هجوم الغذامي على الليبرالية السعودية

مطبخ (الداخلية) ولعبة (الجانبي) و(الرئيسي)

عبدالحميد قدس

كانت الساحة الإعلامية والثقافية المحلية مشغولة منذ بدء السنة الهجرية الجديدة بتداعيات المحاضرة التي ألقاها الناقد والدكتور الجامعي عبد الله الغذامي بعنوان (الليبرالية الموشومة) في كلية الآداب بجامعة الملك سعود في 7 محرم 1432هـ ـ 14 كانون الأول (ديسمبر) 2010، والتي أحدثت ردوداً واسعة في الوسط الليبرالي، فيما اعتبرت أول تحد أيديولوجي يتعرض له التيار الليبرالي من داخله. الحدث بحد ذاته كان تنفيساً لاحتقانات في الوسط الديني السلفي الذي بقي يتلقى الصفعات طيلة الخمس سنوات الماضية، وإن كانت نتيجة أخطاء يتحملها المشايخ دون سواهم، بصرف النظر عن مدى استغلال خصومهم الليبراليين في المعركة المفتوحة بين الليبرالية والسلفية.

خلف الحربي: الغذامي يريد إرضاء فئة معيّنة

الغذامي فاجأ جمهوره وخصومه في محاضرة إتّسمت بما يشبه الإقرارات الكنسية، حيث تبرأ من إنتمائه الليبرالي. ربما كان مقدّم المحاضرة الدكتور عبد العزيز الزهراني نجح في استدراج الغذامي الى ما يريده، حين وضعه بين نموذجين سلبيين لليبرالية: نموذج الليبرالية التي سمحت بالإساءة للإسلام عبر الرسوم الكاريكاتيرية ونموذج الليبرالية التي ضاقت بمؤسس موقع ويكيليكس ذرعاً وقررت اعتقاله لأنه نشر جرائم الأنظمة الليبرالية. وفي ضوء هذه الرؤية المحقونة بكل الصور السلبية لليبرالية في الغرب، وجد الغذامي نفسه أمام محاكمة غير رسمية، رغم أنه أعدّ نفسه لإلقاء محاضرة ذات طابع أكاديمي محض.

بعد المقدّمة ذات الطابع الشخصي، إستعرض الغذامي تاريخ الليبرالية في إطارها الأيديولوجي والسياسي. أما عن نشأة الليبرالية في السعودية فعزاها الغذامي الى الصحافيين الغربيين الذين جاءوا الى البلاد، والتقوا مع أطياف فكرية متعددة، من بينها المثقفين المصنّفين ليبراليين، وكان ذلك منذ الستينيات الميلادية. ويرى الغذامي بأن الليبرالية هي (مصطلح على فئة لا مصطلح لها، مسمى لمن لا مسمى له)، بمعنى آخر هو (مصطلح مخالف للآخرين).

توقّف الغذامي طويلاً عند منظومة المفاهيم الليبرالية مثل الحرية والمساواة والعدالة، والمقولات الفلسفية التي أضاءت عليها، لجهة بيان نقاط التشابك فيها وعليها، وخصوصاً مفهوم الحرية الذي تدور حوله الليبرالية الغربية، من خلال مقولتي مونتسكيو في الحرية (الحرية هي حقك في أن تعمل كل ما لايضير الغير)، ومقولة الثورة الفرنسية في الحرية (لا حرية لأعداء الحرية) و(يجب إجبار الناس على أن يكونوا أحراراً)، لتكون مدخلاً للحديث عن الليبرالية السعودية.

صادق الغذامي على ماقاله مقدّم المحاضرة حيث الصورة العامة عالمياً (أن الليبرالية رديف للإمبريالية)، وساق أمثلة على ذلك، في ما يشبه الاكتشاف المتأخر لموبقات الليبرالية الغربية في أرجاء مختلفة من العالم.

ربما أصاب الغذامي حين انتقد سلبية الليبراليين في السعودية كونهم لا يقرنون الأقوال بأفعال على الأرض، فهم ينسحبون سريعاً حين المواجهة، أو لايبدون رد فعل إزاء قضايا طالما دافعوا عنها، مثل الانتخابات حتى مستوى الأندية الأدبية، يقول الغذامي (أوقفت الانتخابات في الأندية الأدبية بالمملكة بقرار ولم أجد ليبراليًا واحدًا من الذين يكتبون في الصحف تحت مسمى الليبرالية يستنكر هذا القرار..).

لامس الغذامي الموضوعات التي كانت موضع نقد الليبراليين مثل هيئة الأمر بالمعروف، والمناهج، والغلو، والإرهاب، والأهلّة، واعتبرها موضوعات لا تخص الليبراليين بحيث تمنحهم إسماً خاصاً بهم، لأن هذه الموضوعات من الممكن أن تكون موضع نقد آخرين دون أن يصدق عليهم مسمى ليبرالي.

وفرّق بين أربعة أنواع من الليبرالية: الفلسفية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية، وفيما يعتقد الغذامي بأن الليبرالية الفلسفية والسياسية غائبة تماماً في هذا البلد، رأى بأن الليبرالية الاقتصادية القائمة على الفردانية هي موجودة وزاد (بكل شرورها) أيضاً. وزبدة الكلام لدى الغذامي هي أن ليس في المملكة ليبراليون وليس لهم خطاب وأنهم ليسوا قوة تغييرية بالمعنى السياسي، وهذا ما يجعل من استعمال الليبرالية موشوماً، أي أنها إسم ولكن على غير مسمى، بمعنى أنها متناقضة مع ذاتها.

الدخيل: لم تكن الحرية يوماً من اهتمامات الغذامي

تبدو نزعة التحرر لدى الغذامي في أماكن أخرى، والتي يظهر فيها منعتقاً من هواجس الليبراليين في البوح بأفكارهم في الديمقراطية، ففي واحدة من إجاباته، يمرر موقفاً جريئاً ونقدياً لأولئك الذين يتذرعون بقصور المجتمع عن استيعاب الديمقراطية، ويقول (أقسم لكم بالله مجتمعنا ماهو تقليدي، والذي يقول لم نجهز بعد لاستقبال الديموقراطية، ياأخي جاهزين لنا 100 عام والله جاهزين لنا 100 عام وألف عام كمان، وش يعني! مايصير ما إحنا قطيع غنم وإلا قطيع بقر، إحنا بشر يا أخي). وضرب مثلاً بالهند وهي أكثر فقراً وأكثر جهلاً، وفيها كل أنواع الفروق (ومع ذلك ديموقراطية). وكذلك الحال بالنسبة لدول أخرى مثل بنجلادش. واعتبر الديمقراطية لا تتطلب زمناً محدداً فـ (وقت الديموقراطية كل وقت ووقت الفكر كل وقت، الإنسان بما أنه إنسان هو أرض خصبة تتحرك بخصوبتها..).

وجادل الغذامي أولئك الذين يرون بأن المجتمع ليس مؤهلاً بدرجة كافية لممارسة الديمقراطية، وطبّق ذلك على الأمم الأخرى، فهل قيل للإنجليز في القرن 17 بالإنتظار مدة ثلاثة قرون أخرى حتى يكونوا ديمقراطيين، وبالتالي هل نحن بحاجة للإنتظار زمناً طويلاً كيما نصبح ديمقراطيين؟!

يتمسّك الغذامي برأيه في الليبرالية السعودية، ويرى بأن (الليبراليين ـ السعوديين هنا ـ لم يطلقوا على أنفسهم هذا المسمى وإنما هو مصطلح جاء من الخارج). فماذا نسمي المواقع الحوارية السعودية التي أسبغت على نفسها إسم (الليبرالية)، ويشرف عليها صحافيون وكتّاب معروفون، ويشارك في كتابة موضوعاتها الحوارية طيف واسع من السعوديين الذين يقولون عن أنفسهم بأنهم ليبراليون، فكيف لم يعرّفوا أنفسهم وقد فعلوا ذلك، ثم جاءت ردودهم على محاضرة الغذامي لتثبيت النسبة.

ردود الفعل

كان تركي الحمد، الكاتب والأكاديمي الليبرالي، من أبرز الرموز الليبرالية التي تناولها الغذامي في محاضرته، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون الحمد من أوائل من يحمل راية الرد على الغذامي، فقد وصف تصريحات الغذامي بأنها مجرد (رأي شخصي)، وأن (مستقبل الليبرالية في المملكة مشرق، فهي فلسفة حياة وليست حزباً سياسياً، وتبحث عن كرامة الفرد وحريته..)، وأضاف الحمد أن (الليبرالية تحاول أن تعيد للفرد السعودي كرامته بعد الإرهاصات التي عاشها المجتمع تحت وصاية من يطلقون على أنفسهم مجموعات الصحوة الإسلامية).

وقال الناقد نايف كريري (أخشى أن الغذامي يعيش وسط أزمة فكر، لا يعانيها لوحده في عالمنا العربي، بل يعاني منها كثير من المفكرين والمثقفين، وسبب هذه الأزمة نابع من تردي أوساطنا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، على حدّ سواء، والحاذق من يستطيع الخروج من هذه الأزمة وعدم تأثير تلك الظروف عليه). واعتبر كريري أن تصريحات الغذامي (لم تأت بجديد، سوى أنه رجل شجاع حينما خرج من وسط التيار، بل صرخ من أعلى قمة في الهرم ليقول لنا إن ليبراليتنا موشومة).

تركي الحمد:
مستقبل الليبرالية مشرق في السعودية!!

ويشير كريري إلى أن التحولات التي يطالعنا بها الغذامي من فترة لأخرى (ربما تقع في جانب تصفية الحسابات بينه وبين زملائه السابقين، ولذلك قام بشن الهجوم عليهم). ويعلل كريري ذلك بأن الغذامي تراجع عن كثير من أفكاره وقناعاته لأنه سبق أن أعلن أنه يراجع قناعاته باستمرار.

في مقابلة مع موقع (العربية نت) في 26 ديسمبر 2010، اعتبر خلف الحربي، أحد أشهر كتاب الأعمدة في السعودية، بأن ما قاله الغذامي في حلقة البيان التالي الأخيرة بقناة (دليل) الفضائية يعكس قبوله باتهامات خطيرة، مضيفاً (الغذامي كان يستقبل كلاماً محدداً ويوافقه، لأجل إرضاء فئة معينة). وقال الحربي بأن ما ذكره في مقاله بصحيفة (عكاظ) في 26-12-2010 عن الغذامي هو رأيه الذي أجل إعلانه من زمن طويل، مؤكداً أنه لا يعرف الغذامي شخصياً بل يقرأ له منذ فترة طويلة، وأنه منذ تلك الفترة لم ير فيه إلا (العناوين البراقة والفراغ من المحتوى)، مشيراً إلى أنه شخصياً يعلن عن جائزة لمن يخرج بشيء من كتب الغذامي بخلاف العناوين البراقة.

وأضاف الحربي (كنت أتمنى من الدكتور الغذامي الذي يردد دوماً أنه مفكّر حر أن يكون كذلك فعلاً وليس قولاً من خلال عدم الصمت على ما قيل عن زملائه من إهانات، متعجباً "كيف قبل الغذامي عبارة العواجي (نشهد أن الغذامي ليس من زوار السفارات ولا رواد البارات)، إذ إن القبول حتى بنفيها هو إهانة فكيف رضي أن يستثنى منها وكأن كل من حوله تتجسد فيه.

واعتبر الحربي أن الغذامي يعاني من تضخّم الذات، ويسعى نحو إرضاء التيار الصحوي (لدرجة أنه عرض مرة إحراق كتبه من أجلهم، كما استنكر أنه قام بالعمرة ولم يقل له أحد منهم (مبروك)، الحداثة محوره، والليبرالية محوره، وكل شيء هو محوره. لو كان مثقفاً حراً لكان كذلك فعلاً.. هذا الرجل بائع عناوين فقط).

في البرنامج التلفزيوني على قناة (دليل) والذي جمع كلاً من الغذامي وعضو مجلس الشورى السابق د. محمد آل زلفة، والكاتب عبد الوابلي، والدكتور محسن العواجي ، أعاد الغذامي اتهامات سابقة لليبراليين السعوديين بأنهم لا يملكون برامج ولا مشاريع سياسية حقيقية، متهماً المتفائلين بمستقبل الليبرالية بأنهم يعيشون وهْم (الحكي) وقال: (أنا مفكر مستقل، ولست مسؤولاً أن يتبنى كلامي فئة ضد أخرى). مضيفاً: (للأسف لم أجد من يطلقون عليهم أنهم ليبراليون).

شهدت الحلقة اعترافات من الوابلي وآل زلفة بأنهما (ليبراليان)، فيما وصف الشيح محسن العواجي الليبراليين بأنهم أشد عداء من كفار قريش، مشيراً إلى أن (منهم عقلاء يستحقون الاحترام).

ورد على هذه التصريحات الدكتور عبدالرحمن الحبيب قائلاً إن الغذامي كان يتكلم بشكل يوحي بأن الحديث موجه نحو أشخاص معينين، بينما حقيقة الأمر أن الليبراليين يمين ويسار ووسط، والحديث باعتبارهم فريقاً واحداً ليس أسلوباً منهجياً.

على مستوى الرودود الثقافية الممنهجة، كان من بين أوائل من انبرى للرد على محاضرة الغذامي، أستاذ علم الاجتماع السياسي خالد الدخيل، الذي دخل الى أتون الصراع الأيديولوجي أو التياري في مرحلة متأخرة، ونأى في الوقت نفسه عن الانحباس في شروط التمثّل الفكري الداخلي، ما دفعه للكتابة في صحف خارجية (خليجية على وجه التحديد)، الى أن فسح له في المجال ليكتب في صحيفة الأمير خالد بن سلطان. كتب الدخيل في (الحياة) مقالاً بعنوان (الناقد «الموشوم» ومعركة الليبرالية) بتاريخ 26 كانون الأول (ديسمبر) 2010، بدأه بالإقرار بمشروعية سؤال وجود الليبرالية السعودية، قبل أن يثبّت حقيقة كون الليبرالية سلوكاً وفكراً موجودة في السعودية، وأصبحت مندغمة في النسيج الثقافي المحلي الى حد أنها كما يقول (دخلت مرحلة التطبيع)، فقد بات طبيعي إعلان كثير من النساء والرجال الانتماء الى الليبرالية كاتجاه فكري وسلوكي. وهذا للرد على الغذامي الذي يقول أن هناك شريحة ضئيلة العدد لا تمثل إلا نفسها.

الدخيل رد الكرّة الى ملعب الغذامي حين اعتبر كلام الأخير حول الليبرالية الموشومة، على أساس افتقارها للحيادية والتحامها بالمشروع الامبريالي، يتّسم بالبساطة، وأن ما قاله الغذامي يعتبر مأزقاً لأنه (يتحدث بدافع ما يسميه في مكان آخر، وبسذاجة أيضاً، النسق المحرّك للسلوك)، ولكن الدخيل يرى هذا النسق منطبقاً على الغذامي نفسه، سلوكاً وموقفاً، ويذكّره بالفارق بين الحياد والاستقلالية، حيث الأخيرة موقف، في حين الحياد في الأغلب الأعم إدعاء كاذب، للتنصّل من موقف أو للتغطية على موقف لا يراد له أن يظهر في العلن. كما فرّق الدخيل بين النموذج المثالي والواقع للأيديولوجيات بما فيها الأديان السماوية (ولم يحصل قط أن تطابق النموذج مع الواقع).

العواجي: الليبراليون أشدّ عداءً من كفار قريش

وتتصاعد درجة المواجهة الفكرية بين الدخيل والغذامي، من خلال السؤال الملتهب: هل الغذامي نفسه موشوم؟ وهو سؤال بدا كما لو أنه ينزع نحو شخصنة الجدل، بالرغم من المحتوى العلمي والواقعي الذي عرضه الدخيل بعد ذلك، خصوصاً وأن الليبراليين واجهوا هجوماً شرساً من جانب التيار السلفي المتطرّف الذي وصم خصومه الليبراليين بالكفر والعمالة وارتياد السفارات الأجنبية. ثم حدّد الدخيل نقطة افتراق حادة مع الغذامي، وهي الحرية، وقال بأن (قضية الحرية لم تكن يوماً من اهتماماته، أو شاغلاً من شواغله الفكرية والسياسية). وذلك لتبرير لجوئه الى كلمة حق يراد بها باطل (أنا مفكر حر، أنتقد وبس). ولم يتردد الدخيل في توجيه تهمة الممالئة أو التواطؤ للغذامي مع التيار الديني (لم ينتقد الغذامي يوماً الخطاب الديني على مدى مسيرته الثقافية التي تمتد إلى ما يقرب من عقود أربعة. وليته فعل ذلك عن قناعة، قناعة بأسس ومنطلقات الخطاب الديني، وإنما لحساسيات اجتماعية ودينية). وزاد الدخيل على نقد الغذامي بأن حدد بعض سمات شخصيته ومنها (التضخّم الذاتي).

وفي مقالة أخرى لكاتب صحافي خالد الحربي في صحيفة (عكاظ) في 26 ديسمبر الماضي بعنوان (فوكوياما والخلايق نياما!)، وصف فيه الغذامي بأنه (أكبر بائع عناوين في الشرق الأوسط)، وحسب الحربي فإن الغذامي (يقضي الليل بطوله بحثا عن عنوان براق، ثم يقضي النهار بحثا عن طريقة ما تجعل هذا العنوان يدور حول ذاته المتضخمة، باعتباره محور الكون..).

أورد الحربي ما جرى في جائزة الشيخ زايد، التي كان الغذامي أحد مستشاريها، حيث قدّم مؤلف جزائري نصاً مسروقاً مادة كتابه من الغذامي نفسه، واضطر القائمون على الجائزة إلى سحبها من المؤلف، ولم يكّلف الغذامي نفسه قراءة الكتاب المسروق، وحاول الغذامي مداراة بالفضيحة الثقافية بتقديم استقالته فيما يشبه (البحث عن بطولة حتى في لحظة السقوط)!.

تجاوز الحربي محاضرة الغذامي حول الليبرالية الموشومة، بل قدّم ما يشبه محاكمة فكرية مكثّفة لمنتجات الغذامي الثقافية، بدءً من حلقات (القبلية والقبائلية) في صحيفة الرياض، والتي لم يجد فيها الحربي فائدة فكرية (لم أجد فيها أي شيء ذا قيمة سياسية أو فكرية أو اجتماعية أو تاريخية توازي العنوان الكبير!)، ومروراً بكتاب (حكاية الحداثة) الذي اعتبره مصادرة للأدوار الكبيرة التي لعبها العديد من الشعراء وكتّاب القصة والروائيين السعوديين في تغيير واقع الحركة الأدبية السعودية، لناحية تأكيد نزعة التمحور على الذات وتضخيمها. وصف الحربي الغذامي بأنه (فوكوياما السعودية).

الصحافي في جريدة (الحياة) داود الشريان، كتب في زاويته المتنقّلة (أضعف الإيمان) مقالاً في 27 ديسمبر الماضي بعنوان (الليبرالية في السعودية)، أعاد التذكير بالتهمة التي لاحقت الغذامي منذ زمن وتأكّدت بعد محاضرته الأخيرة وهي محاباة التيار السلفي، وأن المحاضرة ما هي إلا البحث (عن تأشيرة دخول الى تيار الصحوة).

يرى الشريان بأن محاضرة الغذامي (كشفت عن سيطرة الخوف على الساحة الثقافية السعودية)، وأن موقف الغذامي من الليبرالية (جاء في سياق البراءة من الليبرالية، على طريقة البراءة من الكفار، على رغم ان أستاذ الحداثة وصاحب كتاب «الخطيئة والتكفير» استمد موقعه وشهرته من كونه ينتمي الى هذا التيار..). ومع ذلك، فإن الشريان لم يتعامل مع محاضرة الغذامي عن (الليبرالية الموشومة) من منطلق الأحكام الإجمالية، فقد وجد فيها فائدة، ولكن من منظور مختلف. فمن جهة، فإن المحاضرة كشفت عن (أن التيار المتشدد هو الذي يمنح الشرعية للمثقف في السعودية، وفي المقابل، كسرت المحاضرة جدار الخوف الذي قيّد حركة الليبراليين في المجتمع السعودي، فأصبح موقف الغذامي مناسبة لاعتراف عدد كبير من المثقفين السعوديين بأنه ليبرالي..).

ما تلزم الإشارة اليه أن ثمة اتهامات قديمة أحاطت بالغذامي وارتباطاته بوزارة الداخلية، وأن نفي ارتياده السفارات الأجنبية لا يعفيه، بحسب مطّلعين على خفايا الأمور، من كونه جزءً من شبكة تحالفات السلطة، وهي نفس التهمة التي أحاطت بالشيخ محسن العواجي الذي بدا محابياً للغذامي في حلقة قناة (دليل). أن يتوارى الغذامي في لحظات تتطلب حضوراً وكثيفاً ويحضر في لحظة يجوز فيها التواري والغياب لاشك يثير سؤالاً كبيراً عن دور المثقف، ولكثيرين أن يتوقفوا مليّاً أمام صمت الغذامي عن اقترافات التطرف الديني في السعودية، فيما يحضر فجأة كيما ينقلب على رفارق الدرب، ويحيل معارك الأفكار الى منازلة مع الأشخاص، في عملية تهديم مقصودة إنتقاماً لما أصاب حليف (الداخلية) السلفي من أضرار بالغة نتيجة انتقادات (الليبراليين) لمشايخ قدّموا أخطاءهم مبررات للهجوم عليهم، فصار لزاماً تسديد ضربة قاصمة أو على الأٌقل موجعة للتيار الليبرالي من داخله، زعماً، لجهة مشاغلته ثقافياً وربما سياسياً، وأيضاً أمنياً، فمطابخ الدولة باتت تعمل على مدار الساعة للبحث عن كل ما يصلح لأن يكون (جانبياً)، من أجل صرف الأنظار والاهتمامات عن كل ما هو (رئيسي)..والغذامي في معركته كان على الدوام جانبياً، ولكن هناك من أراد له أن يكون رئيسياً.

الصفحة السابقة