الشيخ العريفي يجدّد (طائفية) الدولة

التشهير سبيل للشهرة

محمد السباعي

لم يكن الدكتور الشيخ محمد العريفي من بين جيل الصحوة في التسعينيات، فلا يزال شاباً في مقاييس السن والدعوة معاً، لكنه افتتن سريعاً بالبزوغ الإعلامي، فأصبح وله حضور كثيف في أكثر من قناة إعلامية، وتبوأ منصب محاضر جامعي في درس ديني ولمّا يستكمل شروط الأستاذية..فقد تسنّم عدداً من المناصب منها: عضو مجلس الأمناء بالهيئة العليا للإعلام الاسلامي التابعة لرابطة العالم الاسلامي، وعضو في عدد من المكاتب الدعوية والهيئات الاسلامية ومستشار فيها، ومحاضر غير متفرّغ لعدد من الجامعات الدينية في الداخل والخارج، إضافة الى كونه عضو هيئة تدريس بجامعة الملك سعود، وخطيب جامع البواردي بالرياض.

في الحقل الدعوي، لم يعكس خطاب العريفي عمقاً فكرياً وسعة علمية لافتة، فقد غلب على أحاديثه الدينية الطابع الشعبي بصبغة نرجسية رثّة، رغم محاولاته المتوالية للسير على خطى (الخطباء) العصريين مثل عمرو خالد في كسر الروتين الخطابي والشكلي. إلا أنه بدا كمن يحاول تهجين الأصالة بالعصرنة في بعدها الشكلي، فضيّع سمات كليهما، كما تعكس ذلك قصة ذائعة الصيت في الوسط السلفي الوهابي حول حوار العريفي مع الجن، والذي تناقله عدد من مواقع الإنترنت التي يشرف عليها الوهابيون. ونقرأ في موقع (الشفاء) على شبكة الانترنت بأن الشيخ محمد العريفي ذكر (قصة واقعية!) في أحد المجالس الخاصة وكانت في حياة الشيخين ابن باز وابن عثيمين.

يقول الشيخ: أتاني أحد الشباب وقال: يا شيخ أخي به مسٌّ من الجان وأريدك أن تقرأ علية. قلت: له أنا لا أقرأ على من به مس ولكن إذهب إلى أحد المشايخ المتخصصين في ذلك. لكن الرجل رفض الإنصراف وأصر علي إصراراً عجيباً. فرضخت لطلبه بعد طول جدال. ثم ما لبث حتى أتاني بأخيه الذي تبدوا علي وجهه ظلمة وهو مطأطئ رأسه للأرض وجميع علامات الإكتئاب ظاهرة على وجهه ونحول جسمه. قلت: أجلسه قريب مني وسألت أخاه.. من متى وهو على هذا الحال؟ قال: والله يا شيخ من مدة ليست بالقصيرة. ثم وضعت يدي على صدره وأخذت أقرأ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم)... فقرأت الفاتحة.. المعوذات.. آيات العين.. آيات السحر. لم يتأثر بأي شيء..ثم أعدتها وكرّرت الآيات.. في المرة الثالثة.. بدأ يرتجف و يرتجف.. حتى سقط من على الكرسي. ثم أخذ يصرخ.. ويصرخ. وأخذ يتكلم بكلام غير مفهوم. (ونطق الجني الذي فيه) قلت: ماذا تقول. لم يتكلم..لم يتكلم.. وهو يصرخ. فأخذت أعيد علية القراءة.. وأكرر آيات السحر. قال الجني على لسان الشاب: توقف يا شيخ ستقتلني.. ستقتلني. قلت: ما كنت تقول قال: يا شيخ أقول مسحور والله مسحور. قلت: تخرج منه الآن .قال: ما أقدر سيقتلونني. قلت: ومن يفعل ذلك. قال: الساحر والجن. قلت: إذهب إلى مكة..لا يدخلها المردة. قال: ما أستطيع أخرج. فأخذت أعيد القراءة بصوت أعلى من قبل. فإذا به يتلوى على الأرض.. ويتلوى. وأخذ يصرخ ويصرخ..سأخرج يا شيخ.. سأخرج يا شيخ. قلت: لكن قبل أن تخرج سأسألك سؤالاً..هل تعرف الشيخ ابن باز؟ قال الجني: نعم أعرفه قلت: هل تستطيع الدخول في الشيخ. قال: لا. قلت: لماذا؟. قال: لأن الشيخ يحافظ على أذكار الصباح والمساء. قلت: هل تعرف الشيخ إبن عثيمين، وسألته نفس الأسئلة. قال: لا أستطيع لأنه يحافظ على أذكار الصباح والمساء. ثم تركت الجني يخرج وعاد الشاب إلى طبيعته وهو لا يدري عن شيء مما حصل.

في رواية أخرى، بحسب مقابلة مباشرة مع التلفزيون السعودي الرسمي (وهي مثبّتة على اليوتيوب)، يقول العريفي بأن أحد القراء ذكر مرة بأنه قرأ على شخص مصروع، وقال بأن القارىء طلب من أن يخرج منه ويدخل في الشيخ ابن باز فقال لا أستطيع، فقال اخرج وادخل في الشيخ ابن جبرين قال لا أستطيع. فلم ينسب القصة الى نفسه، ولكنه نسبها الى أحد القراء مع أن ثمة تطابقاً بين القصتين باستثناء أن القصة الأولى فيها ابن عثيمين والثانية فيها ابن جبرين.

وبصرف النظر عن تفاصيل القصة وتناقضاتها رغم توحّد مصدرها، فإنها تعكس نزعة فنتازوية لدى الشيخ العريفي، ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة، فقد أجرى حواراً مباشراً مع جني آخر على قناة (قطر) الحكومية، وكاد الجني أن ينهزم في الحوار، بحسب زعم العريفي، لولا أنه قطع عليه خط الإتصال. قصص عديدة تكررت، تختلط فيها الفنتازيا بالكذب المباح سلفياً، جعلت من الشيخ العريفي مركز اهتمام لدى قطاع واسع من الجمهور السلفي من الشباب ذكوراً وإناثاً. وبدا كما لو أنه بات جزءً من المشهد اليومي للسلفية الرسمية في السعودية التي تنعكس إعلامياً شأن مشايخ آخرين كانوا في المقلب الصحوي مثل الشيخ سلمان العودة، والشيخ عايض القرني وآخرين.

لم يعرف عن الشيخ العريفي نشاط سياسي من أي نوع، فهو جاء في مرحلة نجحت فيها الحكومة في استيعاب جيل الصحوة إما بتحويل بعض أفراده (العودة، القرني، العبيكان، وصولاً الى العريفي..) الى ناطقين بإسم الاعتدال الديني الرسمي، أو بتوظيف المتشدّدين منهم (ناصر العمر، عبد الرحمن البراك..) في معارك مع خصومها في الداخل، سواء كانوا طوائف أو قوى سياسية أخرى، ولذلك فالعريفي القادم مؤخراً، نجح في اقتناص فرصة البروز الاعلامي السريع عبر إتقان بعض الممارسات الدعوية في شكلها المعصرن، ولفت الإنتباه باستعماله أداة الإثارة كشرط لا محيص عنه لتحقيق الشهرة.

الشيخ العريفي إمام جامع البواردي بالرياض، ألقى خطبة نارية، تكتنز كمية هائلة من الإثارة، وخصّصها للنيل من الشيعة مذهباً الذي قال عنه بأن (أساسه المجوسية)، ومن الشيخ علي السيستاني مرجعاً والذي وصفه بـ (الفاجر والزنديق)، وأنهى خطبته بالنيل المفتوح من السيد بدر الدين الحوثي، أحد زعماء الشيعة الزيدية في اليمن، بل أكبر زعيم زيدي في اليمن، ووالد زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي. بدت نبرة العريفي في الخطبة منفلتة، وكأنها جزء من عقيدة قتالية أو نشاط تعبوي وسط الجنود على الجبهة الجنوبية، ولذلك لم يرع في خطبته حدود اللياقة الأدبية، ولا الأمانة العلمية، ولا قداسة المسجد والفرض الذي يلقي فيه الخطبة. فقد قال عن السيد بدر الدين الحوثي بأنه (إدّعى خلال التظاهرات الامامة ثم المهدية وقيل أنه ادعى النبوّة أيضاً). ولم يكن لدى العريفي بطبيعة الحال ما يثبته غير الصورة النمطية التي ورثها من علمائه، وزاد على ذلك (هؤلاء السفهاء قال لهم بدر الدين الحوثي أنه قال لهم بأنه إمام قالوا صدقت، ثم قال بل أنا المهدي قالوا صدقت، بل قال لهم أنا نبي قالوا صدقت).

العريفي في الجبهة: استعراض بطولة!

ثم وجّه كلاماً بذيئاً ضد الشيخ السيستاني، على خلفية فرضية وهمية تقوم على طلب الحوثيين الوساطة من السيستاني لحل النزاع في اليمن، وهو ما لم يطلبه الحوثيون في الأصل، ولم يعرف عن السيستاني التدخّل في شؤون خارجية، بل ينقل عنه أن الحاكم الأميركي السابق في العراق بول بريمر طلب لقاء السيستاني في النجف فجاءه الجواب: أنت أميركي وأنا إيراني فلندع العراق للعراقيين. ولكن العريفي، شأن كثيرين من مشايخ الوهابية، يملك مصادر خاصة لا يتسنى لأي مخلوق في الكون الوصول إليها، يرى بأن المراسلات التي كانت تجري بين الحوثيين والحكومة اليمنية اشتملت على مطالبة من الحوثيين بأن يكون السيستاني هو الذي يحل المشكلة. ثم يعلّق العريفي (ما بحثوا عن من يجمع المسلمون على اعتبارهم مشايخ ودعاة وأهل علم) في إشارة الى هيئة كبار علماء نجد، ولكن الحوثيين اختاروا، بحسب العريفي، (شيخ كبير زنديق فاجر في طرف من أطراف العراق)، في إشارة الى السيستاني. فقد تحوّل كبر السن في خطبة العريفي الشاب الوسيم ما يعيب به على السيستاني، حين وصفه بأنه (شيخ كبير)، وكان يفترض من مثله أن يعلّم أهل دعوته على توقير الشيخ الكبير وليس توصيمه! على أية حال، فإن ما قاله بعد ذلك يكفي المؤونة حين وصف السيستاني بـ (الزنديق الفاجر).

واصل العريفي خطبته النارية، وشكك في ولاء الشيعة في السعودية وإخلاصهم لوطنهم، وربطهم من طرف خفي بإيران، وقال (لولا يقظة الأجهزة الأمنية لرأى الناس من أفعالهم عجباً). ثم ختم العريفي الخطبة قائلاً (اقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم).

ونسجاً على الطريقة الفنتازوية بنكهة بوليسية نافرة، يفترض العريفي أن أصل قصة المراسلات واقعة، وكذلك المطلب الحوثي بوساطة السيستاني، دع عنك قبول أو رفض الأخير للوساطة. أما الكلام عن ادعاء بدر الدين الحوثي الامامة والمهدوية والنبوة فذاك لا يصمد أمام التحقيق، إذ لا دليل عليه ومن يطلب الحقيقة لا يفعل مثل ما فعل العريفي، العائد من جبهة الجنوب، في رحلة إثارة لافتة يمثل فيها التقاط الصور أبرز معالمها. يضاف إليها ذلك التصوير الاستعراضي لدوره في الجبهة ومشاهداته، كما يقول:

(وإنك لتسمع صوت التكبير تتناقل صداه الجبال، ودوي المدافع تدك مواقع الأعداء دكا، ومع ذلك، تلاحظ سكون قلوب الإخوة المرابطين وراحة نفوسهم، وقد ذهبت هنالك لأشارك في الجهاد بالكلمة، وأحرض المؤمنين على القتال).

على أية حال، فجّرت خطبة العريفي أزمة في الأوساط المحلية والإقليمية خصوصاً في العراق حيث يقيم الشيخ السيستاني، وأفضت إلى احتقان طائفي تفاقم تدريجاً في ظل عناد غير مبرر من الحكومة السعودية على تبرئة العريفي من خطبته (العقماء). رغم أن كثيراً من المراقبين وضعوا الخطبة في حقل (الإعلام الحربي) لدى الحكومة السعودية التي تشعر بأن مستوى التفاعل مع حربها ضد الحوثيين لم يكن بمستوى الإهمال المتوقع، فأوعزت إلى بعض رموزها الدينيين بمن فيهم المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الى تصعيد الخطاب الطائفي لتحريض القاعدة الشعبية في نجد.

في العراق، فجّر كلام العريفي عن الشيخ السيستاني غضباً شعبياً ورسمياً وانطلقت مظاهرات شعبية في عدد من المدن العراقية تندّد بالعريفي وتدافع عن موقعية السيستاني، فيما قال ممثل السيستاني في مدينة كربلاء بأن السعودية تتحمل (مسؤولية الإساءة) التي وجهها العريفي. وقال الكربلائي بأن كلام الأخير (ناب ولا يليق بخطيب جمعة في عاصمة دولة إسلامية كبيرة). أما الشيخ خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق في الجنوب وهي هيئة سنيّة، ندّد فيه بما قاله العريفي وقال بأن مواقفه (تأتي في وقت يسعى فيه الجميع داخل العراق وخارجه، إلى لملمة الوضع الإسلامي).

ليست المرة الأولى التي يفجّر فيها العريفي، شأن كثير من المشايخ الذين أدمنوا الشهرة عبر قنبلة إعلامية دينية أو سياسية أو اجتماعية أو فقهية أو حتى أمنية، ففي برنامجه التلفزيوني (ضع بصمتك) الذي تبثه قناة (إقرأ)، وفي حلقة بعنوان (التوحيد) في إبريل من العام الماضي، والذي خصّصه للنيل قدحاً وتطاولاً وتعريضاً بالصوفية في حضرموت، ما أحدث استياءً عاماً وسط علماء الصوفية في حضرموت الذين عبّروا عن اعتراضهم على إساءات العريفي للقناة، ما اضطرها لتقديم اعتذار رسمي على شاشتها الى علماء حضرموت.

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حمّل السعودية مسؤولية لجم مشايخها التكفيريين وقال بأنها تتحمل قسطاً من مسؤولية مؤسستها الدينية العدائية الحاقدة، وقال المالكي بعد زيارته للسيستاني في النجف (اعتدنا الكثير من المؤسسة الدينية السعودية ومن رجالها الذين يسمون أنفسهم بالعلماء، فهي ترتكب تجاوزات بشكل دائم كونها تحمل فكرا تكفيرياً حاقداً عدائياً). وطالب المالكي الحكومة السعودية بأن تضبط المؤسسة الدينية، وقال (يجب عليها أن ترد على الذين يكفرون ويثيرون الفتن، وهي ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها هؤلاء للرموز الدينية والمرجعية).

في رد فعل غير متوقّع، انبرت صحيفة (الوطن) ذات النزعة الليبرالية لتخصص افتتاحيتها في 7 يناير للرد على انتقادات المالكي لتصريحات العريفي، وكتبت تحت عنوان (المالكي ومسؤولية رجل الدولة في الأزمات التاريخية)، وبدلاً من أن تسجّل موقفاً إزاء الخطبة الطائفية التي أطلقها العريفي، وجّهت نقداً بلغة تهكّمية على المالكي وقالت عنه بأنه ترك (الاحتياجات الحيوية لشعبه ومسؤوليات حكومته) وأنه (ينغمس في التلاسن الطائفي). الغريب أن (الوطن) التي طالما وجّهت انتقادات لرجال المؤسسة الدينية وضلوعهم في قضايا طائفية وإرهابية، تأتي الكلمة وتبرأ المؤسسة الدينية من الانزلاق (إلى المنزلقات الطائفية). نشير إلى رئيس تحرير الصحيفة جمال الخاشقجي كان قد أثنى على الشيخ السيستاني في أكثر من مقالة، لدوره في وأد الفتنة الطائفية في العراق، ورشّح السيستاني لجائزة خدمة الاسلام وليس نوبل للسلام فحسب. وطالب أيضاً بتجريم (فعل صناع الكراهية حتى بالرأي والقول والفتوى)، ولكننا نجد (الوطن) تخلع رداء اللبرلة وتخضع تحت تأثير الأجواء الطائفية، فتنشر مقالات وكاريكاتورات ذات مغاز طائفية.

وحده الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار في الديوان الملكي، الذي يسلك منذ سنوات طريقاً تقريبياً ويتبنى مواقف في الاعتدال الديني مشهودة، قال بأن (الرأي الذي خرج به الشيخ العريفي مرفوض تماماً)، ونفي أن يكون كلام العريفي عاكساً أميناً لموقف الملك عبد الله.

المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والمعني بصورة مباشرة بتوضيح موقفه من خطبة العريفي، قال في تصريح لصحيفة (الشرق الأوسط) نشر في 6 يناير الجاري بأن كلام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على المؤسسة الدينية في 4 يناير بأن فيه (مغالطات). وبدلاً من توضيح ملابسات خطبة العريفي، دافع المفتي عن علماء السعودية الذين وصفهم بأنهم (أهل اتزان في ما يقولون وليسوا أهل تكفير أو تبديع، ولكنهم متبعون للكتاب والسنة، فهم يتعاملون مع كل شيء على حسب ما دل عليه الكتاب والسنة). وفي عبارة تنطوي على إقرار ضمني لما قاله العريفي بأن العلماء السعوديين (لا يسعون في تكفير أحد بلا حق)، حيث تلفت (بلا حق) إلى أن ثمة موافقة على تكفير العريفي للشيخ السيستاني. ومع ذلك، فإن المفتي لم يتردد في وصف الدولة السعودية بـ (الاعتدال في أحوالها كلها)، رغم الانتقادات الواسعة التي تعرّضت لها المؤسسة الدينية والدولة السعودية بوصفها الراعية لها بسبب صدور فتاوى التكفير ضد المذاهب الإسلامية السنيّة والشيعية، كما تكشف عن ذلك فتاوى مثبّتة في مواقع كبار العلماء في المؤسسة الدينية، وكذلك بيانات رجال الدين السلفيين التي كانت تصدر تباعاً حتى في أوقات انعقاد مؤتمرات حوارية على مستوى وطني أو إسلامي أو ديني. ومع ذلك يصرّ المفتي آل الشيخ على ضرورة (أن نسعى لما يوحّد الكلمة ويجمع الصف وأن لا نكيل المغالطات للآخرين من دون برهان أو تأكد). واكتفى بتوجيه نصيحة لخطباء الجمع في السعودية لمراعاة (المستويات الفكرية للمصلين، وأن لا يتم التطرق إلى موضوعات فوق المستوى الفكري للمأمومين لأنه لن يحدث فيهم التأثير المطلوب).

وفيما يطالب الرموز الدينية والثقافية الشيعية في المنطقة الشرقية بسن قانون يجرّم النيل من المعتقدات والرموز الدينية، التزم كبار الأمراء الصمت حيال ما جرى، شأن موضوعات أخرى يلوذون بالصمت حيالها، دون أن يعفي أي منهم مسؤولية ما قيل على لسان العريفي، الذي لم يُعاقب ولا حتى يُعاتب، فيما تولى صحافيون محليون مهمة الدفاع عن موقف الحكومة في قضية يدرك القاصي والداني أنها ما كانت تتم لو لم يكن العريفي مطمئناً لعواقب فعله، فلماذا تتم إقالة غيره من المشايخ من مذاهب أخرى صوفية وشيعية واسماعيلية على خلفية خطبة دينية أو احتفال ديني، مع أن بعضها كان يجري في مناطق بعيدة، أو قرى نائية، فهل باء الحكومة تجرُ حين يكون العريفي موجوداً فيها ولا تجر حين يجري تطبيقها على المذاهب الأخرى؟. فهل يصمت الأمراء عن كلام مماثل لو قيل في منطقة أخرى بنفس الألفاظ النابية (فاجر وزنديق)!

كان يتوقع من الملك عبد الله الذي قدّم نفسه راعياً لحوار الأديان والحوار بين علماء المسلمين أن يكون له موقف صارم في هذا الشأن، وهو الذي رعى حوار علماء المسلمين في مكة المكرمة قبل عامين، وتبني خطته العشرية لتعزيز أواصر التضامن الإسلامي وتوحيد كلمة المسلمين وإظهار الصورة الحقيقية للإسلام وقيمه السمحه، بحسب البيان الختامي، كما أكّد على ضرورة مواجهة التطرف الديني والتعصّب المذهبي وعدم تكفير المذاهب الاسلامية، والتأكيد على الحوار بين المذاهب الإسلامية، وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح، ودحض الفتاوى التي تخرج المسلمين عن قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهبه.

فيما يبدو، لم تكن خطبة العريفي خروجاً عن الخط العام الذي تسلكه الدولة السعودية هذه الأيام، وهي تخوض حرباً في اليمن ضد الحوثيين، وتخوض حرباً شاملة مع إيران في كل مواقع نفوذها سواء في العراق أو لبنان أو حتى فلسطين، ولكن ما لا يجوز إغفاله هو تداعيات مثل هذا الخطاب الطائفي الذي يشارك فيه للأسف بعض المحسوبين على التوجّه الليبرالي، وكأن التطييف بات سمة ثقافية في هذا البلد، بما يسقط كل مزاعم التعايش والحوار والتنوّع، وقد يهدّد السلم الأهلي الهش.

الصفحة السابقة