هل يفعلها السديريون ليضيع دمه بين القبائل؟

قتل الملك عبدالله فضيلة سديريوهابية!

خالد شبكشي

منذ نحو شهرين، والأجواء تشحن ضد الملك عبدالله.

فهو المسؤول عن انتشار العلمانية!، وتحقير رجال الدين (عماد الدولة!).

وهو الذي حوّل البلد الى يد أعداء الإسلام من عملاء أميركا في داخل البلاد، على حساب خط الإسلام السلفي الصحيح!

وهو الذي جرّأ العامّة على المشايخ العظام!

وهو الذي أرسل شباب المملكة للدراسة في الغرب، حتى يفسدوا شباباً وشابّات، وبالتالي فهو يتحمل مسؤولية انتهاك أعراض (الإناث)!

نايف: مشروع قاتل

وهو الذي (ضيّع) أموال الدولة على لبنان الحريري، وعلى غيرها من الدول، في حين أن الشعب يعيش (على الحديدة) بسبب الغلاء، وربما أكل الحديدة!.

وعهد عبدالله (عهد فقر) وقد سمح للصوص بنهب المواطنين عبر سوق الأسهم.

المهم، أن كل مخازي الدولة يتحمل الملك مسؤوليتها.

ولأننا نعلم بأن الملك (خيخة) وأن الدولة تدار من الجناح السديري، فإننا نفهم من حملة الترويج ضد الملك عملاً سديرياً بامتياز، وأن تسقيط الملك في الشارع لا يعدو انعكاساً لصراع الأجنحة على الحكم.

ومما يؤكد ذلك، أن الذي يثير الموضوع هم السلفيون ومشايخهم، وهذا يعني بالتحديد أن من وراء تحريك الموضوع من أساسه هم الثلاثي (الأمراء سلطان ونايف وسلمان).. إذ من المعلوم أن التيار السلفي بمجمله يقاد من قبل هؤلاء، وأن الشخصيات المفضلة لدى التيار السلفي هي هذه الشخصيات التي لا تتعرض للنقص ولا للنقض، رغم أن فسادها ودمويتها أكبر بمراحل مما يمارسه الملك نفسه.

هذا التيار السلفي في مجالسه ومنتدياته أخذ ينتقد الملك بشكل لاذع وعلني، وفي الحقيقة بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة السعودية الحديثة، وأخذ السلفيون بمقارنته بالملوك الآخرين وتسفيه مواقفه، حتى تلك المتعلقة باليوم الوطني، واعتبروا الفعل لا يدلّ على (ديانة) وأنه أقلّ تديّناً من الملوك السابقين، وهذا غير صحيح، فكل الملوك السعوديين بعيدين عن الممارسات الدينية، وقد أوغلوا في دماء وأعراض الناس، ومع هذا يبقى الملك خالد أقلهم في هذا كله ومن بعده عبدالله. أما الجناح السديري فهو الأفسد على الإطلاق والأكثر إجراماً، كما هو معروف لدى معظم السعوديين، ويكفي أن (سلطان ولي العهد والملك فهد من قبله نموذجيهما المفضلين).

لماذا تثار الساحة (السلفية والنجدية بالتحديد) ضد الملك عبدالله من قبل الجناح السديري، وبيد الوهابية؟

واضح كما قلنا أن الأمر له علاقة بصراع الأجنحة.

فالملك عبدالله لم يقبل بأن يكون نايف (النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء) والذي يعني أنه سيكون ولي عهد للملك القادم، أو حتى ولي عهد للملك الحالي، في حال مات سلطان قبل الملك، أي قبل أن يصبح ملكاً. لقد ألغى الملك المنصب الذي استحدثه الملك فيصل في منتصف الستينيات الميلادية الماضية، وقلّده الى فهد الذي اصبح ملكاً غير متوّج منذ عام 1975م، وملكاً متوّجاً منذ عام 1982 وحتى وفاته 2005م.

الملك، واعتماداً على سخط إخوته الأمراء بفعل استحواذ الجناح السديري بكعكة الحكم، وتجاوز مبدأ السن في تولي المناصب، والخشية من تحول السعودية الى مملكة سديرية، أسس هيئة البيعة، التي تعني أن (ولي العهد) القادم سيتم انتخابه من قبل أبناء عبدالعزيز أو من يمثلهم من حفدة المؤسس. هذا الطرح لم يرض التيار السديري، فإمكانية خروج الحكم من يدهم واردة تماماً، في حال توفي سلطان (ولي العهد الحالي) قبل الملك عبدالله. حينها لن تكون الظروف مهيّأة لكي يكون أحد من رموز التيار السديري (نايف أو عبدالرحمن أو أحمد أو سلمان، فضلاً عن تركي المُبعد الى القاهرة منذ ثلاثة عقود) ولياً للعهد، وسيرجح خيار من أمراء آخرين.

هذه الإحتمالية، هي التي تدفع الجناح السديري اليوم لتسقيط الملك عبدالله، والطعن في شخصه وفي سياساته، مع ان أقطاب ذلك الجناح هم أسوأ وأفسد، ومع أنهم من الناحية الفعلية من يدير الدولة ويديرون سياساتها، مع صلاحيات رمزية للملك، الذي يبدو أنه اقتنع بما في يديه.

وكانت أنباء من مصادر نجدية قد أفادت في 2004م، وفي خضم موجة العنف الوهابي، بأن الملك عبدالله ـ الذي كان يجري التحريض ضدّه سديرياً وسلفياً ـ لم يكن معرضاً للتهميش حتى لا يصل الى كرسي الملك (كان فهد حياً حينها).. ليس هذا فحسب، بل كان التحريض يستهدف استئصاله جسدياً عبر القتل، وتضييع دمه وكأنه عملٌ من فعل (القاعدة السعودية). ويبدو أن الخطة قد كُشفت، أو أن هناك من حذّر عبدالله منها، مع أن الجناح السديري كان يرفض أن يلتزم بتعليمات الملك وقراراته، نظراً لأن البيروقراطية السعودية ملتصقة بالجناح السديري ولا يتسلم أوامره إلا منها، الى الحد الذي شكا فيه عبدالله من ذلك وبصورة علنية بأن أوامره لا تنفذ.

عبدالله: مشروع قتيل

وحين أصبح عبدالله ملكاً، جرى الإلتفاف السديري عليه، وبدا أن الملك مقتنع بأن له الإسم (مع قليل من الصلاحيات) في حين بقيت الدولة بقضّها وقضيضها بيد الجناح السديري. وتوقع هذا الأخير، أن لا مشكلة في هذا التقسيم لمناصب الدولة بين الفريقين، وأنه يمكن الإلتفاف على قرارات الملك التي لا تعجبهم، وهو ما حدث. ولكن ما أزعجهم في الأمر، هو موضوع (هيئة البيعة) وولاية العهد، أي ديمومة السيطرة السديرية على الدولة الى عقود قادمة.

قبل بضعة أسابيع، أفادت الأنباء عن محاولة انقلاب للسيطرة على الحرس الوطني من قبل التيار السديري. وحسب الأنباء المنشورة، فإنه يمكن القول بأنها كانت محاولة تسلل سديرية الى مركز قوة الملك الحقيقية وهي (الحرس الوطني). ويبدو أن السديريين دبروا الانقلاب لتجريد الملك من قوته تمهيداً لعزله. وقد تم اكتشاف الإنقلاب واعتقل بعض الضباط. لكن يبدو أن المسألة لم تنته، حيث زاد الصراع بين الملك والجناح السديري وظهر ما تحدثنا عنه في هذه المقالة من تسقيط لعبدالله من قبل التيار السلفي، ولهذا فإن محاولة اغتيال الملك عادت الى الواجهة، واحتمالياتها عالية.

ويقول مطلعون أن بعض المراكز الحساسة في الرياض شهدت نشاطاً أمنياً منذ أواخر شهر شعبان الماضي، وعززت الحراسات على مواقع تعتبر ضمن سيطرة الحرس الوطني، مثل وزارة الإعلام ووزارة المالية، دون أن يعني هذا أن سياسة الوزارتين تداران من قبل الملك، بل هما تداران حقيقة من قبل الجناح السديري.

وإزاء التحريض على الملك، خاصة في المواقع السلفية التي لا تجرؤ حتى للتعرض لوزير الداخلية أو إبنه، فإن مراقبين يعتقدون أن مثل هذا التحريض ـ وكما هي التجربة السعودية/ الوهابية ـ تفسح المجال وتعطي إشارة الضوء الخضراء للمتطرفين الوهابيين للقيام بمحاولات اغتيال للملك. بمعنى آخر، فإن الهدف ليس فقط تشويه السمعة من أجل تركيع الملك والإستفراد بإدارة الدولة، بل لإلغائه من الخريطة السياسية عبر قتله.

في هذا الصدد لا يخفى أن جناح الملك عبدالله لم يزدد قوة كثيراً بوصوله الى كرسي المُلك. والسبب أن الملك في ذاته ضعيف الشخصية، قليل الخبرة، وأن مستشاريه أيضاً أكثر ضعفاً ورخاوة، بل هم في أكثرهم (جهلة) ضعيفي المبادرة. زد على هذا، فإن جناح عبدالله، لم يمارس السياسة وإدارة الدولة بشكل فاعل، فقد كان مغيّباً عنها حتى عام 1996، وهو تاريخ إصابة الملك فهد بالجلطة. بالإضافة الى ذلك، فإن إخوة الملك الأمراء من خارج الجناح السديري، ينطبق عليهم القول (كمٌّ بدون كيف) أي أعداد كبيرة ولكن بنوعيّة رديئة هزيلة.

وإزاء هذا، كان لا بدّ من أن ينتصر الجناح السديري، وليس من المستبعد أبداً، أن يسدّد آخر سهامه بقتل الملك، ويلصق ذلك بعنفيي القاعدة الوهابيين، فيضرب سلطان ونايف وسلمان عصفورين بحجر واحد: الإستحواذ الكامل على الدولة وجعلها سديرية!؛ وإضعاف التيار السلفي بعد أن (سمّنوه) واستخدموه ضد الملك عبدالله، ومن ثمّ تتم إعادته الى حجمه ووضعه تحت السيطرة مجدداً (وهذا ما يحدث عادة).

الظرف السياسي الذي تعيشه المملكة، وليس فقط صراع الأجنحة داخل العائلة المالكة، يفتح الشهية لدى بعض دعاة العنف الوهابيين لمحاولة اغتيال الملك.

فمن جهة بلغ تذمر مشايخ الوهابية مداه من التعرض لممارساتهم ونقدهم في الإعلام السعودي، الى حد أن أفتى الشيخ الجبرين بجلد الصحافيين في شهر رمضان الفائت. ولأن التيار السديري يعمل كمحرض فإنه حين يجتمع بالمشايخ ويستمع لشكاواهم، يتبرأ أقطابه من المسؤولية، ويلصقها بالملك، مع أن الغرض من النقد هو إثارة الزوبعة التي اعتدناها منذ السبعينيات من القرن الماضي بين الوهابية ومشايخها من جهة، وبين الآخر ليبرالياً أو علمانياً أو صوفياً أو شيعياً أو حداثياً أو جامياً، من جهة أخرى. أي أن الغرض: إبعاد النقاش عن آل سعود الذين يتخذون موقف الحَكَم، فيضعفون هذا تارة، ويقوونه تارة أخرى لأغراض إبقاء الصراع دائماً وبنفس الوجه القديم.

والتيار السلفي الذي شهد ولازال يشهد نقداً لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللقضاء، ولمنتج أفكاره المتطرفة ومخرجاته التعليمية من الجامعات الدينية وغيرها، فإن أتباعه يشعرون بأنهم يتعرضون الى هجوم (من أعداء الإسلام من المواطنين الذين يختلفون معهم في الرأي).. وبدل أن ينفسوا أحقادهم وغضبهم على آل سعود، وعلى الجناح السديري بالذات باعتباره الماسك الحقيقي للسلطة، فإن السديرين نجحوا في تحويل الوهابية العمياء باتجاه الآخر، أي الى الملك وغيره، خدمة للسديرية الفاسدة الطاغية.

الجو العام في المملكة، وبسبب هذا الإنتقادات التي ولدت احتقاناً في الشارع السلفي يكاد ينفجر، حتى أن البعض من السلفيين يهدد من عواقبه على شكل عنف؛ وبسبب ضنك العيش، وغلاء الأسعار، وصراخ المواطنين باصوات عالية من البلاء الذي دهمهم، فضلا عن وقوع الطامّة مرة أخرى حين سقطت سوق الأسهم الى مستويات غير مسبوقة خلال الاعوام الماضية.. كل هذا مضافاً إليه سوء الوضع الإجتماعي والخدمي وغيرهما، فإن هناك غضباً شعبياً الى حد الإختناق، لدى كل المواطنين، ولكن الوهابيين بسبب النزعة التحريضية وشرعنتهم للعنف، أقرب ما يكونوا الى استخدامه، كما لم يسبق لأحد استخدمه من قبل غيرهم.

ما نخلص إليه، إن الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية القاهرة التي يعيشها الشعب، ووجود انتهازية لدى الجناح السديري لتصفية حساباته مع الملك، وانتقاد المؤسسات الوهابية في صفحات الجرائد، وهو نقد خفيف، ولكن المعدة الوهابية لا تتحملها وتعتبره استفزازاً عظيماً وخطيراً، تفتح له المقاصل والسجون!.. كل هذا، يشجع الجناح السديري مدعوماً بالتيار السلفي الرسمي والعنفي للتخلّص من الملك عبدالله ليضيع دمه بين القبائل الجاهلية.

الصفحة السابقة