من الوهن الى الإستقرار

إستراتيجية بقاء العائلة المالكة في السعودية

د. مي يماني

ترجمة: زكي فلاته

تعرض هذه الورقة نظرة مسهبة داخلية في التاريخ وتفاصيل السياسة الملكية لآل سعود، وتفحص العوامل التي تشكّل وتعرّف طبيعة الإنتماءات القبلية في الدولة السعودية الحديثة للمطاوعة والمفتين الوهابيين. وتناقش أيضاً صراعات السلطة الداخلية بين السديريين السبعة المعروفين ومنافسيهم على العرش وتداعيات النظام وتدشيناته على السكّان بصورة إجمالية. النفط، سياسة السلطة، التحالفات مع الولايات المتحدة والوسيلة والتجهيزات الخاصة للسيطرة النابعة من نجد تمثل عوامل في نظام قام بتهميش قطاعات هامة في المجتمع بدءً بسكّان الحجاز الى الشيعة في المنطقة الشرقية الذين قد/وقد لا يفيدون من تأثيرات الطفرة السكانية والبطالة المرتفعة التي تتصادف مع الزيادة غير المسبوقة في عدد المتنافسين على حكم قائم على (رعاية الحرمين الشريفين).

وكيما يكون النظام السعودي مستقراً وأن يبقى على قيد الحياة محلياً ويعمل إقليمياً، هناك أربعة شروط ضرورية لا بد أن تتحقق: أولاً: يجب أن تحافظ العائلة المالكة على وحدة داخلية تامة، والتأسيس لوضوح وشفافية في نظام التوارث الخاص به. ثانياً: لابد من تقديم أيديولوجية متماسكة ومقنعة. ثالثاً، لابد أن يكون حيوياً من الناحية الاقتصادية، نفط في المدى القصير، وتنوّع اقتصادي في المستقبل. رابعاً، لا بد من السيطرة على المجتمع بصورة فاعلة عبر مؤسسات الدولة.

المتنافسون على العرش

بقي الحكّام السعوديون موحّدين منذ تأسيس مملكتهم التي أسبغوا عليها إسمهم ـ السعودية في عام 1932. الانقسامات الداخلية في أكبر عائلة حاكمة في العالم تعتبر ميزة دائمة في السياسة السعودية. مهما يكن، فإن التمايزات الحالية تهدّد الاستقرار المستقبلي للمملكة. والسبب في ذلك يعود الى أن زيادة حجم ما يقرب من 22 ألف عضو تجعل من مسألة التوارث ذات طبيعة إشكالية أكثر من المعتاد بفعل المجابهات الفرقية المتزايدة والعدد المتعاظم من المتنازعين المحتملين على العرش. علاوة على ذلك، فإن الخط الثمانيني للوارثين للملك الحالي المسن عبد الله يشبه السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي، حيث كان يرث قائد عليل آخر في السلطة، وهي تركيبة وضعت لحكم قصير. ويشعر كثير من السعوديين بنمط مماثل من استمرار عدم الثبات والقيادة المتزعزعة.

إن تاريخ هذه العائلة المالكة المهيب مشدود بمنافسة قاتلة في داخلها على العرش. فقد كان على مؤسس المملكة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي حكم من 1932 الى 1953 أن يزيل حق أبيه في الحكم، ومن ثم استبعاد واحتواء طموحات أخوته الخمسة، وعلى وجه الخصوص أخيه محمد الذي حارب معه خلال معارك الفتح التي وهبت الحياة للدولة. فقد شكّل أبناء عم عبد العزيز تهديداً إضافياً لإستراتيجيته في التوارث التي ركّزت على دور أبنائه كملوك مستقبليين) (;Attar n. d., p. 34; Al-Rasni n. d., p. 30; Sadiq 1956, p. 30).

لدى الملك عبد العزيز 43 ولداً، مقام كل أمير منهم يتحدّد من خلال قبيلة الأم وتحالفه مع أمراء آخرين. كانت زيجات عبد العزيز تستهدف حصرياً وغالباً تعزيز السلطة وسط القبائل المختلفة في الجزيرة العربية. وكلما كانت قبيلة الأم أشد قوة، كلما حظي الإبن بنفوذ ومقام أكبر. السلطة جماعية على أساس تحالف الأشقاء، وأكبره من حيث الأهمية كان الذي تشكّل من الأخوة السبعة المولودين من زوجة الملك عبد العزيز حصة بنت أحمد السديري، والذي أصبح إبنها الأكبر فهد ملكاً (حكم في الفترة ما بين 1982 ـ 2005). في مقابل ذلك، فإن السلطة قد تتم بصورة جماعية ولكن في دائرة أصغر، ولكنها أجنحة ذات حيثية معينة مثل جناح الملك خالد (الذي حكم في الفترة ما بين 1975 ـ 1982)، الى جانب شقيقه محمد (أبو الشرين)، وكلاهما من إم واحدة يقال لها جوهرة بنت مساعد الجلوي. أو، وأخيراً، قد تكون السلطة جماعية كما في حالة حكم سعود (في الفترة ما بين 1953 ـ 1962)، التي تضم فيصل بن تركي (إبن شقيقه) وقد تولى وزارة الداخلية في عهد الملك سعود. وكانت أمهم وضحاء بنت محمد بن عقاب، وتنتمي إلى قبيلة قحطان.

وهناك من يفتقر لأخ شقيق مثل فيصل (الذي حكم في الفترة ما بين 1962 ـ 1975)، وأمه كانت طرفه بنت عبد الله آل الشيخ. وكان فيصل مدعوماً من قبل المؤسسة الدينية التي يرأسها آل الشيخ وأحفاد محمد بن عبد الوهاب. إلى جانب ذلك، فقد سعى فيصل الى سلطة عبر دعم سديري لافت تعزّز بزواجه من إمرأة سديرية.

عبد الله، الملك منذ أغسطس 2005، هو الآخر يفتقر لأخ شقيق. وأمه الفهدة بنت العاصي بن شريم، وتنتمي الى قبيلة شمر. ونجح عبد الله في تجميع عدد كبير من الأمراء المهمّشين والمقصيين وغير الراضين عن طريقة التوارث التي تحصر تداول السلطة بين الأخوة السديريين واحداً تلو الآخر. وكان لسيطرته على الحرس الوطني عامل أساسي أيضاً.

قام الملك عبد العزيز باحتلال وتوحيد جزء كبير من الجزيرة العربية وتحييد والسيطرة على أبناء عمومته وأخوته، بما يمكّنه من عملية توارث للسلطة واضحة وغير متنازع عليها. على كل حال، لم يقدر على حفظ التماسك بين أبناءئه (Aba al-Nasr 1935) . وكانت كلماته الأخيرة لأبنائه، ملك المستقبل سعود والثاني في خط التوارث فيصل، الذين تنازعا مع بعضهما لاحقاً: أنتم أخوة، توحّدوا). ولكن، فإن أمنية والدهم ذهبت هباءًا (Foreign Office document 1968).

أزاح فيصل أخاه غير الشقيق بعد صراع شرس، شمل معارضة الأمراء الأحرار والتهديد باستعمال الحرس الملكي.

المعركة السياسية بين الأخوة في العائلة المالكة دام حتى سنة 1964، حيث أصدر العلماء الرسميون برئاسة آل الشيخ فتوى بدعم فيصل، نتجت عن منفى رسمي لسعود وموته في اليونان سنة 1969.

وبعد عشر سنوات من توليه الملك، تم اغتيال فيصل سنة 1975 على يد إبن أخيه فيصل بن مساعد، في عملية ثأرية. ومنذ ذلك الحين، أصبح الفرع السديري في العائلة المالكة الفريق المهيمن، خصوصاً وأن وارث فيصل، خالد كان عليلاً تاركاً السيطرة السياسية لأخيه غير الشقيق فهد، الأكبر في جناح السديريين. وحكم فهد مدة 23 عاماً، وهي أطول فترة لملك سعودي.

ومنذ موت فهد، تقلّص الجناح السديري إلى ما يعرف بـ (الثالوث) ممثلاً في ولي العهد سلطان، وهو أيضاً وزير الدفاع، والأمير نايف، وزير الدالخية، والأمير سلمان، حاكم الرياض. وصار يعرف هؤلاء الأمراء الثلاثة وأبناؤهم البارزون والطموحون بـ (آل فهد). وقد تم تقويض اعتلاء عبد الله العرش في 2005 بفعل القوة السديرية في سياق الصراع المتواصل على السلطة، حيث حكم التوارث مازال غامضاً والقادم في خط التوارث غير ثابت. علاوة على ذلك، فقد بدّل عبد الله قوانين التوارث، وبذلك جعل الأمور أشد غموضاً وغير قابلة للتنبوء أكثر من أي وقت مضى. لقد أثبتت سلطة عبد الله بأنها قاصرة عن تعيين نائب ثان في خط التوارث، والذي كان تقليداً معمولاً به منذ عبد العزيز الذي وضع أساساً يمكن بموجبه التنبوء بما سيأتي في عملية التوارث.

وفي سبيل قطع الطريق على تداول السديريين للسلطة فيما بينهم، أوجد عبد الله هيئة البيعة، وهي مجلس عائلة شديد الغموض(Al-Rashid 2006). يشبه هذا المجلس مجلس فاتيكان الكردينلات، ولكن القيود هنا لا تقوم بالكامل على العمر ولكن على روابط الدم العائلية، وتشمل الأبناء الباقين من عبد العزيز وأبناء أخوته الأموات. على سبيل المثال، من بين الأعضاء في المجلس أبناء الملك فيصل المعروفين بآل فيصل، وهم: سعود، وزير الشؤون الخارجية، وتركي رئيس مؤسسة الملك فيصل، والرئيس السابق للاستخبارات العامة وكذلك السفير لكل من المملكة المتّحدة والولايات المتحدة، وخالد، أمير مكة المكرمة والأمير السابق لمحافظة عسير. ويعرف عن أبناء فيصل بالمحافظة على تحالف والدهم مع الجناح السديري في الوقت الذي يعملون بصورة وثيقة مع الملك عبد الله، وخصوصاً في قضايا السياسة الخارجية.

إن مسألة نجاح أو فشل مجلس وراثة عبد الله في تعطيل المجموعة السديرية يتوقف على طول مدة بقاء وزير الدفاع وولي العهد سلطان على قيد الحياة، البالغ من العمر 84 عاماً. وفي حال موت الملك عبد الله أولاً، فإن الجناح السديري سيمارس ضغطاً وشراء الخصوم في سبيل تأمين عودتهم الى العرش. ومن المؤكد، فإن وزير الداخلية، الأمير نايف، سديري يبلغ من العمر 80 عاماً، سيبرز في حال تحقق هذا السيناريو، سوياً مع ضمانة مكانة سلمان، أمير الرياض، سديري، في خط التوارث.

وفيما أراد عبد العزيز تأمين الحكم لأبنائه على حساب أخوته، فإن لدى الأمراء الكبار طموحات لأبنائهم أيضاً. ولذلك، فإن سلطان يرجّح خالد، نائب وزير الدفاع. في الوقت نفسه، فإن إبنه الآخر بندر، رئيس مجلس الأمن الوطني والسفير السابق في الولايات المتحدة، يحمل طموحات واضحة. وقد جرى تأهيل إبن نايف، محمد، كيما يصبح الرجل الثاني في وزارة الداخلية. إبن الملك عبد الله، متعب يدير الحرس الوطني، رغم كونه تحت رئاسة الملك. كذلك الأمير طلال، الذي تم استبعاده من عملية التوريث، عبّر بصورة علنية عن حق إبنه الوليد بن طلال كيما يكون ولياً للعهد.

وبالرغم من إبداع عبد الله في عملية التوارث، فليس هناك ما يضمن قدوم حاكم مؤثر. ولكن، فإن قصة صراع آل سعود على الوراثة لا تشيع خلف الأبواب المغلقة. لقد فتح الإنترنت نافذة على كل المؤامرات، الطموحات، الصفقات المزدوجة داخل العائلة المالكة.

فيصل: استيعاب حذر

العروة الوهابية

يقيم الحكّام السعوديون مشروعيتهم على (رعاية) الأماكن المقدّسة، وكما هو الحال بالنسبة للأحزاب الشيوعية في تمثيلها للطبقة العاملة، يزعمون بكونهم الممثلين والمدافعين عن العقيدة. إن حقيقة كون النظام يستمد سلطته الدينية من الوهابية، المذهب السني الضيق والصارم، يحدّ من مشروعيته الشعبية وسط مجتمع تعدّدي لا ينتمي الى العقيدة الوهابية. وعلى أية حال، يعتقد قادة المملكة بأن السيطرة على مكة والمدينة هي مبرر كافٍ للحكم التسلّطي، وليس هناك حاجة لتمثيل شعبي أو ديمقراطية من أي نوع. وإقليمياً، تبقى المشروعية الدينية مورد تساؤل بفعل العقائد الضيقة والدفاعية للنظام، بالرغم من رعاية الأماكن المقدّسة.

في الواقع، يبدو واضحاً بأن الصراع على سيادة العالم الإسلامي هو في طريقه الآن للبروز، وأن الدولتين المنغمستين في هذا الصراع هما إيران والسعودية، الممثلين لمذهبين متنافسين للشيعة والسنة وكلاهما توسّعيان. إن الرغبة النهائية للقادة السعوديين ـ الوهابيين، هي حماية وتطوير أيديولوجيتهم السياسية الدينية، والحصول على قيادة العالم الإسلامي. فقد كان لدى كل منهما نفوذ مالي لفعل ذلك: ففي السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، أنفق الملك فهد أكثر من 75 مليار دولار على تمويل المدارس، والجميعات الخيرية، والمساجد في الخارج (Bronson, 2006, p. 10).

وفي ظل هذا الانفجار الوهابي، فإن التعددية الإسلامية وثقافة التنوّع الديني قد جرى قمعها بصورة متعمّدة. وكان انتزاع مكة من الحكم الهاشمي سنة 1926، جاء بعبد العزيز ليحكم مملكة الحجاز وسلطنة نجد حتى سنة 1932.

وخلال هذه الفترة، كان النظام السعودي واثقاً بأنه قادر على إعادة تشكيل الإسلام على صورته، وإقصاء مدارس الفكر الإسلامي السني غير المتوافقة معه، وكذلك المذاهب الشيعية من المسجد الحرام (Yamani 2006b) ، فقد وضع الحكام السعوديون نهاية للنشاط المعروف بإسم (حلقات العلم) المماثلة للمناظرة الدينية المفتوحة والتي مثّلت تعدّدية الدين. لم يعد مسموحاً بالتنوّع والمناظرة الآن. وبدلاً من ذلك، فإن الوهابية القهرية كانت تمسك بزمام السيطرة الفاعلة. فقد ضربت الوهابية طوقاً محكماً على عملية التحديث السياسي. فهناك خصومة عميقة بين الوهابية والديمقراطية، وهي متجذّرة في أيديولوجيتها. ومن حيث المبدأ، يقف العلماء الوهابيون ضد الإصلاح الديمقراطي، استناداً الى اعتقادهم في عصمة وثبات التفسيرات الوهابية للنصوص الإسلامية والبيعة المطلقة للحاكم.

إلى جانب ذلك، فإن الوهابية مذهب أقلية، سواء في السعودية أو في العالم الإسلامي بأسره، فيما تلمح الديمقراطية الى توزيع السلطة عبر ترتيبات مؤسساتية، وخصوصاً حق الاقتراع والانتخاب، الذي يكفل شكلاً ما من حكم الأغلبية. لا يعني ذلك أن النظام السعودي ـ الوهابي غير قادر على تبني أشكال من الحكم الديمقراطي. ولكن الشكل ذاته غير هام وفارغ المضمون. وكيما يحوز النظام على رضى الولايات المتحدة ودعواتها للديمقراطية بعد حرب العراق سنة 2003، وحتى لا تبدو متخلّفة عن الدول العربية الأخرى في هذا المجال، أجرت انتخابات بلدية سنة 2005، فكانت جزئية وخاضعة تحت السيطرة، وبالتالي بلا نتيجة، بما يعكس نزعة الحكم التسلّطي لتضليل الإصلاحات الإنتخابية في سبيل تشديد قبضتها على السلطة (Al-Hassan 2006, pp. 98-99).

وكان نجاح الإسلاميين قد تمّ بصورة متعمّدة من قبل النظام السعودي، الذي تغيا تحذير الولايات المتحدة بأن الإصلاحات الإنتخابية غير مرغوبة في المدى الطويل. وفي غياب إنتخابات حرة وعادلة وتنافسية حقيقية، فإن حصة الوهابيين في السلطة كحكّام مشاركين في النظام الملكي السعودي تبقى عالية بالقياس الى ضآلة حصتهم في مجال التنوع السكاني في السعودية. يضاف إلى ذلك، فإن التحالف بين آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية يخترق النظام.

تسيطر المؤسسة الوهابية على النظام القضائي، ومجلس هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد، ووزارة الشؤون الإسلامية، ومراكز القيادة العليا لمجلس الإشراف الدولي على المساجد، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتشمل الأخيرة المطاوعة، التي يرأسها وزير في الحكومة. كما يسيطر الوهابيون على التعليم الديني بكل مستوياته، والذي يشكّل نصف مناهج التعليم في المدارس، والجامعات الإسلامية في مكة، والمدينة، والرياض، ووزارة الحج، ووزارة الأوقاف الإسلامية. إلى جانب ذلك، لديهم نفوذ على وزارة المالية عبر السيطرة على مؤسسة الزكاة، ويسيطرون على مجلات، ومحطات إذاعية، ومواقع على الإنترنت، ويزاولون سلطة من نوع ما على المؤسسة العسكرية عبر التوجيه الديني. يضاف إلى ذلك، يمثّل الوهابيون أكثر من 50 بالمئة من أعضاء مجلس الشورى، الذي يرأسه رجل دين وهابي.

فهذه المؤسسة الدينية القوية تعمل على تعطيل الإصلاح. وفيما أعلن الملك عبد الله عن إصلاحات قضائية في أكتوبر 2007، فإن ثمة مؤشراً ضئيلاً على أن أجندته ستقيم حكم القانون غير الشخصي. على النقيض، فإن إجهاضات منظّمة فادحة للعدالة تتواصل بوتيرة متسارعة، ما يرغم عبد الله على تدخل لطيف بإصدار العفو عن الضحايا عبر مراسم ملكية (Yamani 2007).

في حقيقة الأمر، يخضع النظام القضائي، الذي كان يدار منذ عام 1983 من قبل الشيخ صالح اللحيدان، تحت السيطرة الكاملة من قبل المؤسسة الدينية الوهابية. فجميع القضاة البالغ عددهم 700 قاضياً هم وهابيون، وأن وزير العدل هو دائماً عضو رئيسي في التراتبية الوهابية. وتخضع المحاكم كل القرارات القضائية لتفسير ضيق وانتقائي للقرآن والسنة، يقوم فقط على تفسير العلماء الوهابيين والفكر الإسلامي الحنبلي. وحتى إصلاحات عبد الله غير البارعة واجهت مقاومة عنيدة ومؤثّرة من اللحيدان وأعضاء كبار آخرين في المؤسسة الدينية. ومنذ البداية، كان التحالف الوهابي القوة المشرعنة لآل سعود، ولكنه يبدو اليوم عبئاً.

وتاريخياً، عزّزت مداخيل النفط قوة سيطرة الحكام السعوديين على العلماء الوهابيين، وخصوصاً في دفع ثمن الفتاوى التي تدعم مصالحهم السياسية. على سبيل المثال، عقب الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990، أصدر أعلى سلطة دينية في وقته، الشيخ عبد العزيز بن باز فتوى تشرعن الحماية الأميركية للسعودية. إضافة الى ذلك، وصم بن باز صدام حسين بـ (الكافر). وبعد عام، أبدى تأييده لاتفاقيات أوسلو للسلام بين اسرائيل وومنظمة التحرير الفلسطينية. في الواقع، أصبحت الوهابية السعودية منذاك مدمنة أكثر من أي وقت مضى على النفط، حيث أن ارتفاع الاسعار قد عزّز من قوة السيطرة داخلياً والدفع لناحية تصدير العقيدة إقليمياً وأماكن أخرى من العالم، جزئياً عبر مواقع على الانترنت وقنوات تلفزة فضائية مموّلة بسخاء وتدار مالياً من قبل الملك والأمراء السعوديين الآخرين. فالفتاوى الحصرية قابلة لأن تصدر أربع وعشرين ساعة، وسبعة أيام في الأسبوع (Yamani 2006)

على المستوى المحلي، تستهدف الفتاوى الحماية ضد التهديد الذي تطوّر منذ حرب العراق سنة 2003 والذي يشكّله الوهابيون المتطرفون والعنفيّون، الذين يعرّفون بـ (الفئة الضالة)، وإقليمياً ضد التمدّد الشيعي النابع من إيران عبر العراق وصولاً إلى حزب الله في لبنان.

وتبدو السعودية منغمسة في السياسة الطائفية، وقد أثبتت الطائفية بأنها أداة سياسية مؤثّرة في الماضي. على أية حال، فإنها الآن سيف ذو حدّين، وضمنياً تشكّل تهديداً للوحدة الوطنية والأمن في السعودية. لدى الوهابيين السعوديين رؤية خاصة عن الإسلام حين تقارن بنظام إيران. فقد أدار الوهابيون السعوديون السياسة السنيّة، ومن خلال دعم حماس، والإخوان المسلمين، تبقى السعودية في حالة عزلة ذاتية بفعل التعصب الوهابي.

في مقابل هذه الخلفية، فإن الرواية السعودية للقيادة والسيطرة الإسلامية متشظيّة بدرجة كبيرة، حيث تمنح العولمة بروزاً لمزيد من التعقيد. وقد حصل آل سعود على القيادة والبروز بسبب الثروة النفطية والسيطرة على الأماكن الإسلامية المقدّسة، ولكن الإنتشار الواسع للإعلام الجديد والتدفّق الحر للناس والمعلومات لفتت إنتباهم، حيث أن من شأن الإعلام أن يكشف عن تصدّعات روايتهم على المستويين المحلي والإقليمي على حد سواء. إن التعقيد والطبيعة المتغيّرة لمشهد المنطقة، وللتهديدات والتحديات تجعلها جميعاً أشدّ إلحاحاً بأن يقتنص الحكام السعوديون الفرص لتجديد استراتيجيات البقاء السياسي.

فهد: رائد تنجيد الدولة

خرافة النفط

تعتبر السعودية أكبر منتج للنفط في العالم، بإحتياطي يصل إلى 267 مليار برميل في 2006، بناء على مجلة النفط والغاز. القدرة الإنتاجية الثابتة حالياً هي 11 مليون برميل يومياً، مع انتاج نفطي فعلي وصل مؤخراً عند 9.5 مليون برميل يومياً. على أية حال، فإن القدرة الاحتياطية للمملكة تبقى مورد جدل. وبحسب مراقبة الطاقة الدولية، فإن الانتاج النفطي السعودي قد يصل وشيكاً إلى حدّه الأقصى، إن لم يكن قد حصل ذلك بالفعل (Simmons 2005; Foster 2008).

فيما قدّر آخرون بأن الإنتاج السعودي قد يتجه نحو فترة من الإنخفاض المستمر (Simmons 2005; Walker 2008).

في غضون ذلك، فإن الزيادة في أسعار النفط منذ سنة 2002 قد منح النظام السعودي أمداً جديداً في الحياة، بما يعزّز سيطرة آل سعود على الأجهزة الأمنية والعسكرية وتدعيم قدرتهم على شراء المعارضة المحلية وتطوير مصالحهم على المستوى الدولي. فقد تم استخدام المال النفطي من قبل النظام كسلاح ضد التهديد الأيديولوجي ـ الديني، سواء الإسلام السياسي السني أو الإسلام الشيعي.

لم يسهم النفط في الموارد الإقتصادية لآل سعود فحسب، ولكنه أيضاً عزّز من السياسية الخارجية السعودية وموقعها كقوة إقليمية. وبالرغم من تطوير بدائل للهيدروكربونات، فإن من المحتمل أن يواصل النظام السعودي الإفادة في المديات الإقتصادية والاستراتيجية فيما يتواصل إرتفاع الطلب على الطاقة العالمية. في الواقع، وبحسب تقرير منظمة الطاقة العالمية، فإن الطلب على الطاقة العالمية من المقدّر له أن يرتفع بنسبة تصل إلى ما يربو عن 50 بالمئة بين الآن وسنة 2030.

تضاعفت أسعار البترول أربع مرات منذ 2002 ووصلت الى 100 دولار للبرميل في فبراير 2008، ما مكّن الملك عبد الله من رفع مرتبات موظفي الدولة بنسبة 15 بالمئة، وتقديم 5 آلاف بعثة دراسية في الخارج، وخصوصاً في الولايات المتحدة، وصيانة البنية التحتية القديمة. وتشمل خطط عبد الله الطموحة بناء أكبر معمل للبتروكيماويات في العالم في فترة قياسية كجزء من مبادرته التي تقدّر قيمتها 500 مليار دولار لبناء مدن جديدة، وخلق فرص عمل وتنويع الإقتصاد (Miicawwad 2008).

الطفرة النفطية الحالية وهبت الملك عبد الله فرصة لتنفيذ استراتيجيته. ولذلك، فإن ارتفاع سعر النفط هو، من جهة ما، خبر جيد. تشمل خطط عبد الله تدشين (جبيل 11) الذي يقدّر له أن يجذب مشاريع صناعية تصل قيمتها الى 210 مليار ريال سعودي وتوفير 55 ألف فرصة عمل.

لم تنجح الأموال المصروفة حتى الآن في تحسين الخدمات العامة لغالبية السكّان، الماء، الصرف الصحي، الكهرباء، التعليم، والتجهيزات الصحية مازالت في حالة سيئة للغاية ومتردّية. وفي الماضي، تحوّلت هذه المشاريع المهولة الى (الفيلة البيض) بدلاً من المساهمة في تطوير وتحديث الإقتصاد. فقد أصبحت نزيفاً دائماً في الموارد، التي، ربما، قد تترك أثراً ضئيلاً، طالما بقيت أسعار النفط مرتفعة، ولكنها ستكون مورد ريبة أكبر في حال انهيار الإسعار.

ولسوء الحظ، فإن ارتفاع أسعار النفط يقدّم أيضاً موارد لخصوم الملك. وكما يقال في السعودية (كلما زاد المال زاد الفساد). وهناك أيضاً توتر إجتماعي متصاعد، ينبعث من التوزيع غير العادل بدرجة كبيرة لمداخيل النفط. يذهب تسعون بالمئة من وظائف القطاع الخاص للأجانب. وتخفي التركيبة القمعية للمجتمع سخطاً شعبياً هائلاً ومسائل حول زعزعة الإستقرار (Foster 2008).

أسعار النفط غير مستقرة ولا يمكنها التعويض عن الإصلاح الفعلي. وأن الموجة النفطية تشتري تبعية الناس وتؤخر المطالب السياسية، ولكن ارتفاع أسعار النفط وحدها لا يمكن أن يحل مشاكل البطالة. وفي ضوء الطلب المتزايد على العمالة في المملكة، فإن الإعتماد على العمالة الأجنبية عامل رئيسي في البطالة. وهناك عدم تطابق بين التعليم وحاجات الإقتصاد الوطني (UNDP 2003).

تغييرات هامة في النظام التعليمي عامل حاسم وكذلك التحول من سياسة التمييز القائمة على المذهب، القبيلة، الجنس. يوقد النمو السكاني الضغوطات المحلية والسياسية من أجل الاصلاح.

النظام التقليدي المتوارث يبدو واهناً ليس حيال الارتياب المتأصل النابع من الاعتماد على مداخيل النفط فحسب، ولكن أيضاً حيال الإنفجار السكاني مصحوباً بالحاجة الى تخفيض البطالة. يصل سكان المملكة حالياً الى أكثر من 22 مليون (بمن فيهم الوافدون)، فيما يشكّل من هم تحت سن الخامس عشرة 50 بالمئة من السكان الأصليون، ولابد من استيعابهم اقتصادياً وسياسياً (Ministry of Economy and Statistics 1999).

المجال الملكي هو الآخر في حالة تمدّد بوتيرة متسارعة، بمعدل يصل إلى أمير مقابل ألف من المواطنين (مقارنة بأمير إلى خمسة مليون على سبيل المثال في المملكة المتحّدة). وقد ضاعف ذلك التحدّي على إدارة الإمتيازات الأميرية، مثل المرتبات وطلبات العمل. على سبيل المثال، فإن امتيازات الأمير تشمل وظائف مدى الحياة، والهيمنة على الخدمة المدنية والتي تمكّن الأمراء من الحصول على عقود وتلقي عمولات علاوة على مرتّباتهم. الأمراء، وخصوصاً المهمّين منهم، يخوضون المنافسة أيضاً ضد التجّار المحليين من أجل الحصول على عقود تجارية. ويطالب الجيل الجديد في السعودية بحقوق المواطنة بخلاف الرعايا الخاضعين المستسلمين في الماضي.

التبعية القائمة على مداخيل النفط تخضع للتعديل والتغيّر. فالكويت، التي تحوز على 10 بالمئة من نفط العالم، مثال على الدولة الريعية التي بدأت تجربة ديمقراطية تمنح حرية للصحافة، وزيادة في المشاركة السياسية، والخيار الإنتخابي. وتترك هذه الإصلاحات تأثيرات على البلدان الخليجية الغنيّة بالنفط، والتي تُحكَم أيضاً من قبل أمراء وشيوخ. وعليه، وبينما خدم المال النفطي الملكية السعودية الشمولية على حساب الديمقراطية، فليس بالضرورة أن يكون عائقاً أمام التغيير (Yamani 2006).

الملكيات، عبر العصور، كانت تحوز على استراتيجات بقاء ناجحة. وقد انفتح معظمها لجهة استيعاب الطبقات الوسطى الصاعدة، التي يمكن أن لها أن تصبح مصادر تحدي، كما يمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، في ملكيات المغرب، الأردن، وأخيراً البحرين.

أمريكا: الراعي المزعزع

النظام السعودي منقسم، ومشروعيته تحت وطأة المسائلة، وتوتراته الطائفية في حالة تصاعد، وبالرغم من طفرة أسعار النفط التي مضت، فإن البيئة تبدو ثورية بدرجة كبيرة. والحقيقة أن كلاً من الأعمدة الثلاثة للدولة السعودية والنظام التي تمت مناقشتها آنفاً غير مستقرة بصورة أصيلة، وأصبح كلا منهم مصدر إستياء معضود بالتحالف الأميركي ـ السعودي ما يجعل النظام السعودي يبدو ضعيفاً وتابعاً.

الدعم الخارجي الذي تقدّمه الولايات المتحدة يجعل السعوديين العاديين يتساءلون ما إذا كانت الدولة ـ السعودية ـ مستعمرة أميركية. وبوجوه عدّة، ونتيجة للرابطة الأميركية، فإن النظام يراهن في بقائه وسلطته على الضرورة الدولية، أكثر من من اعتماده على المشروعية المحلية. ومنذ الامتياز النفطي الأول للشركات الأميركية في 1933، تنامت القوة الأميركية لتصبح الضامن الرئيسي لكل من الثروة النفطية واستقرار النظام (Sampson 1975).

إلتزام الولايات المتحدة بتقديم الدعم للبنية التحتية، وخصوصاً الحضور العسكري الأميركي منذ 1945 في الظهران، بالقرب من حقول النفط في الدمام ـ نبّه الحكام السعوديين لأمنهم الإقليمي. وكفلت الولايات المتحدة بقاء المملكة في وجه التهديدات الخارجية. وقدّمت الدعم لمحاربة الأعداء بالنيابة في اليمن منذ 1964 وحتى 1967(Safran 1988, p. 140).

فقد بلغت المبيعات العسكرية للسعودية خلال السبعينيات من القرن الماضي 5 مليارات دولار، وفي 1981، عقب الثورة الإيرانية سنة 1979، باعت الولايات المتحدة السعودية أسلحة متطّورة تكنولوجياً تقدّر بمليارات الدولارات، شملت طائرات إف ـ 16 المقاتلة وطائرات الأواكس (Safran 1988, p. 328).

عبد الله: مبادرات بلا نتائج

لقد عمت النفقات العسكرية العالية الأمن السعودي، ولكنها كانت أيضاً وسيلة لحماية الروابط مع الولايات المتحدة والمحافظة على النفوذ السعودي في واشنطن. وفي نهاية المطاف، على أية حال، فإن الحضور العسكري الأميركي الكثيف في المملكة يؤخّر تنمية جيشها الأصلي. في الحقيقة، إن المشكلة الرئيسية للمملكة هي النقص المزمن في اليد العاملة، حيث يبلغ تعداد القوات المسلحّة السعودية 200 ألف جندي فقط في 2005، بما يشمل الحرس الوطني. يميل النظام السعودي للإعتماد على الضمانات الأمنية الأميركية أكثر من اعتماده على شعبه، وتولي ثقة خاصة بالولايات المتحدة في مجال تطوير الجيش والاستخبارات العسكرية ضد الإنقلابات.

وبحسب عقيدة صنّاع السياسة في الولايات المتحدة بأن توضع الثروة السعودية الهائلة في مجال العمل، يقوم النظام بتدوير مداخيل النفط عبر استثمارات في أميركا من خلال مشتريات السلاح، وقروض للمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. إن رغبة الرياض في استثمار مداخيلها في قضايا مدعومة من الولايات المتحدة أكسبها موقعاً تفضيلياً معتبراً في واشنطن، ولكن جلب لها الإنتقادات من قبل السكان السعوديين. وكذلك، كانت السعودية ترغب في زيادة إنتاجها النفطي لدعم المصالح الأميركية.

وعلى أفق واسع، فإن اعتماد الحكام السعوديين على الدعم الخارجي قد حصّن نمطاً تاريخياً من المشاريع الوطنية الواضحة في مجال السياسة الخارجية ـ التي انعكست مؤخراً في جهود المملكة للتوسط في قضية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، أكثر من إدراج مصالحهم في تنمية الوطن. لقد أنجب ذلك ضغوطات داخلية لصالح تقوية السلطة المتجذّرة محلياً والهادفة إلى تحقيق فكرة الدولة ـ القومية، والتي تتمظهر في مجتمع تعددي حيث الإعتراف المؤسسي بالتعددية وتوجيهها عملياً.

على سبيل المثال، يعتقد كثير من السعوديين أن العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتخحدة لا تخدم المصالح الوطنية للمملكة في المدى البعيد، كونها تحرف الموارد عن الإستثمار الداخلي والمعدّات العسكرية ويتم دفعها لتغطية نفقات الحضور العسكري الأميركي في المملكة لسنوات عديدة ـ حتى عام 2002. ليس لدى مثل هؤلاء المثقفين إعتراض على الحماية الأميركية للنظام السعودي، ولكنهم يتطلّعون لكسر الرابط بين الدفاع عن السيادة الدولية والقمع الداخلي بإسم (محاربة الإرهاب). وقد تم اعتقال عديد من الإصلاحيين في فبراير 2007 بتهمة تمويل الإرهاب، ومازالوا دونما تمثيل قضائي، وهو تكتيك مكّن، جزئياً، صنّاع السياسة في الولايات المتحدة الذين تجاهلوا الانتهاكات ضد العدالة بإسم الأمن (Human Rights Watch 2007).

نجاحات القمع، الممكّن بواسطة الإدراك المعمّى بأن السعودية مجتمعاً متجانساً أكثر من كونه موزائيك من مجتمعات ـ يعرف عنها القليل ـ تطالب بالإعتراف.

إستخدام التنوّع

في الحقيقة، إن التباين الإجتماعي ـ الثقافي في صميم مسألة استقرار النظام السعودي. فقد ساهم اعتماد النظام على مداخيل النفط في إيجاد طبقة وسطى أصبحت، في وجه ما، مصدراً أساسياً للضغط الإصلاحي. على أية حال، وكظاهرة تاريخية واجتماعية، فإن بروز طبقة وسطى سعودية لا يمكن مقارنته بالتطور السياسي التاريخي من حيث الأهمية. على النقيض من ذلك، يبدو صحيحاً الكلام عن (الطبقات الوسطى) التي لا يزال بروزها الملازم مصحوباً بخلافات ذات طابع إثني وثقافي بما يعزز تراتبية سياسية صارمة تبزّ الحالة الإجتماعية ـ الإقتصادية.

وداخل هذه التراتبية، فإن النجديين القادمين من مسقط رأس آل سعود يتمتّعون بوضعية متميّزة، بينما لا يشمل ذلك الحجازيين في مكة والمدينة إلا بصورة جزئية، فيما يتم، عملياً، اقصاء الشيعة في المنطقة الشرقية وأيضاً القبائل الجنوبية في عسير، وخصوصاً الاسماعيلية. وبالنظر إلى تباين مصالح هذه الجماعات، فإن أفراد الطبقة الوسطى لديها لا يمثّلون جبهة موحّدة ضد النظام. على المقلب الآخر، تجعل النزعات الإنفصالية القائمة على هذه الانقسامات الهوية الوطنية السعودية واهنة.

وفيما ينظر الى الدولة السعودية من قبل البعض على أنها مستعمرة من منظور العلاقات الدولية، فإن النظام على المستوى المحلي يشبه سلطة استعمارية، تحكم المملكة من منطقة نجد المركز. فقد اكتسبت سياسة تنجيد الدولة قوة خلال الثمانينات، وقد قيل بأن التمثيل النجدي ابتداءً من مجلس الوزراء ووصولاً الى المؤسسات العامة والمجالس المحلية، إلى 80 بالمئة. ولذلك تشعر قطاعات أخرى من السكان بالإغتراب، وغير ممثّلة بدرجة كافية، بما يعزز ضعف المشروعية الداخلية للنظام.

ونتيجة لذلك، فإن بروز طبقة وسطى مدعومة إقتصادياً، مترافقاً مع تواصل القمع، التمييز، وعداوة الأقليات ومجموعات أخرى مهمّشة سياسياً، قد يؤدي إلى التفكّك.

في الوقت الحالي، الشيعة هم المجموعة التي تمثل التحدي الأكبر لآل سعود، حيث يشكّل الشيعة 75 بالمئة من سكان المنطقة الشرقية، منطقة إنتاج النفط الرئيسي في المملكة، خصوصاً وأن التحاقهم السياسي بالعراق وبمجموعات شيعية أخرى في المنطقة قد ازداد قوة.

وفيما لا يزال ممكناً العمل على الهوية الوطنية السعودية من خلال الاعتراف بالتنوّع الديني والقبلي في البلاد، فإن ذلك يتطلب في نهاية المطاف من آل سعود الموافقة على شكل ما من التمكين السياسي للشيعة وكذلك الجماعات السياسية المهمّشة. بعد ذلك كله، فإن رد فعل الشيعة الموهّنين كان البحث عن روابط سياسية ودعم من قبل الحركات الشيعية السياسية. ولذلك، فإن خيار الحكّام السعوديين فيصلي فإما تمكين الشيعة، داخل النظام، أو رؤيتهم وهم يزدادون قوة بفعل تحالفاتهم الخارجية. ليس ذلك مجرد تهديد نظري، بالنظر إلى أن حدود اليوم مائعة ما يسهل اختراقها.

ولحد الآن، لم يبد الملك عبد الله أية إشارة على إيجاد سياسة استيعاب تستهدف الشيعة. وحتى الإشارة الرمزية، التي قد تتمثل في تعيين وزير شيعي ـ مثلاً ـ لم يتم تقديمها. عبد الله غير قادر على وقف محطات التلفزة الفضائية الوهابية من القدح في ما تعتبره (هرطقات) الشيعة، أو المئات من المواقع الوهابية على شبكة الإنترنت من الدعوة الى استئصال نهائي للشيعة. فثمة (توجيه ديني) قد بلغ مداه يقترح قتل المسلمين الشيعة، يمنح ثواباً أكبر في الجنة من ثواب قتل المسيحيين أو اليهود.

وبدلاً من تغيير سياسي فاعل، فإن استراتيجية عبد الله هي إزالة الضغط السياسي: تقديم تنازلات كافية لإرضاء الفئات المخفّضة والمحبطة وتنفيس الضغط من أجل الإصلاح. حتى الآن، يبدو أن الملك عبد الله يبني تحالفاً سياسياً مركزياً معدّاً للتوفيق بين المطالب من أجل الإعتراف بالتنوّع والقمع السعودي بإسم الإنسجام والوحدة الوطنية. يستطيع الملك عبد الله ومعسكره تطبيق، بصورة صارمة، سياسة اللبرلة السياسية وتخفيف الضغط ـ بمنح الشعب السعودي مزيدِ من حرية التعبير والتأثير على الحكومة.

على أية حال، وبدلاً من ذلك فإن وقت الملك ومحازبيه يتم استهلاكه في المعارك والخلافات الداخلية داخل عائلة آل سعود وشركائهم في الحكم الوهابيين. في هذا الصراع، لابد أن تكون الوهابية ضعيفة مقابل الضغط الشعبي من أجل الإصلاح. وتقدّم التجارب الديمقراطية في قطر، الدولة الوهابية الأخرى في الجزيرة العربية، رواية مقابلة، يخشاها بوضوح علماء الوهابية في السعودية، ولذلك يقولون بأنه في حال قبل الوهابيون بالتدابير الديمقراطية، فإن الوهابية سترغم على تغيير مواقفها ومبادئها الإرشادية.

وذات الشيء، في الكويت والبحرين، فإن السلفيين قد أصبحوا أكثر اعتدالاً نتيجة مشاركتهم في برلمانات هذه الدول، حيث إن عليهم العمل جنباً إلى جنب الشيعة ووزراء إناث. وجدير بالذكر أن السلفيين في البحرين والكويت إلتحقوا بالبرلمان بعد أن ضمنوا رخصة/ إجازة من أعلى سلطة وهابية، أي الشيخ عبد العزيز بن باز وخلفه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. فالرخصة مؤشر على أنه بينما يعارض الوهابيون السعوديون الديمقراطية في بلادهم، يمكن أن يكونوا براغماتيين حيال الإصلاح السياسي بالنسبة لمن هم في الخارج، ولكن ليس في الأرض السعودية، حيث تؤدي إلى إضعاف السلطة الوهابية.

وحقيقة الأمر، ليس الدين الذين يعيق الإصلاح الديمقراطي ولكنه التلاعب من ناحية الحكم التسلطي. في المنطقة، وفي السعودية خصوصاً وحصرياً، يمثّل المطاوعة، وموظفو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (يد الله) وهم فوق القانون. ولكن الغضب الشعبي على الممارسات الوحشية مؤشر على الضغوط من أجل الإصلاح. ومنذ مايو 2007، نفّذ المطاوعة هجوماً عدوانياً، واقتحام المنازل واحتجاز أفرد لعدّة أيام، وتعذيب بعضهم وضرب آخرين حتى الموت. وكان للمطاوعة تأثير سلبي على التجارة والسياحة، فهم يجوبون شوارع المملكة في سيارات حكومية للبحث عن الأجانب الآثمين. وآل سعود غير قادرين على أو لا يشاؤون إيقاف العنف المدعوم من الدولة، والذي ينظر إليه كثير من السعوديين على أنه شكل من أشكال الإرهاب الرسمي.

وفي رد فعل على المطالب الجديدة من قبل أساتذة سعوديين لتقديم المطاوعة للعدالة، أعلن الأمير نايف، في مقابل ذلك، عن تأييده لهم، وربط مهمّتهم بمحاربة الإرهاب.

ويتم تقديم الإسلام نفسه، وبصورة صريحة، من قبل الوهابيين السعوديين على أنه عقبة أمام الإصلاح. وأن الاستراتيجية تقوم على خلق انطباع وسط السكان السعوديين بأن البلدان الأخرى التي شرعت في الإصلاح الديمقراطي تختلف جذرياً، لأنها لا تتحمل مسؤولية رعاية مكة والمدينة. وعليه، من هذا المنظور، فإن الإصلاح السعودي يجب أن يفحص ويدار بعناية كيما يتوافق مع الوضع الفريد لدولة معمّدة بهذه المسؤولية المهيبة.

إبن سعود: من الأبناء الى السديريين

وعليه، فإن الدفاع عن الإسلام يحول دون تحديث النظام التعليمي وتأسيس مسليّات إجتماعية مثل السينما ونوادي للشباب. ولكن، فإن المطالب من أجل إصلاح النظام التعليمي يعبّر عنها السعوديون، بمن فيهم العائلة المالكة. ففي مقابلة تلفزيونية مع الأمير محمد بن عبد الله الفيصل على قناة (العربية) انتقد بشدّة المنهج السعودي الذي (يخرّج الإرهابيين)، وأنه ليس ملائماً بأي شكل من الأشكال. وبالمثل، تم توجيه النقد للبعد الطائفي في النظام التعليمي خلال جلسة من جلسات (الحوار الوطني) الذي رعاه الملك عبد الله سنة 2004 وفي الصحف المحلية.

يتأكد ذلك من خلال استمرار مقاومة السعوديين غير الوهابيين مثل الحجازيين والشيعة لدغمائية الدولة. على أية حال، لم يشكّل هؤلاء حتى الآن حركات معارضة مفتوحة أو هامة. وذلك عائد الى سياسة الخوف الراسخة. فقد عانى الشيعة من التقهقر منذ أن تم قمع انتفاضتهم من قبل الجيش وقوات الأمن السعودية سنة 1979. ولحد الآن فإن قياداتهم تميل الى الحوار مع النظام (Ibrahim 2007) .

من اللافت، أن حركات المعارضة المنظّمة ليست محصورة في الجماعات المستبعدة. وفي واقع الأمر، برزت الآن حركات معارضة بين النجديين أنفسهم، ومنذ حرب الخليج 1990 ـ1991، بدأ جيل جديد من الوهابيين الراديكاليين مثل جماعة الصحوة في مسائلة مشروعية المؤسسة القديمة وفق معاييرها واشتراطاتها (Teitelbaum 2000).

وبعض هؤلاء قد تم احتواؤهم من قبل النظام، بعد الإفراج عنهم من السجن فيما غادرت مجموعات أخرى البلاد وأسّست لها قاعدة للنشاطات في لندن.

وبات مشتركاً بالنسبة لكل الجماعات المتباينة الموجة المتصاعدة من الإعتراضات على شبكة الانترنت كمؤشر ثابت على تنامي السخط العام قبالة العلماء الوهابيين الرسميين، وتبذير المال السعودي، والنظام القضائي الفاسد. وفي حال واصل النظام قمع حقوق، وعقائد، وثقافات غير النجديين، قد يشكّل البعض جماعات معارضة خاصة به.

في الوقت نفسه، فإن تشكّل هويات ثقافية قوية بين الجماعات القبلية، والاثنية، والمذهبية والمناطقية في رد فعل على التحالف الأميركي ـ السعودي فلن يكون ذلك وحده مصدر الضغوطات الرئيسية التي تواجه النظام، فهناك أيضاً خطر تداعي سياسة النظام في تصدير الاسلاميين المقاتلين الى افغانستان والعراق.

منذ سنة 2004، أصبح كثير من الجماعات القتالية فاعلة داخل المملكة، مفيدة من الفاصلة بين اللهجة الدينية والواقع السياسي، والتي تشمل تبذير المال النفطي على أطماع شخصية. وبالرغم من أن السلطات السعودية كانت ناجحة في قمع (هجمات الإرهابيين)، فإن بعضها كان مثيراً للإنتباه. في أبريل 2007، أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال 172 إرهابياً، كانوا يستهدفون مهاجمة مبان حكومية رسمية ومنشآت نفطية، بما قد يعتبر أكبر تهديد للنظام السعودي منذ عقود (الحياة 2007).

في واقع الأمر، فإن الخطة قد تكون محاولة إنقلابية، حيث أن 61 شخصاً من المعتقلين كانوا، كما يُعتقد على نطاق واسع، على صلة بشخصيات عسكرية، بمن فيها كولونيلات وجنرالات (وهي حقيقة ليست مذكورة بصورة مباشرة في البيانات الرسمية). وكان من بين المعتقلين طيارون سعوديون جرى تدريبهم في الخارج، وكان هدفهم السيطرة على قواعد عسكرية، وخصوصاً القاعدة الجوية في الظهران (الحياة 2007).

سياسة الخوف

الاستعمار الداخلي للدولة السعودية، كنوذج مؤسسي يخدم مصالح جزء صغير فقط من المجتمع، يلمح إلى الحاجة الى تأمين الإحترام العام أكثر من الموافقة. في سبيل الدفاع عن هذا النموذج في مواجهة الضغط المتنامي من أجل إندماج وطني متزايد، سعى النظام لتنفيذ ثلاث تكتيكات تستهدف قمع المعارضة وفعالية المجتمع المدني، وهذه السياسات هي: الضم، الاحتواء، الخوف والقمع.

سياسة الضم

نجد تستعمر النظام الإداري للدولة والمؤسسة العسكرية. الجيش، القوة الجوية والحرس الوطني هي نجدية حصرياً. ويعتقد المراقبون السعوديون بأن من بين خمسة طيارين في القوة الجوية، هناك ثلاثة أمراء من آل سعود. وقبل الثمانينات من القرن الماضي، كان يترأس القوة الجوية الحجازيون. ولكن بعد سلسلة محاولات إنقلابية مجهضة في الستينيات وفي فترة السبعينيات شاركت فيها أعداد صغيرة من الشخصيات الحجازية الإدارية والعسكرية، تم اعتقال المتورّطين في تلك المحاولات فيما تم استبدال آخرين بعد إحالتهم على (التقاعد المبكر)(Lackner 1978; Yamani 2004)

علاوة على ذلك، فإن فرض المعايير الثقافية والعادات النجدية التي تشمل الفصل التام بين الجنسين قد جرى تطبيقها بالقوة. وتشمل هذه القوانين قضايا الزي والمجال العام. ومنذ سنة 1940 وحتى الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي كانت الصفقة بأن تشارك الجماعات الأخرى مثل الحجازيين في المشروع الوطني ولكن هذه المشاركة السياسية والاقتصادية عنت جحود تمايزهم الثقافي. وعلى سبيل المثال، لابد أن يرتدي كل الرجال الزي السعودي النجدي وليس زيهم الخاص في حال أرادوا الحصول على وظيفة. وعليه، فإن الحكام السعوديين عمّموا بصورة فاعلة زيهم المناطقي. والنساء اللاتي لم يرتدن قط النقاب الأسود الصارم لابد أن يتبنين الزي السعودي في حال مغادرتهن المنزل.

وجرى تقديم العون لهذه التشريعات بواسطة التأييدات الرسمية وإلزمات المطاوعة وكذلك النظام القضائي ونظام التعليم الديني. مهما يكن، فإن أهمية الهوية القبلية والمذهبية تضع حدوداً على هذا التكتيك. في واقع الأمر، وبالرغم من الضغط الرسمي الشديد على التوافق العام، فإن التمايز الثقافي والمناطقي حافظ على توكيده في الممارسات التي تتم في المجال الخاص (Yamani 2004).

الإحتواء

الاعتراف الرسمي بالتعددية الثقافية حصل في دوائر معينة. وقام الحكّام النجديون في أوقات باستيعاب الحجازيين في الحكومة، رغم أن ذلك كان يتم بثمن، أي التوافق الخارجي، على سبيل المثال، في قضايا اللباس. على أية حال، لم يكن هناك ثبات في هذه العملية: فقد يتم استيعاب الناس ثم يتم إقصائهم في ظروف متغيّرة. وخلال عهد الملك فيصل، على سبيل المثال، تركّز الإستيعاب حول تمهيد السبيل الرسمي أمام الناس الذين هم مفيدون للنظام.

فقد تعرّف الملك فيصل على خبرة وكفاءة المتعلّمين في الحجاز وجلبهم الى الجهاز الاداري للدولة. وقد توقفت هذه المقاربة في أواخر السبعينيات، بفعل تغيّير الملك فهد في السياسة التي تركّزت على السعودة، والسلطة المطلقة للحكّام السعوديين، وخصوصاً الملك وأشقائه ـ السديريين. وقد تزايدت أيضاً قوة حلفاء آل سعود، المؤسسة الوهابية. وكانت سياسة فهد تقوم على حقيقة أن ينمو الفضاء الرسمي من الخريجين النجديين الجدد جنباً إلى جنب الأمراء القدامى الين بقوا في مناصبهم الوزارية مدة 40 عاماً.

الملك عبد الله حسّاس إزاء الحاجة للاستيعاب في سبيل ضمان هدوء المحترفين، حيث يكون الكتّاب وأساتذة الجامعات وذوو الطموح السياسي على نظام الدفع ـ سياسة يطلق عليها بعض السعوديين شكل من أشكال الرشوة. علاوة على ذلك، فإن الأثرياء قد يتزايدوا من حيث العدد، ولكن سيسمح لهم بعلاقات استزبان مع العائلة المالكة.

وتواصل السعودية حيازة أكبر مؤسسة إعلامية مسيطر عليها في المنطقة، ملحقة بملكية مباشرة أو غير مباشرة وتدابير إدارية صارمة. لجنة الرقابة مع ممثلين من مختلف الوزارات الحكومية يراقبون كل المطبوعات المحلية والأجنبية (Amin 2001,p.27).

والسكان المنصاعون لأوامر الدولة يرسمون خطاً للديناميكية المتوقّعة لعلاقة آل سعود برعاياهم الذين أسبغوا عليهم إسمهم. مهما يكن، وكيما يحافظ آل سعود على موقع مهيمن في روايتهم التاريخية، لا بد أن يدمجوا ويستوعبوا الروايات المنافسة. وهذا يتطلب درجة معينة من المرونة، أي قانون أعط وخذ، والرغبة في الانخراط في حوار مع الضعفاء والأصوات الأقل قوة. رواية جديدة كهذه تتطلب مفهوماً منقّحاً للإسلام والسعودية، أي معنى تعددي للإسلام، ومعنى تعددي للهوية السعودية.

وهناك اتجاهان محتملان أمام النظام: الأول، قمع وهابي للإصلاح، والآخر إنفتاح على إسلام متنوّع، وسعودية استيعابية. ويستدعي الإتجاه الثاني تجنيب/ تحجيم نفوذ الوهابيين. إن هيمنة الرواية السائدة تبدي تصلّباً وهزالاً، لكونها متجمّدة من حيث الزمن وغير قادرة على التعديل والإبداع في رد فعل على الحاضر المتغيّر. وعليه فإن علاقة آل سعود برعاياهم قد لا تكون محتملة كما يبدو، وأن أية انكشاف مفاجىء أو مقصود للفاصلة بين الظهور والواقع ـ وهو محتمل بدرجة كبيرة، إلى الحد الذي تقوّض ثقافة الإعلام العولمي السياسات الهادفة إلى تعزيز العزلة ـ وقد تتسبب في تصدّعات عميقة في بنية النظام. ويعتمد الموقع المهيمن لآل سعود على المحافظة على وحدة الهدف بدرجة معينة. ولكن تشوّه وعدوانية مهمة ترويض الإعلام يهدد بتعرية خواء النظام.

الإقصاء والقمع

سياسة فرق تسد السديرية تكفل بأن الناس غير قادرين على تطوير معارضة وطنية. وقد شكّل المهنيون المتعلمون السعوديون من كل ركن في هذا البلد تحالفاً للضغط من أجل الإصلاح في يناير 2003. وشملت مطالبهم حقوقاً سياسية ومدنية، ومساواة بين الجنسين، ومحاسبة الحكومة، وإجراءات ضد الفساد، وتوزيع عادل لموارد الدولة، وإيجاد محكمة دستورية عليا، ونظام قضائي مستقل، وفوق ذلك، تنظيم سلطة المؤسسة الدينية الوهابية لإرغامها على التوافق مع حكم القانون. ولكن هذا التحالف تم حلّه من قبل الأمير نايف، وزير الداخلية، الذي أمر باعتقال وحبس قادته.

إن التهديد المفروض من قبل التحالف قابل للاستيعاب، بالنظر الى اعتماد النظام على خصومة مرتبّة بين الجماعات الإثنية والمناطقية. في حقيقة الأمر، أثبت آل سعود بأنهم ماهرون في إدارة درجة العداوة بين الوهابيين، الشيعة والحجازيين وكذلك بين المحافظين والليبراليين، الى الحد الضروري لبقائهم وعدم السماح لهم بأن تتطوّر الى حد اندلاع حرب أهلية. ويراقب النظام بحذر الصراع بين الجماعات ويحافظ على التوتر الحيوي، فيسكب ماءً أو زيتاً على الحريق حين تتطلب الأوضاع ذلك. وتطبّق قوى الأمن والمخابرات سياسة الخوف. وعليه، فإن الشيعة الذين يزورون مكة يتحاشون لقاء الحجازيين النافذين خوفاً من أن يتم اكتشافهم ومعاقبتهم من قبل السلطات.

إمكانية الإصلاح

كل شيء لابد أن يتغيّر في السعودية، وعليه لا شيء سيتغير. فقد عنى (Giuseppe di Lampedusa) مؤلف الرواية الشهيرة (النمر) سنة 1953 بأن التغيير السياسي الجاد يمكن أن يتم بالمحافظة على التقاليد الملكية. السعودية دولة مستقرة. وليس هناك خطر مباشر يهدد النظام. ولكن التصدّعات أسفل السطح باتت مرئية. وللحيلولة دون تحوّل التصدّع إلى هاوية، لابد للنظام السعودي أن يعرّف ويعيد النظر في أربع قضايا تمت مناقشتها هنا وهي: الوحدة، الأيديولوجيا، النفط، والمجتمع. فإذا فعل ذلك، يمكن لآل سعود البقاء في السلطة.

الصفحة السابقة