الإصلاح السعودي في تقدّم!

تأجيل الإنتخابات البلدية تمهيداً لإلغائها

ناصر عنقاوي

كما كان متوقعاً، فقد أعلنت الحكومة السعودية في 18/5/2009 تأجيل الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها نهاية العام، وذلك لمدة عامين بحجة دراسة التجربة واستخلاص العبر منها، فيما طفق موالون يمتدحون القرار الرسمي منددين مسبقاً بالتجربة، في حين نشرت عدة مقالات محلية قبل وبعد التأجيل تحذر من مغبّة وتنتقد التأجيل، بأية حجة كانت.

الإنتخابات البلدية جرت لأول مرة قبل نحو أربع سنوات، وكانت المشاركة فيها ضعيفة، حرمت فيها المرأة من الترشح والإنتخاب، وكانت التجربة قد بدأت بسبب الضغوط المحلية والخارجية المتواصلة على الحكومة السعودية في سبيل تحقيق انفراج سياسي داخلي، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.

يومها رضخت العائلة المالكة وأجرت الإنتخابات. ورغم محدودية التجربة، كونها انتخابات غير كاملة، بمعنى أن الحكومة تعيّن نصف أعضاء المجلس البلدي، وتمنع مشاركة المرأة، فإنها قامت أيضاً بتفريغ المجالس البلدية من مقومات وجودها، بتقليص الصلاحيات ومضايقة الأعضاء أكثر وأكثر، ما أدّى الى استقالة البعض وتراجعهم.

ما يفسر القرار الأخير، هو أن الضغط الدولي زال، وأن جناح التشدد في العائلة المالكة قد تغلّب على ما يزعم من تيار للإصلاح، وبسيطرة نايف على القرار، فإنه أراد إلغاء النتوء الشاذ (الإنتخابات البلدية) ليكون وجه المملكة متناسقاً بلا رتوش ولا تلميع ولا ماكياج! وهو ما حدث.

انتخابات 2005م البلدية لن تتكرر رغم محدوديتها!

قرار التأجيل لم يلق اعتراضاً خارجياً كما هو متوقع خاصة من الحليف الأميركي والغربي، الذي طبّل للإصلاحات في السعودية، وكانت كل استشهاداته تعتمد على تلك الانتخابات البائسة. في السعودية تسمع كلاماً كثيراً وترديداً متكرراً لمفردة (الإصلاح) ولكن على أرض الواقع لا تجد شاهداً يمكن الإتكاء عليه يثبت أن هناك في الأساس عملية إصلاحية سياسية كانت أو إدارية بيروقراطية أو اقتصادية او دينية. كل ما يحدث وما يكتب عنه وينشر يشير الى المزيد من التراجع والتشدد.

وحتى على الصعيد الداخلي، مضى القرار وكأنه مسألة اعتيادية، فالإنتخابات البلدية بصلاحيات محدودة وبتعيين نصف الأعضاء، كشف عن هزال الإصلاح، وعن هزال نتائجه، وبالتالي لم يتحسّر الكثيرون على غياب الإنتخابات البلدية، وليس المناطقية او البرلمانية اللتان لن تأتيا.

من الخطر أن يحارب الإصلاح باسم وبأدوات إصلاحية، فخير للشعب أن تكون الصورة واضحة أمامه، بدل أن تكون هناك انتخابات مفرغة من محتواها، وهيئات حقوقية حكومية تحارب حقوق الإنسان ولكن باسمها. خير لنا أن نواجه الواقع بلا تزييف وبلا رتوش.

وشكراً للمتشددين من العائلة المالكة، فقد أزاحوا كامل الأقنعة عن وجوههم.

إن ما جرى يثبت مرة أخرى بأن الإصلاح لم يكن في يوم ما خياراً لدى هذا النظام، بما يتطلبه من تغييرات بنيوية في الدولة، وإن توقيت القرار، في وقت تشهد فيه دول خليجية وعربية تجارب إنتخابية لافتة، يكشف عن أن النظام السعودي غارق في غيّه السياسي، كما يفصح عن استخفافه بتطلعات الناس ومطالبهم.

ومما لا شك فيه فأن الداعين الى إصلاح تدريجي اكتشفوا الآن أن العشرين عاماً التي وعد بها الملك عبدالله كمدة تستغرقها عملية الإصلاح السياسي وغيره!، لن تكون كافية للعائلة المالكة ولو بقيت في الحكم قرناً كاملاً آخر. فهذا النظام لا يقبل بالإصلاح لا متدرجاً ولا راديكالياً. هذه العائلة المالكة عدوة للإصلاح، شأنها شأن كل المستبدين وكل الأنظمة التسلطية في العالم.

سنّة المستبدين لم تتبدل يوماً، وإن المراهنة على العائلة المالكة بأنها ستقوم بإصلاح نفسها مسألة لا يمكن أن يؤمن بها إلا المخدوعون والجهلة. ليس هناك من حل إلا بالضغط الشعبي، والإصلاح لا يأتي إلا بدفع أثمانه، وإلا متى قدم مستبد على تقييد سلطته تطوّعاً؟!

إن الإنسدادات الحادة في الحياة السياسية في السعودية ترجح خيارات راديكالية تطالب بإسقاط العائلة المالكة، كما ترجح خيارات العنف ضدّها، فضلا عن ترجيح خيارات الإنفصال في مناطق عديدة عن الكيان النجدي المسعود والمتوهّب والمعتدي، ولا يمكن أن يتحمل مسؤولية ما سيجري مستقبلاً إلا العائلة المالكة وحلفاؤها النجديون ومؤسستها الدينية المتخلّفة.

الصفحة السابقة