الفجور السعودي في الخصومة

السعودية وإسرائيل والحرب القادمة مع إيران

محمد الأنصاري

كلّ شيء متوقع في السياسة السعودية هذه الأيام. لا حدود في المواقف، ولا تأطير لها مصلحياً وأخلاقياً ودينياً.

الويل لمن تغضب السعودية عليه! إنها كالجمل حين يمتليء حقداً. هذا ما يقوله بعض الموالين للنظام السعودي. ولكن كم هو عمر الغضب السعودي؟

لا أحد يعلم بالضبط. فلا يعني هزيمة السعودية سياسياً تسليماً منها بالأمر الواقع. كلا: بل تكون الخسارة السياسية محفّزاً لارتكاب حماقات أكبر. هذا ما يعلمنا إياه التاريخ السعودي الحديث.

اربع سنوات حتى الآن والمعركة مفتوحة بين السعودية وحماس؛ ومثلها بين السعودية وحزب الله.

يموت الناس جوعاً في غزة.. يقتّلون في الهجمات الإسرائيلية.. ينقلب العالم رأساً على عقب بشأن سفن الحرية.. والسعودية تواصل نفس المسيرة، لم تغيّرها. فخطابها الإعلامي ذات الخطاب القديم: هجوم حاد وشخصي وتهكمي، والهدف هو ذات الهدف: إسقاط حماس، وتدميرها بأي وسيلة كانت (حتى بالإنقلاب الوهابي كما في انقلاب رفح العام الماضي).. وحتى بإدانة تركيا ودورها الجديد والسخرية منه وكأنه موجه ضد السعودية نفسها.

وحزب الله لم يخرج من دائرة الاستهداف السعودي. يكفي الموقف أثناء الحرب الاسرائيلية عام 2006. لم تقف السعودية عند حدّ التحريض السياسي الاسرائيلي كما قال أولمرت، بل كانت نصيراً حقيقياً لاسرائيل، وبقيت كذلك ولاتزال الى اليوم. إعلام سعودي لم يتوقف منذئذ حتى اليوم عن معركته وتحريضه ضد حزب الله، حتى أن المرء لا يستطيع أن يفرق بين الاعلام الاسرائيلي والسعودي، بل ان الاعلام الإسرائيلي وإن استخدم ذات المفردات السعودية والتحريض الكريه على الخصم، فإنه أقلّ هوناً، فهو آت من عدو، وليس من (حامي حمى الإسلام)!!

والسعودية ليس لديها من معركة أهم من معركة تدمير إيران. فالأخيرة على أجندة الغرب واسرائيل، مثلما هي على الأجندة السعودية، فالأخيرة لا تشذّ عن القاعدة، وإن كانت حماستها للتدمير وخرق المألوف السياسي يفقدها الصواب حقاً. يكفي المراقب ان يتابع الإعلام السعودي المحلي او الخارجي (خاصة العربية والشرق الأوسط وإيلاف).. فإنه سيجد معركة متصلة لم تقف، ولم تتراجع ايران من دائرة الإستهداف السعودي الإعلامي والسياسي (الى مرتبة أدنى من الأولى) أبداً.

السؤال المحيّر هو: الى أي أحد يمكن للخصومة السعودية مع منافسيها أن تقودها؟! أي متى تتوقف السعودية؟ أو متى تتغير الأولويات ولو قليلاً؟ وهل السعوديون يدركون خطورة السياسات الحادّة التي ينتهجونها؟

قلنا أن لا حدود للفجور السعودي حين الخصومة. سبق لهم أن اشتعلوا فرحاً حين تم تدمير مصر في حرب 1967، وخطب الملك فيصل ذات مرة أمام جمهور من الرياض بعد زيارة له الى واشنطن فافتتح خطابه: (جئتكم من بلد يحبّكم وتحبّونه) فرد الجمهور: (يخسئون، لا نحبّهم ولا يحبوننا)! بل حتى وفاة عبدالناصر بعثت فرحاً وتشفياً، مثلما فعل مقتل الملك عبدالله ملك الأردن، فقد قدّم الملك عبدالعزيز سيارة رولزرويس الى مستشاره الانجليزي جون فيلبي لأنه (بشّره) بمقتل الملك عبدالله بمجرد ان سمع الخبر من راديو بي بي سي!

والسعودية في علاقاتها الحديثة مع العراق أخذت ذات الطابع التدميري، فهي ليست استضافت نصف مليون جندي معظمهم من الأميركان لقتال الجيش العراقي بعد احتلال الكويت عام 1990، بل هي من أيد ودافع عن الحصار الذي فرض على العراق واطفاله فقتل أكثر من مليون إنسان معظمهم من الأطفال، وقد تبنّى السعوديون نفس المنطق الاميركي، بأن صدام هو السبب. ولم يقرّ لآل سعود قرار إلا بعد أن ساهموا في إسقاطه حيث اديرت معركة احتلال العراق من القواعد الأميركية في الرياض مثلما هو احتلال افغانستان. بعد الاحتلال أيضاً لم يتوقف السعوديون في تفجير العراق دموية وعنفاً، مصحوباً بالكراهية والسخرية ولازالوا يفعلون.

لكن إن كان العراق مريضاً، وكانت غزّة ولبنان غير قادرتين على مواجهة السعوديين، فماذا عن إيران تحديداً؟

قلنا في مقالات عديدة سابقة في هذه المجلة ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، بأن السعودية اتفقت مع أمريكا على مساعدتها في حال الهجوم على ايران. وقلنا أن بندر بن سلطان، قبل ان يطاح به، هندس موقف السعودية المستميتة لإسقاط النظام الإيراني بالتعاون مع اسرائيل وأمريكا. كما أشرنا في تحليلات أخرى الى تنسيق المواقف في واشنطن وتطابقها بين اسرائيل والسعودية. لذا لم يكن مفاجئاً ما ورد في بدايات هذا الشهر (يونيو) مما كشفت عنه صحيفة التايمز البريطانية، التي قالت في تقرير ذي طابع استخباراتي مسرب اليها بأن: (هناك اتفاقاً سرياً بين السعودية وإسرائيل حول السماح لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي باستخدام الأجواء السعودية في حال شنها هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية). وأنه (بموجب الاتفاق بين السعودية وإسرائيل سيتم إبطال مفعول الدفاعات الجوية السعودية لمدة قصيرة مما يتيح للطائرات الإسرائيلية اجتياز المجال الجوي للمملكة). وقالت الصحيفة البريطانية بأن هذا الاتفاق تم تنسيقه مع وزارة الخارجية الأمريكية، وأن المستهدف هو أربعة مواقع أساسية وهي: منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وقم، ومستودعات الغاز في أصفهان ومفاعل الماء الثقيل في آراك. أما الأهداف الثانوية بحسب (التايمز) فتتضمن مفاعل الماء الخفيف في بوشهر القادر عند اكتماله على إنتاج البلوتونيوم اللازم لصناعة أسلحة نووية.

الاواكس السعودية ستكون نائمة حين تهاجم اسرائيل إيران!

وجاء كشف الصحيفة هذا، بعد كشف آخر وعلى الفضاء ايضاً. فقد سبق وأن اتهمت ايران اميركا بخطف أحد علمائها من السعودية في صيف 2009 حيث كان يؤدي العمرة، وحملت السعودية المسؤولية. المختطف وهو شهرام أميري، أعلن من أميركا بأنه مختطف وكشف عن مكان تواجده وكيفية خطفه، ودور المخابرات السعودية في ذلك. السعودية سبق لها ان أقرّت بأن شهرام أميري اختفى من السعودية، وأن سجلاتها تبين دخوله ولكنها لا تبين خروجه، وحاول السعوديون إيهام الإيرانيين بأن عالمهم إما هرب منهم طالباً اللجوء، أو اختطف بطريقة ما من قبل الأميركيين دون أن يكون للسعودية علم بذلك. الآن تبين أن هناك تخطيطاً بين الأميركيين والمخابرات السعودية في هذا الشأن وهو ما كشف عنه أميري.

هذان الموقفان: فتح الأجواء السعودية لمهاجمة ايران عسكرياً؛ وإقحام السعودية نفسها في عمليات استخباراتية مشتركة مع السي آي أيه مضادّة لإيران، جعلت من السعودية هدفاً في أية مواجهة عسكرية قادمة. من الملفت في هذا الشأن التحريض السعودي المستمر على الحرب ضد ايران، حتى أن أحد كتاب السعودية (مشاري الذايدي) دعا وبصورة صريحة الى تدمير ايران عسكرياً فهي مجرد دمّلة في وجه المنطقة يجب فقؤها. وقد سبق أن نشرت (الحجاز) مقالات تحليلية حول الدور السعودي في الحرب القادمة، والخسائر التي تنتظرها، وكيف ترى هي تلك الخسائر، وهل يستحق إسقاط النظام الإيراني مجازفة سعودية من هذا النوع.

لوحظ أن إيران هددت مراراً بأنها ستضرب القواعد العسكرية الأميركية في دول الخليج إذا انطلقت منها هجمات ضد أراضيها. ومعلوم أن قيادة الأسطول الأميركي الخامس هي في البحرين، وهناك قواعد السيدية في قطر، وقواعد أخرى في الكويت والإمارات والسعودية، اضافة الى قواعد مصيرة ورأس مسندم في سلطنة عمان. ولكن كل دول الخليج أعلنت صراحة بأنها (لن تسمح) بانطلاق اي اعتداء على ايران من اراضيها. مع العلم ان هناك شكوكاً في قدرة تلك الدول على منع أميركا من استخدام تلك القواعد. وحدها السعودية التي لم تتحدث عن هذا الأمر، ولم تقل يوماً ما أنها لن تسمح باستخدام أميركا واسرائيل أراضيها في الهجوم على ايران.

لكن وبعد أن فضحت الصحيفة البريطانية (التايمز) الموقف السعودي، فإن السعودية بادرت الى نفي ما نُشر. ليست هناك مشكلة في أن تفهم إيران بأن السعودية تصطف مع أميركا واسرائيل ضدها، فهذه الرسالة وصلت منذ زمن فيما نظن. ولكن أن تظهر السعودية في الواجهة ومقدمة المحاربين، فذلك مكلف بالنسبة للسعودية التي تعودت ان تحارب بجنود غير جنودها، وهي لم تخض حرباً واحدة اللهم إلا الحرب ضد الحوثيين، ومع هذا فشلت فيها!

بادرت السعودية مضطرة الى نفي ما نشرته التايمز مرتين: الأولى على لسان مصدر مسؤول في وزارة الدفاع السعودية، والثانية على لسان مصدر مسؤول في الخارجية، والفارق كان يوماً واحداً (11/12 يونيو). المصدر المسؤول في وزارة الدفاع السعودية صرح لوكالة الأنباء الألمانية مبدياً نقاط الخلاف بين السعودية وايران (إلا أن ذلك لا يعني أن تكون السعودية منصّة انطلاق لضرب طهران) وقال بأن اسرائيل غير مسموح لها بعبور الأجواء السعودية. ونفى المصدر ما جاء في التايمز مبرراً بأن بلاده (ليست طرفاً في النزاع بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة، ونحن لن نسمح باستخدام أراضينا لشن أعمال عسكرية أو أمنية أو تجسسية ضد إيران).

واضح أن الرد السعودي كان أكبر من مسألة فتح الأجواء أمام اسرائيل، وهو ما حدث مثلاً حين هاجمت الأخيرة المفاعل النووي العراقي ولم تقم السعودية التي كانت تمتلك الأواكس حتى بإبلاغ العراق بالطائرات الاسرائيلية التي اخترقت الحدود السعودية والأردنية للقيام بهجومها. السعوديون هنا يتحدثون ايضا عن المسائل التجسسية، في إشارة الى شهرام أميري الذي لم يرد السعوديون على ما قاله وهو بين يدي المخابرات الأميركية.

لم يكتف السعوديون بهذا الرد من قبل وزارة الدفاع، وهذا أمرٌ نادر. بل قاموا مرة أخرى بالرد على ما نشرته التايمز وبعصبية أيضاً. ففي 12 يونيو وصف مصدر مسؤول في الخارجية السعودية ما نشرته (وسائل الإعلام البريطانية) بأنها مزاعم (ركيزتها البهتان والتجنّي)، وعاد فكرر بأن المملكة (تجدد التأكيد على موقفها القاطع والرافض لانتهاك سيادتها واستخدام أجوائها أو أراضيها من قبل أي كان للاعتداء على أي دولة، ومن الحري أن تطبق المملكة هذه السياسة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلية التي لا تربطها معها أي علاقة بأي شكل من الأشكال).

حماسة سعودية للهجوم على ايران

أمران ثابتان: الأول، السعودية اليوم متحمسة لشن حرب على ايران، لا تقوم بها بنفسها بالضرورة ولكن عبر اسرائيل وأميركا. والثاني، ان السعودية ستشارك في أي حرب قادمة، عبر اراضيها وقواعدها وأموالها وسياساتها وإعلامها، ما يجعلها واحدة من ساحات المعركة القادمة إن اشتعلت حسب الهوى السعودي. وعموماً فإن الحماسة السعودية للحرب على ايران وضرورة ضربها عسكرياً، وتشديد الخناق عليها اقتصادياً وسياسياً، يكشفها السعوديون انفسهم. ومن المؤكد أن السعوديين والإسرائيليين يتشاطرون وجهة نظر واحدة تشمل حتى التفاصيل، وأنهم قاموا ولازالوا بعمل ولوبي مشترك لتحقيق الغاية نفسها: تدمير النظام الإيراني واسقاطه. الإسرائيلي متردد أن يقوم بذلك بنفسه لأنه لا يستطيع، ولكنه على استعداد للمشاركة في أي جهد، والسعودية يهمها أن يقوم الآخرون بالجهد الأكبر وعليها التمويل كما هي العادة.

شعرت السعودية بغبطة حين فرضت الحزمة الرابعة من العقوبات على ايران، كما تعبر عن ذلك كتابات عبدالرحمن الراشد، وتحليلات العربية، وسطحية طارق الحميد!، حتى أن الراشد سخر وفرح من أن ايران التي تريد ان تكسر حصار غزة، جاء من يحاصر موانئها.. ولكن السعودية تخشى أن لا يؤدي ذلك الى المبتغى النهائي: (إسقاط النظام في ايران). لذا، لازال السعوديون يتحدثون عن (الأسلحة النووية الإيرانية) المزعومة!، وهو أمرٌ لم تقل به اسرائيل نفسها، ولازال السعوديون يعتقدون بأن لا حلّ مع ايران إلا بالسلاح، ويشاطرون امريكا واسرائيل نفس الخطاب: (ما يجري على الشعب الايراني يتحمل مسؤوليته النظام الحاكم هناك)! وهو ذات الخطاب الذي استخدم مع لبنان، ومع غزة، ومع العراق، ومع افغانستان. تستطيع ان تحمل الطالبان وصدام وحزب الله وحماس وحتى الأسد مسؤولية ما تقوم به اميركا واسرائيل من عنف ودموية واحتلال!

لم يغيّر النفي السعودي ـ الإعتراضي ـ من الموقف المشروح آنفاً. فلازال الحماس السعودي لحرب ايران قائماً. من آخر المقالات التي نشرت: افتتاحية جريدة الوطن السعودية، وهي اشهر جريدة، وذلك في 13/6/2010، والتي جاءت تحت عنوان: (لا وقت للمناورات حول الملف النووي الإيراني). فهذه الافتتاحية تعبّر عن الموقف الرسمي بأخطائه وديماغوجيته. فالذين يقولون بأن العقوبات التي فرضت على ايران ستؤثر على السعودية ودول الخليج وتشوه سمعتها مخطئون، حسب الافتتاحية، التي وصفت من يرى ذلك بأن لديه (منطق سياسي منقوص وغير ناضج، وليس له في الأبجديات السياسية أي موقع من الإعراب). وأوضحت الافتتاحية بأن العقوبات تستحقها ايران، فـ (تعنت حكومتها) أوصلها الى هذا الواقع! وأكدت بأنه (لا توجد أي شرعية للمشروع النووي العسكري الإيراني) وهو يشكل خطرا على الشرق الأوسط! وانتقدت الافتتاحية تركيا والبرازيل اللتان دافعتا عن ايران ورفضتا العقوبات، ورأت امتعاضهما (أمر لا مبرر له) مؤكدة ان لا فائدة من المبادرات خاصة التركية منها التي انتقدتها ورأت أنها (تحمل طموحات سياسية للعب دور أكبر في المنطقة على حساب فوضى تقودها إيران).

الحماسة السعودية للحرب ضد إيران قد تكون قاتلة هذه المرة. ولعلّ تلك الحماسة تقود الى نهاية الحماقات السعودية.

الصفحة السابقة