الـحـريّــة!

أجرأ سؤال وأسوأ إجابة

هاشم عبد الستار

أن تسأل عن الحرية في بلد يمثّل أحد أبرز خصومها الكبار فتلك جرأة غير مسبوقة، ولكن ما هو أكبر من ذلك أن تحاول الإجابة عن السؤال. لماذا تغيب الحرية في الصحافة، والسياسة، والمجتمع، فذاك سؤال ظل حبيس أذهان وصدور الناس طيلة عقود، ورغم أن غالبية الناس تعرف الإجابة سلفاً، إلا أن لا أحد يريد أن يعلّق الجرس، أو بالأحرى لا يرغب في دفع الثمن بأن يبوح بالإجابة في العلن.

سؤال جريء طرحه عبد الله الفوزان في مقالته بعنوان (هل صحافتنا حرّة أم توجهها الحكومة؟) نشرت في صحيفة (الوطن) في 26 إبريل الماضي. أفاد الفوزان من تصريح لوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذي فرّق بين الصحف الحكومية والصحف المستقلة فيما يرتبط بنقد بعض الصحف المصرية لدولة عربية أخرى، بما يخلي مسؤولية الحكومة المصرية.

يرى الفوزان بأن تفريق أبو الغيط بين ماهو صحافة حكومية وغير ذلك يمثّل مدخلاً لبحث حالات العتب الشديدة التي توجهها وزارة الإعلام في المملكة للصحف المحلية عندما يرد فيها نقد لإحدى الدول العربية، ولمصر على وجه الخصوص، بناء على شكوى من السفارات المصرية وغير المصرية (فوزارة الإعلام تعتبر النقد الذي توجهه أي صحيفة في المملكة أو أي كاتب سعودي لنظام أي بلد عربي إحراجاً للمملكة ولذلك تتدخل وتعاتب الصحيفة، بل توجهها بعدم توجيه النقد للبلد العربي).

ينتقل الفوزان بعد عرض المشكلة الى النقطة الجوهرية، أي المدخل الى الإجابة عن سؤال الحرية:

صحف السعودية: تماهي مع الموقف الرسمي!

(ومن هنا يأتي السؤال الهام، فهل تصرّف وزارة الإعلام عندنا مع الصحف عندما تنشر نقداً لإحدى الدول العربية يعني اقتناعها بأن صحفنا كما يفهم من تعبير أبوالغيط هي مثل الصحف السورية توجهها الحكومة وليست حرة مثل الصحف المصرية..؟ هذا سؤال يفترض أن تتأمله وزارة الإعلام عندنا، وتجيب عليه، فإن كانت صحفنا غير حرة وتوجهها الحكومة فينبغي الإفصاح عن هذا لتكون الأمور معروفة، أما إذا كان الأمر ليس كذلك، وأن صحفنا غير الحكومية هي مثل الصحف المصرية غير الحكومية، حرة ولا توجهها الحكومة فالمفروض أن تقف وزارة الإعلام مما ينشر فيها حتى لو كان نقداً لإحدى الدول العربية الموقف نفسه الذي عبر عنه أبوالغيط فلا تتدخل فيما ينشر ولا توجه العتب وإذا عوتبت من السفارات العربية خاصة السفارة المصرية فالمفروض أن تقول عن صحافتنا ما قاله أبوالغيط عن الصحافة المصرية من كونها حرة لا توجهها الحكومة ولا تستطيع التدخل فيما ينشر فيها).

ما لم يقله الفوزان صراحة أو مداورة يمثل المدخل إلى الاجابة، فهو من أبرز الكتّاب الذين يدركون تماماً بأن الصحف المحلية تخضع لتوجيهات الحكومة، بل ومن جهة غير إعلامية بل أمنية بدرجة أساسية. وكثيراً ما كانت تصل كتّاب الصحف المحلية قرارات بالتوقّف عن الكتابة بناء على أوامر من وزارة الداخلية، ومن الأمير نايف شخصياً. وإلا مالذي يجعل النقاش في موضوع ما يتوقّف فجأة ولمّا يستكمل دورته؟

أما الإنتقادات التي يوجّهها بعض كتّاب الصحف المحلية لأنظمة عربية مثل سورية أو السودان، أو قطر (في وقت ما)، أو الإمارات العريبة المتحدّة، وحتى مصر فإن لها علاقة إما بموقف رسمي يراد التعبير عنه إعلامياً، أو يأتي في سياق لعبة الأجنحة الحاكمة، ولا علاقة لذلك بحرية الصحافة. في بلد الحريات المعدومة، تصبح أشكال الرقابة الحكومية والذاتية والإدارية والأمنية إجابة حاسمة على سؤال علاقة الصحافة بالحكومة.

لقد عوّدنا الجناح السديري بأشخاصه الثلاثة الرئيسيين: نايف وسلطان وسلمان، أنهم يتحكمون بالإمبراطورية الإعلامية في الخارج والداخل بتنسيق شديد. سلمان، رغم أنه مسؤول عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، فإنه كما نايف يستطيع أن يقيل أيّ كاتب لا يعجبه، خاصة إذا ما كان سعودياً. وفي الداخل، اعتاد سلطان ونايف أن يقيلا رؤساء التحرير ومدراء التحرير والكتاب عبر الهاتف! كما حدث مع مدير تحرير عكاظ ومع رئيس تحرير الوطن، وغيرهم.

ليس هناك إعلام سعودي حرّ. ومساحة الحرية التي انتعشت قليلاً بعد أحداث سبتمبر، ورغم تقلّصها في السنوات الأخيرة، فإنها مرتبطة بتحدّي العولمة. فالأمراء، وبعد جهد، اقتنعوا بأن خنق الإعلام الداخلي الى حدود بعيدة يجعل منه سلاحاً صدئاً، بلا مشاهدين أو قراء أو مستمعين. أي أن أداة التوجيه للرأي العام والأجيال الجديدة ليست بيد الأمراء، إلاّ بقدر الحرية التي يتحصّل عليها الإعلام المحلي وفي مقدمته الصحف.

لقد أصبح الإنترنت المكان البديل للمواطنين سواء في مناقشة القضايا المحلية أو متابعة ما يجري عن السعودية نفسها. وبذا أصبح عنصر تحدّ كبير للصحافة المحلية، ما جعل البعض يكتب عن ضرورة توسيع هامش الحرية الإعلامية وإلا فقدت الصحف تأثيراتها. من هنا قام السعوديون بموجة حجب غير مسبوقة في التاريخ للمواقع، ولكن المسؤولين لا يستطيعون فعل الشيء ذاته بالنسبة للقنوات الفضائية، وهو ما يقلقهم حقّاً.

إن الأمراء يتحكمون اليوم في الإعلام كلّه، من إثارات الصحف وحجمها، الى مناقشة قضايا جديدة. فقد طرأ سبب آخر في السنوات الأخيرة، وهو أنهم أرادوا من تلك المواضيع والإثارات القيام بعملية تنفيس عن المجتمع الذي بدأ يطالب بتغيير سياسي.

التغيير يؤجل! والإثارة تتواصل! والحريّة في رحم الغيب!

الصفحة السابقة