاد وشعبها.

ليست هذه هي المشكلة الحقيقية، رغم أنها مشكلة في واقع الأمر، ومشكلة كبيرة.

لكن المشكلة الأساس، هي أن القيم التي تحكم أفعال سعود، مغطّاة بصورة شرعية، بمعنى أن ما نراه نحن، أو يراه الأسوياء خطأً وجريمة بحكم الشرع أو القانون البشري، هو ليس كذلك بعرف آل سعود ومشائخ الوهابية.

لا يهمّ كيف يرى آل سعود فعلهم، وتصنيفهم لسياساتهم وجرائمهم، ولا يهمنا إن عدّوها من أفعال الخير المطلق والفضيلة النقية، أم لا. المهم هو كيف ينظر الناس، المحكومون لتلك الأفعال.

لقد خلق الله الناس وعلّمهم بمختلف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وأديانهم بأن الصدق ـ مثلاً ـ فضيلة. وأن الكذب رذيلة، كما هي السرقة، وغيرها. لكن الذي يجري في السعودية من تضليل استمرّ لمدّة تقارب من قرن، شيء يفوق الخيال. إن أصل المفاهيم التي لا يختلف عليها البشر تحوّلت الى أداة تعويق للمواطنين السعوديين، وجرى الإلتفاف عليها بصورة ما، أو حتى الإنقلاب عليها بشكل فاضح مباشر.

لنأخذ بعض المفاهيم. فالعدالة، والمساواة، والأمانة، مفاهيم تخترق يومياً من قبل النظام، ويأتي مشايخ الوهابية ليشرعنوا فهماً مناقضاً، ثم تأتي الطبقة الحاكمة من آل سعود، لتبرر كل الأفعال الفاضحة في خطئها. لهذا، لا أحد يحتكم الى تلك المفاهيم، وهي مفاهيم قلّما تذكر في الثقافة المحلية، أو الرسمية، أو الدينية، فالوهابية مشغولة بالتكفير والقتل وشرعنة الباطل.

حتى لا تتيه البوصلة، دعونا نضرب مثالاً. الأمراء يسرقون. هذا أمرٌ واضح، لا يحتاج الى دليل، ولكن الأمراء أنفسهم يقدمون لنا كل يوم أدلّة على تلك السرقات. فهم يعلنون على الملأ تبرعهم بالتافه مما يسرقون ولكنك بدلاً من أن تجد من يسأل: من أين لكَ هذا، يأتي مشايخ الوهابية وأذيالهم فيمتدحون أولئك الأمراء على كرمهم وخدمتهم للإسلام!

مثلاً نشر في 8/7/08 أن محمد بن نايف الذي يدير الداخلية نيابة عن أبيه أنه تبرع بمليون ريال فيما تبرع أبوه الوزير بثلاثة ملايين ريال وذلك لنشر العقيدة الصحيحة، حسب صحيفة الجزيرة، وقد سأل أحدهم في منتدى الساحات الوهابي معلقاً على الخبر فقال: (سؤال بريء: من أين لهم بهذه الملايين التي يوزعونها شرقا وغربا؟ أرجو أن لا تفهموني خطأ. ولكن فعلا كيف للإنسان أن يحصل على الملايين. فما زال الواحد يكد ويكدح ولديه أعلى الشهادات والأوسمة.. ولكنه لا يملك الملايين حتى الآن؟).

هنا ردّ عليه مخبر ديني فيما يبدو فقال بحدّة: (..أما الملايين فهي من نعم الله عليهم، أن هيأ لهذا البلد سبل الخير، وفتح لهم أبواب النعم، ومن ذلك النفط.. ضع في حسبانك أنهم هم ولاة الأمر، وقد حكموا بالتوحيد والسيف، فلا لأحد عليهم فضل، وليس لأحد شراكة فيما أكرمهم الله به. الوطن وطنهم، والنفط نفطهم، ولم يبخلوا على رعاياهم، بل بذلوا لهم كل الخير والاحسان والكمال لله تعالى وحده لا شريك له).

هذه صورة واحدة. هناك صورة أخرى، حين تقول بأن هناك سرقات وسمسرات ولصوصيات في وضح النهار، فيرد عليك النجديون المتوهّبون الذين قلبوا المفاهيم: (هذا ملكهم يفعلون به ما يشاء، ولا أحد يسرق نفسه، أو يُفسد بمال غيره)!

خذ مثالاً موضوع المساواة، الذي يفترض أن يطبق بين المواطنين، ولا نقول بينهم وبين آل سعود، فالأخيرون طبقة ملائكية لا يجري عليها قانون أو شرع. ولكن الوهابية وآل سعود فرغوا الموضوع من محتواه. فلا هم يقبلون بفكرة المساواة على أساس المواطنة، ولا يقبلون بها على أساس الشرع باعتبار ان الجميع مسلمون. كيف؟ يكفرون معظم الشعب لصالح معتنقي الوهابية فيحرمونهم من حقوقهم باعتبارهم كفار، ويأتونك بآية ويطبقونها عليك: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون)! ثم يأتونك بمفهوم الغَلَبة الذي على أساسه يحق للمنتصر أن يفعل ما يريد، وهو مفهوم لا أصل له في الإسلام، بل يتعارض مع نصه وروحه.

لهذا تختل العدالة والمساواة والأمانة والحقوق وبهذا يشرعن الطغيان حين يقال بأنه يحق لآل سعود أن يدافعوا عما استحصلوه بالسيف من حكم البلاد، فيعتقلوا ويضربوا ويقتلوا من يعارضهم، بهذه الحجة أو بغيرها. أما الشورى، وأما حقوق المواطنين وفق الشرع أو وفق الحقوق المدنية التي هي ملازمة لأية دولة، فتلك مسألة أخرى.

هنا تكون الوهابية وعشيرة آل سعود، قد استنبتا ثقافة تواصل دعم الطغيان والإفساد، وقد آن لهما أن يرحلا.

الصفحة السابقة