بعد زيارة وفد إتحاد علماء المسلمين

خيبة ملك، أم ملك خائب؟!

هاشم عبد الستار

إستبشرنا خيراً بعد وصول وفد إتحاد علماء المسلمين الى الرياض في 4 يناير ولقاء الملك عبد الله في قصر اليمامة، وبلغ بنا الأمل حد التفاؤل بقرب فتح معبر رفح وإيصال المساعدات بأنواعها غذاءً ودواءً وسلاحاً لقطاع غزة، وزدنا على التفاءل حبّة هيل وزعمنا بأن إعتذاراً سعودياً سيسبق قرار الملك لما أصاب الفلسطينيين من جراء الهوان والإنقسام في أمة العرب..

ضمّ وفد إتحاد العلماء كلاً من د.المشير عبد الرحمن سوار الذهب الرئيس الأسبق لجمهورية السودان، ود.عبد الله عمر نصيف نائب رئيس مجلس الشورى في المملكة سابقاً، ود.محمد هداية نور وحيد رئيس البرلمان الإندونيسي، ود.نصر فريد واصل مفتي جمهورية مصر سابقاً ود.إسحاق أحمد فرحان وزير التربية والأوقاف الأردني سابقاً، و د.عصام البشير وزير الإرشاد والأوقاف بجمهورية السودان سابقا، ود.عبد الرحمن المحمود نائب الوزير لرئاسة المحاكم الشرعية بقطر ود.خالد المذكور رئيس اللجنة العليا لتطبيق الشريعة بالكويت ود.عبد الوهاب الدليمي نائب رئيس جامعة الإيمان باليمن ود.سلمان العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم بالسعودية ود.أحمد الريسوني من المغرب الخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي ود.علي القره داغي الأستاذ بجامعة قطر.

وقرأنا، كما قرأ غيرنا، ما نشره في 7 يناير موقع (إسلام أون لاين)، الذي يشرف عليه رئيس الإتحاد الشيخ يوسف القرضاوي، عن زيارة الوفد برئاسة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، بعنوان (العاهل السعودي يثمّن جهود وفد اتحاد العلماء). وقلنا خيراً إن شاء الله.

نقل معدّا التقرير، جزاهما الله خيراً، عن الوفد قوله أن الملك عبد الله أكّد دعمه لجولة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن الوضع في غزة، وثمّن الشيخ القرضاوي جهود العاهل السعودي في دعم قضايا الأمة وتوحيد كلمتها. غير أن معدي التقرير إستدركاً قائلين (ولم يدل أي من الطرفين بتفاصيل حول نتائج اللقاء). حسنٌ أيضاً، فلعل المفاجئات الإنسانية والنبيلة مذخورة في أيام مقبلة. ولكن نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) بأن العاهل السعودي أكّد أمام الوفد على أنه (مع كل جهد أمين مخلص يهدف إلى توحيد كلمة الأمة ويرص صفوفها ويدفعها إلى العمل المثمر).

ومن شأن جمل معلّبة كهذه أن تدخل بازار التفسيرات ولا تخرج منها، فالكفاءة التأويلية لدى الوفد والفلسطينيين بل وكل العرب والمسلمين تبدو مطلوبة لفهم أبعاد النص الذهبي لدى العاهل السعودي، والذي بلا شك كان جاهزاً قبل وبعد اللقاء، ولأعضاء الوفد أن يختاروا منه كما يشاؤون من عبر وحكم، بل وأن يفرط المتزّلفون من أقلام مستنفرة دائماً في تقعيدها وتأصيلها وشرح أبعادها غير المدركة، ولا تطيق حملها عقول البشر.

كل من يقرأ التصريح الراسخ في الجذور والقيم لا يسعه إلا أن يحني قامته للغة العربية التي سمحت بإنتاج هكذا نصوص مشرقة..على أن الأمر لم يكن كذلك البته! فمهلاً ورفقاً بأرواحنا المتشظية على وقع تشظي الأجساد في محرقة غزة، فالرجل لم يكن فارساً ملثّماً اعتلى خيله وجاء مستنفراً طلباً للنصر أو الشهادة..فلم يعد خافياً حتى على صبيان الحارة، أن ما يجري داخل القصر يصوّر على خلافه تماماً خارجه، أي في الإعلام. وما قيل في وكالة الإنباء السعودية الرسمية ليس سوى بيان معدّ سلفاً قبل أن يحين موعد اللقاء، بل وقبل أن يصل الوفد الى مطار الرياض، شأن مؤتمرات ولقاءات جرت في السعودية واندلعت فيها الخلافات الحادة، ولكن تأتي البيانات الختامية أو التصريحات المنسوبة إلى مصدر مسؤول لم يحدد إسمه أو يكشف عن هويته لتؤكد على عمق الروابط ورسوخ العلاقات الاخوية..وباقي المكذوبات العتيقة.

سمع وفد إتحاد علماء المسلمين، أو ربما بعضهم للمرة الأولى، عن أن مايدور في أروقة القصور غير ما يفصح عنه في العلن، فقرر أن يقتفي مؤقتاً على الأقل أثر الازدواجية السعودية، وإن تطلّب كذباً أبيضاً، لأن القضية التي يعمل على إنجازها الوفد تستحق التضحية والمسايرة وإن فرضت على الإنسان استعمال لغة لا يتقنها ويجيد فنها بكفاءة عالية جداً سوى الملوك والرؤساء العرب، أي لغة منسوجة من أكاذيب ملّطفة، وخدع منمّقة..وكل ذلك من أجل خدمة الإسلام والمسلمين، يارعاهم الله!

العلامة القرضاوي، ورداً على المجاملة السعودية أعلاه، قال بأنه يثمّن (جهود العاهل السعودي في دعم كل قضايا الأمة الإسلامية وحرصها على توحيد كلمة المسلمين). هذا التصريح جاء بعد القنبلة التي رماها فور خروجه من لقاء السبع دقائق مع الملك عبد الله، ووصفه اللقاء بأنه فاشل!

هبط سقف توقعات الوفد سريعاً بعد زيارته الرياض التي سمعوا فيها ما لم يسمعوه في أي من العواصم التي زاروها، بل إن جرعة التفاؤل التي حاز عليها الوفد ألزمتهم الصمت، إلى درجة أنهم غادروا قصر اليمامة دون أن يدلوا بتصريح لافت، فضلاً عن أن يكشفوا عن تفاصيل اللقاء ونتائجه. ما يثير السخرية، أن تنشر بعض وسائل الإعلام أن لقاء الوفد مع الملك دام ساعة ونصف الساعة وشملت رفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح معبر رفح، بالإضافة إلى إمكانية تلبية الاقتراح القطري بعقد قمة عربية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة..والحال أنها لم تدم أكثر من سبع دقائق، أسرف خلالها الملك عبد الله في النيل من قادة حركة حماس، وحذّر الوفد من مغبة دعمهم.

لم يسمع الملك عبد الله النصيحة، كما أرادها الوفد، بل سمع الأخير كلاماً صادماً من الملك ضاعت معه كل نصيحة، بل وكل مناشدة..وكان الوفد قد أصدر بياناً تضمّن حزمة المطالبات التي حملها معه في جولته على عواصم عربية إضافة الى العاصمة التركية، ومنها: وقف العدوان، عن طريق (حث القادة والزعماء على ممارسة ضغوطهم، وتكثيف حملتهم بكل الوسائل المتاحة، عبر ما يمتلكون من رصيد العلاقات الدولية والملفات الحية لإيقاف العدوان، الأمر الذي يتطلب عقد قمة عربية، وقمة إسلامية عاجلة، لمواجهة خطورة الموقف، وتحمل المسئولية التاريخية، من خلال موقف موحد فعال، وقرارات عملية تتجاوز حالة الشجب والإدانة). كما شمل مطلب قطع

قطع جميع أشكال العلاقة مع الكيان الإسرائيلي دبلوماسية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو أمنية.

وثانياً، فك الحصار، والدعم العاجل، ويهدف إلى (المسارعة بفك الحصار الظالم، وفتح المعابر التي تمثل شريان الحياة، بغير شروط، التزاما بالواجب الشرعي والأخلاقي، ووفاء بحق الإخوة والجوار، واتساقا مع الشرائع السماوية، ومبادئ القانون الدولي التي تحرم محاصرة المدنيين، وتعتبره جريمة ضد الإنسانية). وكذلك دعم صمود المقاومة الباسلة بكل أطيافها، والمحافظة عليها، فهي عنوان شرف الأمة وعزتها، والتحرك السريع لإيصال المساعدات العاجلة من الغذاء والدواء، والوقود، وسائر متطلبات الحياة؛ المقدمة من العالم العربي والإسلامي، لإغاثة الإخوة في غزة، وتسهيل انسيابها.

وثالثاً: رأب الصدع وإصلاح ذات البين، عن طريق (حث القادة على تصفية خلافاتهم، وتوحيد صفوفهم، الأمر الذي يهيئ مناخا مواتيا لتوحيد الموقف الفلسطيني، ورأب الصدع على أساس من الالتزام بثوابت القضية الفلسطينية)، و(ضرورة تلاحم القادة مع طموحات شعوبهم، والتحذير من تداعيات الاحتقان والإحباط لدى الشارع العربي والإسلامي إذا لم تبادر القيادات لاتخاذ موقف شريف يحافظ على كرامة الأمة).

كل ماسبق لا ينطوي على ما يلفت الإنتباه، فقد ألف الرأي العام العربي والاسلامي صور الإحباط من مواقف القادة العرب، ولكن ما يبدو لافتاً بل ومثيراً، ما جرى داخل قصر اليمامة، وما دفع الوفد للنأي عن الإدلاء بتصريحات عن طبيعة اللقاء مع الملك عبد الله ونتائجه. صحيفة (القدس العربي) نشرت في الثامن من يناير، تفاصيل مخيّبة للآمال عن اللقاء بين الوفد والملك، حيث ذكرت الصحيفة تحت عنوان (العاهل السعودي وبخ من يقف مع حماس والقرضاوي ممتعض من اللهجة السعودية)، حيث جاء:

وبخ العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بصورة غير مباشرة وفد العلماء المسلمين الذي التقاه مؤخراً. واتهم الملك عبدالله ضمنيا أعضاء هذا الوفد بأنهم يفتقرون للرؤية الواضحة ويبالغون بدون مبرر في مجاملة حركة حماس وقادتها الذين اعتبرهم بصراحة امام العلماء "غير جديرين بالثقة وغير مؤهلين لحمل الامانة والتصرف بمسؤولية" كما قال. وفوجىء أعضاء وفد العلماء بتقييمات نقدية وعبارات حادة جداً قالها العاهل السعودي وهو يستقبلهم على هامش جولتهم الحالية بين دول المنطقة، وقالت مصادر داخل وفد العلماء لـ"القدس العربي" ان اعضاء الوفد وخلال استقبالهم لاكثر من ساعة ونصف في قصر العاهل السعودي تبادلوا النظرات أكثر من مرة فيما بينهم وشعروا بالحيرة والارتباك وهم يستمعون لوجهات نظر حادة من القيادة السعودية. وابلغ هؤلاء نظراء لهم في الاردن بانهم شعروا بالارتباك لان العاهل السعودي ركز في الاجتماع بهم على المضمون السياسي لموقف بلاده وخاطبهم بلغة سياسية حادة موجها اللوم لكل من "يتجاوز على الحقائق والوقائع بما في ذلك مؤسسات ودول عربية واسلامية" لم يحددها. وشرح العلماء المسلمين لاصدقائهم في الاردن بعدما زاروا السعودية الثلاثاء بعض انطباعاتهم عن جولتهم الاخيرة، وفي جلسات جانبية عبر رئيس الوفد الشيخ يوسف القرضاوي عن امتعاضه الشديد ليس فقط لان اللقاء مع العاهل السعودي كان فاشلا تماماً كما قال، ولكن لان اللغة التي استخدمها السعوديون كانت سياسية تماما وفي بعض الاحيان إتهامية. ونقلت شخصية دينية اردنية عن القرضاوي قوله بان الزيارة لم تكن سياسية ولم يكن الهدف من الجولة برمتها اجراء مناقشات سياسية أو تقييم حركة حماس. وقال القرضاوي انه شعر باستغراب شديد لان مسار النقاش مع العاهل السعودي انحرف نحو الاتجاه السياسي رغم ان هدف اللقاء والوفد لم يكن سياسيا بل إنسانياً وشرعياً ولا علاقة له من قريب او بعيد بالمواقف السياسية لاي دولة عربية. وحسب القرضاوي ومشاركين من اليمن والسودان والاردن في وفد العلماء كان اللقاء مع ملك السعودية صعبا للغاية وحاداً وبارداً في نفس الوقت ولم ينته بأي نتائج ملموسة، خلافا لإظهار الاستعداد لمساعدة الشعب الفلسطيني في غزة ماليا وطبيا وهو امر اعتبره القرضاوي وغيره من العلماء اخر اهتماماتهم في اجندة الزيارة. وعلم في السياق ان العاهل السعودي لم يكتف خلال اللقاء بتوبيخ قادة حماس وتوجيه اللوم لهم واعتبارهم جزء من المسؤولية عما يحصل، بل انتقد ايضا من لا يقول الحقيقة على حد تعبيره سواء كان حكومة او فردا. ووجه اللوم ضمنيا لاتحاد علماء المسلمين لانه يساهم في تثوير الشارع دون مراعاة لنتائج ذلك وللخلل الذي يحدثه. وفي مضامين كلامه رفض العاهل السعودي امام العلماء المزاودة على موقف بلاده واشار لمحاولات استعراض من قبل البعض في المنطقة، منتقدا محاولات توجيه الشارع العربي نحو الاساءة لمصر ودورها، كما اشار لبعض الحكومات العربية التي تزاود على بلاده ولبعض التاثيرات الاعلامية التي تلجأ للتثوير والاستعراض بدون فائدة، وفهم الحضور من العلماء بان القيادة السعودية هنا تغمز من قناة سورية وقطر. واربكت هذه الاجواء الحادة على لسان العاهل السعودي نخبة العلماء الذين يقومون بالجولة وابلغت في عمان شخصيات اردنية بان الوقوف في المحطة السعودية بالنسبة للعلماء كان فاشلا وسيئا للغاية من حيث النتيجة، فقد رفض العاهل السعودي تماما تقديم اي مساندة من اي نوع لحركة حماس في قطاع غزة ملمحا لان بلاده لن تدعم خيارات يستفيد منها قادة حماس الذين انتقدهم العاهل السعودي صراحة وهو يتهمهم بممارسة الخداع والتراجع عن التزامات كانوا قد تعهدوا بها في اتفاقيات سابقة مع بلاده وغيرها. وتنبه العلماء مبكرا لسعي الملك عبد الله بن عبد العزيز لانتقاد حركة حماس وقادتها فلجأوا للتعبير عن ضرورة بلورة موقف تضامني مع الشعب الفلسطيني مطالبين السعودية باستخدام ثقلها لوقف العدوان، لكن الملك السعودي هنا ايضا عاد وتحدث عن عدم وجود استعداد في بلاده لتقديم المساعدة لمن لا يقدرون الالتزامات في حركة حماس، مشيرا لان السعودية مستعدة لتقديم كل ما يلزم للشعب الفلسطيني مشترطا بان لا تستفيد حماس من ذلك. وبهذا المعنى خرج اعضاء وفد اتحاد العلماء بانطباعات سلبية جدا ومحبطة عن وقفتهم في السعودية فيما ابلغوا مسبقا بان زيارتهم لها علاقة بجهد العلماء لتثقيف المسلمين بمخاطر الفرقة وضرورة حماية الشعب الفلسطيني وهي زيارة لا علاقة لها باي نقاشات ذات مضمون سياسي. وبنفس الوقت تحدث الضيوف العرب من العلماء لاوساط اردنية عن عدم الخروج باي جديد بعد زيارة سورية حيث استمعوا من مسؤولين سوريين والقيادة السورية لنفس الخطاب المالوف في الاعلام السوري، كما ان اعضاء الوفد فوجئوا في الوقت نفسه بترتيب لقاءات لهم مع مسؤولي التنظيمات الفلسطينية في الساحة السورية وهي لقاءات لم يطلبها اصلا وفد العلماء الذي حرص على التواصل فقط مع قادة حماس وبدون اجندة سياسية لان مهمتهم بالاصل تنويرية وتعبوية وتثقيفية كما قال القرضاوي وهو يشيد باللقاء الذي حصل الثلاثاء في عمان مع العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني الذي استمع لساعتين لما يقوله العلماء دون مناقشات سياسية معهم واعرب عن استعداده لدعم اي جهود لهم.

بالرغم من أن الشيخ القرضاوي نفى أن يكون الملك عبدالله قد أهانه ووفد علماء المسلمين حين التقاهم، إلا أن مقرّبين من الشيخ نقلوا عنه امتعاضه من اللقاء، وأنه لولا مراعاة للحكومة القطرية لكان له كلام آخر. وقالوا أن الملك عبد الله بقي غاضباً طيلة السبع دقائق، بل كاد ينال منهم لأنهم تجرأوا على مطالبته ومطالبة بلاده بدعم فلسطين وأهل غزة، وأن الدعم إذا كان سيذهب الى حماس فلن يمد يدّه لغزة.

الصفحة السابقة