العلاقات السعودية الإيرانية

التنافس، الصراع، وإمكانية الشراكة الإستراتيجية

سعد الشريف

يناقش هذا البحث موضوع العلاقات السعودية الإيرانية، ويخلص الى أن تلك العلاقات لا ينقصها بالضرورة توقيع المزيد من الإتفاقيات، فقد وقّع الكثير منها خلال السنوات العشر الماضية، وشملت ميادين مختلفة: أمنية وسياسية واقتصادية وثقافية ونفطية وعلمية ورياضية وغيرها.. وإنما ينقصها عدم تبلور رؤية استراتيجية لدى صانعي القرار في البلدين بشأن تقاسم النفوذ في المحيط الخليجي، كما في المحيطين العربي والإسلامي، يمكن التغلّب من خلالها على مواطن عدم الثقة، والتضارب الإيديولوجي، والتدخل الأميركي، وهي عوامل لاتزال تلعب دوراً أساسياً في استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين، وفي الحيلولة دون استرخائها وتطورها.

نظرة عامة

لم تكن العلاقات السعودية الإيرانية وفي مختلف العهود ـ قبل قيام الثورة عام 1978 وبعدها ـ تميل الى الإسترخاء، فقد كانت عوامل الريبة والحذر والرؤية التصادمية في تقييم المصالح الخاصة غالبة وتلقي بظلالها على أية تطورات إيجابية شهدتها تلك العلاقات حتى هذا اليوم. وبالرغم من أن البلدين ـ السعودية وإيران ـ قد وقعا اتفاقيات تعاون خلال السنوات العشر الماضية لم يشهد تاريخ العلاقات بين البلدين نظيراً لها1، إلاّ أن تلك الإتفاقيات بقيت كسقف أعلى لم يطبّق بصورة شاملة، بل أن العلاقات بين البلدين أصيبت بانتكاسة جديدة خلال السنوات الماضية لم يخرج البلدان منها حتى الآن.

المساحة المشتركة بين البلدين ـ ومن الناحية النظرية ـ تبدو كبيرة للغاية، إلا أن المشترك نفسه قد يكون عامل تأزيم في العلاقات بدل أن يكون عامل تقارب وتنسيق. فرؤية البلدين لنفوذهما وطموحهما متقارب، الأمر الذي يفسر بعض عوامل الخلاف، كون مجال أهدافهما متقارب، وتحقيقه من قبل أحدهما قد يكون خسارة للآخر. وحتى المصالح الإقتصادية بين البلدين، ومجالها واسع للغاية، فإنها لم تلعب إلاّ دوراً جزئياً في تحسين العلاقات، لأن المشكلة أعمق من أن تكون إقتصادية، بل هي في جوهرها أيديولوجية سياسية وأمنية.. المشكلة تكمن في أن هناك طموحات متضاربة، رغم تشابه الأهداف في كثير من الأحيان، بحيث يمكن بسهولة لطرف من المعادلة التضحية بالمصالح الإقتصادية، أو الإستعاضة عنها بروابط أخرى مع بلدان مختلفة، إن لم يحلّ جذر الأزمة.

وفي الغالب يطرح الباحثون والكتاب مروحة من العوامل التي تسبب الصدع في علاقات السعودية مع إيران وهي عوامل من وجهة نظري تمثل (أعراض المشكلة) وليس جوهرها. من الجانب السعودي (ويشترك معها في بعض الأحيان دول الخليج ومصر) هناك مشكلة الجزر مع الإمارات، وهناك مسألة التسلح الإيراني وما يتصل به: (أمن الخليج)، والملف النووي الإيراني، وهناك الخلاف حول المواقف السياسية: في العراق ولبنان وفلسطين، وهناك أيضاً إرث الصراع الأيديولوجي/ الديني التاريخي السلبي بين الشيعة والسنّة، وهناك الخلافات حول مواضيع النفط: حجم الإنتاج، والأسعار.

وفي الجانب الإيراني هناك الشكوى من القواعد الأميركية في الدول الخليجية التي يمكن أن تنطلق منها الحرب الأميركية على ايران، وهناك عدم اعتراف خليجي بدور إيراني قائم على حقيقة أن إيران جار كبير يحتل النصف الاخر من شرق الخليج، وهناك إرث الدعم السعودي لصدام حسين في حربه عليها، والترويج المذهبي السعودي باتجاه العداء لإيران ثقافة ومذهباً خاصة في جمهوريات آسيا الوسطى والدول الأخرى المحاددة لإيران كالباكستان وأفغانستان. وزادت الأمور مؤخراً حين تبنّت السعودية مواقف تؤجج للصراع الفارسي العربي، واعتبار ايران أكثر خطراً من اسرائيل، ومحاولات السعودية تفكيك الدولة الإيرانية عبر وراثة دعم حركات انفصالية في الأهواز وبلوشستان وحتى كردستان.

وحتى لو حلّت هذه المشاكل، الجديدة والقديمة، وهي مشاكل مستعصية، فإنه ستطرأ مشاكل أخرى لتحلّ محلّ سابقاتها، مادامت العلاقات بين السعودية وإيران قائمة على الريبة والشك والتنافس غير المنضبط في إطار (شراكة) أوسع بين البلدين. إذ يمكن تفسير أية حادثة أو موقف أو قضية على أنها (تصعيد سياسي) أو أنها ارتداد على سياسة التفاهمات ـ غير الثابتة وغير المحددة والمؤطرة.

تزاحم النفوذ

لم تكن علاقة إيران الشاه مع السعودية حسنة، ولكنها كانت تميل الى الإستقرار، فنقاط الإختلاف بين البلدين ـ خاصة أواخر عهد الشاه ـ بدت واضحة فيما يتعلق بالسياسات النفطية (أسعار النفط تحديداً)، والرؤية تجاه (أمن الخليج)، وكان الشاه يميل الى التهديد بالقوة العسكرية لفرض إرادته بشكل شبه علني. مع هذا، لم يمنع ذلك السعودية من التعاون مع الشاه في تقويض الوضع العراقي من خلال دعم حركة الملا مصطفى البرزاني، وكانت السعودية يومها أقرب الى طهران منها الى بغداد.

أيضاً لم يدفع الخلاف السعودية لتصعيد الموقف بشأن الجزر الثلاث (طنب الكبرى، والصغرى، وابو موسى)، كما لم يمنع ذلك من إرسال الشاه لقواته العسكرية لدعم حكومة مسقط بوجه ثوار ظفار. السعودية ودول الخليج كانت تعترف بالهيمنة الإيرانية في الخليج كبديل عن التواجد البريطاني، ولكن السعودية بالتحديد لم تكن تقبل بـ (التهميش) الذي كان يريده الشاه، ولم تكن تقبل بأن يضعف نفوذها الطبيعي في الدول الخليجية، وإن لم تكن تريد أو حتى قادرة ـ رغم هذا ـ على إشهار التحدّي وإشعال المنافسة بين متحالفين على المستوى الاستراتيجي (مواجهة النفوذ السوفياتي/ الشيوعي)، خاصة وأنها تدرك بأن طهران تتمتع بأفضلية غربية عليها.

المشترك بين ايران الشاه والسعودية ـ حتى في الصعيد الأمني ـ كان كبيراً. فالبلدان ينتميان الى رؤية استراتيجية غربية/ أميركية، تمّ التعبير عنها من خلال هندسة واشنطن لسياسة محورية قائمة على ما سمي آنئذ بـ (العمودين المتساندين) اللذين تمثلهما ايران والسعودية، وذلك للحيلولة دون تمدّد النفوذ السوفياتي باتجاه المياه الخليجية الدافئة. لم يكن الشاه منافساً للسعودية إلا في الخليج، فهذا هو محيط ايران الإستراتيجي، ومجال نفوذها الأساس. أما فيما يتعلق بدور السعودية الإقليمي العربي، والإسلامي بشكل عام، فلم يكن الشاه منافساً أو حتى عابئاً بذلك. في القضية الفلسطينية كان الشاه صديقاً لإسرائيل اكثر مما كان صديقاً للعرب، وكانت علاقاته الطيبه تكاد تنحصر مع مصر السادات.

حين قامت الثورة في ايران وسقط الشاه، أضيف لنقاط الإختلاف المزيد منها. لقد تغيرت أيديولوجية الدولة فصارت (دينية)، وتبعاً لتلك الأيديولوجية جرى إعادة تعريف مجالات النفوذ للسياسة الخارجية الإيرانية، بحيث بات من الواضح أن عناصر اضافية أخذت دورها لتساهم في المزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين.

تقوم السياسة الخارجية للسعودية، وكما يشير باحثون عديدون في العلاقات الدولية2، على ثلاثة محاور رئيسية:

الأول ـ توفير الأمن للنظام السياسي، ويستتبعه:

1/ علاقة إستراتيجية حمائية مع الولايات المتحدة الأميركية تقوم على أساس حماية النظام داخلياً، وضبط إيقاع المنافسة في الأدوار بين الحلفاء أو الخصوم فيما يتعلق بأمن الخليج؛ وأخيراً: ردع الدول الإقليمية من التعرّض للسعودية، وهي تحديات كانت قائمة من مصر الناصرية وعراق صدام، والى حد ما النظام الشيوعي الذي كان قائماً في اليمن الجنوبي.

2/ توفير مظلّة أمنية للخليج، تكفل أمن امدادات النفط، تساهم فيها السعودية الى جانب الولايات المتحدة والقوتين الأخريين: إيران والعراق إن كان مرضياً عنهما أميركياً. تلك المساهمة السعودية ليست قائمة على إمكاناتها الذاتية فحسب، بل وقائمة على أساس تمثيلها وزعامتها للدول الخليجية الأخرى المعنية بالأمن، بحيث يكفل لها ذلك فرصاً أكبر للمنافسة مع القوتين الأخريين.

3/ تعضيد السياسة الخارجية السعودية بالعلاقات والتحالفات الإستراتيجية مع قوى كبرى، تستطيع السعودية من خلالها تمرير نفوذها وتحقيق طموحاتها.

الثاني: تحقيق زعامة السعودية عربياً، من خلال:

1/ الهيمنة على القرار السياسي والإستراتيجي لدول الخليج والجزيرة العربية بما فيها اليمن؛ فالأخيرة ـ وإن لم تمثل عنصر منافسة أو تهديد أمني بالغ الخطر، فإن موقعها مهم فيما يتعلق بسياسة السعودية تجاه القرن الأفريقي3.

2/ اعتماد سياسة المساعدات المالية ـ بالنسبة لبعض الدول العربية ـ بما فيها مصر وسوريا من أجل ترجيح الدور والموقف السعودي.

3/ القيام بدور نشط في حل الخلافات العربية، والاعتماد ما أمكن على سياسة محايدة، بحيث تشكل النجاحات السياسية السعودية مختبراً لمصداقيتها وحقيقة نفوذها. ويتضمن هذا الدور تقريب مواقف الدول العربية من رؤيتها تجاه القضايا الحساسة (فلسطين مثلاً) ومحاولة تهدئة ما تعتبره السياسات الراديكالية أو الثورية أو المتشددة، دون الإصطدام معها.

ثالثاً: تحقيق زعامة السعودية إسلامياً، وأحياناً يتخذ العنوان صفة أقلّ مباشرة مثل: (تحقيق التضامن الإسلامي)، وهذا الدور يعتمد على وسائل متعددة: المساعدات المالية وتوثيق عرى العلاقات الإقتصادية والتجارية خاصة مع الدول الإسلامية الكبيرة: الباكستان، نيجيريا، تركيا، أندونيسيا؛ أو من خلال استثمار الجانب الديني باعتبار السعودية حاضناً للأماكن المقدسة، واعتبارها لنفسها تمثل (الإسلام الصحيح)، ومن خلال نشرها لرؤيتها الإسلامية الخاصة ومؤسساتها الدينية في كل بقاع العالم؛ كما تشمل الوسائل: دعم الجماعات الإسلامية.

هذه المبادئ الثلاثة التي تستهدفها السياسة الخارجية السعودية لم تتحقق إلا في حدود دنيا، ولاتزال تلك الأهداف ـ حسب بعض الباحثين ـ بعيدة المنال، خاصة في المرحلة التي أعقبت أزمة احتلال الكويت، حيث لم يكن لدى السعودية سياسة خارجية متماسكة4. وسبب عدم تحقق تلك الأهداف ناشئ في جانب منه من قصور في الأداء السعودي من جهة، ومن كثرة التحديات التي واجهت السياسة السعودية، وفي مقدمها تحديات داخلية انعكست على اهتمام السعودية بالشأن الخارجي، إضافة الى رد فعل السعودية إزاء النتائج الهزيلة فيما يتعلق بموضوع دعم الجماعات والحركات الإسلامية والتي وقفت أثناء غزو العراق للكويت الى الجانب العراقي.

ومع أن الطابع العام الذي لفّ العالم العربي يشي بانهيار الدور المتمثل في (الدولة القائدة) والذي كانت تلعبه مصر مرة والسعودية مرة أخرى (ما سماه هيكل الحقبة السعودية)، وكارتيل من الدول مرة ثالثة (مصر والسعودية وسوريا) وحلف المعتدلين (مصر والسعودية والأردن) مرة رابعة وهكذا.. إلا أن هذا الضعف الذي أصاب مجموع الدول العربية بالشلل شبه التام، وترك فراغاً سياسياً كبيراً للنفوذ الغربي، ميّز في الوقت نفسه قوى ودولاً مثلت تحدياً للسعودية في محيط نفوذها وزعامتها العربية. فقد تصاعد الدور المصري بين دول الخليج الصغيرة مثلاً ـ الإمارات بشكل خاص، وتصاعد دور الأردن في الموضوع الفلسطيني، واحتكرت سوريا عدداً من الأوراق في موضوع لبنان وفلسطين والعراق.

لكن التحدّي الأكبر للسياسة الخارجية السعودية وللأيديولوجية التي تقف وراءها جاء مبكراً من إيران. فمن الناحية الظاهرية تبدو أهداف السياسة الخارجية السعودية غير متصادمة مع ما تريده إيران: فلا الأخيرة ـ ومن الناحية العملية ـ ضد تسنّم السعودية لدور الزعامة العربية، وإن كانت تعتقد بأن السعودية غير قادرة على الإيفاء بمتطلبات تلك الزعامة؛ ولا إيران ضد أيّ مشروع يتعلق بـ(التضامن الإسلامي) تلعب فيه السعودية الدور الأكبر، لما لها من ثقل ديني ومعنوي ومالي؛ ولا يوجد في أجندة إيران، بغض النظر عن كل ما يقال خاصة في الوقت الحالي، ما يشي بأن إيران تستهدف أمن السعودية، وان اختلفت مع الأخيرة في (الكيفية) التي يتم من خلالها تحقيق ذلك الأمن.

منذ انتصار الثورة في ايران، اعتبرت السعودية الأخيرة عنصر تهديد متعدد الجوانب، حيث نُظر الى إيران الجديدة بما تحمله من أيديولوجيا وتطلعات وكأنها تستبطن عناصر التهديد للنفوذ السعودي، وأنها بالقوة ـ وليس بالفعل ـ تتحدّى أهم عناصر السياسة الخارجية السعودية.

كانت السعودية، الدولة الوحيدة الناطقة بإسم المسلمين جميعاً، وهي الدولة الوحيدة التي تزعم أنها تتبنّى الأيديولوجية الإسلامية (الصحيحة). فجاءت إيران على ذات القاعدة الإسلامية لتقدم نسختها ونموذجها الديني، الذي بدا متألّقاً في أيام الثورة الأولى قبل أن تحاصره السعودية (طائفياً) وعسكرياً وسياسياً عبر الحرب العراقية على ايران. سبب النموذج الإيراني مشكلة داخلية للسعودية، اضطرت الملك فهد الى إعطاء دعم وصلاحيات غير مسبوقة للتيار الأيديولوجي السلفي الذي تتبناه الدولة، من أجل إعادة شرعنة النظام داخلياً الذي كان يواجه أسئلة محرجة وتحديات عنف (حركة جهيمان العتيبي واحتلاله الحرم المكي في نوفمبر 1997م).

وسبب النموذج الإيراني تحدياً خارجياً للسياسة السعودية، فعكفت الأخيرة على إرساء الحدود الطائفية لإيقاف الزخم الثوري الإيراني، وزادت من جرعات الدعم للمؤسسات والجمعيات والمراكز والأقليات الإسلامية. وحين جاء الإحتلال السوفياتي لأفغانستان، كانت السعودية وتيارها الديني مندفعين لتبنّي المجاهدين الأفغان، بغرض تحقيق نموذج ثوري موازي، شاركا فيه بالمال والرجال، وانتهى ذلك النموذج ليعود على السعودية بالضرر الداخلي من خلال (الأفغان العرب/ السعوديين) ثم نشاطات (القاعدة).

أيضاً تحدّت إيران بشكل غير مباشر وتدرّجي مجالات التأثير السعودي في المحيط العربي.

فالقضية الفلسطينية صارت ركناً أساسياً في السياسة الخارجية الإيرانية، وفي وقت تتخلّى فيه الدول العربية النافذة عن مرتكزات سياستها الفلسطينية جاءت إيران لتشغل الفراغ، ولتسبب حرجاً لكل من السعودية ومصر بالتحديد. لبنان كان استثمار الإيرانيين فيه طويلاً، لم تظهر نتائجه إلا أواخر القرن الماضي، وليتجلّى النجاح الإيراني من جهة والفشل السعودي/ المصري/ الأردني من جهة أخرى في معارك تموز 2006، حيث كانت الرهانات السياسة بين الطرفين متناقضة. ايضاً استطاعت ايران المحاصرة سياسياً واقتصادياً أن تحقق اختراقات على الصعيد العربي حتى أنه يبدو للمراقب وكأنها جزء من المنظومة العربية. فهناك إضافة الى العلاقات المتميزة مع سوريا، وهي دولة فاعلة ضحّت بها السعودية بشكل شبه كامل، تمددت ايران سياسياً وأقامت علاقات جيدة مع السودان، وفي فترة سابقة مع اليمن، فضلاً عن علاقات طبيعية مع لبنان وبعض دول الخليج: عمان وقطر، ثم الكويت، وليتوج كل هذا بنفوذ وعلاقات غير مسبوقة بين ايران والعراق (المحتل).

ايران صارت لاعباً عربياً، أي لاعباً اساسياً في قضايا عربية على حساب لاعبين آخرين أساسيين كمصر والسعودية، أكبر المتضررين من توسع الدور الإيراني، وإن كانت قدرتهما على منافسته بدون مشروع أو إنجاز سياسي تبدو مستحيلة. خيار ايران خيار المواجهة، وخيار الآخرين الإعتدال والسلم والصلح واعتماد نوايا اميركا الطيبة.

السعودية هنا وجدت نفسها وزعامتها ومكانتها تتبدّد، في فلسطين ولبنان والعراق، وحتى بين دول الخليج (الصراع القطري السعودي مثلاً).. بل ان السعودية لم تحتفظ بأوراقها (الإسلامية) لا في أفغانستان ولا حتى في القارة الأفريقية: السنغال ونيجيريا مثلاً (توج ذلك بزيارات رفسنجاني وخاتمي وغيرهما من المسؤولين). لا ننسى هنا أيضاً أنه أضيفت دول أخرى لمجالات التنافس أو حتى التصادم في دول آسيا الوسطى بين السعودية وإيران.

كانت ايران الشاه تمثل تحدياً ممكن هضمه في موضوع الخليج وأمنه، وحين جاءت الثورة تمدّد التحدّي الى المحيط العربي والإسلامي بحيث أصبحت إيران بالنسبة للسعودية منافساً يستعصي عليها التغلب عليه، كما ليس لديها القدرة أو حتى الرغبة ـ على الأقل في مرحلة من المراحل ـ في التقاطع معه، بالنظر الى العوامل الخارجية التي دخلت على خط العلاقات السعودية الإيرانية، وأعني بها بالتحديد: العامل الأميركي، والعامل المصري، وسيأتي شرحهما.

بقيام الثورة استمرّ الإحتكاك الأمني حول كيفية صيانة أمن الخليج. لقد انهارت نظرية العمودين المتساندين الأميركية من جهة، وصارت إيران ـ من منظار أميركي والى حد ما سعودي/ خليجي ـ مهدداً لذلك الأمن. لم تكن أميركا لتعترف بالدور الإيراني الذي كان يلعبه الشاه، طالما رفض النظام الجديد المظلّة الغربية، ولذلك نجد أن التصريحات الإيرانية خلال العقدين الماضيين على الأقل تركز على مقولة: (الإعتراف بالدور الإيراني في المنطقة/ الخليج).

ماذا يعني هذا؟

الجغرافيا السياسية لإيران لا تعطي أي حاكم لها، مهما كان لونه السياسي، أن يتجاهل قوة الدولة وتطلعاتها الخارجية. أميركا التي تلقت ضربة بسقوط الشاه، لا تريد أن تعترف لإيران (الدينية) بدور متميز، مركزة على تناقضها مع طبيعة نظام الحكم القائم، ولكنها متجاهلة في نفس الوقت حقيقة أن ايران كدولة أكبر من أن تصدّ بسهولة، وهذا ما يكشف عنه تاريخ الصراع مع أميركا منذ ثلاثة عقود من عمر الثورة حتى الآن. دور ايران الإقليمي تم إخماده بسبب الوجود البريطاني في الخليج، ومع خروج الإنجليز عام 1971، أعاد الشاه إحياء الدور الإيراني وتطلع الى أن يكون شرطي المنطقة.

بمجيء النظام الجديد، وجدت القوتان الخليجيتان العراق والسعودية ومن ورائهما اميركا في تحالف تاريخي غير مسبوق، لم يشهده البلدان منذ تأسيسهما، لمواجهة (الخطر الإيراني) فقامت الحرب العراقية/ الإيرانية التي مثلت استفتاءً عالمياً وإقليمياً اتفق خلاله جيران ايران العرب، وأوروبا وأميركا، والإتحاد السوفياتي وغيرها من الدول على دعم صدام، رغم عدوانه. وجدت السعودية في الحرب ضالتها ليس فقط لكبح التمدد الإيراني وما قيل عن (تصدير الثورة) وإنما لتجد الفرصة أيضاً في اشغال اكبر قوتين بالحرب، ولتتفرغ هي لتشكيل (مجلس التعاون الخليجي) ليس فقط كمركب للهيمنة على دول الخليج الصغيرة، وإنما أيضاً (لخلق قوة إقليمية ثالثة مقابل العراق وإيران)5.

وحين انتهت الحرب، وجد الجميع نفوذاً عسكرياً متزايداً للولايات المتحدة في الخليج، لكن بقي الخليج بحاجة الى ترتيبات أمنية لمرحلة ما بعد الشاه. العراق رغم تناغمه مع السعودية في الحرب على إيران لم يعد مؤتمناً، وقد ثبت ذلك خلال غزوه للكويت، والسعودية غير قادرة على تأمين الحماية وحدها بغياب البلدين الآخرين. وإيران لا يراد لها غربياً، ولا سعودياً أن تشترك في الترتيبات الأمنية، لاعتبارين أساسيين: أولاً، لأنها تسعى ـ ولاتزال ـ لترتيبات أمنيّة بدون مظلّة أمنيّة أميركية كما كانت في سياسة العمودين المتساندين، وثانياً، لأن السعودية بدون تلك المظلة ترى نفسها خاسرة في المنافسة، خاصة بعد تحييد العراق بعيد احتلاله للكويت.

رأت السعودية بعد تجربة ذلك الإحتلال، أن البلدين: العراق وإيران لازالا يهددان أمن الخليج، مع تأكيد على الخطر الإيراني أكثر، بالرغم من السعودية وايران وجدتا نفسيهما في تحالف غير مريح بعيد احتلال الكويت، وسعت السعودية لشراء أسلحة بعد عام 1991 بكميات وافرة6. البديل الوحيد المتوفر لحماية دول الخليج، وليس فقط الخليج كممر مائي تمر به أكبر شحنات تصدير في العالم، هو زيادة النفوذ العسكري الأميركي في كل قطر خليجي، حيث وجدت قواعد أميركية في كل دول الخليج بدون استثناء، وصار وجود حاملات الطائرات والسفن الحربية من الأمور المعتادة في الخليج، خاصة مع وجود قاعدة لأكبر اسطول بحري أميركي (الأسطول الخامس) في البحرين.

سقط نظام صدام حسين، فاستبعد العراق من المعادلة الأمنية الخليجية ـ الى حين ـ وشغل الإيرانيون جزءً كبيراً من الفراغ الذي سببه ذلك السقوط، وكان الأميركيون والسعوديون يعتقدون أنهم سيملأونه وسيحدّون من النفود الإيراني، ولكن سوء ادارة بوش للعراق كان سبباً اضافياً لتعزيز موقع ايران. ونجم عن ذلك ليس فقط انهيار موازين القوى بين السعودية وإيران على مستوى الأمن الإقليمي، بل وفجّر سقوط نظام صدام في العراق كل مفاعيل الأزمة وإن كان بصمت: أزمة التسلح الإيراني، الملف النووي الإيراني، الملف الطائفي الشيعي/ السنّي، ملف الأقليّات الشيعية في الخليج وما قيل عن (هلال شيعي)، وأيضاً ملفات اقليمية سياسية عديدة في فلسطين ولبنان والعراق.

ملفات الخلاف الإيراني/ السعودي هي في معظمها ملفات قديمة، وكلها تشير الى حقيقة واحدة غير قابلة ـ من وجهة نظري ـ للنقض، وهي: أن السعودية غير قادرة على منافسة النفوذ الإيراني في الخليج باعتبار ايران القوة الأكبر عسكرياً وبشرياً، وأن السعودية شعرت بخسارة متعددة الأوجه في نفوذها العربي والإسلامي لصالح الدور الإيراني. ومع أن تلك الخسارة جرت في معركة سياسية/ سلمية صامتة قائمة على التنافس الطبيعي، فإن الطبيعة التنافسية في العلاقات ستبقى مولداً أساس للقلق والتوتر ما لم تُستبدل بتفاهم استراتيجي أكبر.

العامل الخارجي

بقدر ما تشكل الطبيعة التنافسية في العلاقات بين البلدين مصدراً للتوتر في العلاقات السعودية الإيرانية، وإضافة الى العامل الأيديولوجي/ الطائفي، فإن العامل الخارجي يلعب دور المسعّر للخلاف بين البلدين، كما بين ايران والعديد من الدول العربية7. في حقبة الشاه، كانت الولايات المتحدة تلعب دور الناظم للعلاقات بين البلدين، أما في الحقبة التي تلته فقد لعبت دور المسمّم في العلاقات والمحرض على التوتر، والسبب يعود الى تغييرات في رؤية الجانبين السعودي والإيراني:

في الجانب الإيراني، لا تبدو هنالك مشكلة، في قيام ترتيب أمني خليجي، تشارك فيه كل دول الخليج، أو السعودية ممثلاً لها، إضافة الى ايران والعراق. وحتى في عهد صدام حسين، كان الإيرانيون ـ ومن منظور استراتيجي ـ يرون أنه لا يمكن توفير مظلّة أمنيّة بدون مشاركة العراق، وهو أمرٌ يتفق على ضرورته الخبراء الإستراتيجيون8، ولطالما دعا الإيرانيون الى إقامة ترتيبات لتوفير المظلة الأمنية المطلوبة، والتي باعتقادهم ستجعل مبررات الوجود الأميركي في الخليج معدومة. ولا يخفى أن إيران ترى في الوجود الأميركي المكثف في الخليج خطراً عليها.

أما السعودية، فلها وجهة نظر مختلفة. فهي في الأساس لا ترى الوجود الأميركي في الخليج خطراً عليها، بل قد يكون باعثاً لطمأنينتها، مع أنها شعرت في السنوات الماضية ببعض الضيق من الوجود الأميركي كونه (يحتمل) إعادة استخدامه ضد السعودية نفسها9. ثم إن السعودية تعتبر نفسها جزءً من منظومة استراتيجية غربية تقترب من التحالف السياسي والأمني، والترتيبات الأمنية التي تطلبها إيران وتدعو اليها تفترض أن السعودية تتمتع بـ (هامش) لا بأس به من الحرية في إعادة صياغة أمنها الخاص كما رؤيتها للأمن الإقليمي. والحقيقة هي أن السعودية لا تمتلك ذلك الهامش الكبير الذي يمكنها من الذهاب منفردة في ترتيبات أمنيّة إقليمية مع إيران والعراق، ما لم تحصل من جهة على ضوء أخضر من الولايات المتحدة نفسها، وهو ضوء متعذر طالما ان العلاقات الإيرانية/ الأميركية تراوح مكانها منذ ثلاثة عقود، ومن جهة ثانية ما لم تتوفر ضمانات دولية لتلك الترتيبات الأمنية.

لا يعلق السعوديون كثيراً على مقترحات ودعوات ايران بإيجاد ترتيبات أمنية بين دول الخليج، لكن تصريحاً نادراً لوزير الخارجية السعودية في الخامس من ديسمبر 2004 أطلقه في خضم الإمتعاض السعودي من الولايات المتحدة الأميركية يعبر في أساسه عن قلق السعودية من تدهور مكانتها الإستراتيجية لدى واشنطن. فقد دعا الفيصل إلى إعادة تنظيم جذرية لأمن الخليج، واقترح نظاماً أمنياً يجمع إيران ودول مجلس التعاون، على أن تشارك فيه كل من الهند والصين، وأن يقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد بدا الإقتراح السعودي ذاك (والذي تمّ التراجع عنه فيما بعد) كبديل أقرب الى تلبية حاجات السعوديين، فالمقترح بإشراك الهند والصين لا يعني توفير ضمانات فحسب بقدر ما يعني تعويم النفوذ الإيراني لصالح السعودية.

سياسة أميركا لعزل إيران لم تفسح إلا مجالاً ضيقاً لتطوير العلاقات السعودية/ الإيرانية، لأن واشنطن ترى أن تطوير تلك العلاقات عملاً عدائياً موجهاً ضدها. وهنا يأتي القول بأن دول الخليج في حقيقة الأمر لم تتحرر إرادتها السياسية لتفكر في علاقاتها بدافع المصلحة الوطنية المحض، وليس المصلحة الأمنية المرتبطة بواشنطن. وبقدر ما يتسع الهامش، يمكن أن يقترب الطرفان أكثر لتطبيع العلاقات وحل المشاكل. ولكن يبدو أن بعض السياسيين الإيرانيين يريدون القفز على هذا العامل، من خلال حث دول الخليج على إقامة ترتيبات أمنية واقتصادية بينها وبين ايران، دون النظر الى العامل الخارجي، وهذه نظرة تفترض أن الإرادة السياسية لتلك الدول حرة بالكامل، أو هي كبيرة أيضاً. والحقيقة قد تكون غير ذلك.

إن السعودية ودول الخليج مقتنعة بأن التعامل مع ايران قدرٌ يفرضه الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة (لا ننسى هنا أن إطلالة ايران على الخليج واسعة وتزيد على 400 كيلومتراً)، أو هي لدى البعض (شرّ لا بدّ منه)، وهي تحاول أن تؤمّن نفسها من خلال إقامة علاقات مصالح تدرك أنها لا تحوز رضا واشنطن، ولكنّها قد تتحمل الضغوط الأميركية فيما إذا كانت تلك المصالح ذات طابع اقتصادي بحت. وفعلاً لم تكن واشنطن مرتاحة الى تطور التبادل التجاري بين دول الخليج وإيران. أما الشؤون الإستراتيجية التي لها تقاطع مع استراتيجية واشنطن، خاصة فيما يتعلق بالأمن الإقليمي، فإنها لا تمتلك قرارها ولا تستطيع إلا أن تختار واشنطن وتقدمها على طهران. ومن هنا نجد أن الكثير من السياسات الخليجية المرتبطة بهذا العنصر الإستراتيجي السياسي والأمني بالذات ما هي إلا صدى لمواقف واشنطن، بحيث أن التوترات بين دول الخليج وإيران لا تتصاعد إلا في حال تصاعدت حدّة التوتر بين واشنطن وطهران، دون أن يؤثر ذلك كثيراً على التبادلات التجارية بين تلك الدول وايران.

بالطبع، يمكن للسعودية توسيع هامش حريتها قبال الولايات المتحدة في مواضيع عديدة، قد لا يكون الجانب الأمني واحداً منها، إذا ما توفّر المناخ السياسي الملائم لها، كما فعلت في منتصف التسعينات من العقد الماضي. في تلك الفترة كان عدد من المسؤولين السعوديين يتحدثون عن إيران باعتبارها حقيقة باقية، وأن الولايات المتحدة (قوة راحلة)، وبناء عليه، فإن المملكة لا تريد ولا تقبل أن تتوتر علاقاتها مع ايران. وبناءً على تلك الرؤية قفزت العلاقات الإيرانية السعودية خطوات الى الأمام، ساعدها، أن إيران كانت هي الأخرى قد قامت بمراجعة سياستها الخارجية بعد أن وضعت الحرب مع العراق أوزارها، فخفّت النزعة الأيديولوجية في السياسة الإيرانية، وانشغلت ببناء ذاتها داخلياً، وقد وصف أحد الباحثين مرحلة ما بعد 1988م بأن السياسة الخارجية الإيرانية تحولت من (المواجهة الأيديولوجية) الى اعتماد سياسة (السلام البراغماتي/ Pragmatic Peace). وما شجّع التحوّل في السياسة الإيرانية: سقوط الإتحاد السوفياتي الذي حاولت ايران استثماره الى أبعد الحدود، كما أن احتلال صدام للكويت شكل مدخلاً لإعادة وتحسين العلاقات مع دول الخليج وليس للإنتقام منها لمواقفها السابقة في الحرب10.

ضغطت أجندة الرؤساء الإيرانيين الثلاثة منذئذ (رافسنجاني، خاتمي، نجاد) باتجاه الإنفتاح على دول الجوار وكسر الجليد في العلاقات القائمة. كانت المبادرات باتجاه تطوير العلاقات مع السعودية في مجملها إيرانية المنشأ، وإن كانت قد لقيت تجاوباً متردداً من السعودية، خاصة من ولي العهد (الملك فيما بعد) عبدالله بن عبدالعزيز. وكان مؤشر التطور في العلاقات واضحاً من خلال الزيارات المتبادلة (أكثرها من طهران باتجاه الرياض).

لنتذكر فقط أن عام 1997م، اعتبر عام الإقلاع في العلاقات بين البلدين حين التقى رافسنجاني مع ولي العهد السعودي آنئذ الأمير عبدالله (الملك حالياً) على هامش اجتماع القمة الإسلامية في اسلام أباد، الأمر الذي أفضى فيما بعد الى إعادة العلاقات بين البلدين بعد انقطاع منذ مايو 1988، ثم تتالت الزيارات: زيارة رفسنجاني للرياض في فبراير 1998، وكان بمعيته وزراء النفط والتجارة والعمل والزراعة ورئيس بلدية طهران، وقد اعتبر سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية تلك الزيارة بأنها (فتحت فصلاً جديداً في العلاقات بين البلدين). ومن بين الزيارات: (خاتمي للرياض في مايو 1999/ زيارة رئيس مجلس الشورى ناطق نوري الى الرياض في اكتوبر 1999/ زيارة وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني للرياض في أبريل 2000/ زيارة وزير الداخلية الإيراني للرياض في ذات الفترة/ وزيارات متكررة من وزراء خارجية ايران للرياض. أما أهم زيارات المسؤولين السعوديين فكانت: زيارة ولي العهد السعودي ـ الملك حالياً ـ الى طهران/ زيارة سلطان وزير الدفاع في في مايو 1999/ زيارة نايف وزير الداخلية لطهران في يناير 2001/ زيارة وزير التجارة أسامة فقيه في يناير 2000/ زيارة وزير الصناعة والكهرباء في نوفمبر 1999/ زيارة رئيس مجلس الشورى السعودي في 1998/ زيارة وزير النفط السعودي وزيارات وزير الخارجية السعودية المتكررة الى طهران في نوفمبر 1998، وأغسطس 2001 وغيرهما).

الباحث صالح الختلان رأى أن تطور العلاقات السعودية الإيرانية هو أهم تطور إيجابي في المنطقة منذ عشرين عاماً، وعزا ذلك التطور الى الجهد الدبلوماسي الإيراني، واعتبره أهم انجاز لها منذ عقد من السنين، آخذاً بعين الإعتبار عزلة ايران الدبلوماسية والدولية. واستنتج أن سرعة تطور العلاقات كانت تعكس لهفة السعوديين وانتظارهم لقيادة معتدلة لإعادة تأسيس العلاقات بين البلدين، وهي سرعة أدهشت الباحثين كما المراقبين السياسيين وعدد من قيادات دول المنطقة11. وفي هذا الجانب بالذات قيّم باحث آخر العلاقات الإيجابية بين البلدين عام 2002 مشيراً الى الدور الأميركي فقال:

التعاون الإيراني السعودي ليس تطوراً جديداً، وإن الإستمرار في ذلك التعاون متفهم بشكل جيد في إطار العلاقات بين بلدين يمثلان أكبر أمتين شمال وجنوب الخليج. إن توسع العلاقات في وقت تريد فيه أميركا عزل ايران، يشير الى التصميم الذي تبديه أكبر حليف لأميركا لأخذ مصالحها الإقليمية بعين الإعتبار، وهذه المصالح لا تتوازى بالضرورة مع مصالح الولايات المتحدة12.

يتناغم مع هذا الرأي، ما أشار اليه الباحث عبدالعزيز الصقر، من أن صانعي القرار في البلدين يدركون بأن روابطهما ومصالحهما أكبر من أن تكون صدى للتغيرات الخارجية منها13. لكن هذه المقولة قد تكون صادقة ضمن حدود لا تتعارض مع الإستراتيجية الأميركية في الخليج، في جوانبها الأمنية والعسكرية بالذات. بمعنى أن سقف التعاون الإيراني/ السعودي قد حددته واشنطن، وحتى الآن لا يبدو أن هناك ما يفيد بخرق ذلك السقف.

وإذا كانت واشنطن تمثّل العامل الخارجي الأقوى في التأثير على مصير العلاقات السعودية الإيرانية بشكل خاص، والخليجية العربية الإيرانية بشكل عام.. فإن هناك قوى إقليمية أخرى تلعب على وتر الخلافات، وفي مقدمها مصر بالتحديد، مستفيدة من الحساسية الخليجية وتسعيرها أكثر فأكثر على أمل لعب دور أمني وسياسي، ليصار لاحقاً الى الإستفادة الإقتصادية من تلك الدول. يصح القول بأن مصر تسعى لأن يكون لها دور أمني في الخليج، وهي تدرك بأن السعودية غير قادرة وحدها لإشغاله خاصة بعد استبعاد العراق بعد احتلاله للكويت من أية ترتيبات أمنية.

حاول المصريون يومها هندسة ترتيبات أمنية لحماية الخليج ضمن ما أُسمي حينها (مجموعة 6 + 2) أي دول الخليج مع مصر وسوريا، ولكن السعودية أحبطت تلك المساعي بشكل من الأشكال، كونها نظرت الى الدور المصري بعين القلق من جهة دوره التنافسي، ومن جهة ثانية لعبت عوامل تاريخية في جعل الدور المصري ـ بنظر السعودية ـ خطراً كامناً، ونقصد به ذلك القلق المنبعث مما يسميه السعوديون من احتلال مصر للجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، وإسقاط الحكم السعودي أكثر من مرة. ذلك القلق تمّ التعبير عنه بمجرد أن طردت القوات العراقية من الكويت، حيث طلب الملك فهد حينها ومباشرة القوات المصرية بالمغادرة، وعبّر بعض المسؤولين السعوديين عن قلقهم من إمكانية أن تلعب تلك القوات دوراً في الداخل السعودي نفسه. لكن مصر احتفظت بعلاقات متميزة مع دول خليجية أخرى، خاصة الإمارات، واعتبرت القاهرة مؤججاً أساسياً للإثارات حول الجزر الثلاث، ويكفي أن نعرف بأن مصر تدرك هي الأخرى حجم المنافسة الإيرانية في العديد من الملفات العربية الرئيسية.

ومن هنا يمكن القول بأن ترتيب العلاقات الإيرانية المصرية سيلعب دوراً إيجابياً في تحسين العلاقات الخليجية الإيرانية عموماً. لكن مصر حتى الآن، ورغم المبادرات الإيرانية الكثيرة، مترددة في إعادة العلاقات التي قطعتها طهران منذ زيارة السادات الى اسرائيل، ولا يوجد هنالك من مبرر واضح سوى (الإستفادة من العقدة الإيرانية/ الخليجية) في الحدود القصوى. ولعلّ تصريحات الرئيس المصري حول ولاء المواطنين الشيعة في الخليج لإيران14، وهي تصريحات رفضتها إيران والعراق والكويت والبحرين، تكشف عن أحد دوافع السياسة المصرية في الخليج، ورؤيتها لإيران كقوة منافسة لها تريد مصارعتها على مساحة الشاطئ العربي من الخليج. فضلاً عما جرى مؤخراً بعد اكتشاف خلية حزب الله، والحملة المصرية على ايران بشكل غير مسبوق.

إنفجار الخلاف الإيراني/ السعودي

هناك حقائق ظاهرة في هذا الأمر نجردها سريعاً على النحو التالي:

اولاً ـ أن توتر العلاقات بين ايران والسعودية جاء متزامناً ومتصاعداً مع توتر العلاقات الأميركية الإيرانية، ما يشير الى انعكاس العامل الدولي على الوضع الإقليمي، كما شرحناه آنفاً.

ثانياً ـ قيل أن توتر العلاقات جاء على خلفية وصول المحافظين الى رئاسة الجمهورية الإيرانية وسيطرتهم على البرلمان، وانتهاج خط متشدد في ملفات متشابكة أثرت على علاقات ايران مع عدد من الدول وبينها السعودية. ولكن هناك عدة ملاحظات على هذا الأمر. فمن جهة لا يظهر أن السياسة الإيرانية تغيرت تجاه دول الخليج بمجيء الرئيس نجاد الذي عبّر منذ تسلمه السلطة عن استمرارية السياسة الإيرانية وضرورة (تحسين العلاقات مع دول الجوار وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي). ويكفي أن نشير هنا الى حقيقة أن نجاد قام بزيارات عديدة للسعودية لم يقم بها رئيس سابق، كما قام بزيارات الى دول الخليج عديدة في فترة حكمه، زد على ذلك أن الحركة الدبلوماسية الإيرانية تجاه دول الخليج سريعة ومتواصلة أكثر من أي وقت مضى، ما يوضح أن هناك إصراراً إيرانياً في الحفاظ على مستوى تلك العلاقات وتنقيتها. ويمكن الإضافة هنا بأن إيران لم تنخرط في حروب تصريحات مع ما يقال على الطرف الآخر من الخليج، خاصة تصريحات الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، ولم تتورط كثيراً في إثارات إعلامية، وكان منهجها التهدئة قدر المستطاع.

ثالثاً ـ إن كل الملفات المثارة اليوم في عهد الرئيس نجاد هي ملفات (موروثة) وإن كان قد تعمّقت بشكل أكبر. فلا الملف النووي الإيراني بجديد، ولا ملف التسلح، ولا الإشكاليات المرفوعة على الدور الإيراني في لبنان والعراق وفلسطين بجديدة. لكن من الصحيح القول بأن مرحلة نجاد مثلت انطلاقة ايران وقوتها بعد فترة بناء في عهد رفسنجاني وخاتمي. اي أن ما بنته ايران سياسياً وعسكرياً وعلمياً واقتصاديا انكشف في عهد نجاد، فأظهر قوة هائلة لإيران خشيت منها السعودية، أو وجدت السعودية أنها غير قادرة على منافستها (البعض يضع الأمر في باب الغيرة والحسد).

السعودية كانت تتصور ـ حين أقامت العلاقات مع إيران ـ أن الأخيرة تلملم جراحها، وتبني ذاتها، وبالتالي فإن كان هناك من خطر فمؤجل. لكن ما كانت إيران قد استثمرت فيه سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً منذ أكثر من عقدين انكشف بشكل كبير في عهد نجاد بسبب الأزمة الدولية، فكان ذلك الإنكشاف في وضع إقليمي متوتر عنصراً زاد من عدم الثقة بين ايران والسعودية. لقد شهد حكم نجاد مرحلة صراع عنيف في الوضع الإقليمي (الإحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق وتصاعد التوتر الطائفي والعنفي في العراق/ ما جرى في لبنان وحرب تموز 2006/ الإنشقاق الفلسطيني بين حماس وفتح/ التواجد الأميركي المتصاعد في الخليج وإرسال أميركا حاملات طائراتها/ التهديد المباشر والصريح بشن الحرب على ايران حتى في عهد أوباما).

هذه التحديات لم تواجه الرؤساء الإيرانيين السابقين بنفس الحدّة والخشونة، فكانت استجابة نجاد لها باستعراض الخطابات الشعبية والتأييد الجماهيري، وإظهار نماذج الأسلحة المتطورة للصناعة الإيرانية، والهجوم الدبلوماسي في العديد من المواقع وفي كل الإتجاهات: الصين وروسيا ودول الخليج وتركيا ودول آسيا الوسطى حتى وصل النشاط الدبلوماسي الإيراني الى اميركا اللاتينية. كل هذه الإستجابات المتحدية الإيرانية للهجوم الأميركي المحتمل عليها، وما مثلته تداعيات البرنامج النووي الإيراني، جعل ايران تبدو وكأنها تريد السيطرة على الدول الخليجية، أو أثارت حفيظة الدول العربية ـ والسعودية في مقدمتها ـ في حين أن إيران مهتمة بمواجهة اميركا والخطر الإسرائيلي أكثر من اهتمامها بمخاوف الدول الخليجية، فهي تخشى على نفسها، ولكنها بصورة أو بأخرى أخافت غيرها رغماً عنها.

يرى عبدالعزيز الصقر أن ايران ببرنامجها الدفاعي أضافت المزيد من التوتر في العلاقات، بحيث ان دول الخليج لم تقتنع بأن النشاط العسكري واستخدام الأسلحة غير التقليدية والتقليدية مجرد حلقة من حلقات الصراع بين أميركا وإيران، لأن تلك الأسلحة تهدد دول الخليج وليس اميركا والدول الأوروبية. هذا ـ من وجهة نظر الصقر ـ أدّى الى المزيد من اعتماد دول الخليج على الحماية الغربية، ليصل الصقر الى نتيجة بأن نشاطات ايران وسياساتها هي التي توسع النفوذ الأجنبي في الخليج، خاصة العسكري منه، وهي نفس الحجّة التي استخدمت ضد عراق صدام حسين.

ويرى الصقر ان استغلال ايران لغياب العراق من الساحة جاء على حساب الشركاء الآخرين (الخليجيين). ليست المشكلة من وجهة نظره أن هناك دولة (خارجية) تتدخل في شؤون داخلية لدولة عربية يتعلق أمنها بأمن دول الخليج فحسب، بل أن التدخل الإيراني في العراق قرئ خليجياً على أنه تغيير في موازين القوى في المنطقة، وأن سياسة ايران الخارجية تنهج طريق تأمين مصالحها الضيقة فحسب. لكن الصقر يعود فيقر أن على دول الخليج أن تتفهم حاجات إيران الأمنية، خاصة وأنها تتعرض لضغوط خارجية سياسية وأنها محاصرة من كل الإتجاهات بحضور عسكري أميركي. ويرى أن ليس من صالح دول الخليج استمرار حالة العداء بين واشنطن وطهران بالنظر لارتداداتها على دول الخليج نفسها. ويرى بأن على دول الخليج اليوم أن تُشعر إيران بأنها جزء مهم من ترتيبات الأمن في الخليج15.

رابعاً ـ هذا يعني أن هناك قصوراً خليجياً في فهم الدوافع الإيرانية، وهو قصور نتج عنه تغليب نظرة الريبة والشك منها الى تفهم القلق الأمني الإيراني. وبالنسبة للسعودية بالذات فإن قلقها من إيران كان مؤسساً على قاعدة التنافس الأيديولوجي والسياسي حيث أبدت قدراً هائلاً من الإنزعاج لما اعتبرته (نجاحات) المشروع الإيراني في العراق ولبنان وفلسطين بالتحديد. لكن هذا القلق رافقه أيضاً قدر من الخشية (الأمنية المباشرة) لما قد يحدث في حال قامت حرب إيرانية/ أميركية، ستكون دول الخليج ساحة أولى لها. وهنا قيل بأن دول الخليج تلقّت تهديدات ايرانية في حال تمت مهاجمتها من قواعد أميركية في تلك الدول، وهو ما يفسر مسارعة بعض تلك الدول الى التصريح بأنها لن تسمح بحدوث ذلك16.

إذا أردنا حصر عناصر التوتر (الملحّة) في العلاقات السعودية الإيرانية، فإن مشكلة تفكيكها غير سهل من جهة أنها مترابطة بحيث تمثل كل واحدة للأخرى عنصر إضافياً للتأزيم وعدم الثقة. فمثلاً، هناك مشكلة تنامي القدرات العسكرية الإيرانية، وبالتالي اختلال التوازن العسكري لصالح إيران. وهنا بعض الملاحظات:

* لم يحدث في تاريخ العلاقات بين البلدين أن كان التوازن العسكري في غير صالح إيران. ومن المجحف الحديث عن توازن قوى بين بلدين مثل ايران والسعودية، فلا قدرة الأخيرة البشرية، والعسكرية والتسليحية والصناعية يمكن مقارنتها بإيران أو حتى العراق. توازن القوى لم يحدث تاريخياً، ويبدو من المستحيل أن يحدث في المستقبل، بغض النظر عن شكل الحكم القائم في كلا البلدين. وحسب باحثين، فإن قوة دول الخليج العسكرية ـ وليس السعودية فحسب ـ لا تقارن مع العراق وإيران، وإن شراء تلك الدول الأسلحة (مجرد مسكن نفسي للخليجيين)17.

ليس ما يزعج السعودية هو اختلال (التوازن النسبي) في القوة العسكرية بينها وبين ايران، فهذا تحصيل حاصل، وهو أمرٌ لم يتغير منذ عقود إن لم يكن منذ قرون!، بل إن ما يزعج السعوديين هو ـ على الأرجح: (الإختلال المريع) لذلك التوازن، الى حدّ أن تهديدات أميركا بغزو إيران أو إخضاعها عبر التهديد غير ممكن، على الأقل حتى الآن.

أيضاً، لا يبدو الإنزعاج السعودي من تطور قوة ايران العسكرية مبرراً، من جهة أن الإنفاق العسكري السعودي أكبر بكثير مما تنفقه ايران. ورغم الإنفاق السعودي العسكري، فإنها ـ عسكرياً ـ لاتزال أضعف بكثير من إيران. هذا يشير الى حقيقة أن السعودية منزعجة بشكل أكبر من (تطوّر الصناعة العسكرية الإيرانية) فهذا العنصر هو واحد من أهم أسباب الخلل في التوازن العسكري بين البلدين، إضافة الى العنصر البشري، والخبرة العسكرية.

وحتى هذا الإنزعاج من تطوّر الصناعة العسكرية الإيرانية (صناعة الصواريخ بعيدة المدى، والغواصات والطائرات الحربية والهيليوكبتر والمدمرات البحرية والطوربيدات والدبابات والآليات الأخرى) يمكن أن يهضمه السعوديون في حال اطمأنت السعودية الى أن هدف التسلح الإيراني (دفاعي محض). ولكن كيف يحصل السعوديون على الإطمئنان في منطقة مليئة بالحروب والتوترات، وكيف يتفهمون أن إيران نفسها تريد اطمئناناً في وقت يشن الغربيون والإسرائيليون حرب التهديدات بغزو إيران عسكرياً؟ إن التاريخ الإيراني الحديث يعطي إيران مبررات الشك من السعودية أكثر مما يعطي الأخيرة من شكوك تجاهها. فمنذ سقوط الشاه لم تشن إيران حرباً عسكرية على جيرانها، في حين أن جيرانها (العراق) شنّوا الحرب عليها، بمساعدة من السعودية ودول الخليج الأخرى، وهو أمرٌ لا ينكره السعوديون والخليجيون. وإذا كان السعوديون قد أيّدوا عملياً وسياسياً احتلال افغانستان، واختبأوا سياسياً في دعمهم للحرب على العراق واسقاط نظام الحكم هناك، فما الذي يمنعهم من دعم هجوم عسكري على إيران؟ خاصة إذا أخذنا معطيين هامين: الأول، أن السعودية أضعف من أن تواجه رغبة واشنطن في استخدام الأراضي الخليجية في عملية غزو جديدة، مع ادراك حقيقة أن السعودية ودول الخليج لا تتمنّى وقوع تلك الحرب الأميركية/ الإيرانية. الثاني، إن السعودية بالتحديد ـ وليس دول الخليج الأخرى ـ يوجد بها جناح سياسي متضامن مع الصقور من المحافظين الجدد في ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران، وقد انعكس ذلك إعلامياً من قبل كتاب سعوديين مقربين من السلطة، رأوا أن إيران مجرد (دمّلة) بحاجة الى ضربة أميركية عاجلاً أم آجلاً18. هذا فضلاً عن تصريحات مشابهة وتحريضية من بعض مسؤولي دول الخليج مثل ولي عهد البحرين19.

وحين يطرح موضوع الملف النووي الإيراني، نرى موقفاً خليجياً (مضطرباً)، فمرة يقبلون به إن كان (سلمياً) ويرفضونه إن كان (عسكرياً) ثم يتغير الموقف ليبدو حتى الجانب السلمي غير مقبول بالنسبة للسعودية وربما دول خليجية أخرى، والمطالبة بصورة غير مباشرة بإيقاف النشاط النووي الإيراني أياً كان شكله. ومرة أخرى يرفضونه بحجة احتمالية التلوث ووقوع كارثة (تشرنوبل ثانية) تصيب دول الخليج بالضرر، وثالثة بحجة التضامن مع موقف (المجتمع الدولي)، ورابعة بحجة جعل منطقة الخليج والشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، في إشارة الى القوة الصاروخية الإيرانية. إن هذا الإضطراب، ليس بسبب الشكوك في النوايا الإيرانية، ولا بالقدرة الإيرانية، بقدر ما هو انعكاس للموقف الأميركي بالتحديد20.

إن مجمل موضوع التسلح الإيراني، بما فيه الملف النووي، له بعدان سياسيان مؤذيان للسعودية:

الأول/ أن القوّة العسكرية الإيرانية قابلة للإستثمار السياسي، أي أنها تمنح النظام السياسي في طهران قوة سياسية في المنطقة العربية والعالم، وليس فقط بين دول الخليج.

الثاني/ إن تعاظم القوة العسكرية الإيرانية ترافق مع انتصارات للرؤية السياسية الإيرانية في العراق ولبنان وفلسطين على حساب الرؤية السياسية للسعودية وحلفاء أميركا الآخرين، ما أعطى ملف التسلح الإيراني بعد قلق آخر.

ما يلفت نظر المراقبين السياسيين هو أن هناك من جهة (تضخيماً) للهاجس الخليجي ـ السعودي بالتحديد ـ من القوة العسكرية الإيرانية، وهو تضخيم يتوازى مع ما يقوم به الأميركيون والأوروبيون، وهو ما جعل الموقف السعودي من التسلح الإيراني يتغير بشكل داراماتيكي21. ومن جانب آخر هناك (تهويناً) من قلق إيران الأمني وهي المحاطة بقوى نووية والمهددة بالغزو العسكري أو الضربات العسكرية الإستباقية الإسرائيلية وكذلك الحصار الإقتصادي.

ولعلّ المشكل يكمن في حقيقة اختلاف الرؤية بشأن مصادر الخطر بين البلدين: السعودية ترى إيران الخطر الأول على أمنها والمنافس الأول لزعامتها؛ وإيران ترى أن أميركا واسرائيل يشكلان الخطر الأول على أمنها. وبالتالي فإن قدراتها التسليحية ومناوراتها العسكرية موجّهة بالتحديد لمواجهة ذلك الخطر، وهو أمرٌ لم يقدّره السعوديون والخليجيون، وهو ما تعكسه التصريحات الخليجية عامة22، وبيانات قمم مجلس التعاون الخليجي منذ وقت مبكّر23، وكذلك الكتابات الصحافية الخليجية الكثيرة التي تحوي تحريضاً صريحاً ومبطناً ضد ايران واعتبارها العدو الأول وليس اسرائيل24. وحتى الآن فشلت كل التصريحات الإيرانية والوفود الرسمية في تهدئة المخاوف الخليجية، الحقيقية أو المفتعلة.

وجهة العلاقات المستقبلية

ما هو المطلوب أو ما هي صيرورة العلاقات السعودية الإيرانية؟

بات واضحاً حتى الآن:

* أن العامل الإقتصادي في العلاقات بين البلدين ليس محورياً رئيسياً تُبنى عليه علاقات سياسية ثابتة. فالسعودية كما الدول العربية الأخرى، تقدم خياراتها السياسية على مصالحها الإقتصادية، كما هو واضح، وفي الغالب يتم التضحية بالمصالح الإقتصادية على حساب المصالح الأمنية للأنظمة القائمة. ومع أن العامل الإقتصادي الإيراني يبدو فاعلاً في العلاقات الإيرانية مع كل من روسيا والصين والهند وحتى تركيا والباكستان، فإن ذلك العامل لا ينظر اليه بمعزل عن خيارات تلك الدول الإستراتيجية الأمنية والسياسية. وبالنسبة للسعودية، فإنها عودّتنا على النظر اليها كقوة تضحوية بمصالحها الإقتصادية مقابل خياراتها الأمنية والاستراتيجية25.

* أن الملفات السياسية الساخنة في العراق ولبنان وفلسطين تشكل صدعاً في العلاقات بين البلدين، ومن وجهة نظر السعودية يمكن أن يهدأ القلق الأمني الخليجي (وليس ينتهي) في حال تمّ احتواء (التمدّد الإيراني في العراق) وتم تقليص نفوذ حزب الله في الشأن السياسي اللبناني وتم تجريده من سلاحه، وكذلك إذا ما خضعت حماس لمحمود عباس، وإذا ما تطبّعت من جديد العلاقات السورية/ السعودية بحيث تخضع الأولى لإرادة الثانية فيما يتعلق بملف الصراع العربي الصهيوني. بمعنى آخر: إذا ما تمّ (تجميد) (وليس تحييد) تمدد النفوذ السياسي الإيراني في هذه الملفات، والذي كشف السياسة الخارجية السعودية وأضعفها.

* أن مظلة الأمن في الخليج لا يمكن أن تنجح وفق الرؤية الأميركية التي تستبعد العراق وإيران. هذا بديهي، لأن دول مجلس التعاون الخليجي غير قادرة على حماية نفسها من البلدين في حال الصراع، ولأن توفير مظلة أمنية بعيداً عنهما كما في سياسة (الإحتواء المزدوج) أثبت عدم فعالية وأنه غير عملي. كما فشلت القوة البديلة التي تشكلت من دول الخليج إضافة الى مصر والسعودية، كما فشل مجلس التعاون الخليجي نفسه في تحقيق الأمن الذي كان أحد الدوافع الأساسية لتشكيله. وأخيراً قامت دول الخليج بعقد اتفاقيات أمنية منفردة مع الولايات المتحدة الأميركية، وزيادة النفوذ العسكري الأميركي في الخليج، عبر منحها المزيد من التسهيلات والقواعد العسكرية، وهذا أجّج عدم الإستقرار بدل أن يحققه. وفي النهاية لن يكون هناك حل سوى احتواء ما يعتقده الخليجيون خطراً إيرانياً/ عراقياً (ضمن نظام أمني إقليمي جمعي)26 قد يستظلّ بشرعية دوليّة تضمنه (الأمم المتحدة مثلاً).

* أن السياسة القائمة على (التهميش) او (الحرب) على إيران أمرٌ ثبت فشله أيضاً، وإنه ليس من مصلحة دول الخليج نفسها، فالإيرانيون لم يوفروا التهديد بأنهم لن يسمحوا للنفط بالتصدير إن حرموا هم من ذلك. فضلاً عن أن الحرب الأميركية الإيرانية قد تؤدي الى إغلاق مضيق هرمز وضرب قواعد وقطع بحرية أميركية في دول الخليج نفسها، اي ان هناك احتمالاً بقيام حرب اقليمية أوسع مما خطط له الرئيس السابق بوش.

وعليه أين المخرج؟

من وجهة نظري، فإن العلاقات السعودية والإيرانية تحتاج ـ في النظر اليها ـ رؤية مختلفة، تلحظ التالي:

أولاً/ إن الطبيعة التنافسية بين البلدين تحتاج الى تأطير. ليست إيران هي من يبحث عن اعتراف بدورها في المنطقة، وهو دور ملموس وواضح في كافة الملفات حتى وإن لم يعترف بذلك أميركياً. إن من يحتاج الى الإعتراف بدوره على أرض الواقع هي السعودية التي تخسر على الأرض الكثير من مواقعها. بصورة أوضح: إن إيران مدعوّة لتقاسم الدور مع السعودية في الملفات المشتركة. ومع أن إيران تقول بذلك وتصرح به، إلا أن ما يعتبر (نجاحاً إيرانياً ساحقاً) همّش بشكل كبير دور السعودية، وبالتالي فإن الموضوع ليس مسألة منافسة (شريفة مسالمة) بين طرفين، أدّت في النهاية الى (غالب ومغلوب) على أرض الواقع، بل نظر اليها سعودياً وكأنه تهميش وقفز على دورها المحوري في المنطقة. وعليه فالمطلوب إفساح إيراني للسعودية بأن تمارس دوراً حقيقياً يراعي مشكلات القصور والتقصير في السياسة الخارجية السعودية. إذا تمّ ذلك في إطار شراكة استراتيجية أوسع، وتوضّحت الحدود، يمكن أن تنطلق المسائل الإقتصادية والسياسية والأمنية الى مديات واسعة وبعيدة.

إن مشاريع ايران الأمنية التي يطرحها المسؤولون الإيرانيون يفترض ان تلحظ البعد الحساس بالنسبة للسعودية ومكانتها الخليجية والعربية والإسلامية. لا يقبل السعوديون بأي توضيح لا يرى دورهم المفترض وليس بالضرورة الحقيقي على الأرض، أو حتى حجمهم الواقعي، فهم خاسرون في المنافسة. وما لم يضمنوا بأن دورهم ومكانتهم ستحظى بالإحترام، فإنهم سيعملون على تعطيل مفاعيل العلاقات الإيرانية مع عدد غير قليل من الدول العربية والإسلامية، ولعل قطع العلاقات المغربية الإيرانية دليل على ما يمكن للسعودية ان تقوم به. بيد أن مشروع السعودية السياسي مؤسس على الصدام مع ايران والتنافس معها والإنضواء مع السياسة الأميركية، أي أن الخلاف قائم على رؤيتين واستراتيجيتين مختلفتين، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق استراتيجية شراكة بين البلدين، وإن كان ذلك غير مستحيل الحدوث.

ثانياً/ السعودية كما إيران بحاجة الى إعادة استكشاف الآخر عن قرب، وإعادة تقييم للعلاقات بين البلدين بمنظور مستقبلي. فالسعودية يقلقها ـ مثلاً ـ احتمالية إعادة العلاقات الإيرانية الأميركية، أكثر من قلقها ـ ربما ـ من شنّ أميركي الحرب على ايران. إن قيام علاقات إيرانية أميركية بإمكانه أن يطيح بالنفوذ السعودي الى أبعد الحدود، ويجعل من إيران ـ فيما لو حدث ذلك وهو مستبعد في المدى القريب ـ قوة مهيمنة في مسائل الشرق الأوسط وفي مقدمتها أمن الخليج. وهذا يفترض أن يدفع بالسعودية وحتى مصر الى التفكير مليّاً في هذا الإحتمال، ويعيدوا تقييم سياستهم الخارجية تجاه إيران ليس على قاعدة العداء المطلق والشك المستدام، خاصة وأن السعودية تعرضت الى انتكاسة في مكانتها الدولية منذ سقوط الإتحاد السوفياتي/ الشيوعي، وزادت المشكلة بعد تفجيرات 9/11 الأمر الذي لم يتح لها إلا هامشاً قليلاً من المناورة السياسية في انتقاء سياساتها الخاصة بها.

فضلاً عن ذلك، فإن تقييمات غربية تحدثت عن أن الإستراتيجية الأميركية قائمة على (تهميش دور السعودية) ليس فقط بين دول الخليج، حيث احتلت أميركا عبر الإتفاقيات الإقتصادية والأمنية الفردية مع كل دولة خليجية مكانة السعودية وهمشتها كثيراً، الى حد أن السعودية عبرت عن انزعاجها من ذلك مراراً.. ليس هذا فحسب، بل شمل الأمر الرؤية الإستراتيجية المنظمة لموقع السعودية ضمن خارطة الإستراتيجية الأميركية. فحسب قراءة لمايكل دايف لمجلة جينز نشرت في مايو 2005 فإن ميزان القوى في الخليج يشهد إعادة هيكلة جذرية، ستتغير بموجبه طبيعة الدور العسكري الأميركي، وهيكل العلاقات مع الحلفاء الإقليميين. ويشير الكاتب الى توقف المحاولات الأميركية (لجعل السعودية في قلب الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية، وبدلا من ذلك بدأ نهج جديد قوامه تطوير علاقات ثنائية قوية مع دول الخليج الصغيرة). ولاحظ الكاتب أن محور السياسة الخارجية الإيرانية هو (استبعاد ضامني الأمن الخارجيين) ويرى أن هدف التسلح الإيراني بما فيها السلاح النووي المزعوم: (ردعي دفاعي، وليس تلبية لطموحات توسعية) وأن تطوير إيران لدفاعاتها وأسلحتها (يستهدف صد واحتواء التحديات للمصالح الإيرانية والتهديدات الخارجية لبقاء النظام). ويتابع بأن السياسة الأمنية الإيرانية قائمة على ضبط النفس وتطبيع العلاقات الإقليمية والدولية، ولكنها قد تتحول الى تبني استراتيجية الهجوم في حال تعرضت ايران لتهديدات جوهرية لبقاء نظام الحكم فيها.. أي أن (الدافع الأكثر احتمالا لإحداث تغيير في سياسة إيران الخارجية هو وجود تهديد لبقاء النظام نفسه، تهديد حقيقي في شكل غزو عسكري أو إجراء سري ترعاه الولايات المتحدة، الأمر الذي سيغير من سياسة إيران الخارجية كلية).

لم تعد إيران وحدها منبوذة في استراتيجية الولايات المتحدة، بل أن السعودية نفسها تتعرض لتهميش في دورها خليجياً لصالح الوجود الأميركي المباشر في دول الخليج الأخرى التي نقلت الولايات المتحدة اليها قواعدها العسكرية. يقول دايف: (في الوقت الذي يتم فيه العمل على إيجاد حلفاء عسكريين أقوياء للولايات المتحدة في الخليج، تم تهميش الدعامتين السابقتين لقوة الولايات المتحدة في المنطقة، ألا وهما إيران والسعودية).

ما نريد أن نصل اليه هنا، هو أن السعودية بحاجة الى تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة من الزاوية الأمنية، ومن زاوية الدور الموكول اليها في المستقبل، فلربما أصبحت ضحيّة هي الأخرى ليس في مجال استبعاد مصالحها في محيط الجزيرة العربية، بل قد يتطور الأمر الى محاولة إسقاط النظام فيها أو حتى تقزيم الدولة بتقسيمها بحجة أو بأخرى (رعاية الإرهاب السلفي مثلاً). الولايات المتحدة لا تريد دوراً لا لإيران ولا للعراق ولا للسعودية في تقرير أمن الخليج، وهذا هو الأساس الإستراتيجي الذي يفترض أن تُبنى عليه الإستراتيجية الأمنية المستقبلية. إن هذا يدفع باتجاه تنشيط العلاقات الإيرانية السعودية (وهذا ما توقعه دايف)، والسعودية العراقية، وكذلك العلاقات السعودية مع كل من الصين والهند واليابان والباكستان، على الأقل للمساومة بها كورقة مع الأميركيين، وإيجاد توازن يخدم بقاء النظام في المملكة.


1 في مايو 1998 وقعت السعودية وايران اتفاقات شاملة في حقول عديدة عسكرية وثقافية وتجارية واقتصادية ونفطية وصناعية وزراعية وصحية، وبعد زيارة رفسنجاني في 1998 تبادل البلدان وفوداً تجارية وزيارات بين مسؤولي غرف التجارة، ولقاءات مشتركة أثمرت اتفاقات في موضوعات الأبحاث التقنية، وتبادل الخبراء والمهارات، والتدريب المشترك، وتأسيس مراكز أبحاث، ومؤتمرات ثقافية، وتعاون بين الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى، وتأسس إثر ذلك (1998) لجنة وزارية مشتركة تجتمع سنوياً لمراجعة تطبيق الإتفاقيات بين البلدين. وتطور التبادل التجاري بين البلدين بشكل سريع بين 1999-2002، الى ثلاثة أضعاف، وأقامت ايران عدداً من المعارض التجارية في الرياض وجدة والظهران، وبدأت البضائع الإيرانية والسعودية تتدفق على اسواق البلدين. وفي نوفمبر 1999 أقيم معرض في طهران للبضائع السعودية رافقه وزير الصناعة والكهرباء وبمعيته وفد من رجال الأعمال بلغ عددهم 117. وحتى عام 2003 كان هناك 12 مشروعاً استثماريا مشتركا. ومن جهة أخرى كان متوقعاً ان تكون ايران من أكبر شركاء السعودية التجاريين وأن تكون ايران محطة هامة لصادرات دول الخليج باتجاه آسيا الوسطى. على صعيد آخر، عادت الخطوط الإيرانية للعمل في مايو 2000، في حين حطت أول طائرة سعودية مطار طهران في يناير 2001. وانعكس تطور العلاقات السعودية الإيرانية على النفط حيث عمل البلدان عام 2002 مع أعضاء أوبك الآخرين لخفض الإنتاج، الأمر الذي سمح بارتفاع تدريجي لأسعار النفط. وأخيراً، كان هناك حراك باتجاه تجسير ثقافي بين البلدين لم يتعدّ الأطر الرسمية، حيث قامت وفود إيرانية أكاديمية بزيارات الى السعودية، وشارك بعضها في مناسبات ثقافية سعودية، كما أُقيم أسبوع ثقافي سعودي في طهران. وحتى موضوع الحج، الذي كان أحد أسباب توتير العلاقات بين البلدين في الماضي الى حد قطع العلاقات بين البلدين عام 1989 توصل الطرفان بشأنه الى نقاط اتفاق، فلم يعد اليوم يشكل مصدراً للتوتر.

See: Saleh Alkhatlan, Saudi – Iranian relations: Implications for Gulf Security, in Bridging A Gulf: Peacebuilding in West Asia, ed. Majid Tehranian, IB Tauris (London 2003). pp 55-58.

وهناك اتفاقات تم إبرامها شملت جوانب استثمارية ورياضية وفنيّة وقضائية واتفاقات تتعلق بالنقل الجوي، ونقل المياه إلى السعودية، وتأسيس مصنع للحافلات الإيرانية. زد على ذلك الأهمية الإستثنائية للإتفاقية الأمنية السعودية الإيرانية التي وقعها الأمير نايف بن عبدالعزيز في 17/4/2001، والتي اعتبرت تدشيناً لمرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين. حسب الصحافة الإيرانية (جريدة اطلاعات) فإن الإتفاقية الأمنية شملت مواضيع: تحجيم نشاطات المعارضين في البلدين، أن تمد إيران السعودية بالمعلومات اللازمة فيما يتعلق بدخول أي مواطن سعودي إلى إيران، ولأي سبب دخل، اضافة الى موضوع تبادل المجرمين، وتبادل الخبرات الأمنية، وغيرها.

2 انظر مثلاً:

Abdulaziz Bashir and Stephen Wright, Saudi Arabia: Foreign Policy after the Gulf War, Middle East Policy, Vol. 1, issue 1, 1992, p 107.

Peter W. Wilson and Douglas F. Graham, Saudi Arabia: The Coming Storm (NY, US, 1994), p. 87.

3 Mark N. Katz, Yemeni and Saudi Security, Middle East Policy, Vol. 1, Issue 1, 1992, p. 128.

4 Peter W. Wilson, op. cit., p. 117.

5 Peter Wilson, op. cit., p. 105.

6 ibid, p. 118.

7 R. K. Ramazani, The Emerging Iranian Rapprochement: Towards an Integrated U.S Policy in the Middle East?, Middle East Policy, Vol. 1, Issue 1, 1998, pp. 45-46.

8 انظر: ريمون ماهر كامل، الإتفاق الأمني الإيراني السعودي: خطوة نوعية على طريق التقارب، مختارات إيرانية - العدد 13- أغسطس 2001م.

9 محمد علي الفائز، العلاقات السعودية الأميركية تدخل مرحلة كسر العظم: من بسط الحماية الى التهديد بالتقسيم، شؤون سعودية، العدد 1، فبراير 2003، ص 34-39.

http://www.saudiaffairs.net/webpage/sa/issue01/pdffolder/saudi1.pdf

accessed on 03/01/2008

10 Ramazani, op. cit., pp. 46-47.

11 Saleh Alkhatlan, Saudi – Iranian relations: Implications for Gulf Security, in ed. Majid Tehranian, Bridging A Gulf: Peacebuilding in West Asia, IB Tauris (London 2003), p. 55.

12 Hooman Peimani, The Ties that Bind Iran and Saudi Arabia, Asia Times online, 16/8/2002.

http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/DH16Ak01.html

accessed on 6/12/2007.

13 Abdulaziz Sager, Saudi Arabia, Iran and the Search for Regional Security, Arab News, 28/6/2005. http://www.saudi-us-relations.org/newsletter2005/saudi-relations-interest-06-28.html

Accessed on 03/01/2008.

14 قال الرئيس المصري في حديث لقناة "العربية" بتاريخ 8/4/2006، حينما سئل عن التأثير الإيراني في العراق: (بالقطع إيران لها ضلع في الشيعة.. الشيعة 65 بالمئة من العراقيين، وهناك شيعة في كل هذه الدول وبنسب كبيرة، والشيعة دائما ولاؤهم لإيران. أغلبهم ولاؤهم لإيران وليس لدولهم).

15 Abdulaziz Sager, op. cit.,..

16 صرح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح، صرح في الحادي في 11/6/2007، رداً على سؤال الصحفيين عما إذا كانت الولايات المتحدة طلبت من الكويت استخدام أراضيها لضرب إيران، قائلا: (إن امريكا لم تطلب مثل هذا الطلب... وحتى لو طلبت فإننا لن نسمح به أبدا). وصرح وزير الداخلية السعودي الأمير نايف في 17/6/2007: (إن دول الخليج العربية لن تكون منصة لأي هجوم عسكري على ايران). وسبق لرئيس دولة الإمارات أن قال في مقابلة مع الحياة في 26/4/2007، بأن بلاده ليست طرفاً في النزاع بين إيران والولايات المتحدة (وإننا لن نسمح باستخدام أراضينا لشن أعمال عسكرية أو أمنية أو تجسسية ضد إيران). ويتساءل عادل مراد، السفير العراقي في رومانيا في تعليقه على هذه التصريحات: (فهل حقاً لن تدعم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي أي ضربة عسكرية ضد إيران، وأنها لن تسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية والتسهيلات الممنوحة لها على أراضيها وفي أجوائها من أجل توجيه مثل هذه الضربة؟) ثم يستعرض حجم الوجود الأميركي العسكري في دول الخليج، وتجربة احتلال العراق ليصل الى نتيجة (مغمغمة) بأن دول الخليج لا تستطيع أن تمنع أميركا من شن هجوم على ايران من اراضيها. انظر: عادل مراد، أميركا وايران ودول الخليج.. ملامح حرب ثالثة، موقع إيلاف، 31/10/2007

http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2007/10/276133.htm

accessed on 03/01/2008

17 Rolin G. Mainuddin and Joseph R. Aicher Jr and Jeffery M. Elliot, Fron Alliance to Collective Security: Rethinking the Gulf Cooperation, Middle East Policy, Vol. 4, Issue 3, 1996, p. 48.

18 انظر مقالة مشاري الذايدي، نيران ايران، الشرق الأوسط 25/9/2007

http://asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=438602&issue=10528

accessed on 01/01/2008

19 صرح الشيخ سلمان ولي عهد البحرين لصحيفتي التايمز والديلي تلغراف البريطانيتين في 2/11/2007، بأن ايران تسعى لامتلاك قنبلة نووية، وأنه يريد أن تستشير أميركا بلاده قبل ان تشن الحرب عليها.

20 مثلاً: حثّت أميركا دول الخليج لتطالب ايران بإيقاف مشروعها النووي كيما تستكمل حلقات اتهامها لها. وروجت أميركا فيما بعد بأن (البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدا لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط)، و (أن واشنطن تدرس سبل تنسيق سياستها تجاه إيران مع دول الخليج العربية) كما صرح بذلك مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون ضبط التسلح أثناء زيارته لمنطقة الخليج في فبراير 2005. وهناك ايضاً تصريح السفير الأميركي في الكويت في كلية مبارك العبدالله العسكرية في مايو 2005، حيث تهجم خلالها على ايران، واعتبرها العدو الأخطر لدول الخليج، وطالب الأخيرة بأن تقف مع واشنطن لتحييد ذلك الخطر.

21 حين سئل وزير الدفاع السعودي (ولي العهد) الأمير سلطان بن عبدالعزيز أثناء زيارته لإيران: هل تعتبر القدرات التسليحية الإيرانية خصوصاً القدرات الصاروخية تهديداً للسعودية والدول العربية في الخليج؟ أجاب سلطان: (هذا ما يقوله الأجانب، أما نحن فنقول أن القوة الإيرانية هي قوة للمسلمين). مثل هذا التصريح النادر جاء في سياق ترطيب العلاقات الإيرانية السعودية.

22 خذ مثلاً تصريح أمير دولة قطر أثناء إحدى زياراته لواشنطن، حيث قال: (إننا في قطر لا نريد رؤية الأسلحة النووية في منطقة الخليج)، وذلك دون الإشارة صراحة إلى إيران. كما صرح وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح بأن (إيران تشكل خطرا استراتيجيا بعيد المدى على دول الخليج في ضوء تطويرها أسلحة دمار شامل).

23 في القمة الخليجية التي عقدت في يناير 1992، ودون اشارة صريحة لإيران، دعا البيان الختامي إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة للعمل على منع انتشار التكنولوجيا المتعلقة ببحوث أسلحة الدمار الشامل وإنتاجها في منطقة الخليج، والسعي لتعزيز نظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية وزيادة فعاليته. وفي بيان قمة الدوحة الختامي 1996 جاءت الإشارة صريحة لإيران، حيث أكد: (قلق المجلس من سعي إيران المتواصل لاقتناء وبناء ترسانات من أسلحة الدمار الشامل وقدرات تسليحية تقليدية وغير تقليدية تفوق الاحتياجات الدفاعية المشروعة). في بيان قمة مجلس التعاون عام 1997 جاء الحديث عاماً، حيث طالب المجلس بالعمل على (جعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منظمة الخليج منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية).

24 من نماذج التحريض السياسي والطائفي ضد التسلح الإيراني والمناورات العسكرية ما كتبه د. محمد المسفر حيث انتقد ما أسماه (سياسة الإسترضاء الخليجية لطهران) وشبهها باسترضاء هتلر والنازيّة الألمانية: (أريد تذكير هؤلاء الساسة أتباع المدرسة الواقعية بان سياسة الاسترضاء التي اتبعتها بعض الدول الغربية تجاه ألمانيا النازية قادتهم إلى حرب عالمية ثانية خلفت مآسي إنسانية واقتصادية ما زالت أوروبا والعالم يعاني منها حتي يومنا هذا). انظر: محمد المسفر، المناورات العسكرية الإيرانية وأمن الخليج العربي، القدس العربي، 11/04/2006.

25 يمكن فهم مسألة التسلح السعودي برمته من زاوية المصالح الأمنية والخيارات السياسية (وليس العسكرية بالضرورة). وبإمكاننا وفق هذا الأمر ان نفهم لماذا تصر السعودية على زيادة انتاجها النفطي وإصرارها على أسعار منخفضة وكذلك إصرارها على التعامل بالدولار وربط عملتها بقيمته رغم ما يكلفها ذلك من خسائر بعشرات المليارات من الدولارات. زد على ذلك سياستها في استثمار أموالها في سندات الخزانة الأميركية وغير ذلك من السياسات.

26 Rolin G. Mainuddin and Joseph R. Aicher Jr and Jeffery M. Elliot, Fron Alliance to Collective Security: Rethinking the Gulf Cooperation, Middle East Policy, Vol. 4, Issue 3, 1996, pp. 45-46, 49.

الصفحة السابقة