أسرى سعوديون، ومئات الجرحى، وآلاف النازحين من القرى السعودية

السعودية تدخل (عش الدبابير) اليمني وتخسر المعركة

محمد السباعي

التحوّل سريع في مجريات الحرب اليمنية بعد دخول الجيش السعودي المعارك وقصفه بطائرات التورنادو والإف 15 المواقع الحوثية، وتغلغل القوات البرية السعودية مدعومة بالدبابات والمدافع الثقيلة الى كيلومترات عديدة في العمق اليمني. وقد فاجأ هذا التدخل السعودية والحماسة البالغة للإنخراط في الحرب المراقبين، وأخذهم على حين غرّة. فمن مجرد اشتباك محدود على الحدود قتل فيه جندي سعودي واحد، على هامش المواجهة بين القوات اليمنية والحوثيين عند جبل دخان، أصبحت المواجهة مفتوحة تتخذ أبعاداً طائفية وسياسية إقليمية، تُستدعى فيها نزعات شوفينية باسم الوطنية والدفاع عن الأرض، مثلما تستدعى فيها شعارات عروبية وأيديولوجيات دينية، تتخذ شعار (هبّت هبوب الجنّة، وينك يا باغيها ـ أي أينك يا طالبها) وهو شعار كان حصراً على حركة الإخوان (الجيش السعودي) حين كان يستخدم في معارك التوسعات قبل قيام مملكة آل سعود.

بداية التحول

مع أن السعودية ـ وكما أكدنا في أعداد سابقة من الحجاز ـ هي التي أشعلت الحرب السادسة، والحروب التي سبقتها، وهي التي تمولها، وهي التي تسلح الجيش اليمني أو تدفع فواتير تسلحه ورواتب ضباطه ورجال أمنه، وهي التي تحثّ القبائل الموالية على الحدود للإنخراط فيها الى جانب الجيش اليمني، وهي التي دعت حلفاءها الوهابيين في اليمن لتعزيز الهجوم الذي تقوم به القوات البرية..

ومع أن السعودية، أكدت مراراً دعمها للحكومة اليمنية، واستثنت من ذلك ـ حسب نائب وزير الداخلية السعودي الأمير أحمد بن عبدالعزيز ـ مساهمة الطيران السعودي في الحرب، وهو ما كان يؤكد عليه الحوثيون من أن الطائرات السعودية سبق وأن أغارت على مناطق يمنية.

ومع أن السعودية هي التي دفعت بخيار الحرب، وطلبت من حكومة اليمن التملص من (اتفاق الدوحة) الذي عقد العام الماضي بوساطة من الأخيرة، وعوضت الحكومة اليمنية عن ذلك بنحو مليار ونصف المليار دولار إضافية.

ومع أن السعودية جندت منذ اللحظات الأولى إعلامها في خدمة الحرب وعلي عبدالله صالح.. فإن الدخول الى قلب المعركة، جاء بتخطيط مسبق، حسب ما كشفت عنه وثائق حصل عليها الحوثيون من الجنود السعوديين المأسورين.

لم يكن افتعال المعركة لمجرد مقتل عنصر من حرس الحدود السعودي، والتهويل من حجم الخطر، ورفع شعار (الدفاع عن أرض المقدسات) بل لم يكن إعلان السعوديين الكاذب من احتلال الحوثيين لمجموعة غير قليلة من القرى السعودية، إلا تمهيداً لذلك التدخل المباشر.

المسألة بدأت بجبل الدخان المحاذي لصعدة والذي يطلّ من جهة على قرى سعودية ومن جانبه الآخر على مواقع حوثية. مساهمة في الجهد السعودي للجيش اليمني، سلمت الحكومة السعودية الجبل لقوات يمنية في حدود منتصف شوال الماضي لتطوق القوات الحوثية من الشمال كما من مواقع أخرى، الأمر الذي دفع الحوثيين لاحتلاله يومها، وجرى التفاوض مع السعوديين من أجل إعادة الموقع اليهم (شرط عدم تسليمه للقوات اليمنية) وشرط ان تمتنع السعودية عن التدخل في الحرب الدائرة بصيغة مباشرة. قبل السعوديون ذلك، كما تحكي أشرطة الفيديو على اليوتيوب والتي صورت المفاوض السعودي الذي قال بأن (لا دخل لنا في الحرب)!

قصف بالمدفعية الثقيلة

أُعيد جبل الدخان للسعوديين، ولكن الأخيرين أعادوا تسليمه للقوات اليمنية مرة أخرى يوم السبت الموافق 31/10/2009م، حسبما قال بيان للجيش اليمني ونشرته في اليوم التالي الأحد 1/11/2009 صحيفتا 22 مايو و26 سبتمبر الرسميتين. وحسب الصحيفة الأخيرة كان الخبر الرئيس وتحت عنوان: (الجيش يسيطر على جبل الدخان والتباب المجاورة له وواديي الموقد وليه ويستولي على كميات كبيرة من أسلحة الإرهابيين).. وجاء في الخبر: (علمت 26 سبتمبرنت إن أبطال قواتنا المسلحة والأمن سيطروا على جبل الدخان والتباب المجاورة له ومناطق أعلى وادي الموقد شمال غرب قرية المركاب الواقعة غرب جبل حرم والمواقع المشرفة على الوادي وتدمير أوكار الإرهابيين شرق المنزالة والتباب المطلة على وادي ليه وطرد العناصر الإرهابية منها والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقذائف الهاونات وار بي جي وألغام فردية ومضادة للدبابات وعدد من السيارات بالإضافة إلى بعض الوثائق والأشرطة وبطاقات شخصية).

صحيفة 22 مايو كان عنوان خبرها يوم 1/11/2009: (الجيش يسيطر على جبل الدخان وواديي الموقد وليه وضبط 39 متمرداً)، وجاءت بالخبر منسوباً لمصدر عسكري يمني حيث جاء: (قال مصدر عسكري إن أبطال القوات المسلحة والأمن سيطروا على جبل الدخان والتباب المجاورة له ومناطق أعلى وادي الموقد شمال غرب قرية المركاب الواقعة غرب جبل حرم والمواقع المشرفة على الوادي).

جبل الدخان إن كان سعودياً، فلماذا سمحت السعودية للجيش اليمني باستخدامه؟ وإن كان يمنياً لماذا اعتبرت تطهير الحوثيين له من القوات الحكومية بعد يومين، احتلالاً لأراضيها؟!

الذي حدث هو أن الحوثيين أجلوا بالقوة القوات الحكومية، وقتلوا عدداً من أفراد الجيش، وجاء على هامش المواجهة اشتباك مع حرس الحدود السعودي، قال البيان الرسمي السعودي، أنه أدى الى مقتل واحد من عناصر حرس الحدود وجرح 11، مع أن الأنباء تفيد بمقتل سبعة عناصر سعودية.

إهانة وطنيّة

هنا ثارت الثائرة السعودية، وصار الحديث عن اغتصاب أرض الوطن، وعلى الفور بدأت الطائرات السعودية بدك المواقع الحوثية في جبل الدخان وفي الملاحيط وغيرها ولم يهدأ قصف طائراتها وقصفها المدفعي حتى كتابة هذه السطور. ورغم أن الحكومة السعودية قالت انها استردت جبل الدخان، إلا أن الحوثيين نفوا ذلك، وأكدوا انهم سيعيدونه الى السعودية في حال تعهدت الأخيرة بعدم تسليمه مرّة ثالثة الى الجيش اليمني للإلتفاف عليهم.

الحكومة السعودية تعودت أن تقاتل بجنود الآخرين، كما اعتادت تمويل تمويل الحروب نيابة عنها، ولكنها هذه المرة اقتحمت الحرب بنفسها، بعد أن تأكدت من عجز الجيش اليمني في إنهاء المعارك، واعتبار الدعاية العسكرية اليمنية التي تتحدث عن انتصارات أمراً غير كاف لوقف التهديد الذي تعتقد أنه كبير لنفوذها السياسي الضارب في اليمن. وتشعر السعودية بأنها تواجه تحدياً حقيقياً إن خسر علي عبدالله صالح الحرب، فرأت أن تتدخل مباشرة، وهو أمرٌ حذر منه عبدالملك الحوثي ونصح السعودية بعدم الإقدام عليه، وعدم فتح أراضيها لقتالهم، ولكنها رأت غير ذلك، الأمر الذي ترجم بالسيطرة الحوثية على جبل دخان، وهو أقرب نقطة عسكرية هامة على الحدود اليمنية السعودية.

السعوديون أرادوا من موضوع جبل الدخان الدخول مباشرة في الحرب. يحدوهم في ذلك وهمٌ بأنهم قادرون على ما عجز عنه الجيش اليمني. السعودية وجدت أن الجيش اليمني المدعوم كاملاً من السعودية لم ينجح حتى الان، وربما كان هذا هو السبب في دخول السعودية على خط المواجهة العسكرية المباشرة.

تدفقت الآليات والمدرعات والدبابات السعودية على المناطق الجنوبية منذ الثالث من نوفمبر الجاري، ولاتزال، حتى بلغت القوات نحو خمسين ألفاً، عدا آلاف أخرى تتبع وزارة الداخلية وقواتها الخاصة. القوات السعودية جاءت من قاعدة خميس مشيط القريبة، ومن قاعدة تبوك الشمالية الغربية القريبة من الحدود مع اسرائيل، وجاء من تلك القاعدة الطيارون ولواء المظليين وقوات مدرعة، أخليت شوارع مدينة جازان وقراها لمرور قوافلها.

هذا ولازال مطار جازان المدني يغلق بين فترة وأخرى من أجل افساح المجال للقوات السعودية لإنزال قواتها وإمداداتها اللوجستية عبره. وقد أجلت السعودية مواطنيها القاطنين في القرى المحاذية للحدود اليمنية، والتي يبلغ عددها 240 قرية، وهي تستعد لاجلاء كثافة بشرية تزيد على مائة ألف أخرى من قرى العارضة، وهو امر اعتبره عسكريون مؤشر على أن السعودية تتجه للتدخل البري بكثافة في الحرب، خاصة وأن علي عبدالله صالح قال بأن الحرب لم تبدأ (إلا قبل يومين) مشيراً الى أنها اصبحت حرباً حقيقية بعد تدخل القوات السعودية.

وتفيد أنباء مطلعة بأن المواطنين في المناطق الحدودية، لا يرغبون في الحرب وآثارها، وينتقدون الحكومة السعودية لتدخلاتها المباشرة، كما أنهم يشكون من تأخر الحكومة السعودية في حل أزمات السكن للمواطنين الذين أجلوا من ديارهم. أما المثقفون السعوديون فيعتقدون بأن علي عبدالله صالح نجح في توريط السعودية في الشأن اليمني، فيما يقول آخرون بأن السعودية لم تعتقد أساساً أن تتطور الحرب وتأخذ هذه المدّة، خاصة وأن دعمها بالسلاح والمال والرجال (عبر رجال القبائل الموالين لها وكذلك متطرفي الوهابية والقاعدة) مستمر. وتخشى الحكومة السعودية بأن الجيش اليمني، الذي يتشكل في جزء كبير منه من الزيود لا يرغب في خوض الحرب.

لم يكن هدف السعوديين استعادة جبل دخان، بل كان الهدف (الوهم) هو القضاء على الحوثيين والى الأبد، كما تظهر ذلك منتجات الإعلام السعودي، الذي وصم الحوثيين بالشرذمة، والفلول، والفئة الضالة والعميلة والكافرة!

قصف بالمدفعية الثقيلة

وتحت شعار وهابي قديم يقول: (هبّت هبوب الجنّة وينك يا باغيها) استعدت السعودية لمعركة برية بعد قصف جوي مركز من طائرات التورنادو والإف 15، ولكنها أصيبت في أول تجربة بانكسار لها وذلك حين دخلت بعض القوات البرية السعودية ساحة المعركة يوم الجمعة 6/11/2009، وما لبث ان هرب الجنود السعوديون وقبض على أربعة منهم، قال خالد بن سلطان (وزير الدفاع الفعلي) أنهم (مفقودون) وأنه ليس هناك أسرى حرب!!

السعودية التي توقع الكثيرون أنها ستتروى في قراراتها قبل أن تقتحم أراضي اليمن، لما له انعكاسات خطيرة على وضع الرئيس اليمني ابتداء، وعلى القوات السعودية نفسها غير المؤهلة للقتال، خاصة قتال العصابات، تجد نفسها متحمسة كثيراً للمعارك، وتعتقد بأنها قادرة على وضع القوات الحوثية بين فكي الكماشة، وإنقاذ الجيش اليمني العاجز عن حسم المعركة لصالحه.

وفي هذا الإطار اعتقد كثيرون بأن الرئيس علي عبدالله صالح قد جرّ السعودية الى الحرب، في حين أكد آخرون بأن الحرب السادسة ما هي الا اختراع سعودي، حرضت عليها وموّلتها ولكنها لم تأت بما تشتهي. وفي هذا الإطار تتكرر في الإعلام شبه الرسمي الحكومي اتهامات للجيش اليمني نفسه بأنه متواطئ مع الحوثيين، وأن كثيراً من السلاح السعودي قد بيع لهم أو سلموه لهم بدلاً من أن يقاتلوهم به.

وتعتقد السعودية بأن تضخم قوة الحوثيين، يعني انفراطاً لنظام حكم علي عبدالله صالح الذي يواجه دعوات انفصالية في الجنوب، والذي تعتبره ـ في الوقت الحالي ـ الأمين على المصالح والنفوذ السعوديين. والسعودية التي استثمرت مذهبياً وسياسياً في اليمن، حتى صارت لها الكلمة الأولى فيه، تجد نفسها غير قادرة على خسارة نفوذها الكبير الذي لا يضاهيه أي نفوذ آخر في اليمن، خاصة بعد خسارتها الكثير من مكانتها ونفوذها في العراق وافغانستان وفلسطين ولبنان وحتى في بلدان خليجية.

ومع ان السعوديين يتحدثون عن انتصارات باهرة حققها جيشهم، يقول المراقبون للوضع الميداني، بأن من المستحيل أن تحقق الحكومة السعودية انتصارات بقواتها الجوية فحسب، وبالتالي فلا بد وأن تدخل المعارك برياً، وهي مسألة وقت، قد تتورط فيها السعودية تدريجياً ثم لا تلبث ان تعجز عن التراجع، مثلما حصل للقوات المصرية في الستينيات الميلادية من القرن الماضي.

التدخل السعودي له محاذير على الوضع اليمني، فقد أفادت الأنباء بأن تمرداً أولياً ظهر في عدة ألوية يمنية بينها لواء العماليق، وألوية أخرى تتشكل في معظمها من قوات جنوبية. ولاحظ مراقبون أن دخول السعودية للأراضي اليمنية قد غير طابع المعركة، فهو من جهة بيّن ضعف الرئيس علي عبدالله صالح قبالة من أسماهم بالشراذم؛ ومن جهة ثانية استثار حفيظة اليمنيين وهويتهم الوطنية وأخرج الحرب من تصنيفها الرسمي كتمرد على السلطة المركزية، بحيث صارت الحرب ذات صبغة وطنية (يمنية ـ سعودية) وهو ما أدّى فيما يبدو الى تمردات الجيش، الذي استشعر الإهانة من السعوديين. وحتى الآن لم يعرف تماماً حجم التمرد، ولم يبد منه سوى قمة الجبل، ولكن استمرار الهجوم السعودي، سيكشفه على السطح، كما يتوقع الحوثيون أنفسهم.

غنيّ عن القول بأن الذاكرة اليمنية تختزن احداث احتلال السعوديين لمساحات واسعة من الأراضي في الثلاثينات الميلادية الماضي، كما أن تلك الذاكرة تئن من ثقل التدخلات المباشرة التي وصلت الى اغتيال السعوديين للرئيسين الأسبقين ابراهيم الحمدي، والغشمي. وزيادة في ذلك فإن الذاكرة اليمنية القريبة لا تجد صعوبة في تذكر ما قام به السعوديون أواخر عام 1990 حين طردوا أكثر من مليون عامل يمني وسلبوهم ممتلكاتهم.

السعودية تخسر المعركة

لم يقتنع العرب والمسلمون بمبررات السعودية بشأن اعلانها الحرب المباشرة على الحوثيين في اليمن، ولا المواطنون السعوديون اقتنعوا أيضاً، عدا أولئك المنتمين الى الدم النجدي الأزرق من المنتفعين والقابضين على السلطة، من الذين يوجهون ويقررون المعارك في حين يذهب الجنوبيون وهم أفراد القوات السعودية الدنيا الى الحرب والقتل والأسر.

كل الجرحى، وكل القتلى، وكل الأسرى في صفوف السعوديين هم من أهل الجنوب، ولا يوجد نجدي واحد يقاتل على الجبهة، فالقتل لغيرهم، والمنفعة لهم في وقت ينفخون في نار الحرب، والطائفية، ويوجهون المعارك بالجملة ضد المواطنين في الحجاز والشرق باعتبارهم غير وطنيين لأنهم لم يعلنوا دعمهم لقوات نجد الباسلة!

لماذا الحرب؟ هل هي لدعم علي عبدالله صالح؟ هل هي لإيقاف التسلل من مواطنين يمنيين باحثين عن عمل، فأصبح كل متسلل حوثي؟! هل هي حرب طائفية ضد الشيعة (الزيدية هذه المرة)؟ هل هي مناكفة مع ايران؟

لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا تريد السعودية، وما لذي جعلها تنخرط في الحرب غير المبررة، لمجرد أن جندياً قتل من حرس حدودها؟ هل هذا يبرر استخدام الطائرات وحشد نحو خمسين ألف جندي على الحدود، وقصف القرى والمواقع اليمنية بالطائرات والمدافع الثقيلة؟

لا يوجد مبرر مطلقاً.

الطيران السعودي يقصف القرى اليمنية

تستطيع الحكومة السعودية ـ إن كانت ترى القضية قضية متسللين ـ أن تغلق حدودها بدون حروب.

وتستطيع السعودية أن تستثير النزعة الوطنية لدى السعوديين ـ إن وجدت! ـ دون أن تستخدم الخطاب الطائفي ضد الشيعة وضد الصوفية، خاصة في الداخل. لماذا تفتح لها معركة في الداخل ضد شعبها أو جزءً كبيراً منه، في وقت تزعم فيه أنها مضطرة لخوض حرب ضد مجرد (فلول وشراذم)!

وتستطيع السعودية أن تحقق انتصارات في الأهداف، إن كانت ضمن حدودها، لا أن تروج للقضاء على الحوثيين وتعلن في بيان رسمي أنها بصدد الدخول الى اليمن بالتنسيق مع الحكومة هناك، لجعل الحوثيين بين فكي كماشة جيشين، ودون أن تبادر الى المعركة البرية التي خسرت أولى جولاتها فأسر عدد من جنودها.

(التواضع) ليست صفة سعودية/ نجدية، فالعائلة المالكة وأتباع الوهابية يستسخفون كل أحد ديناً وثقافة وحتى عرقاً! ويعتقدون أن أموالهم ووهابيتهم منحتهم الحق في الإستعلاء على الآخرين، والإستهانة به. وهنا مقتل الحكومة والوهابية، التي وضعت أهدافاً كبيرة غير قادرة على انجازها. حتى أنها غير قادرة كما يبدو على ضبط حدودها، وغير قادرة على إدارة مشكلة النازحين من قراهم وتوفير المأوى المناسب.

عجزت السعودية في إقناع الآخرين بأنها تمارس حرباً دفاعية. فكيف يحشد جيش عرمرمي بمختلف الأسلحة الثقيلة والحديثة ضد (زمرة حوثية) أو ضد (مدنيين يمنيين متسللين للعمل)؟!

سياسياً انتقد الإتحاد الأوروبي توسيع الحرب، وحمل علي عبدالله صالح مسؤولية الحفاظ على أرواح المدنيين، وانتقد منع قوافل الإغاثة للنازحين. مشيراً بطرف خفي لما تقوم به السعودية نفسها والتي تلقت نقداً كبيراً من المنظمات الدولية ضد تصرفاتها إزاء منع وصول الإمدادات للمدنيين المحاصرين في صعدة.

والولايات المتحدة التي اعطت الضوء الأخضر لعدوان آل سعود، نصحت السعوديين بعدم توسيع الحرب، لأنه لا يمكن حسمها عسكرياً كما جاء في بيان المتحدث باسم الخارجية الأميركية. وكأن الأميركيين يقولون للسعوديين إن أردتم التجربة فجرّبوا! لن نكون معكم في القتال فنحن مشغولون في العراق وأفغانستان، انزعوا شوككهم لوحدكم وتحملوا نتائج سياساتكم.

لم تدعم السعودية إلا بضع دول، وكلها أكدت حق السعودية في الدفاع عن أراضيها، وهذا حق. ولكن السعودية لا تدافع عن أراضيها وإنما تقصف وتتدخل في مناطق الآخرين. هذا ليس دفاعاً، وما يقوم به الطيران السعودي ليس دفاعاً عن أرض بقدر ما هو تدخل سافر وتعدّ واضح على الآخرين. نعم هناك بعض الدول العربية الغبيّة التي تكشف عوراتها أمام اسرائيل، تحرّض السعودية للمضي في المعارك وقتل المدنيين. ولكن الله أوقع آل سعود في شر أعمالهم.

على صعيد الإعلام بدت السعودية ذات الإمبراطورية الضخمة عاجزة عن مواجهة الخطاب السياسي الرصين للحوثيين، الذي يدعو الى حل سلمي، والى حوار.. وكان يدعم خطاباته بأرقام لا مبالغة فيها، وبصور ومقاطع فيديو يثبت الحوثيون من خلاله مدعياتهم، وهي مقاطع فرضت نفسها على الإعلام العربي والعالمي، بل فرضت نفسها على فضائية العربية، وعلى منتديات الإنترنت الموالية لآل سعود، وهي في معظمها وهابية ونجدية (مثل منتدى الليبرالية النجدية الطائفية العمياء، ومنتدى الساحات وغيرها). ويمكن متابعة العربية ليكتشف الدجل السعودي بسهولة، والأخطاء الفاضحة التي تكشف عن هزال الإعلام السعودي الحربي، المتأخر، والذي يميل الى التعتيم.

الصحف السعودية تتحدث عن أن كل متسلل حوثي. وللعلم فإن أكثر من ثلاثين ألفاً قبل واقعة الدخان بأسبوعين تسللوا الى السعودية حسب البيانات الرسمية، فهل هؤلاء حوثيون، وماذا يصنع الحوثي في السعودية. هل سمعتم أنه فجر نفسه، أو اعتدى على أحد، أو سيطر على منطقة، أو ما أشبه؟! ويبالغ الإعلام السعودي ـ كما رفيقه الإعلام اليمني ـ في عدد القتلى الحوثيين حتى وصولوا بالآلاف والأسرى بالمئات، ما يخرج الموضوع عن (زمرة متمردة). والإعلام السعودي في مبالغاته وصل الى حد مخالفة الذوق، كقوله أنه رصد أحاديث باللغة الفارسية! بين الحوثيين والإيرانيين، أو كالقول ـ كما صحافة آل سعود في 10/11/2009 ـ بان الحوثيين يستخدمون القرود في المعارك الأمامية، كما الأغنام!! أو الزعم بأن القاعدة تتحالف مع الحوثيين، في حين أن الجاهل يدرك اختلاف المنهجين، الى حد التعارض التام. هذا عدا أن الإعلام السعودي وقع في مصيدة استسخاف قوة الخصم، والإيحاء بأنه سيقضى عليه خلال يوم أو بعض يوم، بل وسيشوى جلده، ويحرق، ويدمّر. دعك من الأوصاف التي يطلقها الاعلام السعودي والتي تحوي كما هائلاً من الروح الطائفية والشوفينية العنصرية والتحقير الذي لا يليق استخدامه ضد أي كائن بشري. هذا التقليل من أهمية الخصم، أوقع المصفقين لآل سعود في مأزق، فكيف بفئة متمردة صغيرة تقف أمام جيش آل سعود وأمام الجيش اليمني معاً؟!

لقد استطاعت السعودية وحكومة اليمن من محاربة الحوثيين على مواقعهم على الإنترنت، واحتل الهاكرز الوهابي موقع صعدة أون لاين وقبل ذلك تم الإستيلاء على موقع للحوثيين على اليوتيوب، وهذا يبين أن امبراطورية الشر الإعلامية السعودية غير فاعلة في المعركة، لأنها امبراطورية قامت على الكذب والإعتداء والدجل واشعال الفتن.

وفي هذا السياق يمكن القول أيضاً بأن موقع جازان، وجازان نيوز، واللذان كانا في أيام المواجهة الأولى ينشرا أخباراً خاصة من المواطنين في جازان، أصبحا بوقاً للنظام السعودي، ولم يعد يحتويان على شيء ذي فائدة غير التهديد بالقتل والذبح والحرق للحوثيين وشتمهم طائفياً وغير ذلك مما هو معهود من سدنة الوهابية، ما جعل المواطنين يبحثون عن المواقع الأخرى، بل ويشاركون في المنتديات اليمنية نفسها. والغريب، أن وزارة الداخلية السعودية بالتعاضد مع الأمن اليمني، قد دفعا بأتباعهما خفافيش الإنترنت ليشاركوا في حفلات الشتائم والتهديد والمغالاة في الإنتصارات العسكرية التي يحققها السعوديون، ولكن ـ كما هي عادة النجديين أتباع الوهابية ـ لا يكادوا يدخلون موقعاً إلا ويستفزون اليمنيين فيه، المؤيد أو المحايد، بسبب اطلاقهم صفات التكفير على الجميع، وإبداء روح الإستعلاء عليهم وكيف أنهم يعيشون من خيرات السعودية، الى حد أن البعض غيّر توجهه السياسي، فكان مخبرو آل سعود خير وسيلة لكي يصطف المزيد من اليمنيين الى جانب الحوثيين وضد حكم شاويش صنعاء.

لذا يمكن القول بأن المعركة السياسية والإعلامية والعسكرية قد كسب جولتها الأولى الحوثيون الذين يدافعون عن أرضهم وأهليهم.

الصفحة السابقة