مي يماني:

المبادرة الحوثية أنقذت ماء وجه السعودية

مي يماني:

أجرت الباحثة الحجازية خلال شهري يناير ـ فبراير سلسلة مقابلات صحافية مع وسائل إعلام عربية وأجنبية حول الأزمة في اليمن، وأضاءت على جوانب هامة، ومن بينها مقابلة مع فضائية (برس تي في) باللغة الانجليزية في 30 يناير الماضي حول (الأزمة اليمنية والمبادرات الجديدة) بعد إعلان السيد عبد الملك الحوثي عن مبادرة حسن نيّة بسحب المقاتلين الحوثيين من النقاط العسكرية الأربعين التي سيطروا عليها داخل الأراضي السعودية.

وفي سؤال حول ما حققته السعودية من إنجاز عسكري بعد تدخّل قواتها في الحرب ضد الحوثيين في الشمال اليمني، نفت الدكتورة مي يماني أن تكون السعودية حققت أي إنجاز يذكر من وراء ضلوعها العسكري في حرب اليمن، بل على العكس، بحسب يماني، فقد تكبّدت السعودية خسائر كبيرة من بينها: سقوط أكثر من أربعين موقع عسكري تحت سيطرة الحوثيين، كما أخفقت في تحقيق هدف الحرب بإبعاد المقاتلين الحوثيين عشرة كليومترات داخل الحدود اليمنية، وأضافت الى ذلك مشكلة جديدة من خلال عملية إخلاء ما يربو عن 500 قرية داخل حدودها وتحويلها الى منطقة عسكرية، من أجل تحويلها الى فضاء للجيش.

وتعكس عملية اخلاء واسعة النطاق التي قامت بها الحكومة السعودية في الجنوب الحرب التي تخوضها الحكومة ضد منطقة الشيعة في حدودها الجنوبية، بالنظر خصوصاً الى أن نفس القبائل والمذاهب التي تقطن الشمال اليمني تهيمن على مناطق الجنوب السعودي في جازان ونجران. فالدولة السعودية تشكك في ولاء سكاّنها الإسماعيليين والزيود، الذي يشكك في أن تعاطفهم يميل بصورة طبيعية نحو الحوثيين. وتضيف يماني: لقد دمّرت الحرب سمعتهم محلياً باعتبارها دولة قوية وأن جيشها فقد مشروعيته.

وانتقلت الدكتورة يماني الى الإضاءة على جانب آخر من المشكلة وقالت: حين ننظر الى المشكلة المذهبية والولاءات المنقسمة، فالشمال اليمني والجنوب السعودي يقطنه سكان متماثلون مذهبياً وهم متعاطفون مع الحوثيين، وهذا ما يعقّد المشكلة بالنسبة للسعودية.

يماني ترى بأن السعودية بعثت مبلّغيها من المشايخ لشمال اليمن من أجل مواجهة العقيدة الزيدية، ولكن بعد المقاومة الحوثية انقلبت المعادلة فتحوّل بعض الأفراد في مناطق أخرى من اليمن الى القاعدة.

في الصعيد الاعلامي، ترى الدكتورة يماني بأن السعودية خسرت الحرب الاعلامية، وأن المبادرة الحوثية جاءت لتنقذ السعودية من الهزيمة قبل أن يعلن الحوثيون النصر، ولذلك جاء خالد بن سلطان ليعلن بعد المبادرة عن انتصار مبين. وقالت يماني بأن الحوثيين أثبتوا قدرة فائقة في مواجهة جيشين، وأن اليمن هو من يعتمد على السعوديين في هذه المبادرة.

وفي جانب آخر من الأزمة، حول من هي القوة الأكبر في اليمن، ميّزت الدكتورة يماني بين نظرة كل طرف للعدو الذي يتخيّله. فالغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، والحكومة اليمنية والسعودية لديهم أعداء مختلفين، فالقاعدة هي العدو بالنسبة للغرب أما اليمن والسعودية فلديهما عدو مشترك وهو الحوثيون، وهذا ما يجعل الرؤية الى المشكلة اليمنية متضاربة.

وتقول يماني، حين نفكر في مؤتمر لندن في 28 يناير، فإن المبادرة الحوثية تثبت أن الحوثيين هم على استعداد لوقف الحرب والتفاوض وأن الاستقرار في اليمن يعتمد على المفاوضات، وهذا يعني أن ما هو مطلوب من علي عبد الله صالح هو القبول بمبدأ المشاركة السياسية الذي يرفضه حتى الآن.

وفيما يرتبط بخطر القاعدة في اليمن، ترى يماني بأن ما يجعل القاعدة تترعرع في هذا البلد هو الى جانب العامل الجغرافي، هناك الأزمة السياسية والعامل الاقتصادي، وكذلك القهر في الشمال والحركة الانفصالية في الجنوب، ولذلك فإن كل هذه العوامل تساهم في خلق فضاء لنمو القاعدة.

وفي سؤال حول وجود مبادرة خلف الستار بين اليمن والحوثيين، كشفت يماني عن أن المبادرات لم تتوقف منذ ضلوع السعودية في الحرب ضد الحوثيين، وقالت يماني بأنه قبل ثلاثة شهور كانت هناك مبادرة سعودية عبر زعماء قبليين للقبول بمفاوضات ثلاثية تشارك فيها السعودية والحكومة اليمنية إلى جانب الحوثيين، إلا أن الأخيرين رفضوا المبادرة واعتبروا أن المفاوضات يجب أن تتم بين الحكومة اليمنية والحوثيين باعتبار أن مايجري هو مسألة داخلية لا يجب لطرف خارجي أن يتدخل فيها، وهو ما رفضته السعودية. وتضيف يماني بأن الزعماء القبليين الموالين للسعودية واصلوا الوساطة لوقف الحرب، وهذا ما تم مؤخراً بإعلان عبد الملك الحوثي مبادرة الانسحاب من المواقع العسكرية السعودية.

وتلحق الدكتورة يماني تلك المبادرة باعلان الحوثيين موافقتهم على الشروط الخمسة لوقف الحرب، وهذه مبادرة لا تخص الحوثيين بل هي لليمن عامة، ولابد من العمل على حل المشكلة بسبب الخسائر الفادحة في الأرواح من جراء هذه الحرب.

وفي سؤال عن إمكانية حل المشكلة محلياً، وفي إطار الجامعة العربية، قالت الدكتورة يماني بأنه لم تكن هناك مبادرة عربية ولم يكن هناك دور للجامعة العربية، بل إن الضعف في الجامعة العربية أفضى الى تهميش دورها ما دفع الغرب الى ملء الفراغ.

وتحدّثت الدكتورة يماني عن علاقة اليمن بدول الجوار، ورأت بأن ثمة حالة إنكار من قبل الجوار اليمني، التي رفضت أن يكون اليمن عضواً في مجلس التعاون الخليجي، بل واجه هذا البلد مشكلات كبيرة بفعل سياسات دول الجوار، من بينها طرد العمال اليمنيين من السعودية منذ حرب الخليج الثانية، واستمر مسلسل الطرد للعمال اليمنيين وآخرها ما تم قبل شهر بطرد 54 ألف عامل يمني من السعودية. في المقابل، بحسب يماني، فإن السعودية صدّرت عقيدتها الصارمة الى الشمال اليمني التي تقطنه أغلبية زيدية، وقد نظر الحوثيون الى ذلك بأنه تهديد لعقيدتهم الزيدية.

ورأت الدكتورة يماني بأن القاعدة ليست مصدر التهديد الأمني الرئيسي، ولكن الحكومة اليمنية ترى بأن الحركة الانفصالية في الجنوب والحوثيين في الشمال هما مصدر التهديد الرئيسي. ولذلك تقترح يماني بأنه كان على مؤتمر لندن أن يكون أوسع من مجرد مواجهة خطر القاعدة، وأن يطرح بدلاً من ذلك مسألة الاستقرار والأمن في اليمن عموماً.

مؤتمر لندن

عقدت الولايات المتحدة في 28 يناير الماضي لقاءً على مستوى وزراء الخارجية في لندن لمناقشة الأزمة اليمنية. وقد دعا جوردن براون الى المؤتمر بعد محاولة تفجير طائرة أميركية متوجّهة الى ديترويت الأميركية من قبل مواطن نيجيري في يوم أعياد الميلاد بالسيد المسيح تم تدريبه من قبل تنظيم القاعدة في اليمن. وهذا على ما يبدو فتح عيون الغرب على مشاكل اليمن. وفي أعقاب ذلك الهجوم الفاشل، تقدّم كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون للدعوة الى عقد مؤتمر لإقتراح حلول لأزمات اليمن التي تم تجاهلها في السابق. وهذا يعني أن ثمة جهداً تنسيقياً مشتركاً في الموضوع اليمني على غرار ما حصل في المسألتين العراقية والأفغانية.

فهل ثمة علاقة بين مؤتمر لندن والمبادرة الحوثية؟

تجيب الدكتورة يماني بأن مؤتمر لندن قد تم الاعلان عنه قبل المبادرة الحوثية. ولذلك، ليس هناك صلة مباشرة بين المؤتمر والمبادرة. لا شك، تستدرك يماني، أن المؤتمر يقود الى تداول سياسي بشأن النزاع مع الحوثيين وأن المبادرة ستترك صدى خلال المداولات السياسية.

وتعتبر المبادرة مؤشراً على أن الحوثيين جاهزون للتسويات السياسية. وأن على الغرب عدم قبول حرب علي عبد الله صالح المستمرة. بل عليه أن يمارس ضغوطاً على الأخير لوقف الحرب. فقد قبل الحوثيون الشروط الخمسة التي طرحتها الحكومة اليمنية ولذلك ليس هناك مبرر لمواصلة الحرب. فلماذا لا يفاوض؟ تقول يماني بأن المبادرة الحوثية وضعت علي عبد الله صالح على المحك، لتقاسم السلطة مع الحوثيين. ولكن علي صالح لا يرغب في تقاسم السلطة.

بالإضافة الى حقيقة أن الحوثيين يرغبون في تفادي الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين، فإن المبادرة مع السعودية ستكون لمصلحتهم لمواجهة جيش واحد، وهو الجيش اليمني.هذا بالرغم من حقيقة أنهم أثبتوا قدرة في الشهور الثلاثة الأخيرة على مواجهة جيشين، الجيش اليمني المؤلف 700 ألف جندي والجيش السعودي المؤلف من 200 ألف جندي، حيث أن علي عبد الله صالح سيبقى يحارب الحوثيين منفرداً. لقد أطرت هيلاري كيلنتون علي عبد الله ووصفته بأنه (شجاع، ومخلص)، على الطريقة الأميركية.

وعلّقت يماني على من تقدّم بالمبادرات خلال المواجهات بين القوات السعودية والحوثيين، وقالت بأن المبادرات الحقيقية لم تأت من الحوثيين بل جاءت من السعوديين الذين قاموا بالإتصال ببعض زعماء قبائل يمنية موالية لهم من أجل التوسط بينهم وبين الحوثيين، وهذا يظهر بأن السعوديين كانوا في وضع سيء وكانوا توّاقين للتوصّل الى حل وإنقاذ ماء الوجه.

وكان الحل بالنسبة لهم (إخرجوا مبكراً قبل الهزيمة وإعلان الانتصار).

المبادرة الحوثية هو اعلان لعلي عبد الله صالح بأنه غير قادر على كسب الحرب. وكان يعتمد على السعوديين بدعمه حتى النهاية. ولكن السعوديين كانوا في مسيس الحاجة الى وقف الحرب قبل مؤتمر لندن. وعليه فإن ثمة اتفاقاً ضمنياً مع الحوثيين يتم التحضير له.

وترى الدكتورة يماني بأن المبادرة الحوثية هي الحل الأمثل بالنسبة للسعودية كيما تخرج من هذه الحرب وتعلن (نصرها المبين) كما جاء على لسان خالد بن سلطان. وتعتقد يماني بأن السعوديين سيحدّون من نشاطاتهم العسكرية تدريجاً، الى حين الوقف الكلي لإطلاق النار.

من جانب آخر، تصوّر الدكتورة يماني التدخل العسكري السعودي والأميركي بأنه دلالة على عجز الحكومة اليمنية على حل الأزمة.

تلقى علي عبد الله صالح تأييداً قوياً من قبل مجلس التعاون الخليجي في القمة التي عقدت في الكويت في ديسمبر الماضي فيما يخص حروب صالح الداخلية، المدعومة من السعودية التي تدخّلت عسكرياً ضد الحوثيين. ولكن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي فشلت في فتح اقتصادياتها ـ التي لاتزال بمسيس الحاجة الى استضافة عمال من الخارج ـ أمام الشباب اليمني ومازالت هذه الدول قاصرة النظر عن هذا الجانب.

ولذلك، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا، وكلاهما راعيان لمجلس التعاون الخليجي، لابد أن يشجعا أعضاءه لضمّ اليمن، إذا ما أرادوا حل مشاكله. فاليمنيون معروفون كونهم عمالاً مهرة. ولذلك، بدلاً من تصدير التطرّف الديني الى اليمن، فإن استيراد قوته العاملة من شأنه تحييد مشاكل اليمن.

الصفحة السابقة