محتجة مصرية تسأل: لماذا لم ترد السعودية على هذا الكاريكاتير لمجلة كندية؟

اعتقال الجيزاوي: جنون سياسي سعودي

المصريون يستهدفون (الذات الملكية) السعودية!

عبد الوهاب فقي

أحمد الجيزاوي، محام مصري وناشط حقوقي، دافع عن المعتقلين المصريين المعتقلين في السعودية، وبينهم عدد غير قليل من الأطباء والناشطين والعمال. وفي سبيل تحقيق الإفراج عنهم، رفع دعوى ضدّ الملك السعودي نفسه أمام القضاء المصري. ربما ظنّ الجيزاوي أنه محصّن ضد الإعتقال، لصفته الحقوقية والقانونية والقضائية، وربما كان ضمن النشوة الوطنية التي هبّت على كل مصري، بعد إسقاط الطاغية حسني مبارك، فلم يخشَ الإعتقال في السعودية، وهو يذهب اليها برجليه ومعه زوجته لأداء العمرة. في مطار جدّة يوم 24/4/2012 أوقف الجيزاوي، وأُبلغ بأنه محكوم عليه بالسجن لمدة سنة وبالجلد لسبّه (الذات الملكية)؛ ووصل الخبر الى الصحافة المصرية، وبدأت التظاهرات أمام السفارة السعودية والقنصليتين في الأسكندرية والسويس، في احتجاجات استمرت أياماً عديدة. وبدل أن تتراجع الحكومة، جاء الخبر الطامّة، وهو اتهامه بتهريب مخدرات! وقد أعلنت السلطات السعودية ذلك، ما أثار حفيظة المصريين من هذا التلفيق والبهتان. ومعلوم أن عقوبة التهريب في السعودية (لغير أصحاب الدم الملكي الأزرق وحاشيتهم) هو الإعدام!

في ذات الوقت، كانت هناك حرباً مستعرة على الإنترنت، والقنوات الفضائية بين الشعب المصري بكافة فئاته وتياراته السياسية ـ حيث أصبحت قضية الجيزاوي قضية رأي عام ـ وبين السعوديين أو جزء منهم على الأقل، وهو الجزء المناصر للحكم السعودي القائم الذي أراد تحويل القضية الى قضية (كرامة وطنية) كما حدث في مصر. بيد أن أدوات الحرب السعودية، لم تتعدّ شريحة صغيرة من المواطنين، يشكلون الداعم الرئيس والمنتفع الرئيس من الحكم السعودي. فأغلب الحرب من الجانب الإعلام السعودي جاءت من مواطنين نجديين (22% من السكان) فيما كانت قلوب الحجازيين مع مصر، بينما وجدنا في المنطقة الشرقية ذات الأكثرية الشيعية، تقف صراحة ضد آل سعود، في تظاهرات مناصرة ومطالبة بإطلاق الجيزاوي، وهو أمرٌ أذهل المتابعين المصريين.

في الشرقية، وفي تظاهرة الجمعة 27/4/2012 مضادّة للحكم السعودي، وقف أحد المتظاهرين في القطيف ليلقي بياناً بالنيابة عن الحشد، قال فيه: (لقد علمتم ماذا حدث من اعتقال غاشم للناشط الحقوقي المصري الجيزاوي. ونحن هنا في القطيف نتضامن مع اخواننا المصريين المظلومين والمفتونين ظلماً وعدواناً. إن الجيزاوي هو أخ لنا كما هم باقي المصريين اخوة لنا. ونحن هنا اليوم نتضامن مع السجين المظلوم الجيزاوي ومع كل السجناء المظلومين؛ فآل سعود قد ملأوا السجون بالأناس البريئين. ونحن هنا ننادي: سجونهم مليئة، بالعصبة البريئة). خلال يومين وصل عدد مشاهدي مقطع اليوتيوب الذي يصور التظاهرة ويعلن النصرة نحو 350 ألفاً؛ واعتبر موالو النظام السعودي وقفة القطيف مع الجيزاوي وشعب مصر، دليل على (عمالة الرافضة الذين هم سبب الفتنة)!

طز في ذاتك الملكيّة طال عمرك!

تحت هذا العنوان، فتحت أبواب الإنترنت ضد الملك السعودي، الذي يعتقد بأن اعتقال الجيزاوي إنما جاء لأنه تعدّى حدوده برفع الدعوى على (الذات الملكيّة)! فكان الرد من جنس العمل. وفي الحقيقة فإنه لا يمكن وصف ما جرى في مصر في أعقاب اعتقال الجيزاوي إلا بأنه (انفجار لمخزون المشاعر المعادية لآل سعود) وهو مخزون تمّ كبته لسنين طويلة، منذ بداية تولّي مبارك الحكم وحتى سقوطه، وهي الفترة التي استسخف فيها السعوديون مصر وحطّوا بكرامة أهلها وشعبها.

هذا الوصف هو ما تدلل عليه القنوات الفضائية المصرية التي طفقت تنشر صور وأخبار التظاهرات أمام الممثليات الدبلوماسية السعودية، وتلتقي بالمواطنين المحتجّين من مختلف الإتجاهات الدينية والسياسية، كما بعوائل المعتقلين في السجون السعودية. وهو ما تدلل عليه أيضاً الكتابات والتغطيات الصحافية والتي شارك فيها شخصيات مهمّة في الحقل الإعلامي المصري، الى الحدّ الذي دفع بعض كتّاب آل سعود الى اقتراح وضع قائمة سوداء بأسماء الصحفيين والإعلاميين لمعاقبتهم. وزيادة على ذلك، كانت هناك مواقف النواب المصريين، والأحزاب السياسية التي تضامنت مع المعتقلين المصريين وبالخصوص الجيزاوي، وطالبت الرياض بإطلاق سراحهم، بما في ذلك الإخوان المسلمون، وبعض شخصيات السلفيين المصريين، الذين وجدوا أنفسهم بين نارين: خسارة الشارع او خسارة العلاقة مع آل سعود، فانقسموا في اتجاهين!

في الجانب السعودي، جنّدت الحكومة اعلامها المحلّي وتلفزيونها ومباحثها وطباليها في مواقع الإتصال الإجتماعي ـ خاصة تويتر ـ للهبوط باللغة في مواجهة المصريين، بالكلام المهين، والعبارات المسيئة. فإذا كان المصريون قد أساؤوا لآل سعود، فإن السعوديين التابعين للنظام أساؤوا لمصر ولشعب مصر، وطالبوا بطردهم من السعودية، واستخدموا عبارات من جنس التفكير الإستعلائي السعودي الذي لا يرى في المصريين إلا مجموعة من الفقراء الشحاذين! ينبغي القول هنا، أن هناك عدداً غير قليل من المغردين والكتاب السعوديين وقفوا موقفاً وسطياً معتدلاً، وطالبوا بتطويق الأزمة، وإعادة السفير الى القاهرة، وسخروا من اتهامات الحكم للجيزاوي بأنه (مهرّب مخدرات) فمثل هذه التهم دأب النظام على إلصاقها بخصومه السياسيين في الداخل، فكيف بمصري تجرّأ على (ذات آل سعود غير الكريمة)؟! ومثل هؤلاء الكتاب، لاقوا العنت ايضاً من مباحث النظام، وجيشه من المستخدمين في الإنترنت، حيث أُلصقت بهم اتهامات العمالة والتآمر وعدم الوطنية.

سحب السفير السعودي

لماذا تسحب السعودية سفيرها ومسؤولي بعثاتها؟ هل هو احتجاج على الحكومة المصرية، أم على أصل ما قام به الشعب المصري من احتجاج ضد اعتقال الجيزاوي ومئات المصريين الآخرين؟ الحكومة السعودية هنا فشلت في إعطاء مبرر منطقي لفعلها.

هل هو انتقام من الشعب المصري لأنه عبّر عن رأيه من موقف سعودي وأمام السفارة السعودية، كما يفعل الأحرار في بلدان العالم، أمام السفارات السعودية؟ إذن لماذا لم تعترض السعودية على ذلك؟ في لندن، هناك اعتصام مستمر أمام السفارة السعودية ضد تدخلها في البحرين، وهو مستمر منذ 15 شهراً. وحتى في إيران، احتجّ ايرانيون أمام السفارة السعودية في طهران، بعد أن تمّ اختطاف عالم نووي ايراني كان يؤدي العمرة، وتمّ تسلميه وترحيله للأميركيين في مخالفة بشعة لأبسط الأعراف الدبلوماسية. لماذا لم تسحب السعودية سفيرها من هناك؟ أم أن شعب مصر يختلف عن البقية، وينظر آل سعود اليه بأنه أدنى من أن يحقّ له الإعتراض عليهم؟!

الخطاب السعودي الرسمي بدا متناقضاً في تبرير سحب السفير من القاهرة. فمن جهة، يقول بأن سحب السفير كان لحماية بعثتها الدبلوماسية من الإعتداء وأن الحكومة المصرية لم تفعل شيئاً أمام التهجم على الملك والعائلة المالكة ومجمل الحكم السعودي!، كما انها لم توفّر الحماية الكافية لبعثتها في القاهرة، وتركت البعض يعبث بكتابة الشعارات على الحيطان. لم يقتحم أحدٌ السفارة السعودية، ولم يعتد أحدٌ على أعضاء البعثة الدبلوماسية، وتالياً فإن نظرية الخوف على الذات التي زعمتها السلطات السعودية غير صحيحة. كان بإمكانها الطلب من الحكومة المصرية بأن تشدد الحماية، وإذا أرادت المزيد فإنه بإمكانها التصريح بأنها تحملها مسؤولية أي اعتداء على طاقمها او على السفارة ذاتها، كما فعلت مع ايران.

لكن ما هدفت اليه السلطات السعودية هو أمرٌ آخر، فقد كانت الرسالة: ترويع المصريين كأفراد وكحكومة! والقول لهم بأنكم جميعاً ليس فقط لا يحق لكم الإعتراض على ممارسات الحكم السعودي ضد المصريين؛ بل ـ الأهم ـ أن السلطات السعودية تستطيع أن تؤذيكم وأن تؤدّبكم! كل هذا انطلاقاً من شعور متعالي وأرعن انعكس على المقالات في الصحف السعودية، وفي كتابات طبّالي السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي.

التخويف والإرعاب هما الهدف لإيقاف المصريين عن التعبير عن اعتراضهم على تصرفات الحكم السعودي. وسحب السفير المستعجل، كان يعني أن ذلك مجرد (خطوة عقابية) قد تتبعها (خطوات أخرى) إن لم يهدأ الإحتجاج. الخطوات الأخرى يأتي في مقدمتها ـ كما كشف عن ذلك كتّاب السلطة ـ هي: طرد مليون ونصف المليون عامل مصري؛ إيقاف الإستثمارات السعودية في مصر؛ الإضرار بالسياحة المصرية وتوجيهها الى بلد آخر بحجة ان مصر غير آمنه؛ عدم تقديم مساعدات كانت وعدت بها السلطات السعودية للتأثير على مستقبل الثورة في مصر، ومقابل دور أساسي ومحوري لفلول النظام السابق.

أصاب سحب السفير السعودي من القاهرة دهشة واستغراب معظم المراقبين السياسيين، العرب والأجانب. كما أدهش المواطن السعودي والمصري نفسيهما؛ وهناك من يزعم أن السفير السعودي نفسه في القاهرة فوجئ بقرار استدعائه، ونصح بخلاف ما رأته العائلة المالكة، لأن القرار يحمل تصعيداً سياسياً سعودياً يصعب تبريره أمام الرأي العام.

حالة الإستغراب والتعجب انعكست في ردود الفعل الأولى من قبل الصحافة والسياسيين والمراقبين، فمهما كان انزعاج ال سعود من الإحتجاجات المصرية، ومهما حملت من إساءة مضخمة، لا يستدعي ذلك سحب السفير. لكن، تبيّن للجميع أن السعودية عبّرت عن ألمها وغضبها بخطوة لم تلق تضامناً عربياً ولا غربياً، واعتبر قرارها مجرد رد فعل عاطفي لا يتسق وموازين الدبلوماسية ولا مع مصالح السعودية نفسها.

لم تأت الخطوة لصالح السعودية، فبعد ساعات فقط من استدعاء السفير من القاهرة، اكتشفت الرياض أنها ارتكبت خطأً قاتلاً، وقدّمت لمنافسيها وأعدائها سلاحاً ضدّها، وأضعفت نفسها بأن جعلت خسارتها مضاعفة في مصر، فبعد خسارة النظام، جاءت خسارة الشعب المصري وتعاطفه، حتى تلك الشرائح المعروفة بتأييدها لآل سعود أو محايدة تجاههم. لم يهتم الشارع المصري بالخطوة السعودية، وسخر منها، وواصل احتجاجه. وتألّم مؤيدو النظام من أن هذه الخطوة (قد) يستفيد منها (العدو الإيراني المتربّص).. وشيئاً فشيئاً تطورت العقدة، الى ان انتهت الى أن هناك مؤامرة (رافضية) تريد أن تضرب إسفيناً في العلاقات السعودية المصرية. وصدّق سعود الفيصل الكذبة المختلقة، فبعد اجتماعه بوفد مصري جاء ليخفف الإحتقان وليطلب اعادة السفير والإفراج عن الجيزاوي (كان ذلك في 3/5/2012).. صرّح بأنه لا يستبعد وجود أصابع خارجية وراء تعكير العلاقات مع مصر! وكأنه ينفي التهمة عن نفسه، ويحوّل المسؤولية الى (البعبع الإيراني) الشاغل عقول السعوديين إيّاه! وكأنّ سعود الفيصل بهذا التصريح، يتهم الشعب المصري المحتجّ بالعمالة للخارج، أو أن إيران دخلت عقل الفيصل نفسه وعبثت بمحتوياته ووجهته ليتخذ قرار سحب السفير!

خلاصة القول بأن السعودية لم تقدّر ردّة فعل الشعب المصري، ولم تفهم التحولات النفسية التي أحدثتها الثورة فيه، وفي مقدمها استعادته لإحساسه بالكرامة الوطنية، كما أنها شخصنت العلاقة مع مصر، ومارست سياسة الإستعلاء على الدولة والمجتمع. وهذه كلها قادت السعودية الى سحب السفير، الذي يعتبر في جانب أساس منه، عقاباً مصرياً للرياض، بأكثر مما هو عقاب سعودي للقاهرة. فالخاسر الأكبر من توتر العلاقات المصرية السعودية هي الأخيرة التي تنتاب سياساتها حالة من المزاجية متأصّلة.

من يخسر مصر سيخسر مكانته في العالم العربي، وربما أبعد من ذلك: العالم الإسلامي. مؤسس الدولة السعودية كان يعلم ثقل مصر ومكانتها، وحين زارها في منتصف الأربعينيات الميلادية الماضية أظهر قدراً من التواضع افتقده أبناؤه الذين لا يرون في مصر إلا مزيجاً غريباً من الخشية منها والإستهانة بها. السعوديون يرون في مصر صورة (محمد علي باشا) الذي يمكن أن يعيدهم الى القمقم، كما فعل في القرن التاسع عشر، حيث تحالفت معه القبائل الحجازية وغيرها لطرد آل سعود من الحجاز وإسقاط حكمهم في الدرعية. الخشية السعودية هذه، تتناقض مع الأفعال على الأرض والتي طابعها الإستهانة والإستخفاف، ولا يمكن تفسير ذلك، إلا بأن آل سعود مزاجيين فقدوا البوصلة، ربما جزئياً بسبب الهزائم السياسية التي تلقوها في العقود الثلاثة الماضية.

الى أين تمضي العلاقات السعودية المصرية؟

الأرجح أنها ستبقى فاترة لمدّة طويلة، إن لم يصبها جمود وعداء، في حال فاز إسلامي أو قومي عروبي برئاسة مصر في الإنتخابات القادمة، وتلك حكاية أخرى.


الصفحة السابقة