(١٠)

ما هو تأثير الجريمة على السياسة الخارجية السعودية؟

سواء بقي ابن سلمان في السلطة أم خرج منها، فإن ما حدث حتى الآن لا بدّ أن يؤثر على مكانة السعودية اقليمياً، وعلى قدراتها في مواصلة سياسة (الحزم والعزم والظفرات) التي زعمها الملك سلمان منذ توليه العرش.

فقد ثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن قضية جمال خاشقجي كانت المناسبة التي انفجر فيها العالم (القريب والبعيد) بوجه سياسات سلمان وابنه.

 
تداعيات مقتل خاشقجي أخطر من تداعيات ٩/١١ على آل سعود

جريمة قتل خاشقجي أضعفت الحكم السعودي وزعزعته بأكثر مما فعلت أحداث ٩/١١، او غزوة مانهاتن، واتهام آل سعود بأنهم وراءها، وان الـ ١٥ سعودي المشاركين فيها، هم نفس العدد الذي توجه للقضاء على خاشقجي وتقطيعه بالمنشار.

ومع أن بعض كتاب ال سعود يتحدثون عن سهولة تجاوز تداعيات مقتل خاشقجي، مثلما تم تجاوز أزمة ٩/١١، الا ان الحقيقة ستظهر لاحقاً. فقانون جاستا لازال سيفاً مصلتاً على رؤوس آل سعود. ومقتل خاشقجي بمثابة جاستا ثانية، لن تنتهي مفاعيله لسنوات، اللهم الا اذا غاب محمد بن سلمان عن مسرح السياسة تماماً.

وفي هذا السياق، نشير الى أن دولاً عديدة تبحث مسألة إيقاف تزويد الرياض بالأسلحة كعقاب لها على الجريمة التي قامت بها. كندا، وألمانيا في المقدمة. واسبانيا تواجه معارضة شعبية لايقاف مبيعات السلاح لآل سعود. اما ترامب فيرفض ذلك. وبريطانيا صامتة، وكأنها تتمنى لو أن توريدات الأسلحة تدفقت كلها عليها وأصبحت من حصتها!

حتى لو لم يتوقف تدفّق الأسلحة للسعودية. فإن التداعيات السياسية لحادثة خاشقجي، تتضمن إجبار الرياض على إيقاف حرب اليمن (أو هكذا يبدو ذلك). فالجميع يشعر بثقل المحنة في اليمن؛ ومصالح الدول الكبرى باتت على المحك، وقد زادت المعارضة للحرب وآثارها الإنسانية المدمرة. لا بدّ أن جريمة مقتل خاشقجي (الذي كان من مؤيدي الحرب على اليمن، ثم في سنته الأخيرة دعا الى ايقافها) ستضعف معسكر الداعين لاستمرار العدوان على اليمن. بل قد تضعف الرغبة في القتال بالنسبة لليمنيين الذين يقاتلون نيابة عن القوات السعودية. وحتى داخل العائلة المالكة، هناك من يريد إيقاف الحرب، فهي ليس مكلفة ماديا واقتصاديا وبشريا، بل هي مكلفة سياسياً وأخلاقياً، ولا أُفق نصر لها. وقد يكون من بين التسويات او المطالب التي ستفرض على سلمان وإبنه، مسألة إيقاف الحرب، والخروج بصيغة تحفظ ماء الوجه.

 
الحرب في اليمن.. آن لها أن تتوقّف!

مسألة أخرى هي من تداعيات مقتل خاشقجي. وهي ان السعودية باتت اليوم أضعف في مواجهتها لإيران أو تركيا، وهما العدوان اللدودان بنظر آل سعود. واذا كان العداء لتركيا بالنسبة للأخيرين أكبر من عدائهم لإيران ـ وهو صحيح ـ فإن واشنطن مهتمة بتشديد الخناق على ايران التي تنتظر عقوبات اقتصادية وحصاراً شاملاً بحلول ٤ نوفمبر ٢٠١٨. مشروع المواجهة الأميركية مع ايران، فاشل في أساسه، ولا يتوقع له الا نجاحاً جزئياً وطفيفاً. ومع ضعف السعودية التي تعتبر حجر الأساس في مواجهة ايران، فإن عقوبات ترامب ستكون بدون آثار كبيرة على مستوى مكانة ايران الإقليمية او على مستوى تفتيت اقتصادها.

حتى إسرائيل، تحدثت بصوت عال عن خسارة كارثية بسبب مقتل خاشقجي. وقالت صحافتها ان الحلف الذي كانت تأمله مع ابن سلمان (حلف إسرائيلي ـ سنّي بزعمها) لمواجهة ايران، قد انهار بسبب سذاجة ابن سلمان نفسه، وهذا يعدّ أمراً كارثياً بالنسبة لها. وحسب الصحف الإسرائيلية فإنه لم يصل زعيم عربي الى الحكم منذ أربعين سنة، يعترف بإسرائيل، وينسق معها أمنيا وسياسياً، ويتنازل عن القدس، ويقبل بصفقة القرن، الا محمد بن سلمان. هذه الآمال الصهيونية تكاد تنهار الآن بشكل كامل مع حالة الضعف والضعة التي وصل اليها الحكم السعودي.

في جهة أخرى، فإن تركيا ـ على الأرجح ـ قد حققت حتى الآن منجزاً ضخماً في الاستفادة من موضوع خاشقجي، وهي قادرة ـ ان ارادت الآن او في المستقبل القريب ـ ان توسع نفوذها الإقليمي على حساب مصر والسعودية.

وعموماً، فالمتوقع ان تنكفيء السياسية الخارجية السعودية بعد هذه الأزمة. تماماً مثلما حدث بعد غزو العراق للكويت، حيث أمضت الرياض عقداً كاملاً في مرحلة سبات (١٩٩١ – ٢٠٠١) فلم تستفق إلا على تفجيرات نيويورك وواشنطن.

لا يتوقع ان يقوم ابن سلمان بفتح معارك جديدة مع جيرانه، لا في الكويت وسلطنة عمان اللتان يهددهما بالغزو، ولا مع غيرهما من الدول الأبعد، فلا مكان للأخطاء مجدداً، ولا قبول بأية مبررات واعتذارات.

 
هل توزّع الرياض بيضها في أكثر من سلّة سياسية؟!

هذا يوصلنا الى موضوع قطر.. التي تلقي هذه الأيام بأقصى جهودها للإطاحة بمحمد بن سلمان، او على الأقل ـ الإستفادة من جريمة مقتل خاشقجي لرفع الحصار السعودي عنها. وفوق هذا، فإن قطر مهتمة بعودة العلاقات مع السعودية، وتريد مواصلة المواجهة مع ذيلي السعودية: الإمارات، والبحرين. الأولى كانت المحرض للرياض على حرب قطر وحصارها، والثانية مثلت البوق الذي انطلقت منه قوات للإطاحة بالحكم في قطر.

على الأرجح، إن بقي محمد بن سلمان في السلطة، او خرج منها، فإن أزمة قطر ستكون أولى الأزمات التي سيتم انهاؤها رغماً عن أنف محمد بن سلمان.

هذا يعني، أن مجلس التعاون، الذي قتله ابن سلمان، ليستعيض عنه بتحالف ثلاثي مع ابوظبي والمنامة، قد تُبعث فيه الحياة مجدداً، ولو بصورة محدودة، ولو بعد حين.

من المحتمل، وان كان بقدر ضئيل، ان أزمة خاشقجي، قد أوضحت لآل سعود ضرورة إيجاد التوازن في العلاقات مع القوى الدولية، والكف عن العنتريات في مواجهة القوى الإقليمية (تركيا وايران تحديداً).

قال ابن سلمان امام روس وصينيين حضروا مؤتمر دافوس في الصحراء (الذي عُقد مؤخراً في الرياض) بأن الأزمة كشفت من هو الصديق ومن هو العدو. وحتى الآن، فإن الرياض تستخدم هذا الكلام تكتيكاً لمواجهة الضغوط الغربية.

قد يفكّر آل سعود في تعديل سياستهم الخارجية، بحيث ينفتحوا سياسياً بقدر أكبر على روسيا والصين كقوتين دوليتين، وعلى ايران وتركيا كقوتين اقليميتين، ومقاسمتهما النفوذ، وهو ما يريده كثير من المراقبين المحليين، وذلك لتفادي (الابتزاز الأمريكي والغربي).

لكن الرياض، المدمنة للحماية الغربية، لا تستطيع الانفكاك عن الغرب دفعة واحدة حتى لو أرادت، فكل شيء في الرياض وفي عقول اهل الحكم يتمحور حول الحماية الغربية، وهم يشعرون بأنهم لا يستطيعون العيش والاستمرار في الحكم بدونها.

لعل البدء باستراتيجية جديدة وهادئة هو ما قد يقدم عليه الأمراء، ان حدث ذلك. هذا محتمل، بصورة ضئيلة كما قلنا. والا فإن الرأي العام يقول: ان آل سعود لن ينتقلوا من الحضن الأمريكي/ الغربي الا الى القبر!

فضلاً عن هذا، فإن العواصم الغربية، تراقب الخطوات السعودية في هذا الاتجاه التصالحي ـ لو حدث ـ مع روسيا والصين وايران وتركيا، ولن يسمح لها بفعل ذلك. وزيادة على هذا، فإن الرياض ملزمة لوقت طويل مستقبلي، بأن تؤدي دورها ضمن الاستراتيجية الأمريكية. أي انها لا تستطيع الآن ان ترفض الدور الموكل اليها ،حتى لو أدى الى الصدام مع روسيا وتركيا وايران على الأقل.

الصفحة السابقة