الإستعلاء والتكفير وتمويل العنف كان سبباً

المزيد من التوتر في العلاقات السعودية العراقية

فؤاد المشاط

كما يتوضح من مقالات هذا العدد، فإن السعودية دخلت في معارك متعددة أكبر من حجمها ومن إمكانياتها. هي في عداء حاد مع ايران لم يظهر منه إلا القليل في الإعلام، وهي في صراع جديد مع الإمارات، ومع السودان، ومع العراق، ومع نصف اللبنانيين على الأقل، ومع ليبيا، ومع سوريا (تخفيف اللغة وحمل هراوة كبيرة) ومع دول أخرى بصورة أدنى. وعلى المستوى الديني والإجتماعي، فإن للسعودية كأيديولوجيا وكسياسة وكإعلام صراع مع أكثرية علماء السنّة الأشعريين، ومع الصوفية بمختلف تنوعاتهم، ومع الشيعة علماء وأفراد، فالوهابية تكفر كل هؤلاء. فضلاً عن وجود مشاكل سعودية داخلية مع تيارها الوهابي العنفي، ومع التيار التقليدي الوهابي المتخلف، ومع التيار الوهابي الصحوي الإنتهازي، ومع الجنوب الإسماعيلي، ومع الحجاز الصوفي والسنّي المعتدل، ومع الشرق الشيعي. زد على ذلك، هناك مشاكل سعودية تتعلق ببنية النظام، العجوز الهرم غير القادر على إصلاح نفسه، والمتمنع على الإصلاح، وهناك الفساد الذي يكاد يقضي على الدولة ويلتهمها، وهناك الخلافات داخل العائلة المالكة ومشكلة القيادة، وهناك أفواه ملايين تبحث عن لقمة العيش، وملايين تبحث عن بيت يؤويها، وملايين تبحث عن وظيفة، وملايين تبحث عن خدمات الدولة الصحية والتعليمية وغيرها فلا تجدها.

العراق الذي صمت طويلاً على تعديات السعودية وتمويلها للعنف المحلي، نطقت أخيراً بعد أن استشعرت شيئاً من القوّة. قال المالكي ـ رئيس الوزراء العراقي ـ في أواخر مايو الماضي بأن (العراق نجح في الانفتاح على أكثر الدول، ولكن لدى السعودية مواقف سلبية). وأضاف: (بادرنا لإيجاد علاقة طبيعية وايجابية مع السعودية، لكن المبادرة فهمت سلباً وضعفاً). وأكد (الاستعداد لتقبل مبادرة سعودية، لان المبادرات من الجانب العراقي استهلكت، ولا جدوى من تكرارها، ما لم يصدر عن السعودية أي رغبة واضحة بتحسين هذه العلاقات).

ما كان يريد المالكي قوله، بأن السعودية تتعامل بتعال مع العراقيين، وهذا دأبهم في الحقيقة مع الآخر، إلا أن يكون من أصحاب العيون الزرق! مجموعة قضايا محور الخلاف بين البلدين: عدم فتح السعودية لسفارتها في بغداد نكاية بالنظام الجديد وعدم اعتراف به لأسباب طائفية، تمويل العنف وعدم الإستقرار عبر أموالها ومقاتليها، فشل الإتفاقية الأمنية بين البلدين التي روج لها موفق الربيعي، تكفير الشيعة وعلمائهم خاصة وأن هناك علماء في السلطة السياسية.

وقد ردت السعودية، وردت صحافتها على تصريحات المالكي. قال طارق الحميد (الشرق الأوسط 30/5/2009) الذي كان عنوان مقالته: (عندما قفز المالكي من النافذة) بأن تصريحات المالكي مستفزّة، وأنها تهديدية، واعترف بأن (علاقة الرياض ببغداد ليست إيجابية) وأن هناك (تجاهل سعودي لشخص نوري المالكي). واعتبر الحميد المالكي جاهلاً بالسياسة وأنه لا يفهم المنطقة من حوله، وسخر بأن جيران العراق (لن يرضخوا لصدام صغير، وجديد).

هذه الروح السعودية الإستعلائية ليست مستغربة، وهي التي أوردت السعوديين في مشاكل حادّة مع الآخرين، حتى الخليجيين منهم. ويبدو أن الحكومة العراقية لا تستشعر أهمية كبيرة من فتح السفارة السعودية في بغداد، بعد أن فتح العالم كله بما فيها دول الخليج سفاراته، كما أن تحسن الوضع الأمني أطلق ألسنة النقد السنيّة والشيعية والكردية للحكومة السعودية بشكل خاص. وجاءت تصريحات الكلباني، إمام الحرم المكي، التي كفّر فيها علماء الشيعة، لتزيد الطين بلّة، فيما وصف شيخ وهابي آخر (عبدالعزيز العبداللطيف) الشيعة بأنهم انفلونزا خنازير، ما يعني وجوب القضاء عليهم، الأمر الذي دفع بالضغط الشعبي على الحكومة الى حدوده القصوى، حيث النقد المتواصل للمالكي الذي (يتملّق السعوديين).

حتى مجلس النواب العراقي ناقش تلك التصريحات وأصدر بياناً ندد فيه بتصريح الكلباني وطالب الحكومة السعودية بأن تأخذ على يده وأن تحرص على وحدة المسلمين، وأن تعتذر عن تلك التصريحات المسيئة، ودعا البرلمان الحكومة العراقية الى إقامة دعوى قضائية ضد الكلباني واتخاذ جميع الاجراءات القانونية الكفيلة برد الاعتبار للعراقيين.

وحسب القدس العربي، فإن مراجع شيعة استفزوا كثيراً بتكفيرهم من قبل الكلباني، وأصدروا بيانات منددة، وحتى مرشد الجمهورية الإيرانية وجد نفسه مضطراً للتنديد بالوهابيين في تصريح علني نادر (13/5/2009) قال فيه بأنهم ينفذون مخطط التفرقة بين المسلمين بعلم أو بغير علم من خلال تكفيرهم أتباع المذاهب الإسلامية سواء من السنّة او الشيعة. ووصف الوهابيين الذين يثيرون الفرقة بين المسلمين بالمرتزقة للأعداء، وأن من يثير الفرقة (ليسوا من الشيعة ولا من السنّة، وإنما هم أعداء للإسلام). ولم ترد السعودية ولا مؤسستها الدينية على نقد خامنئي، فذلك يفتح معركة لم تكن السعودية مستعدّة لها، خاصة وانها شعرت بالإحراج من مثل تلك التصريحات التي أطلقها شيوخها، والتي وترت علاقاتها مع العديد من الدول سابقاً ولاحقاً، مثل ليبيا والسودان فضلا عن ايران والعراق ولبنان.

الصفحة السابقة